«مون بلان» تستوحي مجموعتها «سفوماتو» من ليوناردو دافينشي وتطورها لرجل عصري

النجم هيو جاكمان وجييروم لامبرت الرئيس التنفيذي دار «مون بلان» وشرح عن تقنية «سفوماتو» وتعني الجلد المدخن المتوارثة منذ قرون لكن طورتها الدار في مجموعتها الجديدة
النجم هيو جاكمان وجييروم لامبرت الرئيس التنفيذي دار «مون بلان» وشرح عن تقنية «سفوماتو» وتعني الجلد المدخن المتوارثة منذ قرون لكن طورتها الدار في مجموعتها الجديدة

منذ تأسيس دار «مون بلان» في عام 1906، وهي تكتب فصولا من مسيرتها ومن التاريخ، بقلم حبر يشهد له الكل بالجمال والدقة.
 
ففي عام 1963 استعمله المستشار الألماني كونراد أديناور لتوقيع كتاب كولونيا الذهبي، والطريف أن القلم لم يكن له، بل للرئيس الأميركي جون كينيدي، الذي كان يرافقه حينها وأنقذه من الحرج عندما اكتشف المستشار في آخر لحظة أنه لا يحمل معه أي قلم. 
 
وينستون تشرشل أيضا وقع بقلم من صنع «مون بلان» الكثير من الوثائق والمعاهدات التي غيرت وجه التاريخ، فضلا عن آخرين وقعوا أسرى لقوته وجاذبيته مثل إرنست هيمنغواي ونيلسون مانديلا وغيرهم كُثر. لكن من الخطأ التركيز على «مون بلان» كشركة صناعة أقلام فحسب، لأنها دار تخاطب الزبون العارف بمنتجات متعددة من الإكسسوارات الجلدية الراقية إلى الساعات الفاخرة والعطور والجواهر. 
 
ورغم أن إيقاعها ظل ينبض دائما بقوة، فإنها وصلت إلى مرحلة الغليان منذ أن التحق بها جيروم لامبرت، كرئيس تنفيذي منذ عامين تقريبا. الكل لاحظ منذ ذلك الوقت أنها اكتسبت ديناميكية جديدة تمزج الكلاسيكي، المتمثل في إرثها العريق، بالعصري الذي تفرضه أحوال السوق.
 
مؤخرا، قدمت الدار مجموعة من الإكسسوارات الجلدية أطلقت عليها اسم «سفوماتو» بحضور كل من جيروم لامبرت، ووجه «مون بلان» النجم هيو جاكمان، الذي كان يسأل الحرفيين الآتين من فلورنسا عن تفاصيل كل قطعة بتلقائية وفضول ممزوج بالانبهار، وكأنه طفل صغير في محل شوكولاته. 
 
يعلق جيروم لامبرت في حديث له لجريدة لـ «الشرق الأوسط» على هامش المناسبة، أن تلقائية النجم الأسترالي الأصل هي التي جعلت الكل في الدار يُرشحونه سفيرا لهم. ليس لأنه يجسد ديناميكية «مون بلان» وحدها، بل أيضا قدرتها على التواصل والتفاعل مع الآخر من دون قيود أو بروتوكول. 
 
يشرح جيروم: «عندما بدأنا البحث عن وجه يمثل (مون بلان) لك أن تتصوري كم كانت لدينا من خيارات وأسماء، لكن هيو جاكمان تميز عنهم جميعا. فإلى جانب أنه إنسان رائع وقريب من القلب، اكتشفنا أن الكتابة جزء مهم من حياته وروتينه اليومي. لقد كشف لي أنه كل مساء وقبل أن يخلد للنوم يكتب بالتفصيل كل ما قام به في ذلك اليوم، على شكل رسائل أو خواطر يوجهها لأطفاله، لكنه لا يرسلها إليهم، بل يحتفظ بها لنفسه على أن يقدمها لهم عندما يكبرون».
 
