تطورات زراعة الصمام الأورطي .. اليوم وغدًا

تطورات في تقنية زراعته بالقسطرة .. وصنع نماذج مجسمة منه بالطباعة ثلاثية الأبعاد
تطورات في تقنية زراعته بالقسطرة .. وصنع نماذج مجسمة منه بالطباعة ثلاثية الأبعاد

تستحوذ اليوم عملية زراعة الصمام الأورطي باستخدام تقنية القسطرة، بدلاً من العملية الجراحية، على اهتمام عال في أوساط طب القلب.


وبعد تخطي العلاجات التدخلية باستخدام تقنية القسطرة القلبية حاجز معالجة تضيقات الشرايين القلبية وحاجز زراعة أجهزة تنظيم القلب وحاجز معالجة أنواع مختلفة من تشوهات العيوب الخلقية، وبالتالي منافسة الوسيلة الجراحية التقليدية في كونها سابقًا الوسيلة الوحيدة الممكنة لمعالجة الحالات المرضية القلبية لدى نسبة عالية من مرضى القلب، تتطور أيضًا وسائل زراعة الصمامات القلبية باستخدام تقنية القسطرة.

وما كان في السابق حلمًا طبيًا أصبح واقعًا يُمارس في مستشفيات ومراكز القلب المتقدمة في مناطق مختلفة من العالم، وأصبحت عمليات زراعة الصمام الأورطي إجراءً روتينيًا في تلك المراكز المتقدمة، ومن ثم بدأت تتراكم خبرة الأطباء المؤهلين لإجرائها كما تراكمت خبرة كيفية التعامل مع الحالات المعقدة وكيفية التعامل مع المضاعفات المتحملية وآليات المتابعة الطبية على المدى المتوسط والطويل.

الصمام الأورطي
ويعتبر تضيق الصمام الأورطي Aortic Stenosis أو الأبهر، أحد أمراض صمامات القلب الأعلى شيوعا في مناطق العالم، وخصوصا مع التقدم في العمر، وتشير الإحصائيات الحديثة إلى أن انتشار هذا النوع من ضيق الصمام الأورطي يُصيب نحو 5% من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 75 وأكثر.

وإذا تُرك هذا الضيق دون علاج فإن المرضى الذين يشكون من أعراض هذا الضيق في الصمام الأورطي يُمسون عرضة للوفاة بنسبة 50% في غضون عامين، أي أنها حالة ذات خطورة عالية في تهديد سلامة الحياة إذا ما بدأت أعراض مثل ألم في الصدر أو نوبات إغماء أو ضعف القلب.

ونتيجة لارتفاع مقدار العمر لدى المصابين بضيق الصمام الأورطي، ترتفع احتمالات مخاطر العمليات الجراحية، وبالتالي لا تكون الفرص في بعض الحالات ملائمة لنجاح إجراء العملية الجراحية لاستبدال الصمام القديم بزراعة صمام جديد.

وهذا الوضع فرض على الباحثين في طب القلب توسيع نطاق معالجاتهم التدخلية باستخدام تقنية القسطرة لتشمل زراعة صمام بديل مكان الصمام الأورطي المتضيق.

وكان دخول تقنية زراعة الصمام الأورطي بتقنية القسطرة في عام 2002 بداية عصر جديد ومختلف تمامًا في زراعة الصمام الأورطي وإزالة الأعراض الجاثمة على قلوب أولئك المرضى بضيق الصمام الأورطي وإزاحة الحالة المهددة لسلامة الحياة.

وكانت البدايات، لجوء الأطباء إلى توسيع الصمام الأورطي المتضيق كحل مؤقت في حالات الضيق الشديد، أو كجسر إلى حين تهيؤ ظروف المريض لكي يكون من المناسب إجراء العملية الجراحية، ثم تطورت الفكرة إلى وضع طريقة بالقسطرة لزراعة الصمام البديل في موقع الصمام القديم دون استئصاله.

وقد عزز النجاح التقني والإجرائي في وقت مبكر لهذه الطريقة الجديدة في الوصول إلى ما يُمكن الاعتماد عليه كوسيلة علاجية في تحسين فرص الحياة لمرضى التضيق الشديد في الصمام الأورطي ممنْ تتطلب حالتهم الصحية معالجة جذرية لمشكلتهم، وذلك عبر 13 سنة من الخبرة العالمية لتحقيق عدد الأهداف التي تشمل: نوعية الصمام الذي يتم إنتاجه لتتم زراعته، الطريقة التقنية لإجراء العملية من خلال القسطرة، التغلب على أي مضاعفات قد تنجم عنها أثناء الإجراء والمتابعة التالية بعد إجراء العملية تلك.

ومن ثم أصبحت عملية «زراعة الصمام الأورطي عبر القسطرة» Transcatheter Aortic Valve Implantation، أو ما يُعرف بـ«تافي» TAVI، بديلاً مقبولاً لـ«العملية الجراحية لاستبدال الصمام الأورطي» Surgical Aortic Valve Replacement.

