باسم الموضة الراقية .. ضاعت راحة القدمين

لا تزال مقولة الفليسوف لاتزو، الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد بأن «رحلة الألف ميل تبدأ بالحصول على الحذاء المناسب»، ترن في آذاننا وتؤكد مدى صدقها اليوم أكثر من أي وقت مضى.


فأشكال الأحذية التي تطالعنا من كل صوب، أصبحت فنية أكثر منها عملية عدا عن ارتفاع كعوبها الصاروخية التي تصيبنا بالدوار لمجرد النظر إليها، مما لا يترك أدنى شك بأن الدكتور سيغموند فرويد، كان سيكون له رأي فيها لو كان بيننا، خصوصا أن أغلبها من تصميم الجنس الخشن.

المصمم كريستيان لوبوتان «يهدد» إن صح التعبير بأنه سيطرح قريبا جدا حذاء بكعب يصل إلى 8 بوصات، أي الأعلى لحد الآن، إذا أخذنا بعين الاعتبار انه مصمم للمشي به في الشوارع والمناسبات.

الناظر إلى هذه التصميمات لا بد ان يندهش لهذه الفنية «العالية»، وليس ببعيد ان ينبهر بها وتتوق لها نفسه، ولو من باب الفرجة والاستعراض، لأن ارتداءها والمشي بها لساعات من سابع المستحيلات، في الكثير من الحالات.

ولا تقتصر فنيتها وابتكارها على الأشكال الطبيعية أو أدوات من حياتنا اليومية، بل أيضا تستمد الكثير من الأشكال المعمارية.

فتصميمات «إير ماكس» من شركة نايكي مثلا استلهمت من مركز بومبيدو بباريس، ومانولو بلانيك اخذ الكثير من معالم بنايات اسطمبول ودار «شانيل» من أشكال المدرجات المتراصة فوق بعضها بعضا وهكذا.

ورغم ان اشكال الكعوب وطرق تزيينها وصياغتها، تختلف من مصمم إلى آخر، إلا أن الـ «ستيليتو» وهو الشكل الرفيع والعالي المستوحى من خناجر قطاع الطرق في القرون الوسطى، يبقى في مخيلة كل واحد منهم عنوانا لقوة الأنوثة، وليس أدل على هذا من تصميمات برونو فريزوني مصمم ماركة «روجيه فيفييه» التي أطلق عليها «سباين» أي العمود الفقري، إشارة إلى شكله المتشابك من الأمام، وايضا إلى ارتفاعه، وربما تكون قد غابت عليه ان التسمية فيها نوع من السخرية، لأنها قد تشير ايضا للآلام التي يمكن ان يسببها للعمود الفقري.

لكن هل يعني ان المرأة سترتدع أو تعزف عنه من أجل صحتها؟.
الجواب معروف ولا يمكن لأي عاقل ان يصدق ولو لحظة هذه الاحتمالية، لأن غالبية النساء يعانين من حالة اسمها «إيميلدا ماركوس» (للدلالة على سيدة الفيلبين الأولى سابقا التي كانت تمتلك الآلاف من الأحذية). فكل الألم يهون من أجل الحصول على هذا النوع من الأحذية، التي تمثل بالنسبة للبعض تحفا فنية تثري أناقتهن وتزيد من قيمتهن.

أخيرا ظهرت مادونا بحذاء من دار «شانيل» أخذ كعبه شكل مسدس، كان له وقع سيئ جدا على البعض، نظرا لإيحاءاته التي قرأوها على أنها تشجع ثقافة حمل السلاح بين المراهقين واستعمالهم له مما خلف عددا من الموتى في صفوفهم.

وقبلها ظهرت فيكتوريا بيكهام، زوجة لاعب الكرة البريطاني ديفيد بيكهام، بحذاء عالي الساق للمصمم الإنجليزي الإيطالي أنطونيو بيراردي، يصل ارتفاع كعبه إلى أكثر من 6 سنتيمترات من الأمام ومن دون كعب، بحيث كانت تبدو وكأنها تمشي على أصابع قدميها.

فيكتوريا ردت على منتقديها بأنها «لا تستطيع التركيز» إذا لم تكن ترتدي كعبا عاليا، مضيفة انها لا تستطيع ارتداء حذاء منخفض، بما في ذلك أحذيتها الرياضية، التي تتوفر كلها على كعب «ويدج».

