ملامح الثمانينات تعود .. جاكيت + تنورة = قوة الأنوثة

آخر الأخبار، النجمة سيينا ميللر عاكفة هذه الأيام على قراءة سيناريو فيلم من إخراج أوليفر ستون، لكن المهم في الخبر ان الفيلم سيتناول حياة رئيسة وزراء بريطانيا سابقا، مارغريت ثاتشر، أو «المرأة الفولاذية» كما يطلق عليها.


وبما أن سيينا ميللر ايقونة موضة، أثرت في أسلوبنا بشكل كبير ودفعت بأسماء مصممين إلى الواجهة، وعلى رأسهم صديقها المصمم البريطاني، ماثيو ووليامسون، بظهورها بتصميماته، هي أيضا كانت المسؤولة عن تسويق موضة «البوهو» التي اكتسحت العالم لسنوات، ثم الفساتين القصيرة التي تنسدل على الجسم من الأكتاف إلى الركبة متجاهلة منطقة الخصر وكأنه غير موجود. لكل هذه الأسباب، فإن الفيلم سيكون محطة مهمة من ناحية الأزياء.

فمارغريت ثاتشر، رغم استغراب البعض، كانت ولا تزال ملهمة للعديد من المصممين، ففيفيان ويستوود، المتمردة والأم التي ولدت موضة البانكس في السبعينات، لا تتوقف عن الإشادة بأسلوبها الكلاسيكي المنمق، الذي يغلب عليه التايور المفصل والحقائب الهندسية والأحذية الكلاسيكية، رغم انه يتنافى تماما مع توجهات المصممة المخضرمة، السياسية والفنية على حد سواء.

النيويوركي الشاب مارك جايكوبس، الذي سوق لنا موضة «الغرانج» في بداية التسعينات، هو الآخر احتفل بها في أواخر التسعينات من خلال تايورات مستقيمة وقمصان تربط عند العنق على شكل ربطات، وها هو هذا الموسم أيضا يتحفنا بأناقة كلاسيكية مفعمة بالأنوثة من خلال تنورات بخصور عالية وجاكيتات عصرية، ومعاطف رائعة بأزرار بارزة مع قبعات ستغري أي شابة أو امرأة بتبنيها، لا سيما في الشكلية التي قدمها لدار «لوي فيتون» الفرنسية.

كل عملية وأناقة نيويورك يجسدها هذا التايور العصري من تومي هيلفيغر لربيع وصيف 2008لكن، مما لا شك فيه ان التايور الذي ظهرت به العارضة البرازيلية جيزيل باندشن، خلال عرض دار «ديور» لـ «الهوت كوتير»، الذي تزامن مع احتفال الدار بمرور ستين عاما على تأسيسها، هو الذي سيعلق في الأذهان، وهو الذي سيعيد إلى هذه القطعة أمجادها ويحبب الفتيات فيها. صحيح انه كانت هناك فساتين كثيرة، وكان كل تصميم ينسي ما عرض قبله، لكن كان هناك شيء مميز بالنسبة لهذا التايور بالذات، رغم ما يخلفه للوهلة الأولى من انطباع بالفخامة المبالغ فيها.

مصمم الدار جون غاليانو، كان يريد من خلاله الاحتفاء بإرث المؤسس، وبـ "اللوك الجديد" الذي أطلقته الدار أول مرة في نهاية الأربعينات من القرن الماضي، وهو الإرث الذي غلب عليه الجاكيت ذو الأكتاف البارزة التي تدعي القوة، والخصر الضيق الذي يتسع بشكل خفيف وتدريجي عند الأرداف، والتنورة المستقيمة التي تغازل الركبة وبالكاد تغطيها.

رغم جمال جيزيل باندشن الخارق وطولها الفارع، ورغم الماكياج اللافت وتسريحة الشعر المتماوجة والحذاء العالي بتصميمه الفني، والقبعة والقفازات، كان هذا التايور، بتصميمه القديم الجديد، هو الذي جعل الأعناق تشرئب والعيون تتسع والأفواه فاغرة. وهو أيضا الذي لا يزال عالقا بالأذهان رغم مرور شهور على موسم الـ «هوت كوتير».