الزراعة بالقسطرة
وضمن فعاليات اللقاء العلمي رقم 65 للكلية الأميركية لطب القلب الذي عُقد في الثاني من أبريل (نيسان) الحالي، عرض الدكتور سيشيل كودالي، طبيب القلب في مستشفى بريسبريتريان بمانهاتن في نيويورك، تطور استخدام هذه الوسيلة العلاجية التدخلية بالولايات المتحدة.

وأفاد بأن دخول زراعة الصمام الأورطي عبر القسطرة أتى متأخرا جدًا، ذلك أن إجراء هذه الوسيلة العلاجية التدخلية بالقسطرة وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA في عام 2011، تحت مسمى «استبدال الصمام الأورطي عبر القسطرة» TAVR، أي بعد 4 سنوات من موافقة الاتحاد الأوروبي CE Mark في عام 2007، وبعد 9 سنوات من البدء في إجراء هذه العملية على نطاق ضيق ضمن ضوابط إجراءات البحوث والدراسات على المرضى.

وموافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية على هذه الوسيلة العلاجية كحل بديل للعملية الجراحية في زراعة صمام أورطي آخر بدل الصمام المتضيق بشدة، واستندت إلى معيار تقييم المجمع الأميركي لجراحي الصدر، الذي يتوقع أن خطر العملية الجراحية في هذه الحالات هو أكثر 8% وأكثر من 15% خلال الشهر الأول ما بعد إتمام العملية الجراحية.

ثم في عام 2015 وسعت إدارة الغذاء والدواء الأميركية استخدام هذه الوسيلة العلاجية التدخلية لتشمل زراعة صمام فوق صمام حيواني سابق مزروع جراحيًا من قبل Valve - In - Valve.

كما تم عرض نتائج دراسة PARTNER 2A Trial، والتي تابعت معالجة المرضى ممنْ لديهم درجة «خطورة متوسطة» وبوجود تضيق شديد في الصمام الأورطي لديهم، عبر زراعة الصمام الأورطي بالقسطرة. وشملت هذه الدراسة أكثر من ألفي مريض، نصفهم خضعوا للعملية الجراحية ونصفهم الآخر لزراعة الصمام بواسطة القسطرة في الفترة ما بين 2011 و2013، وتبين من المتابعة لمدة سنتين أن مجموع معدلات الوفاة والإصابة بالسكتة الدماغية كان في حالات الزراعة بالقسطرة أقل من العملية الجراحية.

وعلق الدكتور مارتان ليون، الباحث المشارك في الدراسة وأستاذ الطب ومدير مركز العلاج التدخلي للأوعية الدموية في المركز الطبي لجامعة كولومبيا ومستشفى بريسبيتريان في نيويورك، بالقول: «على مدى الخمس سنوات الماضية حصلت زيادة في استخدام زراعة الصمام الأورطي بالقسطرة بناء على نتائج الدراسات الإكلينيكية، ولكنها كانت في الغالب تُجرى للمرضى ذوي الخطورة العالية، وفي هذه الدراسة وجدنا أن معدلات الوفيات ومعدلات السكتة الدماغية مقاربة وربما أفضل من الجراحة في حالات المرضى ذوي الخطورة المتوسطة».

والواقع أن نتائج هذه الدراسة تدفع إلى الأمام توسيع نطاق إمكانية استخدام هذه الوسيلة العلاجية التدخلية لتشمل المرضى ذوي الخطورة المتوسطة، أي أن لا يقتصر استخدامها على المرضى ذوي الخطورة العالية فقط. هذا بالإضافة إلى أن المدة الزمنية التي يقضيها المريض في المستشفى أقل مع عدم إجراء فتح الصدر جراحيًا وغيرها من المميزات التقنية في إتمام المعالجة بأقل قدر ممكن من الألم للمريض.

خيار علاجي
وضمن عدد مارس (آذار) من مجلة التصوير المقطعي للقلب والأوعية الدموية Journal of Cardiovascular Computed Tomography، عرض الباحثون من جامعة واشنطن في سياتل نتائج دراستهم استخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد 3D Printing في إنتاج مجسمات ثلاثية الأبعاد تحاكي الشكل الداخلي لمنطقة الصمام الأورطي التي سيتم فيها زراعة الصمام عن طريق القسطرة.

وأفاد الباحثون أنه في الوقت الحالي يتم الاعتماد على التصوير المقطعي والأشعة الصوتية عبر الصدر وعبر المريء في معرفة حجم المنطقة التي بناء عليها يتم انتقاء حجم الصمام المراد زراعته، ولكن هذه الصور ذات البُعدين لا تزال غير دقيقة بدرجة كافية وعالية، وإنتاج نموذج مجسم بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد يُتيح فرصة أفضل للتقييم ما قبل انتقاء حجم الصمام، مما يُعطي نتائج أفضل في زراعة الصمام الأورطي المناسب.

