السكري يدافع عن نفسه "الخنجر الذي قتلت به سوران تميم لم يكن في يدي "

شخص معتدّ بنفسه، له قدرة على الإقناع، ويوحي بإمكاناته الفائقة في التخطيط والتنفيذ.


لكن كل ذلك كان يحدث، على ما يبدو، من خلف ستار، لأن أحداً لم يشاهده وهو يقوم بما يقول به من إنقاذ لمختطفين في العراق أيام الفوضى الأمنية هناك عامي 2004 و2005، وفي أوقات مراقبته للمطربة اللبنانية سوزان تميم بعد ذلك.

المرة الوحيدة التي تأكد فيها قيامه بعملية ما بشكل فعلي، وكانت تتطلب منه أن لا يعرف بها أحد، فوجئ بأن تفاصيلها الدقيقة أصبحت على مرأى ومسمع العالم من مشرقه لمغربه.

ومع ذلك ما زال يصر على إنكار ارتكابه الواقعة وحال سبيله يقول إن «الخنجر الذي نُحرت به تميم لم يكن في يدي»، وإنما في يد أخرى هي التي ارتكبت الجريمة.

ربما لهذا السبب يرفض ضابط أمن الدولة المصري السابق، محسن منير علي السكري، المتهم الأول في قتل تميم، مواجهته بالمتهم الثاني (بالتحريض) رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى.

لكن محاميه المستشار عاطف المناوي دافع عنه وقال إنه رغم الأدلة والقرائن التي جمعتها كل من سلطات التحري والتحقيق في الإمارات ومصر، فإن الضابط السابق لم يقتل ..«هو كان يرفض فكرة القتل»، وإنما اتفق مع مصطفى لتوريطها في جريمة تهريب مخدرات، ولم ينف أن السكري كان يحصل من المتهم الثاني على أموال نظير مراقبة المطربة اللبنانية.

من ناحية ثانية، تبدو مخاوف السلطات الأمنية المصرية والإماراتية من إقدام السكري على الانتحار في محلها، لأنه حسب المصادر، ليس أمراً سهلاً أن يجد رجل أمن سابق، ومحترف في ملاحقة الإرهابيين، وتأمين مقر للشخصيات رفيعة المستوى، محاصراً بعد كل هذه التجارب والخبرات بسيل من الأدلة الدامغة على ارتكابه جريمة سهلة لا تقارن بما كان موكلا إليه القيام به من تأمين لشركة «عراقنا» للهواتف المحمولة، في بغداد وما حولها، قبل ثلاث سنوات، وأخيراً كمدير لأمن واحد من أكبر الفنادق التي يرتادها كبار رجال الأعمال والسياسيين في العالم، وهو الـ«فور سيزونز» بشرم الشيخ على البحر الأحمر.

وقد يكون السكري (39 سنة)، مالك شركة الأمن الخاصة، قد أدرك المأزق الذي يواجهه، وأنه أراد الخلاص بطريقة ما، إذ قالت مصادر أمنية إنها، إضافة لاستمرار توجسها من مغبة إقدامه على الانتحار داخل مقر احتجازه بجنوب القاهرة، اكتشفت أنه كان يوم القبض عليه في فندق عائم بمنطقة الزمالك في العاصمة المصرية، في طريقه للهروب إلى خارج البلاد، والتوجه إلى دولة البرازيل.

من وجهة نظر مكتب المحاماة المصري المكلف بالدفاع عنه، والذي ترتبط أطراف فيه بعلاقة صداقة قديمة بالسكري، فإن الأخير (وهو متزوج ولديه طفلة، ومن أسرة محترمة وكان والده ضابطا أيضاً) يتميز بتعدد صداقاته التي يُحسد عليها منذ عمله كضابط برتبة نقيب في أمن الدولة بمصر.

وكذلك بعد استقالته عام 1999، وعمله بعد ذلك بسنوات كضابط أمن في شركة يملكها رجل أعمال مصري للهواتف المحمولة بالعراق. ثم عمله أيضاً كضابط أمن في فندق تملكه مجموعة «طلعت مصطفى».

الصور التخيلية التي رسمها فنانون مصريون في بعض الصحف المحلية تُظهر وجه محسن السكري مربعاً وينم عن تركيبة بدنية عفيّة.

ولأنه لم تنشر له صور منذ القبض عليه حتى الآن، فمثل تلك الرسوم التخيلية تسهم بطريقة ما في استكمال نسج مشهد المواجهة الأولي بين المطربة ذات الجسد النحيف إلى حد ما، والرجل القوي بخنجره العسكري الحاد يوم الثامن والعشرين من شهر يوليو (تموز) الماضي.

 إلا إنه منذ ذلك اليوم الذي قتلت فيه تميم، والشرطة، بل الرأي العام، عاجز عن استيعاب الدوافع التي أدت إلى وقوع جريمة شديدة البشاعة بمثل هذا الانكشاف والسهولة في التدبير والتخطيط، وكأن مرتكبها عديم الخبرة بمثل هذه الأعمال التي تتطلب حساً مرهفاً وتدقيقاً ومحواً للآثار وتنظيفاً لكل ما يدل على مَنْ قد يكون ارتكب الجريمة.

ولهذا، وباعتبار أن ما حدث ليس جريمة فقط، بل فضيحة وسذاجة في إجرام مدفوع لتنفيذه مليونا دولار أميركي وأكثر، كانت فكرة إقدام السكري على الانتحار في مقدمة الروايات التي تناقلها المتابعون للقضية فور الكشف عن ملابساتها، وسرعة الوصول للقاتل وجمع الأدلة الدامغة على ارتكابه الحادث الشنيع.

