ارتفاع سعر الذهب ينعش سوق الحلي المقلدة في المغرب

«ليس كل ما يلمع ذهبا» وهذا بالفعل ما اصبح واقعا ملموسا في المغرب، بعد أن ارتفع ثمن الذهب ووصل الى عنان السماء، مما جعل الحل الوحيد امام العديد من النساء اقناع النفس بان كل ما يلمع ذهب. جولة خاطفة إلى أي من المراكز التجارية تؤكد لنا ظاهرة تتجلى بوضوح من خلال طوابير من الجنس اللطيف يتحلقن حول بائعي الحلي الذهبية المزيفة او المقلدة.


يؤكد احد تجار الذهب في الرباط، ان مبيعاته انخفضت بشكل كبير بسبب ارتفاع الاسعار، حيث وصل إلى 200 درهم (اقل من 20 دولارا) للغرام الواحد، في حين لم يكن يتجاوز الـ 90 او الـ 100 درهم. وتوقع ان يتحسن الاقبال نسبيا على الشراء مع حلول فصل الصيف، ليس لتحسن الأوضاع، بل لارتباطه بموسم الاعراس.

فالناس، حسب قوله، سيضطرون لشراء بعض الحلي الذهبية مثل الخواتم، والأساور التي تهدى للعروس، لأنه يستحيل تعويضها او التنازل عنها. واشار إلى انه يشتري الذهب أكثر مما يبيع أحيانا، لأن بعض النساء استغللن فرصة ارتفاع اسعار الذهب وبعن حليهن، من اجل الربح، الأمر الذي لم يكن معمولا به من قبل.

فقد جرت العادة أن تحافظ النساء المغربيات على حليهن المخصصة للزينة ولا يبعنها الا اذا كن مضطرات لذلك، مثل الوقوع في ضائقة مالية، او لتسديد ديون، او مساعدة الزوج في مشروع تجاري اذا ما فقد عمله، وغيرها من امور الحياة الطارئة.

فهي، كأي امرأة عربية، تفتخر بحليها وما تجمعه منها عبر السنوات حتى تورثها لبناتها. وتتنوع هذه الحلي عموما ما بين الخواتم، والاقراط ، وقلادات العنق والاساور التي تحرص أن يصل عددها الى سبعة توضع في اليد الواحدة، وتسمى «الشرتلة»، وأخيرا وليس آخرا «المضمة» او الحزام الذهبي.

والمفارقة في المغرب هي ان امتلاك الحلي الذهبية ليس مؤشرا على الثراء والوجاهة، حيث ان بعض الاسر الفقيرة تملك كمية منها تفوق ما تملكه بعض الاسر المتوسطة الدخل او الغنية، لأن الفتاة وبمجرد حصولها على عمل، تبدأ في ادخار قدر من المال من اجل شراء قطع من الحلي، بإيعاز من الأم.

ولا يهم إذا كانت الاجرة التي تتقاضاها لا تكفي حتى للمصاريف العادية، مثل شراء الملابس والاحذية والحقائب. ففي نظر الأمهات الحكيمات، هذه الاشياء تبلى ولا قيمة لها، في حين ان امتلاك بعض الحلي يعني أن سنوات العمل لم تكن هباء، فضلا عن انها تحمي من غدر الزمان.

ومن هنا تنتشر في المغرب ظاهرة شراء الذهب بالتقسيط من طرف عاملات وموظفات، وحتى من قبل ربات البيوت اللواتي لا يملكن أي دخل مادي كافٍ. فهن يعمدن إلى توفير قدر من المال من مصروف البيت، ودفعه في نهاية كل شهر للصائغ.

لكن في المقابل، هناك فئة اخرى من النساء يعانين من هوس اسمه استبدال الحلي القديمة بالجديدة، باسم الموضة. فكلما طرحت في الاسواق اشكال جديدة لخواتم، او قلادات، او اساور، يسارعن الى اقتنائها واستبدالها بما عندهن من حلي، غير مباليات بالخسارة المادية التي يتكبدنها من جراء هذه العملية.

والمفارقة هنا ايضا ان بعض النساء لا يرين في الحلي الذهبية التي تهدى لهن أي قيمة معنوية تستوجب الاحتفاظ بها مدى الحياة، فحتى خاتم الزواج يستبدل اكثر من مرة بآخر جديد، كذلك الاساور الوحيدة التي اهدتها الأم لابنتها.

اما في متاجر الحلي الذهبية المقلدة او المزيفة، فيؤكد احد التجار ان الاقبال المتزايد على شرائها هذه الايام يعود الى ارتفاع سعر الذهب الذي تزامن مع ارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية، وتأثير ذلك في القدرة الشرائية. فبعض الناس لم يعد باستطاعتهم توفير الضروريات فكيف بالكماليات وشراء الذهب للزينة؟.

لكن من الخطأ القول ان هذا هو السبب الوحيد لهذا الإقبال على المزيف، لأن تصميماته تطورت بشكل كبير وجذاب. فالاشكال مقلدة بشكل احترافي، ولونها اقرب الى لون الذهب الخالص، اذ لم يعد من السهل التمييز بينها وبين الاصلي من النظرة الأولى، والزمن الذي كان يعرف فيه الذهب المزيف من لونه المائل للحمرة الذي يبهت بسرعة، ولى إلى غير رجعة، فهو الآن يحافظ على لونه لمدة قد تصل الى ستة اشهر او عام، اذا تعاملت معه المرأة بعناية. فكل ما يحتاج إليه ليدوم بريقه عدم تعريضه للمياه، ولفه في قماش من القطن بعد الاستعمال.

لكن هذا لا يعني ان أسعاره الزهيدة ليست نقطة جذب للزبونات، فسعر خاتم مزيف متوسط الحجم مرصع بحجر ملون، لا يتعدى 8 دولارات، فيما قد يصل الاصلي إلى حوالي 200 دولار.

أمــا العنصر الآخر الذي تبرر به النســاء إقبــالهن على المزيف، انهن لا يستمتعن بحليـهـن الذهبيـــة الأصلية سوى في المنــاسبات الخاصة، فهن لا يتجرأن على ارتدائهــا فــــي الايــام العادية، أي عند الذهاب الى العمل او التسوق، خشية تعرضهن للسرقة، ومن هنــا تصبح الحلي المزيفة نافعة، ويمكن ارتداؤهـــا في أي وقت، الى حين عودة سعر الذهب إلى أرض