سرطان الثدي .. تقنيات متعددة لفحصة تجعله قابلا للعلاج أكثر من أي وقت مضى

كمبردج (ولاية ماساشوستس الاميركية): تقنيات التصوير الجديدة غيرت من جميع اوجه العناية الصحية، وتصوير الثدي، وهو الشكل الاساسي لفحصه ورصد اصابته المحتملة بالسرطان، ليس استثناء. وتتوافر الآن تقنيات التصوير بالموجات فوق الصوتية، والرنين المغناطيسي MRI، وتصوير الماموغرام الرقمي للصدر، وهي كلها تتمم عملية التصوير العادي للصدر، اما حالة التصوير الرقمي، فانها مؤهلة للحلول محل التصوير العادي.


ورغم كل هذه الابتكارات هناك بعض الدلائل ان النساء لا يلتزمن كثيرا بهذه الفحوصات، ففي العام الحالي اظهرت احصاءات مراكز الوقاية من الامراض والتحكم بها، ان نسبة النساء اللواتي اقرن انهن اجرين مثل هذه الفحوصات خلال العامين الاخيرين قد انخفض بنسبة 1.8 في المائة بين العامين 2000 و2005. وقد لا يبدو هذا انخفاضا كبيرا، لكنه يمثل اكثر من مليون امرأة اميركية تخضع لمثل هذه الفحوصات المنتظمة.

واظهرت دراسة نشرت في العام 2006 شملت اكثر من 146 ألف امرأة في اواخر الستينات من عمرهن ان نحو 40 في المائة منهن لم يجرين تصويرا لصدورهن خلال السنتين السابقتين.

ويقول بعض الخبراء ان معدلات تصوير الثدي شرعت تنخفض بسبب التهاون، رغم كل الشرائط القرنفلية والحملات الاخرى لرفع درجة الوعي وصناديق تمويل الابحاث الخاصة بسرطان الثدي. ورغم ان سرطان الثدي ما يزال مرضا مخيفا الا انه اصبح قابل للعلاج اكثر من أي وقت مضى. ويبلغ معدل البقاء والعيش لفترة خمس سنوات بعد الاصابة به نحو 90 في المائة من المصابات به حاليا، كما ان عدد النساء الاميركيات اللواتي يصبن بالمرض شرع ينخفض. وكان العام 2003 هو العام الذي انخفض فيه المرض بشكل كبير.

وقد يكون للتقنيات الجديدة التأثير غير المقصود، ربما في اضعاف الثقة في تصوير الثدي العادي، او على الاقل اعطاء النساء سببا في تأجيل مثل هذه الفحوصات.

ومن الاسباب الاخرى التي تجعل النساء يهملن اجراء التصوير عدم وجود تأمين صحي والجدل الدائر حول السن التي ينبغي عليهن الشروع في مثل هذه الفحوصات. وفي الولايات المتحدة توصي اغلبية التوجيهات والارشادات الشروع في مثل هذه الفحوصات في سن الـ40 عاما، لكن ما تزال هناك بعض الاسئلة حول ما اذا كانت الادلة تبرر القيام بذلك في هذه السن المبكرة. وتوافق جميع السلطات في اي حال على مدى فعالية فحوصات تصوير الثدي بالنسبة الى النساء بعد سن الخمسين.

مرض سرطان الثدي في شرح عمليالتصوير القياسي للثدي :
هو عبارة عن تصوير بالاشعة السينية (أشعة أكس) ذات الجرعة المنخفضة الذي يجري تحميضه على فيلم. وبمقدوره العثور على 85 الى 90 في المائة من سرطانات الثدي، بما في ذلك الكتل الصغيرة التي لا يمكن الشعور بها بجسّ الثدي. وبالنسبة الى النساء اللواتي يجري تصويرهن بشكل منتظم، فان نحو 40 في المائة من سرطانات الثدي يجري اكتشافها عن طريق التصوير وحده.

ويقوم التصوير الشعاعي بكشف التراكيب داخل الثدي على شكل صورة سالبة ابيض وأسود بظلال تراوح بين الابيض والاسود. وفي الصدر السليم تكون المناطق البيضاء هي الغدد وسائر انواع النسيج التي توجد عادة في الاقنية الحليبية. وهي تظهر بيضاء نظرا لكونها تمنع الاشعة الضعيفة.

