الرسم على الجدران .. يشيع الحيوية ويموه على عيوب المساحة

بلمسة فرشاة يتحول حائط منزلك إلى لوحة تأخذك إلى عالم من المتعة
بلمسة فرشاة يتحول حائط منزلك إلى لوحة تأخذك إلى عالم من المتعة

شيء أقرب إلى السحر تكتسب بموجبه الجدران الصلبة حيوية يصعب وصفها.


فبلمسة فرشاة، يتحول حائط منزلك إلى لوحة تأخذك إلى عالم من المتعة بعد يوم مليء بالعمل، أو تفتح أمامك آفاقا رحبة شاسعة، رغم كونك حبيس أمتار قليلة.

بالفرشاة والألوان يمكنك، كذلك، ان تبوح بما يعتمل بداخلك وتترجمه أمام ناظريك، فيعكس ذوقك وشخصيتك.

فطن الإنسان لهذا النوع من البوح الفني منذ قديم الأزل، فقد حفلت كهوف الإنسان البدائي بكل تفاصيل حياته واشتباكه مع الدنيا والطبيعة، دونها على هيئة رسومات بسيطة وفطرية ما زالت بعض آثارها باقية إلى الآن.

بحسب مهندس الديكور فوزي العوامرى، فإن الرسم على الجدران، يمثل نوعا من السحر «نستنشق من خلاله عبق الحضارات وتاريخها، بما في ذلك الحضارة الفرعونية التي يستوحي الفنانون الكثير من رموزها ويصبغونها على إبداعاتهم الخاصة.

فالرسوم التي تركها الفراعنة على معابدهم وقصورهم ومقابرهم كانت ثرية بالأفكار والخيال الخصب، واتسعت لتشمل رؤى فلسفية عن حياة ما بعد الموت بالإضافة إلى معاركهم وفتوحاتهم، والأهم من ذلك كله قدر البهجة والجمال الذي تشعه تلك الرسوم حولها». أما في حياتنا المعاصرة، فيطل الرسم على الجدران كواحد من أرقى عناصر الديكور.

وبحسب العوامري تتعدد خيارات الرسم، فهناك «التعتيق الفينيقي» ويكون برسم حجارة معتقة على الحائط بطرق حديثة، وهناك «الترخيم» ويعني إحداث تأثيرات باستخدام درجات مختلفة من لون واحد فيعطي للناظر إحساسا بأن الحائط اكتسى بالرخام، كما يمكن استخدام الطباعة «الاستنسل» للرسم على الحائط ويكون ذلك بتفريغ الرسم الذي يقع عليه الاختيار بواسطة آلة حادة ووضعها على الجدار ثم الدق عليها بفرشاة الألوان أو قطعة من «الإسفنج» مشبعة بالألوان.

وقد شاع استخدام هذا النوع من الرسم على الحوائط منذ القرون الوسطى، وإن كان البعض يصنفه ضمن فنون الطباعة أكثر من الرسم.

وطبقا للمتخصصين، فإن الرسم على جدران المنازل كان دافعه الأول شعور ساكني القصور بنوع من الوحدة أو العزلة، فلجأوا إلى ملئها بشتى الرسومات الموجودة في الحياة لكي تعطي للمكان حيوية.

ويتطلب الرسم على جدران المنزل، حسب العوامري، مراعاة اعتبارات عديدة حتى يظهر في صورة أنيقة ومناسبة، منها ضرورة أن يكون الحائط الذي سيقع عليه الاختيار هو الأنسب حتى لو تطلب ذلك تبديل أماكن قطع الأثاث.

كما يجب تحديد أبعاد ما في المكان من وحدات إضاءة وتهوية، سواء كانت نوافذ أو شرفات أو إضاءة صناعية لخلق نوع من التناسق بين الضوء والألوان، فلا تتركز الإضاءة في جانب عن الآخر أو تختفي.

فإذا كانت الغرفة المراد الرسم فيها تقع في الجزء الشرقي من المنزل، يعني ذلك أن الشمس ستدخلها وتبقى فيها مدة طويلة من النهار، ومن هنا يجب ألا يقع الرسم على الحائط المواجه للنافذة أو الشرفة لأن الألوان في تلك الحالة ستتأثر وتبهت بسبب أشعة الشمس.

