لماذا سوق مستحضرات التجميل في لبنان عشوائي

في الوقت الذي يجمع فيه المتخصصون على أن الاعتناء بالمظهر الخارجي ضرورة لا بد منها، ينتقدون أيضا اللواتي يبالغن في الاهتمام به بدرجة تصل إلى "الهوس المطلق"، فيحرصن على تجربة كل مستحضر يتم الترويج له، إلى حد تحويل بشرتهن الى حقل تجارب بحثا عن أكسير الشباب، لا سيما وأن العديدات منهن يتحمسن لتجربة أي وصفة تقدمها الجارة او القريبة من دون استشارة متخصص أو طبيب، أو يكتفين بالمعلومات الترويجية التي يقدمها الاعلان أو ما يسمعنه على ألسنة الموظفات سواء في المحلات التجارية أو الصيدليات.


وهكذا تنجح الموظفة في كل مرة في اقناع زبونة مستعدة أن تغامر من أجل تحسين مظهرها الخارجي، مع ان خبرة أغلبية العاملات في المحلات تتلخص في خضوعهن لدورات تنظمها وكالات مستحضرات تجميل معينة، أي أن نصائحهن تقتصر على الترويج لصنف دون آخر، ومع ذلك ينجحن في اقناع هذه الشريحة من الزبونات، بمنتج يصورنه وكأنه سحري يقضي على كل المشكلات والشوائب.

ويمكن القول ان هذا الاهتمام بالمظهر، وان كان شبه ظاهرة عامة، إلا أن نسبتها تختلف من امرأة إلى أخرى. ويكمن مصدر هذا التفاوت في اختلاف المستوى الاجتماعي والثقافي لكل واحدة.

فهناك فئة تواظب على متابعة كل ما يبث على شاشة التلفاز وما يطالعنه في المجلات والجرائد في ما يتعلق بآخر ابتكارات الموضة ومستحضرات التجميل، ليقدمن على تجربتها أملا في الوصول الى نتيجة سريعة كما توحي لهن فتاة الاعلان بجمالها الفائق وجسدها الممشوق، في حين تتقيد فئة أخرى بارشادات خبراء الأعشاب، الذين كثر وجودهم على شاشات التلفزة، حيث ينشطون في ترويج نصائحهم ومستحضراتهم، التي لا يقل ثمنها في كثير من الأحيان عن تلك الطبية التي تباع في الصيدليات.

وفي لبنان تعتمد بعض الشركات طريقة التسويق المباشر باعتمادها مندوبات يحملن بضائعها الى بيوت الزبونات، بعد أن يتم تحديد الموعد بين الطرفين لتعريفهن على منتجات الشركة، وتلقى هذه الظاهرة رواجا واقبالا نظرا لسهولتها بغض النظر عن مدى فعالية هذه المستحضرات.

تقول احدى العاملات في هذا المجال "هذا النوع من الشركات يستورد المستحضرات بأسعار متدنية من بلد المنشأ حيث لا تشهد اقبالا، ليصار الى ترويجها في لبنان. ففي الوسط التجميلي يقال إنها دون المستوى المطلوب لجهة فعاليتها وصحتها".

وتقول اختصاصية التجميل هلا عجم:
"كل النساء يترقبن اعلانات التجميل على مختلف الوسائل الاعلامية، وتلقى رواجا ملحوظا تلك التي تقوم ببطولتها شهيرات جميلات، وهذا الأمر يسبب لنا مشكلة في اقناع الزبونة بعدم اللجوء الى الاستعمال العشوائي لمستحضرات التجميل.

ومن النادر أن يقتنعن بأن صور هؤلاء العارضات تخضع للكثير من العمليات الـ "ترميمية" التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، لتبدو الفتاة فائقة الجمال والجاذبية".

وتؤكد عجم أن أكثر المهتمات بمستحضرات التجميل هن من الجميلات، اللواتي يحلمن دائما ببلوغ "الكمال"، متوهمات أن طريقهن الى الهدف يتوفر في هذا المستحضر أو ذاك.