أما المناطق الرمادية والسوداء فهي انسجة دهنية تتيح للاشعة السينية ان تمر بها من دون اي عائق.

ووفقا لحجمها وشكلها وموضعها، تبين البقع البيضاء على الفيلم الانواع المختلفة من الانسجة غير الطبيعية، بما في ذلك الاورام، ومنها ايضا الاورام الحميدة التي لا تشكل اي أذى.

وعندما يكون الثدي «كثيفا» فانه يعني انه يحتوي على الكثير من الاقنية الحليبية بالمقارنة مع الدهونات، مما يعني ان الصور البيضاء التي تظهر بسبب وجود الانسجة غير الطبيعية قد تعني كثيرا.

من هنا فان الفحوصات التصويرية للثدي تكون اقل دقة. والنساء الصغيرات في السن يملن الى احتواء صدورهن الى الكثير من الاقنية الحليبية.

وهذا هو السبب في ان التصوير العادي، او التقليدي هو اقل دقة وفائدة بالنسبة الى النساء قبل سن اليأس مقارنة بالنساء اللواتي تجاوزن هذه السن.

وهذا هو السبب ايضا الذي يدعو الى تطوير اختبارات للفحص افضل بالنسبة الى النساء الصغيرات في السن، لاسيما بالنسبة الى اولئك اللواتي هن معرضات اكثر الى هذا الخطر بسبب التاريخ العائلي.

وبشكل اجمالي فان المعدل السلبي الخاطئ في ما يتعلق بتصوير الثدي، اي الحالات التي يجري فيها عدم اكتشاف السرطان هي 5 الى 10 في المائة، لكنها اعلى لدى النساء اللواتي يملكن اثداء كثيفة الانسجة (اقل احتواء للدهون).

كما ان معدل الايجابيات الخاطئة، اي الانسجة غير الطبيعية التي تظهر وكأنها غير مصابة بالسرطان يبدو اعلى ايضا لدى النساء من ذوات الانسجة الكثيفة.

كذلك فان الازعاج الذي يسببه تصوير الثدي هو مشكلة اخرى، فللحصول على صورة واضحة وثابتة تقوم آلة التصوير بسحب الثدي بعيدا عن الجسم، وبالتالي الضغط عليه عن طريق صفيحتين زجاجيتين.

ومثل هذا الاجراء كاف بحد ذاته لإخافة الكثير من النساء، وقد وجدت العديد من الدراسات ان العملية هذه تسبب ألما يراوح بين المتوسط والشديد لنسبة كبيرة من النساء.

وقد شرع الفنيون في وضع وسادة من الرغوة في الصفيحة الزجاجية السفلى لجعل الفحص اقل ازعاجا.

وتراوح كثافة الثدي وحساسيته خلال دورة الطمث، لذلك غالبا ما يجري ابلاغ النساء اللواتي لم يصلن بعد الى سن اليأس ضرورة اجراء مثل هذه الفحوصات خلال الاسبوعين الاوليين من دورة الطمث.

التصوير الرقمي : 
وتماما مثل التصوير التقليدي، يستخدم التصوير الرقمي الاشعة السينية لتصوير الثدي. ولكن في الوقت الذي يقوم فيه التصوير التقليدي بتسجيل الصورة على فيلم، تقوم العملية الرقمية بتخزين الصور وحفظها الكترونيا على شكل رموز كومبيوترية.

والى جانب وجود العديد من الآلات والشاشات الكومبيوترية لا يستطيع المريض ملاحظة الفرق، خاصة ان وضع الثدي والضغط عليه هما ذاتهما كالعملية السابقة. بيد ان التصوير الرقمي يستخدم اقل نسبة من الاشعاعات مقارنة بالتصوير على الافلام.

لكن بالنسبة الى بعض النساء فان الفائدة المجتناة من ذلك تقابلها جزئيا الحاجة الى التقاط المزيد من الصور للثدي.

وتصوير الثدي الذي تحول رقميا هو للاسباب ذاتها التي جعلت التصوير الفوتوغرافي يصبح رقميا هو الآخر، اذ انك تحصل هنا على الصور فورا وآنيا. كما ان الصور الرقمية هي اسهل على صعيد التخزين والارسال من صور الافلام.