ويوصي العوامري كذلك بضرورة تحديد شكل الرسم مسبقا مع مصمم الديكور، واختيار ألوانه بشكل يتلاءم مع شخصية صاحب المنزل وذوقه الفني. يمكن أن يطلب صاحب المنزل من المصمم أن يقدم التصميم بكامل ألوانه منفذا على لوحة خشبية قبل بداية الرسم على الحائط حتى لا يتفاجأ.

الرسم على حائط المنزل يتطلب كذلك مراعاة التصميم الداخلي للمكان. فإذا كان يحتوي، مثلا، على أعمدة داخلية يجب تجنب رسم «البرانق»

ـ وهي الأشكال التي تشبه فيل الشطرنج ـ لأن كل منهما سيذهب بجمال الآخر، لكن في حالة وجود أعمدة في المكان فعندئذ ستكون الرسوم الفينيقية أو التراثية عموما أكثر ملاءمة.

الأبواب أيضا لها دور عند اختيار رسوم الحوائط، فالأبواب العالية والأسقف المرتفعة المشغولة تتناسب معها الرسومات الكلاسيكية ذات الألوان الترابية.

تجدر الإشارة إلى أن الرسم على الحوائط لا يقتصر على غرفة دون سواها، ذلك أن لكل غرفة ما يناسبها. فغرفتا المكتب والصالون، مثلا، تناسبهما الرسوم الكلاسيكية ذات الطابع الفارسي أو الإسلامي، فيما تتناسب مع غرفة السفرة الرسوم التي تمثل الورود والأزهار، أو أطباق الفاكهة أو الطيور.

وفي غرف المعيشة، يمكن اختيار المناظر الطبيعية، فيما تلائم غرف النوم الرسوم الهادئة مثل السماء والبحر مع إمكانية اقتباس بعض «الموتيفات» من المفروشات لتعطي إحساسا بالراحة. مساحة الغرفة عنصر مهم كذلك في تحديد الألوان.

فالغرفة الواسعة تناسبها الألوان الداكنة لأنها توحي بالدفء، وعلى عكس ذلك يجب اختيار الألوان الفاتحة للغرف الضيقة والصغيرة. ومن النصائح الأخرى، مراعاة الرسومات التي تلعب على الخدع البصرية في الغرف الواسعة لكي تعبر عن محتواها.

ومن المهم للغاية ألا تترك مساحة الحائط المقابل للرسم خالية من الأثاث، فيمكن أن نضع مزهرية أو أرضية، أو كرسي طيول «شيزلونج» لألوان تتناغم مع الرسم.

من بين الاعتبارات المهمة الأخرى، تجنب الرسم في الغرف المطلة على الحديقة أو البحر، لأن منظر الجمال في تلك الحالة متوفر ولن تضيف ريشة الفنان إلى الطبيعة جديدا، إلا إذا كان الرسم مكملا لاحتياجات الديكور، كإطار للباب أو للنافذة على سبيل المثال.

بالنسبة لغرف الأطفال، يمكن ان تتحول إلى مرسم لهم، تُنمى فيه مهاراتهم من خلال ترك حائط محدد بإطار أنيق يفتح فيه المجال لهم للرسم الفطري بداخل هذا الإطار. لكن لا ينكر العوامري أن الرسم على الحائط، عموما، بمثابة التعويذة السحرية التي يمكن أن تنقلب على صاحبها إذا لم يحسن استغلالها.

ويضرب مثالين يراهما من أجمل رسومات الحوائط في القاهرة وهما قصرا «السكاكينى» و«المنسترلي»، بالإضافة إلى المبنى الأكبر في قصر محمد علي المسمى «قصر الفسقية»، الذي كان مخصصا لحفلات رجال الحكم في الأسرة العلوية. أما المباني المعاصرة التي يرى أنها استخدمت رسوم الحوائط بشكل أنيق فأبرزها مبنى جريدة الأهرام بوسط القاهرة.

وعن جديد الرسم على الحوائط قال العوامري: انه أثناء زيارته الأخيرة لتركيا لاحظ أن الفنانين اكتفوا برسم أيقونات لا تزيد مساحتها على 50 x 70 وقد تكون هذه الأيقونة عبارة عن غصن من شجرة أو جزء من وجه طفل تبدو وكأنها لوحة خضعت للترميم.