هوس عمليات التجميل يجناح أمريكا الجنوبية

إذا كانت النية قضاء إجازة ممتعة في أجواء دافئة، فعليك بالأرجنتين، وإذا كانت النية الحصول على مظهر شاب وتحسين مظهرك، فعليك أيضا بالأرجنتين». قد يعطي هذا القول الانطباع بأنه جزء من حملة ترويجية، لكنه في الحقيقة يعبر عن واقع ملموس هذه الأيام في أميركا اللاتينية ككل، وفي الأرجنتين بوجه خاص، وليس أدل على هذا من صياد سرطان البحر وسمك التونة الكندي ايفرت كوندون، الذي يبلغ من العمر 66 عاما، مثلا، والذي لم يكن قد سافر جنوبا من قبل الى أبعد من الولايات المتحدة الى ان امضى موسم عطلته هذا العام في الارجنتين، حيث تابع عروض التانجو، وبالمرة أجرى عملية تجميل.


دافع كوندون كان انقياده، مثل العديد من الناس وأغلبهم من الولايات المتحدة وأوروبا وكندا، وراء سحر الشباب وإغراء أسعار عمليات التجميل في الأرجنتين، نظرا لتفاوت صرف العملة وتوفر اطباء مهرة اكتسبوا خبرتهم من خلال الاقبال المحلي الكبير على جراحات التجميل. لم يكن الأمر صعبا بالنسبة لكوندون، إذ ما كان عليه إلا ان يسجل اسمه على موقع على الانترنت خاص بشركة للسياحة العلاجية في بوينس ايرس لاجراء جراحات لشد الوجه والعينين.

وقال كوندون، الذي أجريت له عملية تجميل للأنف في كندا قبل أن يبدأ في التطلع الى خيارات أرخص ليبدو أكثر شبابا، نقلا عن رويترز: «كنت أفكر في ذلك منذ فترة طويلة، لكن كلفتها كانت عالية في بلدي». وما شجع على ازدهار جراحات التجميل في بوينس ايرس، الانهيار المالي في عام 2002 الذي كانت نتيجته انخفاض قيمة العملة، مما جعل زيارة الارجنتين رحلة غير مكلفة ومغرية.

وكان من الطبيعي ان يزداد عدد الشركات التي تعرض خدمات متكاملة تشمل جراحات تجميل واقامة وجولات سياحية. فجراحة شد الوجه التي قد تتكلف 15 الف دولار في الولايات المتحدة تتكلف نحو خمسة آلاف دولار فقط في الارجنتين، في حين تتكلف عمليات تكبير حجم الثدي وشفط الدهون مع بعض نحو 3700 دولار. تقول شركة بلنيتاس الارجنتينية لسياحة جراحات التجميل انها تحقق ايرادات تبلغ اربعة ملايين دولار سنويا، واستقبلت ما يزيد على 1500 مريض منذ افتتاحها عام 2003.

وتعتبر الارجنتين ضمن اكبر عشر دول في العالم من حيث إعداد الجراحات التي تجري بها، وهي القائمة التي تتصدرها الولايات المتحدة والبرازيل والمكسيك، مع العلم أن برامج التأمين الصحي في الارجنتين توفر جراحة اختيارية كل عام أو عامين في اطار التغطية التأمينية العادية. وتجتذب اماكن أخرى في اميركا الجنوبية مثل البرازيل وكولومبيا المزيد من السياحة العلاجية. فقد افتتحت كولومبيا، مثلا 40 عيادة جديدة لخدمة عشرات الآلاف من الأجانب سنويا، أغلبها في كالي، وهي مدينة تشتهر بوجود تجار المخدرات، الذين حققوا ثروات كبيرة، ومن تم وجود فتيات يجرين جراحات تجميل للحصول على الإعجاب والرضا.