عودة التايور إلى الواجهة، لم يكن وليد هذا العرض أو الموسم، بل بدأ يتسلل إلينا منذ سنوات خجولا في بعض الأحيان، ومتسترا بطبقات متعددة تغطيه في بعض الأحيان. ولأن هذه السنة شهدت حنينا إلى فترة الثمانينات، بدءا من بنطلونات الليكرا الضيقة، إلى كل ما يلمع ويبرق، كان لا بد لهذه القطعة، التي شهدت أوجها في تلك الفترة مع تبوؤ المرأة مناصب عالية، أن تظهر إلى السطح مرة اخرى. في تلك الفترة كان سيد التايور، بلا منازع، الإيطالي جيورجيو أرماني، الذي ارتفعت أسهمه عند المرأة العاملة آنذاك، التي رأت فيه المنقذ والمصمم الكريم الذي أعطاها أقصى ما تتمناه لتدخل عالم الرجال متسلحة به وكأنه درع واق، لتؤخذ محمل الجد. لكن اليوم، فهناك مصممون آخرون اتقنوا أبجدياته وتفننوا في أشكاله.

تايور من روبرتو كافاليلوران دارل، الرئيس التنفيذي لدار الأزياء الفرنسية «جيرار دارل»، الدار التي كانت من الأوائل في معانقة هذا «اللوك» في بداية الثمانينات وحاليا، يقول لـ «الشرق الأوسط»: «في البداية، دخلت العديد من النساء ميادين عمل كانت في وقت ما تقتصر على الرجال فقط، وبالتالي كن مضطرات إلى تكييف مظهرهن ليتماشى مع العالم الجديد.

أما الآن فإن ترحيبهن بالتايور بمثابة ردة فعل على سنوات طويلة من الفساتين الناعمة والرومانسية». وهو قول فيه الكثير من الحقيقة، لأن الأزياء، كما يعرف الجميع، أصبحت الوسيلة السهلة، وأحيانا اللاشعورية، التي تستعملها المرأة للتعبير عما يختلج بداخلها، بدليل أنها في الثمانينات، كانت تشعر بالخوف من أن لا تؤخذ محمل الجد، وأن يركز زملاؤها ومنافسوها من الرجال في أماكن العمل، على شكلها كامرأة أكثر من تركيزهم على كفاءاتها وقدراتها التي توازي كفاءاتهم وقدراتهم، إن لم تكن تتفوق عليهم في بعض الأحيان.

وبعد عقد من الزمن، شعرت انها لم تعد تحتاج إلى أزياء قوة لتفرض نفسها، بل وبدأت تتمرد على الفكرة نفسها، وتتحدى الرجل الذي جعلها تفكر بالتخلي عن نعومتها لتدخل عالمه بأزياء تثبت أنوثتها. ومن هنا بدأ عهدها الجديد مع التصميمات الرومانسية والحالمة، ولسان حالها يقول: «أنا امرأة وناجحة ولا أحتاج إلى تايورات وقصات شعر قصيرة لإثبات نفسي».

والآن بعد عقد آخر من الزمن بدأت تحن إلى موضة الأمهات، لكن تريد ان تؤنثها على طريقتها وطريقة نجمات هوليوود في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، من منطلق أن القوة والأنوثة ما هما إلا وجهان لعملة واحدة، خصوصا إذا كان التايور مكونا من جاكيت وتنورة، مقابل جاكيت وبنطلون. «إنه أسهل طريقة تحصل بها المرأة على مظهر أنثوي ورسمي في أماكن العمل وفي دعوات الغداء والعشاء» حسب ما قاله ألبير كريملر، مصمم دار «أكريس» بعد انتهاء عرضه الأخير في باريس، الذي قدم فيه مجموعة عصرية من التايورات، يقدر ثمنها بـ 2000 جنيه استرليني، للمرأة العاملة التي تتبوأ مناصب عالية، لأنها فعلا تمنحهن الأنوثة والعملية من دون ان يقعن في مطب الصرعات.

