نبات الزعرور .. مراجعة علمية بريطانية لتأكيد فائدته

عززت دراسة طبية جديدة، مستوى الأدلة العلمية الداعمة لجدوى استخدام مرضى فشل القلب، لأحد العلاجات العشبية، في تخفيف الأعراض المرضية التي يُعانون منها. وفي مراجعتهم العلمية، استنتج الباحثون من بريطانيا أن الزعرور البرّي Hawthorn يُخفف بنسبة «مهمة» من تلك الأعراض المرضية المصاحبة لضعف القلب، مثل تدني قدرتهم على أداء الأعمال أو المشي، كما أنه يُحسن من قياسات عدة مؤشرات مرتبطة بصحة القلب.


وتنتشر أشجار الزعرور البرّي في مناطق واسعة من أوروبا وشمالي أفريقيا وغربي آسيا. وتُعطي تلك الأشجار أزهاراً بيضاء في فصل الربيع، ومن ثم ثماراً حمراء اللون لا يتجاوز طولها سنتيمترا واحدا.

وتحتوي أوراق الزعرور وزهوره وثماره على مواد مضادة للأكسدة وفيتامينات ومعادن، ويُمكن أكل ثمارها وإضافة أوراقها الصغيرة إلى السلطات. ومستخلص أشجار الزعرور Hawthorn Extract ، كما ذكر الباحثون، شائع الاستخدام كعلاج عشبي في أوروبا والولايات المتحدة. ويتم إنتاجه من مزيج الأوراق الجافة لأشجار الزعرور البرّي وزهورها وثمارها.

فشل القلب
ومن المعلوم أن فشل القلب وصف طبي عام لجانبين من حالات ضعف قدرات القلب. الأول، قدرة القلب على الرحابة والاستيعاب لاستقبال الدم النقي القادم إليه من الرئة، أي ضعف في القوة الانبساطية للقلب. والثاني، ضعفه عن إتمام ضخ كميات كافية من الدم لتلبية احتياجات كافة أعضاء الجسم، أي ضعف في القوة الانقباضية للقلب.

وفشل القلب حالة مرضية شائعة، تتسبب بإعاقات بالغة للمصابين بها، وبارتفاع معدلات الوفيات لديهم، ما لم تتم متابعتهم بطريقة طبية سليمة. وفي دولة كالولايات المتحدة، ثمة أكثر من خمسة ملايين إنسان يُعانون منه. وتتعدد أسباب إصابة قوة القلب، الانبساطية أو الانقباضية، بالفشل. ومن أهمها أمراض شرايين القلب Coronary Artery Disease وأمراض الصمامات والإصابات الميكروبية الفيروسية لعضلة القلب واضطرابات النبض وغيرها.

ومع نشوء حالة الضعف في ضخ الدم لأجزاء الجسم، يبدأ القلب بالتوسع حجماً، ويتوالى حصول المضاعفات في أجزاء شتى من الجسم. مثل تجمع المياه في الرئتين، بتبعات ذلك من صعوبة التنفس أثناء بذل المجهود البدني أو الاستلقاء على الظهر، أو حتى أثناء الراحة كما في الحالات المتقدمة منها. كما تضعف قدرات الكلى وعمل الدماغ ويختل الانتظام في عمل الغدد المنتجة للهرمونات وتتدنى قدرات مناعة الجسم وغيرها من المضاعفات التي تُخفّض بالمحصلة من قدرات الجسم وترفع من معدلات الوفيات.

ووفق تصنيف رابطة نيويورك للقلب New York Heart Association، بالنظر إلى مدى المعاناة من اللهاث وصعوبة التنفس أثناء أداء المجهود البدني، يُقسم مرضى فشل القلب إلى أربعة مستويات.