في البداية اعتقد بعضهم أنه يُبالغ من باب المزح والدعابة، لكنه أكد لهم أنه فعلا يقوم بهذا الأمر بشكل يومي منذ سنوات كثيرة. غني عن القول إن القرار بعد ذلك أصبح واضحا وسهلا، وكانت القصة كافية لكي يتفق الجميع أنه وجههم المثالي. كان لامبرت يحكي هذه القصة بانبهار، أو كأنه لا يزال في حالة الاستغراب التي غمرته عندما سمعها لأول مرة. 
 
عندما تحول الحديث إلى «مون بلان» وإرثها الغني الذي قد يراه البعض مجرد قلم حبر، أصبح في عداد التحف كما يدل اسمه «ماسترتورك» باللغة الألمانية، يستجمع أفكاره بسرعة ويقول: «إنها أكثر من ذلك بكثير، فهي أسلوب حياة».
 
يؤكد جيروم لامبرت أنه يرفض الاستكانة لأمجاد الدار، ويحرص أن يضع بصمته عليها، وهو ما أنجزه بالفعل منذ التحاقه بها منذ 18 شهرا تحديدا. ما ساعده على تحقيق المراد أنه يتمتع بالكاريزما وبخبرة طويلة في مجال الساعات الفاخرة، إذ سبق له العمل مع كل من «جيجير لوكولتر»، و«أ. لانغة أند صونة».
 
صحيح أن 18 شهرا ليست بالفترة الطويلة التي تسمح بتقييم أي رئيس تنفيذي بشكل نهائي، لكنه يعترف بأنه يشعر كما لو أنه ينتمي إلى الدار منذ أكثر من عشر سنوات. فهو يعيش فيها من الصباح إلى المساء، يتنفس روائح جلودها وهو يتحدث مع الحرفيين في فلورنسا ويسألهم عن استراتيجيتهم وآخر التصاميم، وينصت لنبض كل ساعة وهو يزيد قوة في «مينرفا»، معامل الدار بفيليريه.
 
لا يخفي لامبرت أن ارتباط الدار بأقلام «مايسترستوك»، وما تتمتع به هذه الأيقونة من مكانة عالمية، شكل تحديا أقرب إلى الاختبار بالنسبة له.
 
فقد كانت ابتكارا ثوريا عندما طُرحت لأول مرة ولا تزال، وبالتالي لم يكن نجاحه ممكنا لو لم يتسلح بالجرأة ودخول مجالات لم يكتشفها الغير ليرسخ مكانته. 
 
بيد أنه لم يتجاهل «مايسترستوك» فهي تدخل في صلب جينات الدار وأحد أقوى دعائمها، وما قام به أنه درس مكامن قوتها من كل الجوانب لكي يستفيد منها ويبنى عليها، «لو لم أفعل ذلك لفشلت في مهمتي. فقد كان مهما أن أركز على إرث الدار وفي الوقت ذاته أن أضخه بجرعة متوازنة من الحداثة والعصرية».
 
كان واضحا من كلامه أن ديناميكية الدار أصابته بالعدوى وهو يقول: «كلما غُصت فيها وفي إرثها أكثر، اكتشفت عمقا أكبر وشعلة ملتهبة من الحماس والإبداع». 
 
لكنه كان حريصا أن يشير أن أقوى عنصر تسلح به عندما دخل «مون بلان» حبه وشغفه للعمل «أعتقد أن أي شخص لا يشعر تجاه عمله بالشغف، عليه أن يغيره ويبحث عن آخر يتيح له المتعة، لأنه من دونها ومن دون شغف، لا يمكن التألق أو التميز في أي مجال». 
 
يلتقط أنفاسه ثم يخفف من حدة كلامه معترفا، بابتسامة خفيفة، أنه يُدرك أنه أكثر حظا من غيره، لأنه من السهل الوقوع في حب مجال المنتجات المترفة، لما تتيحه من فرص للمسها ومتابعة كيف تولد من فكرة بسيطة تتبلور إلى قطعة فاخرة وأنيقة تؤجج الحلم والرغبة فيها.
 
يردد والسعادة بادية على ملامحه: «أنا أعيش الحلم بشكل يومي».
 