فبالإضافة إلى الصور التي التقطتها كاميرات البناية التي كانت تقيم فيها المطربة اللبنانية، ترك السكري خلفه دليلا محترماً أسهم في سرعة وصول الشرطة إليه، إذ يعتبر من الخطأ بحسب أبسط قواعد الإجرام المتاحة في أفلام هوليوود، أن تشتري خنجرا حربيا لا تستخدمه إلا القوات الخاصة، ولا يباع إلا في محال معينة، لتستخدمه، كالمتهم، في تنفيذ جريمة ما.

بل الأدهى من ذلك أن عملية الشراء لم تتم بأموال نقدية سائلة بل ببطاقة ائتمان «فيزا كارد» تحمل اسم السكري ذاته.

وبهذه الطريقة أمسك أول الخيط، من مطار دبي لمطار القاهرة، لضاحية الزمالك حيث ألقي القبض عليه مطمئناً في حمام سباحة بفندق هناك.

ورغم نفي محاميه هذه الأوصاف، تقول مصادر أمنية مصرية إن السكري كان خلال عمله كضابط أمن دولة حتى أواخر التسعينات «كثير الأخطاء وكثير الخلافات مع زملائه»، وأنه «ساذج ومتهور وعصبي»، وأنه «فُصل من الشرطة بسبب استهتاره».

وفي المقابل يقول مقربون منه إنه بعكس ذلك تماماً، أحب العمل في جهاز أمني ضخم كجهاز الشرطة، منذ التحاقه به.

وأنه سافر للخارج لاجتياز دورات في اللياقة الأمنية، إضافة لدورات في مكافحة الإرهاب، وإنه هو الذي اضطر لتقديم استقالته من العمل بالداخلية بعدما فشل في العودة لعمله بجهاز أمن الدولة التابع لها لأسباب غير معروفة.

اتجاه السكري لتأسيس شركة أمن خاصة بعد خروجه من الخدمة الشرطية فتح أمامه الباب للتعرف على العالم الواسع لرجال المال والأعمال. وترددت معلومات عن أنه تعرض للاختطاف أثناء عمله في تأمين شركة «عراقنا» في بغداد عام 2005، وأطلق سراحه بفدية.

لكن هذه المعلومات تظل في بحر من الشكوك حول علاقة السكري بعراقيين أثناء تلك الفترة، لنسج قصص عن اختطافه أو الإيعاز لمختطفين باختطاف مهندسين من الشركة، وتقاسم حصيلة الفدية مع الخاطفين، أو أنه كان بالفعل لديه القدرة على تحرير مختطفين من خاطفيهم المسلحين، بكل شجاعة.

المهم أنه ترك العمل بالعراق، لكنه لم يترك العمل إلى جانب رجال الأعمال، وكان آخر ممن تقرب منهم السكري إلى حد كبير، هو هشام طلعت مصطفى. وفي التحقيقات أصرّ السكري على نفي واقعة القتل لكنه اعترف بحصوله على مليوني دولار من مصطفى، قائلاً إن وجوده في دبي وقت ارتكاب الجريمة كان مصادفة.

كذلك نفى مصطفى جميع اتهامات السكري أو أية صلة له بالواقعة، لكن الأدلة ما زالت تحاصر المتهمين وما زال الإنكار سيد الموقف، وحال سبيل السكري قوله «الخنجر لم يكن في يدي».

وفي تطور جديد تلقى النائب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود أمس، بلاغا من أحد المحامين، الذي لم يُكشف عن اسمه بعد، ويطالب في البلاغ بالتحفظ على أموال رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، المتهم الثاني في قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، الرئيس السابق لمجموعة «طلعت مصطفى» التي تدير مشروعات إسكانية وسياحية وزراعية بمليارات الجنيهات.

وقال فريد الديب محامي مصطفى، إن هذا الطلب غير جائز لعدة أسباب، الأول أن الدعوى في قضية المطربة تميم خرجت من يد النيابة العامة (بإحالتها للمحكمة)، والثاني أن «التحفظ على الأموال لا يكون إلا في الجرائم التي من المحتمل أن يُحكم فيها بغرامة لصالح الدولة، مثل جرائم الأموال العامة، وهذا غير موجود في قضية هشام طلعت مصطفى».

وعن السبب الذي يجعل محامياً يتقدم بمثل هذا البلاغ للنائب العام، إذا كان يعلم أنه لا محل له من الإعراب، علق الديب قائلاً «قد يكون المحامي غاوي شهرة وأدخل نفسه في قضية تميم طلباً للانتشار الإعلامي».

وتقدم أحد المحامين، ببلاغ للنائب العام المصري يطالب فيه بالتحفظ على أموال رجل الأعمال مصطفى.

وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية مساء أمس، إن مقدم البلاغ (الذي لم تذكر اسمه)، أشار إلى أن «هشام طلعت مصطفى عليه أموال مستحقة الدفع لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة (حكومية) التي قامت بمنحه مساحات كبيرة من الأراضي بالمدن الجديدة، والتي أقام عليها مشروعاته».

وتابعت أن المحامي طالب النائب العام بالتحفظ على أموال مصطفى تمهيدا لفرض الحراسة عليها، و.. «أيضا للحفاظ على المشروعات الموجودة لديه والتي قام المواطنون بحجزها».

ولم يتسن الاتصال بالرئيس الجديد لمجموعة «طلعت مصطفى»، طارق طلعت مصطفى، إذ كان هاتفه الجوال مغلقاً حتى تهيئة الجريدة للطبع.