وفي المستوى الرابع تحصل المعاناة عند بذل أي مجهود بدني مهما كان بسيطاً، وربما تحصل أيضاً حال الراحة. وفي المستوى الثالث لا يُعاني المصاب من أية أعراض حال الراحة، بل تحصل الأعراض مع بذل مجهود بدني بسيط، كالتنقل بين حجرات المنزل أو ارتداء الملابس. وفي المستوى الثاني تحصل المعاناة أثناء بذل مجهود بدني متوسط كالقيام بالأعمال اليومية المعتادة. وفي المستوى الأول، لا تحصل المعاناة إلا عند بذل مجهود شديد، من عادة المريض عدم المعاناة منه.

وتشير المصادر الطبية التي تحدثت عن استخدام مرضى فشل القلب لمستخلص الزعرور أنه موجه لمن هم في المستوى الثاني، ويتناولون منه كميات لا تتجاوز غراما واحدا يومياً لمدة ستة أسابيع أو أقل. وهو ما أشارت إليه صراحة المؤسسة الفيدرالية للأدوية والأدوات الطبية Federal Institute for Drugs and Medical Devices، التي أقرت ذلك كوسيلة علاجية.

مراجعة طبية بريطانية
ونُشرت الدراسة البريطانية الجديدة ضمن العدد الأول لهذا العام من مجلة مكتبة كوشران The Cochrane Library الصادرة عن منظمة كوشران المشتركة، وهي منظمة علمية عالمية معنية بمراجعة وتقييم الدراسات الطبية. ووفق ما قاله الباحثون في مقدمة دراستهم، فإن المنتجات المستخلصة من أجزاء أشجار الزعرور تتمتع بسمعة طبية جيدة في مناطق شتى من العالم.

وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تُعتبر تلك المستخلصات أحد أشهر العلاجات العشبية المستخدمة في محاولات تحسين صحة القلب وخفض الكوليسترول ورفع مستوى مضادات الأكسدة في الجسم.

وفي محاولة للتأكد من تلك المعتقدات حول الزعرور البرّي، قام الباحث الرئيس في الدراسة، الدكتور ريولينغ جيوRuoling Guo ، من قسم الطب التكميلي بكلية بينينسيلا Peninsula للطب في إكسيتر Exeter ببريطانيا، وزملاؤه الباحثون بمراجعة المصادر الطبية للبحث عن النوعية العالية من الدراسات الطبية التي تناولت استخدام مرضى فشل القلب لأنواع شتى من العلاجات العشبية.

ووجد الباحثون 14 دراسة طبية، تتحقق فيها المعايير البحثية العالية، بحثت استخدام المرضى لعلاجاتهم الطبية التقليدية مع إما استخدام مستخلصات أشجار الزعرور البرّي أو استخدام أدوية مزيفة لا فائدة منها Placebo.

وجمع الباحثون نتائج الدراسات، التي شملت حوالي 860 مريضا، في تكوين ما يُعرف بدراسة تحليلية Meta-Analysis لمقارنة جدوى تناول الزعرور البرّي أو الدواء المزيف لدى فشل القلب. وتبين للباحثين أن مستخلصات الزعرور البرّي رفعت مستوى «الحد الأقصى لقدرات أداء المجهود البدني» لدى المرضى بمقدار وصفه الباحثون أنه «مهم».

وأدى إلى نقص، بالمقارنة أيضاً مع الدواء المزيف، في مستوى مؤشر قياس كمية الأوكسجين المستهلكة من قبل عضلة القلب. كما لاحظ الباحثون بالمقارنة، أن ثمة تحسنا بمقدار «مهم» في عاملين آخرين من عوامل تقييم مرضى فشل القلب، وهما أولاً، قياسات قدرات تحمل أداء المجهود البدني، وثانياً مدى الإصابة باللهاث وضيق النفس والإصابة بالشعور بالإجهاد جراء بذل المجهود البدني.

ومع ملاحظة العناصر الإيجابية الأربعة لصحة القلب، لم يتمكن الباحثون من التعليق على عنصر خامس مهم، وهو التأثير في نسبة الوفيات بين مرضى فشل القلب. والسبب أن تلك الدراسات لم تقيم في بحثها هذا العنصر.