وتقول رابطة القلب الأميركية في نشراتها إن زراعة الصمام الأورطي بالقسطرة هو إجراء تدخلي لإصلاح واقع حال الصمام الأورطي المتضيق بوسيلة غير العملية الجراحية لفتح الصدر. وفيها يتم الدخول بالقسطرة إما عبر الشريان في أعلى الفخذ أو عبر الصدر. والعملية تشبه إلى حد ما تثبيت الدعامة في أحد الشرايين التاجية للقلب، وخلال عملية زراعة الصمام بهذه الوسيلة التدخلية يُدخل صمام مطوي بالكامل ثم تُنفخ بالونة بداخله لتعطي تثبيتًا للصمام داخل الصمام التالف. وتضيف أنه صحيح أن هذا الإجراء العلاجي لا يخلو من مخاطر ولكنه يوفر خيارًا علاجيًا مفيدًا جدًا للأشخاص غير المناسبين للخضوع للعملية الجراحية.

أسباب إصابة الصمام
وضيق الصمام الأورطي ينشأ نتيجة لعدد من الأسباب التي جميعها تؤدي إلى فقدان الصمام الأورطي مرونة حركة الشرفات الثلاث المكونة للصمام خلال الفتح والإغلاق، وبالتالي ونتيجة لصعوبة حصول فتح كاف للمجرى داخل الصمام، تقل كمية الدم التي يستطيع القلب ضخها لكل أرجاء الجسم.

وأسباب الضيق في الغالب تشمل تراكم الجير على شرفات الصمام أو حصول عمليات التهاب روماتزمي تؤدي إلى التصاق الشرفات بعضها ببعض، إضافة إلى أحد أنواع العيوب الخلقية التي يكون الصمام الأورطي مكونًا من شرفتين بدلاً من ثلاث.

ومن الأمور التي تسرع في ترسب الجير على شرفات الصمام: تقدم العمر، وكون الإنسان ذكرًا، وأن يكون تركيب الصمام منذ الولادة مكونًا من شرفتين بدلاً من ثلاث شرفات، كما أن ارتفاع الكولسترول ومرض السكري وارتفاع ضغط الدم والفشل الكلوي والتدخين، كلها عوامل تسرع من وتيرة عمليات ترسيب الجير على الصمام، ولذا يرى بعض الأطباء أن تصلب الشرايين وضيق الصمام الأورطي هما متشابهان ويحصلان في ظروف متماثلة.

والملاحظ طبيًا أن ضيق الصمام يحصل عادة بشكل متدرج وبوتيرة بطيئة نسبيًا، ولذا فإن ظهور الأعراض التي قد يشكو منها المريض أو العلامات التي يلحظها الطبيب أثناء فحص المريض، تأخذ في الغالب سنوات لتتكون. وأعراض الضيق في الصمام الأورطي تنتج عن أمرين، الأول نقص تزويد أعضاء الجسم بالدم والثاني زيادة إجهاد القلب بمحاولاته لضخ الدم من خلال ثقب صغير لتزويد الجسم بما يحتاجه من أكسجين وغذاء ضمن مكونات الدم.

وإجهاد القلب ينتج عنه تاليًا تضخم عضلة القلب وضعف عضلة القلب وصولاً إلى حالة فشل القلب، أي هبوط أداء القلب مما يظهر على هيئة ألم في الصدر مع بذل الجهد، لأن العضلة المتضخمة تحتاج إلى كميات عالية من الأكسجين لا يتوفر للشرايين التاجية تأمينها بقدر كاف، كما أن هبوط القلب يؤدي إلى تجمع المياه في الرئتين مما ينجم عنه ضيق النفس واللهاث عند بذل المجهود البدني، وهو ما تسوء حالته بالتدني المتدرج لقدرات القلب إلى أن يصل الحال في مراحل متقدمة إلى حصول ذلك أثناء الراحة وعدم بذل أي جهد بدني.

ونتيجة لنقص تزويد أعضاء الجسم المختلفة بالدم الكافي، تحصل حالات الإغماء نظرًا لنقص تدفق الدم إلى الدماغ، كما يحصل ألم في الصدر واضطرابات في إيقاع النبض نتيجة نقص تزويد عضلة القلب نفسها بالدم. ويعتبر حصول حالات الإغماء أو هبوط القلب أو الشعور بألم الصدر، مؤشرات عالية الخطورة لأن احتمال الوفاة حينها يتجاوز80% في خلال ما بين 3 إلى 5 سنوات، الأمر الذي يحتم اتخاذ قرار طبي لا تأخير فيه لعلاج ضيق الصمام.

المطلوب من المرضى المصابين بضيق الصمام الأورطي تنفيذ أمرين مهمين: الأول المتابعة الدائمة مع طبيب القلب، والثاني تجنب بذل المجهود البدني الشديد وحتى المتوسط، وهو أمر بالغ الأهمية في حالة متوسطي العمر والكبار. والمرأة المصابة به تمتنع عن الحمل تمامًا إن كان هناك ضيق شديد أو متوسط إلى ما بعد تغيير الصمام.

وينبغي اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون حصول التهاب بكتيري في الصمام، والوقاية هنا هي عبر أخذ مضاد حيوي مناسب قبل عمليات تنظيف الأسنان أو خلع الضروس أو غيرها من العمليات الجراحية، وهو ما يجب على المريض تنبيه طبيبه إليه.