وفيكتوريا ليست وحدها التي تعاني من هذه المشكلة، إن صح التعبير، فهناك العديد من النساء اللواتي تعودن على هذه الكعوب إلى حد أن اقدامهن تقولبت عليها، ولم يعد باستطاعتهن الاستغناء عنها.

فمع الوقت يشعرن بالألم والتعب عندما يلبسن أحذية من دون كعوب أو بكعوب منخفضة، لكن تبقى هذه الشريحة قليلة مقارنة مع غيرهن.

فقد كشفت دراسة بريطانية أجرتها شركة (إم بي تي) للأحذية أن النساء في بريطانيا وحدها ينفقن 29 مليون جنيه إسترليني سنويا على عمليات جراحية لمعالجة الأضرار التي تصيب أقدامهن جراء ارتداء أحذية ذات كعوب عالية.

 من بين الإصابات المؤلمة التي تعاني منها هؤلاء، انثناء أصابع القدمين والضغط على الأعصاب وتركيب مفاصل لأصابع القدم. جاءت شكوى واحدة من كل خمس شكاوى من الآم القدم متعلقة بالتهاب مفصل إبهام القدم، وألم العظام وتشويه في المفصل مما يسبب انثناء في إصبع القدم الكبير إلى الداخل.

ليس هذا فحسب، بل ويقال إن ارتداء كعب عال قد يقلل من مستوى الانتباه العقلي، حيث يحد من وصول الدم إلى العضلات والمخ، مما يتناقض مع قول فيكتوريا أنه لا يمكنها التركيز عندما لا ترتدي كعبا عاليا.

تجدر الإشارة إلى أن عملية تقويم أصابع القدمين وحدها تكلف حوالي 1.200 جنيه إسترليني، بينما تتكلف إزالة مسامير القدم حوالي 4.000 جنيه إسترليني، ومع ذلك لا التكاليف المادية ولا المضاعفات الصحية تبعد هؤلاء عن هذه الموضة التي تزيد تميزا موسما بعد موسم، حتى انها تغري من لا تميل إلى ارتفاع بوصة واحدة إلى اقتنائها ولو تطلب الأمر تلقي دروس في المشي من أول.

صحيح أن هذه الأحذية تضفي على الساق طولا وجاذبية، إلا أنها لا تناسب كل النساء، حسبما تقول زوي دراكيولي، وهي منظمة عروض أزياء «إذ ما هي الفائدة من حذاء رائع إذا لم تستطع صاحبته ان تمشي فيه بطريقة انثوية، مرفوعة الرأس وواثقة؟».

وهذا بالضبط ما تتقنه النجمات، بدءا من غوينيث بالترو التي أصبحت تطل علينا في الآونة الأخيرة بأحذية عالية جدا، الأمر الذي، يقال انه كان السبب في زيادة مبيعات الكعب العالي في النصف الأول من هذا العام، حسبما نشرت بعض المجلات، هذا عدا عن نجمة فيلم «سيكس اند ذي سيتي» سارة جيسيكا باركر التي ظهرت في حذاء بكعب يصل إلى حوالي 12 سنتيمترا من دار «ديور» تهادت به وكأنها تمشي على حذاء «باليرينا».

يقول لي لابثورن، وهو مستشار موضة ان السير على هذه الأحذية ليس بالأمر المستحيل، خصوصا أنه يمكن للمرأة العادية ان تتدرب في منتهى السرية وفي عقر بيتها، بالمشي على حذائها العالي، حتى تتعود عليه وعلى علوه، مع استخدام مرآة تظهر الجسم كله والأخطاء التي ترتكبها صاحبته في حق أناقتها ومظهرها عندما لا يكون ظهرها مستقيما ورأسها مرفوعا ومشيتها واثقة.

والطريقة حسب شرحه أن تجعلي: «ساقيك قريبتين من بعضهما بعضا ومستقيمتين قدر الإمكان.

ثم تخيلي أن هناك خطا مستقيما أمامك عليك ان لا تحيدي عنه، وان تجعلي كل خطوة ممتدة أمام الأخرى».

يضيف لي: «ان الكعب العالي يناسب حتى فارعات الطول مثل العارضات، لأنه يطيل الجسم ويجعلهن أكثر أناقة.

لكن حتى عارضات الأزياء يسقطن، وإذا حدث لك هذا، قومي بكل بساطة واستمري في المشي بثقة».

من جهتها، تقول كاميلا مورتون الكاتبة في مجال الأزياء ومؤلفة كتاب «كيف تمشي في حذاء ذي كعب عال»: «تذكري أن الكعب العالي مثل القواعد المتحركة، تجذب الأنظار لأعلى».