وذكر الباحثون أن نتائج مراجعة التأثيرات الجانبية والعكسية لتناول مرضى فشل القلب للزعرور البرّي، شملت الشعور بالغثيان والدوار واضطرابات في الهضم. إلا أنهم أكدوا على أن حصولها كان نادراً، وذا شدة متوسطة، ووتيرة عابرة.

وقال الدكتور جيو إن النتائج هي دليل جيد على جدوى تناول مرضى فشل القلب لأدويتهم الطبية مع تناولهم مستخلصات الزعرور البرّي بالإضافة إليها.

وقال الدكتور ماكس بيتلر، المدير المساعد لقسم الطب التكميلي في تلك الجامعة والباحث المشارك في الدراسة، وبالجملة أظهرت المراجعة العلمية فائدة «مهمة» في ضبط الأعراض المرضية وتحسين المحصلة الفسيولوجية لعمل القلب، وأن تناول أولئك المرضى، للزعرور، رفع من قوة انقباض عضلة القلب لضخ الدم، كما زاد من كمية الدم الجارية من خلال الشرايين وقلل من حصول اضطرابات في النبض. وصرح بأنه لو كان مُصاباً بضعف عضلة القلب لما توانى في التأكيد على استخدام مستخلصات أشجار الزعرور البرّي.

استخدامات الزعرور الطبية
استعمل منذ القدم في علاج اضطرابات الهضم والجهاز البولي

تصرّح نشرات المركز القومي الأميركي للطب التكميلي والاختياري، بأن الزعرور البرّي يُستخدم منذ القرن الميلادي الأول في معالجة أمراض القلب، إضافة إلى استخدامه في علاج اضطرابات الهضم والجهاز البولي، في إشارة منهم إلى أن الإغريق في العالم القديم وسكان أميركا الأصليين في العالم الجديد، عرفوا الزعرور البرّي واستخدموه في علاج تلك الحالات.

وفي القرن الماضي توسع استخدام أوراق الزعرور البرّي وأزهاره في معالجة أعراض ومضاعفات حالات ضعف عضلة القلب. كما أن ثمة منْ يجد منه جدوى في تخفيف حدة أعراض أمراض شرايين القلب، وتحديداً ألم الذبحة الصدرية Angina.

ومعلوم أن أمراض شرايين القلب تبدو بشكل رئيسي إما كآلام الذبحة الصدرية نتيجة ضيق الشرايين وعدم قدرتها على إمداد عضلة القلب بالدم الكافي لها أثناء أداء المجهود البدني، أو كحالة النوبة القلبية، أو ما يُعرف بين الناس بالجلطة القلبية، نتيجة الانسداد التام لتلك الشرايين وعدم وصول أي دم إلى أجزاء من عضلة القلب.

ويُعرّف المركز بأن استخدام الزعرور البرّي يتم من خلال إعداد مستخلص سائل، ممزوج بالماء أو الكحول، للأوراق والأزهار. كما أن مستخلصاً جافاً منها يُمكن إنتاجه لصناعة كبسولات أو حبوب دوائية. ويُؤكد الباحثون في المركز القومي للطب التكميلي والاختياري على أن هناك أدلة علمية على امان وفاعلية استخدام تلك المستخلصات في تخفيف أعراض الأنواع المتوسطة من حالات فشل القلب.

إلا أنه لا يُوجد بشكل قوي ما يدعم فائدة هذا المستخلص النباتي في تخفيف أعراض أمراض قلبية أخرى.

وأضاف الباحثون أن المركز يدعم مجموعة من الدراسات الجارية، والتي تبحث في جلاء الآليات التي من خلالها يعمل مستخلص الزعرور البرّي في التأثير على أعراض ضعف القلب.

وبالرغم من إشارة باحثي المركز إلى أن تناول هذا المستخلص النباتي آمن، وآثار ذلك الجانبية محدودة، وأنه لا يُوجد ما يدل على تفاعلات جانبية للمستخلص مع أدوية القلب المعروفة، خاصة عقار ديجوكسن Digoxin، إلا أنهم أكدوا على ضرورة عدم البدء في تناوله كوسيلة علاجية لفشل القلب إلا بعد مشاورة طبيب القلب المتابع لحالتهم الصحية.