واختصاصيو التصوير بالاشعة شرعوا في استخدام برنامج يساعدهم في تفسير الصور الرقمية. كذلك فان القدرة على اضافة التباين بين الالوان والظلال والتكبير واستغلال الصورة عبر عدة نقرات على لوحة المفاتيح من شأنها نظريا اعطاء الاختصاصيين هؤلاء القدرة على التقاط بعض الامور والاختلافات التي قد تخفى على الصور في الافلام.

لكن اثبات تفوق التصوير الرقمي لم يكن بتلك السهولة، فقد اظهرت دراسات مقارنة صغيرة بين الاسلوبين، خاصة ان التصوير الرقمي يكلف اربعة اضعاف العادي، ان الفوائد الكلية هي في صالح التصوير العادي على الافلام.

خاية سرطانية مصابةوقد صمم اختبار لتصوير الثدي بالاسلوب الرقمي DMIST The Digital Mammographic Imaging Screening Trial لحسم هذه المسألة. وشملت عملية التقصي هذه التي كلفت 26 مليون دولار والتي كانت برعاية المعهد القومي للسرطان NCI 50 الف امرأة اميركية وكندية. وجاءت النتائج التي نشرت في العام 2005 متناقضة، فقد كان التصوير الرقمي اكثر حساسية (أخطأ في عدد قليل من الاصابات السرطانية) من الاسلوب العادي بالنسبة الى النساء المصنفات في ثلاث فئات: اللواتي هن اقل من سن الخمسين (بغض النظر عن كثافة صدورهن)، واللواتي يملكن صدور كثيفة (بغض النظرعن السن)، واللواتي لم يصلن بعد الى سن اليأس (بغض النظر عن سنهن). وفي الواقع فان ثلثي النسوة المتطوعات اللواتي انخرطن في اختبار DMIST وقعن في واحدة من هذه الفئات الثلاث.

ومن ناحية اخرى اظهرت التجربة ان اسلوب التصوير العادي بواسطة الافلام هي مفيدة وجيدة كجودة الاسلوب الرقمي بين النساء اللواتي بلغن سن الخمسين وما فوق اللواتي يملكن صدورا أقل كثافة ولم يصلن بعد الى سن اليأس.

الموجات فوق الصوتية :
يستخدم تصوير الثدي بالموجات ما فوق الصوتية موجات صوتية عالية التردد بدلا من الاشعة السينية لتصوير التركيب الداخلي للثدي.

 وهذه العملية غير مؤلمة ولا تتضمن أي اشعة. ويقوم احد الفنيين باستخدام جهاز يدوي صغير يدعى «محول الطاقة» transducer لتوجيه الموجات الصوتية عبر الجلد. ويجري وضع بعض المراهم الخاصة للتشحيم والتزييت لتحسين التوصلية.

وكان هذا الاسلوب موجودا ومعمولا به منذ فترة طويلة، وقد وافقت عليه وكالة الغذاء والدواء الاميركية كاختبار لاحق للمتابعة بعد تصوير الصدر منذ العام 1977.

وهو مفيد بشكل خاص في تحديد ما اذا كانت المنطقة الكثيفة في الصدر هي كتلة صلبة (وربما سرطانية)، او مجرد تكيس حميد مليء بسائل.

وتقوم الموجات الصوتية باختراق السائل ليبدو التكيس في الصورة التي تخلفها هذه الامواج على شكل دوائر داكنة.

وحتى من دون تصوير الثدي بالاسلوب الشعاعي العادي، يلجأ الاطباء الى التصوير بالموجات فوق الصوتية للتحري عن وجود كتل ملحوظة فيه لاسيما اذا كانت المرأة حاملا، لأنه حتى ولو كانت الخطورة قليلة الا انه لا الاطباء ولا الآباء والأمهات راغبون في تعريض الجنين الى الاشعاعات الناتجة عن التصوير الشعاعي، لذلك يلجأون الى التصوير بالموجات فوق الصوتية بدلا من ذلك.

 والامواج الصوتية لا تتأثر بكثافة الثدي، لذلك فهي ايضا مفيدة في رصد الانسجة غير الطبيعية او الشاذة لدى النساء اللواتي يملكن انسجة كثيفة في الصدر.