 تجدر الإشارة إلى أن كاميلا عملت سابقا مع مصمم الأحذية الشهير مانولو بلانيك، الأمر الذي يعطيها الحق بأن تدلي بدلوها في هذا المجال. ومن النصائح التي أدلت بها في هذا الخصوص:

- اختاري الحذاء المناسب لك. وليس بالضرورة أن يكون أغلى زوج من الأحذية، لكن تذكري أنها فكرة اقتصادية سيئة أن تشتري أحذية رخيصة.

- إذا اشتريته لحضور مناسبة مهمة، لا بأس ان تتعرفي على نوع الأرضية التي ستسيرين عليها. فالأرض المليئة بالحشائش والكعب العالي الرفيع لا يتفقان، مثلا.

- ابحثي عن مركز جاذبيتك لترتكزي عليها في الاحتفاظ بتوازنك ورشاقتك. وكلما أصبحت ماهرة في المشي اجعلي كعبك أكثر ارتفاعا.

- دربي ساقيك والجزء الأعلى منهما أن يكونا في صورة جيدة. انسي الأجهزة الرياضية، فالذهاب إلى التسوق يعتبر تمرينا أيضا، خاصة في السوبرماركت.

احصلي على عربة تسوق واستعمليها مع زوج جديد من الأحذية بكعب عال لاختباره وستجدين نفسك تسيرين بسهولة في ممرات المكان.

وسائل تبعد عنك الألم
- الاستعانة بعملية تعتمد على «النفخ»، وهو إجراء مؤلم يُحقن فيه حشو جلدي في نتوء القدم ليصبح المشي بحذاء بكعب عال مريحا إلى حد ما. لكن آثار هذه العملية مؤقتة، ولن تقلل من احتمالات انثناء أصابع القدمين.

- لهؤلاء اللاتي لا يفضلن غرز الإبر في أقدامهن، هناك مجموعة من البدائل الأخرى، مثل المجموعة التي تقدمها ماركة «سكول» باسم «بارتي فيت» وتحتوي على حشو ووسائد تجعل ارتداء الكعب العالي أكثر احتمالا لبضع ساعات.

- الحشو الهلامي: ويستعمل تحديدا لتخفيف الألم في مفاصل أصابع القدمين. ويمكنك الحصول عليه بمبلغ 4 جنيهات إسترلينية من صيدليات «بوتس» إذا كنت ببريطانيا، ولا شك انه متوفر في الصيدليات ومحلات متخصصة في كل انحاء العالم.

- إذا لم تكن فكرة وضع حشو في حذائك تروق لك، يمكنك أن ترتدي حذاء مزودا بالحشو في الداخل. فقد توصل الطبيب هوارد دانانبيرغ، وهو خبير في معالجة الأقدام، إلى تكنولوجيا اسمها «إنسوليا» تقوم على وضع بطانة داخل هيكل الحذاء تضمن لمرتديه أن لا يشعر بأي تعب أو ألم يذكر.

وتركز هذه التكنولوجيا على تحويل ثقل وزنك من أصابع قدميك إلى كعبيك للتحسين من وضع جسمك واتزانه. وتعتبر دونا كاران واحدة من المصممين الذين يستخدمون هذه التكنولوجيا في تصميماتها.

همسات
- تجدر الإشارة إلى انه ليس كل كعب يناسب كل قوام، فالبعض منها يمكن ان يجعل الساقين تبدوان طويلتين ورفيعتين، أو العكس، قصيرتين وممتلئتين، لذا فإن حجم الكعب وشكله وارتفاعه مهم جدا.

أيضا إذا كانت الساقان عريضتين، من الضروري تجنب الكعوب القصيرة المدورة أو المربعة، لأنها ستجعلهما تبدوان أكثر امتلاء، في هذه الحالة، عليك بالأحذية ذات الكعب المسطح «البلاتفور» لإيجاد التوازن المطلوب.

 أما إذا كانت الساقان نحيفتين، فيفضل تجنب الكعوب العالية الرفيعة، لأنها ستجعلهما تبدوان أكثر نحافة.

- قفي مستقيمة لأنه عندما يكون ظهرك منحنيا يكون كل الثقل على الجزء الأمامي من قدميك.

- لتتعلمي كيف تمشين بحذاء عال جدا، يمكن ان تحجزي درسا مع خبيرة. محلات جون لويس بلندن مثلا تقدم هذه الخدمة.