هل يرتبط «الاكتئاب ثنائي القطب» بالبدانة؟

أعراض متفاوتة من الهوس والكآبة تنتشر لدى المراهقين
أعراض متفاوتة من الهوس والكآبة تنتشر لدى المراهقين

يرتبط حدوث الاكتئاب والبدانة - في الأغلب - ارتباطًا وثيقًا مع بعضهما، إذ إن كلاً منهما يمكن أن يسبب حدوث الآخر بشكل بديهي. وعلى الرغم من أن هذه الفرضية تحمل حقيقة علمية في البالغين إلا أن الأمر يمكن أن يكون مختلفًا قليلاً في الأطفال والمراهقين، خاصة في الاكتئاب ثنائي القطب bipolar depression؛ وذلك حسب أحدث الدراسات التي تناولت ارتباط البدانة والاكتئاب.


ويحظى كلا المرضين باهتمام بالغ على المستويين الصحي والاجتماعي لما يسببان من تحديات صحية تمثل عائقًا أمام المجتمعات للحفاظ على صحة الأجيال المقبلة، سواء على المستوى النفسي أو المستوى العضوي، حيث إن البدانة تعتبر من الأسباب الرئيسية للإصابة بأمراض القلب ومرض السكري من النوع الثاني، كما أن الاكتئاب يعتبر واحدًا من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الوفاة عن طريق الإقدام على الانتحار.

هوس واكتئاب
من المعروف أن الاكتئاب ثنائي القطب (الهوس الاكتئابي) من أوسع الأمراض النفسية انتشارًا بين صفوف المراهقين وتعني كلمة ثنائي أن المرض له أعراض متباينة، تمثل وجها مختلفا، حيث ينتقل المريض من أقصى مرحلة إلى عكسها تمامًا وبمنتهى الحدة في فترة وجيزة وأحيانًا في الفترة الزمنية نفسها.

أي وبمعنى أن المراهق يمكن أن تنتابه في بعض الأحيان نوبات من الحزن والخمول وفقدان الرغبة في عمل أي شيء (مثل مرض الاكتئاب العادي) وفي بعض الأحيان الأخرى تنتابه نوبات من السعادة والنشاط المفرط والاستعداد للإقدام على عدة أعمال، مما يبدو مخالفًا لحالته الأولى.

وهذا المرض هو عكس المتعارف عن الاكتئاب بشكله التقليدي، وهو الأمر الذي يزيد التشخيص صعوبة؛ حيث يعتقد الأهل والمحيطون بالمراهق أن هذه التغيرات قد تكون طبيعية في فترة المراهقة.

وعلى الرغم من غرابة المرض إلا أن نسبة حدوثه تعتبر كبيرة نسبيا. وتقريبا يعاني نحو 3 في المائة من الأميركيين منه. ومعظم الحالات تبدأ في فترة المراهقة، وليس هناك سبب محدد لحدوثه إلا أن هناك بعض العوامل التي يمكن أن تساهم في حدوثه مثل العامل الجيني؛ وكذلك اختلال الهرمونات والظروف البيئية المحيطة وبطبيعة الحال يمكن للضغوط النفسية المختلفة أن تكون عاملاً مؤثرًا في الإصابة.

وتعتبر الدراسة التي قام بها علماء من جامعات أميركية وكندية ونشرت أخيرًا في مجلة الأكاديمية الأميركية للطب النفسي للمراهقين والأطفال Journal of the American Academy of Child and Adolescent Psychiatry، الأولى من حيث حجم المشاركين فيها التي تفحص هذا الارتباط على عينة من سجلات المراهقين الأميركيين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا في الفترة من عام 2001 وحتى عام 2004 من الذين عانوا من مشكلات نفسية مختلفة، وأيضًا على مجموعة أخرى من الأصحاء في مجموعة ضابطة control لقياس مدى الاختلاف، وشملت 295 شخصًا يعانون من الاكتئاب ثنائي القطب. وكانت نسبة الذين يعانون من البدانة منهم 37.9 في المائة. وأيضًا شملت الدراسة 1,112 من الذين يعانون من أعراض كبرى للاكتئاب، وكانت نسبة البدانة في هؤلاء 32.4 في المائة، وفي المقابل كان هناك عدد 8,716 ممن لا يعانون من أي من المرضين، وبلغت نسبة البدانة لهذه المجموعة 32 في المائة فقط.

تأثير البدانة
وتشير هذه النسب المتقاربة إلى أن الاكتئاب لا يرتبط بالبدانة بشكل وثيق؛ حيث إن نسبة البدانة في المراهقين الأصحاء تكاد تكون نسبة الاكتئاب نفسه أحادي القطب بفارق 0.4 في المائة فقط. وفي الاكتئاب ثنائي القطب تقترب من 6 في المائة فقط، وهو ما يغير النظريات السابقة التي ربطت بين ازدياد معدلات البدانة في المراهقين المصابين بالاكتئاب ثنائي القطب بالمقارنة بالأصحاء.

ويرى الباحثون أن هذه النتائج على الرغم من أنها كانت مدهشة لهم شخصيًا إلا أنها تعتبر مؤشرًا جيدًا لعلاج البدانة بمعزل عن العلاج النفسي والتعامل معها باعتبارها مشكلة إكلينكية في الأساس حتى مع الاعتراف بإمكانية تسببها في حدوث أزمات نفسية.

وأوضح الباحثون أنه على الرغم من أن البدانة ليست منتشرة في المراهقين الذين يعانون من الاكتئاب ثنائي القطب أكثر من أقرانهم، إلا أن هناك ربطًا بين البدانة وبين حدة أعراض الاكتئاب، مثل الحجز في المستشفيات النفسية، وأيضًا زيادة الإقدام على محاولات الانتحار تزيد على مثيلتها في المرضى الآخرين، مثل الذين أصيبوا بالاكتئاب جراء الاستغلال عبر الإنترنت، أو اضطرابات الطعام، وكذلك ضحايا العنف الجسدي والجنسي.

وأعرب الباحثون عن قلقهم من هذه الملاحظة، وأشاروا إلى أن العينة التي تم فحصها حتى وإن لم تكن إكلينكية (بمعنى أنها كانت إحصائيات فقط دون الخضوع للكشف الإكلينكي) إلا أن النتائج كانت واضحة بالشكل الكافي، وقد يكون هذا بمناسبة الأعراض الجانبية لبعض أدوية الاكتئاب ثنائي القطب التي من شأنها أن تزيد الوزن للمرضى الذين يعانون بالفعل من حدة هذه الأعراض.
وأكد العلماء على ضرورة أن يكون هناك المزيد من الدراسات عن كيفية ارتباط البدانة بحدة الأعراض في المراهقين ثنائي القطب، بحيث تؤثر في اضطرابات التفكير، وأيضًا إلى حدوث تغيرات كيميائية في الدم، وفي المؤشرات blood markers التي تسبب الالتهاب المصاحب للاكتئاب، ومعرفة إذا كان علاج البدانة يمكن أن يفيد في علاج حدة هذه الأعراض، وتغيير الدلالات الكيميائية في الدم من عدمه، خاصة وأن فحص هذه البيانات الذي قام بها الباحثون كان مماثلاً لفحص قامت به منظمة الصحة العالمية من قبل، ولكن شمل مراهقين من عدة دول وليست الولايات المتحدة بمفردها مثل الدراسة الحالية.