خلال الحفل الذي قدمت فيه الدار مجموعتها الأخيرة «سفوماتو» استعرضت أيضا أجود أنواع الجلود التي تستعملها، وبراعة حرفييها الفلورنسيين الذي كانوا يشرحون للحضور خطوات صناعة كل حقيبة وكل محفظة، من الألف إلى الياء. 
 
شرحوا أيضا أن تقنية «سفوماتو» وتعني بالإيطالية «المدخن»، هي أسلوب مميز للرسومات الفنية تم ابتكاره وتطويره في عصر النهضة على يد فنانين كبار من أمثال ليوناردو دا فينشي، واستخدمته «مون بلان» في مشغلها «بيلاتيريا» بفلورنسا لمعالجة الجلود وإبراز جمالها الطبيعي، باللعب على تحوّلات غير محسوسة بين الدرجات اللونية. 
 
تتلقف كل كلمة ينطق بها الحرفيون، بلكنتهم الإيطالية القوية التي تتميز بتمديد الحروف إلى أقصى حد، فتشعر أنهم مثل رئيسهم التنفيذي يشعرون بالفخر، أو بالأحرى، بأنهم محظوظون، إذ يرددون، وكأنهم حفظوا نفس الدرس، بأنهم يتطلعون دائما إلى العالي. عندما يرون نظرات الحضور الإنجليزي غير المتعودة على هذا النوع من المبالغة، يعقبون بأن «مون بلان» هو اسم الجبل الأبيض، أعلى الجبال الواقعة في أوروبا الغربية، وبالتالي فإن الدار التي يعملون بها راسخة وعالية تشرئب إلى السماء مثل الجبل.
 
يوافقني لامبرت الرأي عندما أشير إلى هذه النقطة ومدى الانتماء الذي يشعر به هؤلاء الحرفيون تجاه الدار قائلا: «بالفعل، في شركة (جيجير لوكولتر) مثلا، عليك أن تأخذ بالك من ذلك الحب في العمل الذي ذكرت سابقا حتى تبقى الشعلة مشتعلة، بينما هذه الشعلة متأججة هنا تنبع من الأساس وتتدفق على شكل طاقة نحو الأفق البعيد».
 
يعيد الفضل في هذا إلى كونها «لا تعتمد على شخص واحد، بل على فريق يشمل مصممين فنيين ومهندسين وحرفيين وباحثين، يتشاركون الأفكار والطموحات والأهداف. ففي شركة متخصصة في مجال معين، مثل الساعات، ينصب كل الاهتمام على المنتج بعد تصوره وتصميمه، بينما في (مون بلان) تلمسين تفاعلا دائما بين الفريق، حيث يتبادلون الأفكار ووجهات النظر حتى النهاية، وطوال هذه النقاشات، تخضع التفاصيل للتغيير لتعزيز المنتج وتجميله أكثر». 
 
وهنا على ما يبدو يكمن دور جيروم لامبرت، الذي يتمثل في قيادة هذا الفريق وتحفيزه على المزيد من العطاء «الأمر بمثابة عود الخشب الذي نضعه في الماء المالح. في البداية يكون مجرد عود عادي وغير جذاب، لكن ما إن تسحبه من الماء بعد أن يلتصق بالملح المتبلور، تختفي صورة ذلك العود العادي ويحل محله شكل مختلف تماما، عبارة عن قطعة مضيئة مفعمة بالروعة والجمال، مهمتي تتلخص في وضع هذا العود الصغير والعادي بداخل الماء المالح، فيما تتركز مهمة الفريق على توفير باقي الوسائل لإخراجه بشكل أجمل».
 
كلما توغل الحديث في التصميم وأناقة الدار، تتبخر من الذهن تلك الصورة القديمة عن الرؤساء التنفيذيين، بأنهم يهتمون بالاستراتيجيات والإنتاج أكثر مما يهتمون بالجماليات والتفاصيل الجانبية. 
 
فلامبرت مختلف، ربما لأنه فرنسي يتذوق الجمال ويفهم الأناقة والموضة بشكل فطري، رغم أنه لا يذكر كلمة موضة على الإطلاق طوال حديثه، ويكرر في المقابل، أن منتجات الدار أنيقة يحرص فيها أن تنفذ بطريقة تبقى مع الزبون طويلا .. «إنها ليست استهلاكية» على الإطلاق. 
 