العارضة جيزيل باندشن في تايور من تشكيلة «ديور» لـ «الهوت كوتير»بل إن خبراء الموضة، من أمثال سوزي فو من شركة «ووردروب»، التي تساعد النجمات والأنيقات على اختيار ازياء مناسبة، يؤكدون ان التايور المكون من تنورة، رغم انوثته، هو اكثر قوة من البنطلون، لأنه يعبر عن امرأة واثقة من نفسها، ولا تحتاج إلى بنطلون لكي تفرض نفسها.

لكن رغم جمالية التايور وفنيته وعمليته، وكل الأشعار التي نظمها المصممون للتغزل به، فإنه يبقى مناسبا لامرأة معينة. امرأة واثقة وتعمل في مجالات الأعمال بشكل خاص، أو المحاماة أو ما شابه. امرأة لا يمكن ان ترى في فستان حالم، من النوع الذي ينسدل من على الأكتاف إلى فوق الركبة ويلبس مع بنطلون ضيق أو جوارب سميكة، كما لا يمكن ان ترى في بنطلون بتصميم ضيق أنبوبي، لأنه لا يتماشى مع أماكن العمل أو الزبائن والوكلاء الذي تلتقيهم بشكل يومي.

كذلك الأمر بالنسبة للفتيات اللواتي يعانقن هذه الفساتين الناعمة بكل أشكالها والبنطلونات الضيقة والجوارب السميكة مع أحذية فنية أكثر من مريحة، فإن التايور بتنورة مستقيمة، يمثل بالنسبة لهن قطعة يلبسنها في مناسبات محددة، حفل كوكتيل أو عندما يضطررن إلى مقابلة رسمية أو عندما تكون النية تحقيق تأثير قوي في من حولهن، لكنهن يقبلن اكثر على التايور ذي التنورة البليسيه أو المنفوخة بعض الشيء، مثل تلك التي طرحها كل من زاك بوسن أو مارك جايكوبس لدار «لوي فيتون»، كونها شابة وتبتعد عن الكلاسيكية المحافظة.

مصمم دار «شانيل» كارل لاغرفيلد، كعادته في كل موسم قدم تايورات رائعة، من التويد كما طرحتها الآنسة كوكو في عام 1954، لكنه أيضا اضاف إليها لمساته بإعطاء الجاكيت «نفخة» خفيفة بينما جاءت التنورة ضيقة جدا بخصر عال، وطبعا بسعر يقدر بـ 2.800 جنيه استرليني، كذلك الامر بالنسبة لستيفانو بلاتي، مصمم دار «إيف سان لوران»، الذي أتحفنا منذ بضعة مواسم بالتنورة الواسعة التي تتفتح مثل زهرة التوليت. فقد عكس الأمر هذه المرة، وقدم تايورات بجاكيت قصير وواسع مع تنورة ضيقة جدا.

ورغم تاريخ التايور وما لاحظناه من إيحاءات ثمانينية، ورغم كل ما يقولونه لك من أن دورة الموضة تدور، وبأنه يتعين عليك عدم التخلص من قديمك لأنه سيعود بعد عشر سنوات، إلا انك للأسف لن تستفيدي من التصميمات القديمة، لسبب وجيه وهو أن الفكرة قد تكون متشابهة، لكن طريقة التفصيل والتفاصيل الصغيرة تختلف كثيرا. فالأسلوب السائد حاليا هو المنساب والسهل من دون تعقيدات، أي ان الأكتاف لم تعد صارمة وبارزة إلى الخارج، التنورة الضيقة لها فتحات من الجوانب لمزيد من العملية، كما عرفت تقنيات الأقمشة تطورا كبيرا جعلها اكثر مرونة وجاذبية.

لكن نصيحة المصمم كريملر من «اكريس» لنا جميعا هي أن التايور عموما يميل إلى ان يجعل المرأة تبدو صارمة أحيانا، لذلك فإن تنسيقه مع حزام طريقة سهلة ومؤثرة لتأنيثه. أما نصيحتنا إليك فهي تنسيقه مع حذاء بعكب عال ليس بالعريض أو بالرفيع، وجوارب سميكة، لأن الفكرة من التايور حاليا لم تعد العملية أو الدخول في منافسة مع الرجل، بل التأكيد على القوة.. بأنوثة.