والمعلوم ان التصوير بالموجات الصوتية لا يغني عن التصوير الشعاعي للتحري عن سرطان الثدي نظرا الى ان العملية قد تستغرق وقتا طويلا لكون التصوير الصوتي لا يكشف سوى عن جزء صغير من الصدر في وقت واحد.

والأهم من ذلك فان هذا التصوير لا يستطيع احيانا الكشف عن بعض التكلسات الصغيرة الميكروية التي هي عبارة عن تبقعات ولطخ من الكالسيوم تخلفها وراءها الخلايا المتكاثرة، التي تشير الى وجود تسرطنات قنوية موضعة (محلية) DCIS.

وهي شكل من اشكال السرطان البدائي او الاولي التي ما زالت محصورة في القنوات الحليبية. وتشكل DCIS امرا محيرا لكون الابحاث ارتأت ان بعض الحالات لا تتطور وتسبب اي أذى، لذلك فان امر كشفها (وهو امر نادر قبل اجراء فحوصات التصوير الشعاعي) ومعالجتها قد لا يكون ضروريا، او قد يسبب بعض الاذى. لكن لا يوجد اسلوب لفرز مثل هذه الحالات من تلك التي تتطور وتتقدم. من هنا يتفق اغلبية الخبراء على ان التشخيص المبكر ومعالجة DCIS هو امر في غاية الحكمة.

والسؤال الحقيقي الذي يبرز في مسألة التصوير الصوتي هو ما اذا كان ينبغي اجراؤه بشكل روتيني، بالاشتراك مع التصوير الشعاعي ـ لدى بعض النساء على الاقل.

لكن دراسات اخرى اقترحت ان «الكشف المزدوج» اي التصويران الشعاعي والصوتي يعنيان خطأ أقل في التحري عن بعض السرطانات التي لا تكتشف، لاسيما لدى النساء اللواتي يملكن نسيجا كثيفا في الثدي.

وما يزال هناك الكثير من النقاش والجدل خاصة لدى تحليل ذلك على صعيد الوقت والكلفة.

وللمساعدة في الوصول الى نتيجة حاسمة في هذه المسألة اطلق «المعهد القومي للسرطان» اختبارا واسعا متعدد المراكز لمقارنة الفحص المزدوج بالتصوير الشعاعي وبالموجات فوق الصوتية معا، مع التصوير الشعاعي بمفرده. وقام الباحثون باخضاع 2800 امرأة لهذا الاختبار لكن النتائج النهائية لن تظهر قبل سنوات.

الرنين الغناطيسي :
الكشف بالرنين الغناطيسي MRI يستخدم مغناطيسا قويا متصلا بالكومبيوتر لالتقاط صور الجسم، حيث تستلقي المريضة على معدتها خلال الفحص لتضع ثدييها في منخفض على الطاولة محاطا بالملفات الكهربائية التي تقوم بقراءة الاشارات المغناطيسية.

ولا يتضمن هذا الكشف اي اشعاعات، لكن تعطى المريضة حقنة وريدية لزيادة حدة التباين تعمل على توضيح الصورة.

ورغم ظهور بعض الاعلانات المضللة حول هذا الكشف، الا ان لا احد يقترح استخدامه للكشف الروتيني.

 لكن له دورا مهما مع ذلك في الكشف عن النساء المعرضات جدا الى سرطان الثدي لاسيما النساء من ذوات الجينات BRCA1 أو BRCA2 ، فهن اكثر احتمالا ان يصبن بهذا المرض في عمر مبكرة.

وعندما يحصل ذلك تميل الاورام السرطانية الى التطور والنمو بشكل سريع. وكانت دراسة هولندية نشرت في العام الماضي في مجلة «ابحاث سرطان الثدي وعلاجه» وجدت ان 22 من اصل 45 حالة سرطانية في الصدر التي كشف عنها فحص المرنان المغناطيسي، لم يتمكن التصوير الشعاعي العادي من كشفها.

موجز القول في اي حال، ان الكشف عن سرطان الثدي كان نوعا واحدا تقريبا يخدم جميع الاغراض، لكن قد تتحول الامور قريبا ليصبح اكثر دقة، ويكون مصمما حسب الطلب.