كيف يحقق هذه المعادلة بين الأنيق والعملي؟ الجواب بكل بساطة أنه يضع نفسه مكان الزبون، ويسأل نفسه عما يروق له وما يطمح إليه. 
 
هذا الاحترام الدفين للزبون هو الذي يجعله يتدخل في العمل لفهم كل تفاصيله من التصميم إلى الإنجاز، رغم أنه لا يدعي أنه مصمم «فلو طلبت مني الآن أن أرسم أي شيء، وإن كان خربشة بسيطة، ستتأكدين أني لست مصمما، ولا حتى مشروع مصمم».
 
يكرر جيروم عنصر المفاجأة والجرأة عدة مرات، وتشعر بأنها تعني له الكثير، فهو يطبقهما منذ التحاقه بها. في معرض جنيف الأخير، مثلا فاجأتنا «مون بلان» بساعة يد رفيعة تتضمن تعقيدات كثيرة، لكن بسعر يخاطب متوسطي الدخل. لم تكن الفكرة منها استراتيجية لاستقطاب زبائن جدد، ولا حتى دمقرطة سوق الساعات الفاخرة، كل ما في الأمر أن «الزبون يستحقها»، حسب قوله. 
 
ويعقب مبتسما: «يذكرني هذا القول بالإعلان الشهير لشركة (لوريال) الذي تظهر في عارضات وهن يملن برؤوسهن يمنة ويسرة في دلال ويرددن: (أنا أستحق ذلك). من المنطلق نفسه، رأيت أن زبوننا يستحق هذه الساعة، وكل ما في الأمر أننا تسلحنا بالجرأة لخض السوق».
 
بالفعل حققت الدار الهدف وجعلت كل من في المعرض يتحدث عنها. فعندما تضاف وظيفة مبتكرة أو تعقيد جديد في الساعة، فإن هذا يعني أنها ستكون بسعر عال، وليس لزبون عادي لا يهتم بالتقنيات العالية والتعقيدات أو لا يقدرها. 
 
«مون بلان» سبحت ضد التيار وقدمت ساعة بمقاييس عالية وأسعار معقولة، فقط لأنها تحترم زبونها، ولا تستهين بخبرته وذوقه. 
 
طبعا هناك سبب مهم آخر وهو أنه بإمكانها ذلك بحكم أنها تصنع كل الحركات في معاملها الخاصة.
 
الساعة التي نقصدها هي ساعة كرونوغراف ميكانيكية مجهزة بمقياس النبض «بولسوميتر» وتدريجاته، على طول محيط مينا الساعة، وقد تمت معايرة هذا المقياس اللوغاريتمي على 30 نبضة مع تقسيمات فرعية كل عشرة وكل خمسة مع مسار بنمط سكة القطار.
 
تحيط تدريجة «بولسوغراف» بشكل مركز بمقياس الكرونوغراف للثواني المنقضية والمقسم بخطوات كل واحدة منها خُمس الثانية بما يتوافق مع تردد عنصر التوازن وهو 2.5 هرتز.
 
يشرح لي لامبرت أن الفكرة ليست تخفيض السعر لجذب الزبون، بقدر ما هي تقديم شيء مختلف تشعر من خلاله «مون بلان» أنها لا تزال سباقة ورائدة في المجالات التي تخوضها، سواء كان ذلك ساعة أو حقيبة يد. صحيح أن الجزء الخارجي، مثل التصميم واللون، أول ما يلفت النظر في حقيبة يد أو ساعة، إلا أن الابتكار الحقيقي يكون في غالب الأحيان بالداخل، في كل غرزة وكل خيط أو حركة أو وظيفة.
 
بإمكان أي شركة أن تقدم منتجا أرخصا، لكن المهم أن يكون بجودة عالية «فالمسألة ليست مسألة سعر، بل منح الزبون الإحساس بالمفاجأة والسعادة عندما يحصل على منتج فخم وبسعر معقول». هذا تحديدا سر احتفاظ «مون بلان» بشبابها وشعلتها المتأججة رغم أنها تعدت القرن بسنوات.