وقالت جلاديس بارونا مديرة اتحاد التجارة الوطني لرويترز: «انهم يجدون أفضل متخصصين في كالي، واحدث الابتكارات العلمية في مجال جراحات التجميل، بالإضافة إلى أسعار تنافسية، لذلك نستقبل أكثر من مائة الف مريض سنويا».

وقال ريناتو سالتس، أمين عام الجمعية الدولية لجراحات التجميل، ان السياحة العلاجية انتشرت في كل مكان من تركيا الى تايلاند. وأضاف انه لتقليل المخاطر يتعين على المرضى فحص شهادات الجراح والاتصال بمن تعاملوا معه، كذلك الاتصال بشكل مباشر مع الاطباء وليس عبر شركات السياحة. وتابع سالتس: «يجب ان تتأكد انك قمت بالمطلوب أولا، قبل ان تلوم غيرك».

لكن الطريق إلى الأرجنتين، ليس دائما مفروشا بالورود، كما اكتشفت دي. اندرسون، 34 عاما، التي طلبت عدم نشر اسمها الاول. فقد اجريت لها جراحة لشد الثدي والبطن، لكن النتيجة لم تكن مرضية، إذ ترتب عنها دخولها المستشفى لمدة تسعة أيام بعد عودتها الى تكساس. وقالت اندرسون انها تعرضت لعدوى هددت حياتها، واضطرت للعودة ثلاث مرات الى الارجنتين لإجراء تصحيحات للجراحات التي أجريت لها والمشاكل ما زالت مستمرة.

وقالت: «انتهي بي الأمر بكوني مصابة بورم دموي في الثدي الأيسر جامد كالحجر، كما أن حلمة الثدي الايمن في حجم الدولار المعدني في حين ان حلمة الثدي الايسر في حجم الربع دولار». وتقول جودي اوهارا، ان تكرار ما حدث لاندرسون دفعها مع مجموعة من الاصدقاء لتأسيس منظمة غير ربحية لتبادل المعلومات بشأن جراحات التجميل، مشيرة إلى أن «ما بدأ بعدد محدود من الناس يأتون لاجراء جراحات تجميل هنا، توسع بدرجة كبيرة، فاصبحنا نجد من ليس لهم خبرة في مجال جراحات التجميل يقيمون شركات للسياحة العلاجية في محاولة لدخول هذه السوق الكبيرة».

وقال روبرتو جاويانسكي رئيس شركة بلنيتاس، ان الاعداد المتنامية من العملاء الذين يرضون عن الخدمة يشهد على جودة ما تقدمه شركته. وأضاف: «لا يمكن العبث بصحة مريض.. ما كان يمكن ان نستمر لكل هذه السنوات، وننمو شهرا بعد شهر لو لم يكن لدينا أعلى مستوى من الرعاية لمرضانا، الذين يزكوننا لغيرهم». وحتى مع ازدهار جراحات التجميل في اميركا الجنوبية، فإن هذا القطاع ما زال يقوم أساسا على طلب محلي قوي، حيث أن جراحي التجميل في بوينس ايرس، ما زالوا يحققون أغلب ارباحهم من الارجنتينيين.

وهذا نفس الحال في كولومبيا. فحتى نساء الأحياء الفقيرة يذخرن لإجراء هذه الجراحات على أمل جذب زوج غني. وفي فنزويلا، حيث تفشت ظاهرة تكبير الصدر بين المراهقات، شن الرئيس هوغو شافيز حملة في الفترة الأخيرة ضد الظاهرة، من دون ان يتوقف حجم الإقبال عليها لحد الآن، لأنها اصبحت جزءا من الثقافة اللاتينية ككل. تقول مارييلا كافالو، 26 عاما، من سكان بوينس ايرس، اجريت لها جراحة لتكبير الثدي العام الماضي: «هنا من المستحيل تقريبا الا يذهب شخص الى صالة تدريب رياضي، أو الا يراقب ما يأكل. هذا جزء من ثقافتنا».