وتشير الى سلوك البعض من اللواتي يحضرن معهن المجلة حيث أعلن عن المستحضر ليستشيروها عن فاعليته الواضحة في صورة الاعلان، أو لأن جارتها أو صديقتها استخدمته.

وتؤكد ندى زخيا المشرفة على قسم المستحضرات الطبية لدى شركة (Neutrogena- Roc) في لبنان، تزايد نسبة مبيعات مستحضرات الشركة بنسبة لا تقل عن 50 في المئة في الفترة التي يتم فيها بث اعلانات عبر وسائل الاعلام.

وفي حين تشير زخيا الى تكثيف الاعلانات في فترة الصيف، تميز بين الصنفين (neutrogena وRoc) وبين من يهتممن بها، الأولى مخصصة للمراهقات وهي تلقى رواجا ملحوظا وأسعارها مقبولة، فيما تتوجه الثانية الى النساء اللواتي تتجاوز أعمارهن ثلاثين عاما بأسعار مرتفعة مقارنة بالأولى.

وفي ظل انتشار اعلانات مستحضرات التجميل في لبنان على شاشات التلفزة، يلاحظ غياب عدد كبير من الأصناف التي تعتبر طبية، والتي لا يسمح القانون اللبناني ببثها على التلفزيونات، لكنها مع ذلك تصل إلى المهتمات بطرق أخرى، إما من خلال عروض تشجيعية للزبونات في الصيدليات والتواصل المباشر معهن لتعريفهن بميزة كل منتج على حدة وفوائده وتقديم نماذج مجانية بغية استقطاب عدد أكبر من الزبونات، أو عن طريق الأطباء، ففي لبنان عقد غير مكتوب يسمى الاتفاق الضمني بين شركات مستحضرات التجميل وبعض الأطباء أو أصحاب الصيدليات، الذين تكمن مهمتهم في الترويج لبيع أكبر قدر ممكن من منتجات الشركة، مقابل نسبة من الأرباح، أو كما تقول احداهن: "اذا لم يحصلوا على أرباح مادية فعلى الأقل تؤمن لهم الشركات رحلات للمشاركة في مؤتمرات عالمية يصعب على زملائهم من الأطباء الحصول على فرصة حضورها".

مسؤولة قسم (I-esthederm) في لبنان من شركة "بيودرم"، عليا غصين تقول: "لا تقتصر المهتمات بمظاهرهن في لبنان على فئة عمرية دون أخرى، بل هي تشمل الجميع من سن 18 الى 60".

وتضيف "فرع الشركة في لبنان انشئ قبل ثلاثة اعوام على جوائز عالمية، نظرا لارتفاع نسبة بيع منتجات الشركة فيه، ولكن الأوضاع الحرجة الراهنة التي يعيشها اللبنانيون ساهمت في تراجع هذه النسبة، اضافة الى أن فرع الشركة في لبنان قلص الحملة الاعلامية واصبحت تقتصر حاليا على لوحات اعلانات الطرق والاعلان المباشر مع الزبونة في الصيدليات وفي مراكز التجميل".

وتؤكد هلا عجم أن اعلانات مستحضرات التجميل تؤثر بشكل كبير في كل الفئات العمرية، لكن بنسبة متفاوتة بين شخص وآخر نظرا الى طبيعة كل فرد واهتماماته. وتضيف "أعرف مستوى المرأة الاجتماعي من مظهرها الخارجي وطبيعة اهتمامها به، ومن تسريحة الشعر والاكسسوارات ... وهذا ما يظهر أيضا من خلال المجلات التي تقرأها وما يجذبها من اعلانات بداخلها لها علاقة بالموضة".

وبناء على تعاملها المباشر والدائم مع النساء تقول عجم:
"الجميع يلحق بالموضة، لكن الامكانات المادية التي تسهل هذه المهمة غير متوفرة لدى الجميع. لذا، يلجأ البعض الى الاستعانة بالوسائل المقلدة، نظرا لتكلفتها المتدنية أضعاف المرات عن الأصلية. لذا فالاختلاف يظهر أيضا من خلال المبالغ المالية التي يدفعها هؤلاء لهذه الغاية وتتراوح بين 200 و5000 دولار شهريا بحسب مدخول كل منهن".