البطالة آفة اجتماعية يعاني منها الأبناء والآباء

الخوف من البطالة هاجس يسيطر على الاب حتى قبل تخرج ابنائه بسنوات
الخوف من البطالة هاجس يسيطر على الاب حتى قبل تخرج ابنائه بسنوات

يحلم جميع الاباء برؤية اولادهم وبناتهم وقد اكملوا دراساتهم وتخرجوا من الجامعات ليدخلوا مباشرة مجال العمل حتى يحصلوا على الاستقلالية المادية، ويضمنوا عيشا كريما، فقد حينها يشعرون بانهم نجحوا في مهمتهم وأدوا واجبهم على احسن وجه. فوصول الأولاد الى بر الامان يعني شعورهم بالارتياح والرضا والفخر، فضلا عن أن نجاحهم يعني ان تضحياتهم وصبرهم لم تذهب هباء.


لكن ماذا لو حصل العكس، ووجد الاب أن ابنه الشاب صدت في وجهه كل الابواب، وكان مصيره البطالة رغم شهادته الجامعية؟ هذا بالضبط ما أصبح يؤرق بال العديد من الاسر المغربية حتى اضحت مشكلة ومعاناة لا يخلو منها سوى نسبة قليلة من البيوت.

وتكشف الشهادات التالية حجم المعاناة التي يعيشها الاباء يوميا مع ابنائهم العاطلين، منهم من استسلم، ومنهم من لايزال يواصل البحث عن مخرج مهما كلفهم الامر من تضحيات مادية ونفسية، خوفا على ابنائهم من مستقبل مجهول. فالفراغ هو الطريق الاقصر الى الانحراف بجميع اشكاله. ومقابل معاناة الاباء لا يمكن تجاهل الضغط النفسي الذي يسيطر على شاب او شابة لا تعمل، حتى ولو لشهور معدودة، فما بالك اذا استمر الوضع لسنوات، لكن يبقى عدم الاستسلام لليأس والبحث عن حلول ذاتية، السبيل المثالي للخروج من مأزق البطالة.

يقول احد الآباء ان التفكير في مستقبل الابناء يبدأ منذ سنوات الدراسة. فالخوف من البطالة هاجس يسيطر على الاب حتى قبل تخرج ابنائه بسنوات، خصوصا اذا كان مجرد موظف بسيط، حيث يحلم باليوم الذي يعمل فيه اولاده، ويخففون عنه العبء قليلا، لكن اذا لم يتحقق ذلك، فالمعاناة تكون من نصيب الاب قبل الابناء، و«اكثر ما أخشاه على ابنائي اذا لم يجدوا عملا، هو انحرافهم او تفكيرهم في الهجرة الى أوروبا بطريقة غير شرعية، الأمر الذي أصبح بمثابة عادة يمارسها الشباب العاطل للهروب من واقعهم». هذا ما قاله أحد الآباء.

ويعلق حميد، 30 عاما، وهو شاب حاصل على شهادة جامعية، بمرارة عن سنوات البطالة التي امتدت في حالته إلى اربع سنوات، قبل ان يحصل على عقد عمل في دولة الامارات، ان اكثر ما كان يؤلمه هو الكلام الجارح الذي يوجهه له ابوه كل يوم، طالبا منه الخروج للبحث عن العمل، بالرغم من انه طرق جميع الابواب.

يقول «كان أبي يقول لي بانه لم يعد مستعدا لتحمل مصاريف اكلي وشربي، مستخدما مثلا مغربيا قديما يقول ان «اللحية لا تحمل اللحية إلا للقبر»، ومعناه ان الرجل لا يعيل رجلا مثله. وهذا الكلام كان يزيد من احباطي، اذ كنت اشعر بان لا جدوى حتى من وجودي على قيد الحياة». ويضيف حميد ان امه هي الوحيدة التي وقفت بجانبه في ازمته، وكانت توصيه بالصبر وعدم اليأس، وتمده من حين لآخر ببعض النقود مقتطعة إياها من مصروف البيت.

وبخلاف المعاناة التي عاشها حميد، وعدم تفهم والده لوضعه، قال انور المصواري، وهو شاب تخرج منذ عام ولايزال يبحث عن عمل، انه حتى الآن يجد تفهما من طرف والديه اللذين يصبرانه ويطلبان منه عدم اليأس والاستسلام. لكنه تساءل: «الى متى سأحظى بهذا الدعم، فانا نفسي اصبحت اخجل من طلب المال من ابي او امي؟». ويضيف ان الفراغ هو اصعب شيء يعانيه «فلو كنت بنتا فعلى الاقل كنت سأقضي اليوم في مساعدة الوالدة في أشغال البيت، لكن كل ما افعله الان هو الوقوف طوال النهار في رأس الشارع، والمساء أقضيه في مشاهدة التلفزيون».

اما عائشة وهي ام لثلاث بنات وولد، فتقول: «اليوم حتى البنت لم تعد تقبل ان تبقى من دون عمل، فما بالك بالولد؟ فهذه المشكلة تؤثر على الاسرة بكاملها.

وتشير الى انها عاشت هذا الوضع من قبل مع ابنها الذي ظل من دون عمل بعد التخرج مدة ستة اشهر فقط، الا انها كانت كافية للتأثير على نفسيته بشكل سلبي جدا، حيث «اصبح عصبيا ومتوترا ومفرط الحساسية، خصوصا عندما يدور أي حديث عن الأمور المادية لأنه يعتقد انه المقصود وبأنه اصبح عالة علينا. وبسبب ذلك اصبحت حذرة جدا في كلامي، من باب خوفي عليه ان يصاب بالاحباط. لكن حمدت الله بانه وجد عملا مناسبا عند خاله، الذي اخرجه من حالة الضياع التي كان فيها».

وجود شخص عاطل عن العمل في البيت او اكثر، مشكلة لا تشغل بال الابوين فقط، بل يمتد تأثيرها ايضا الى الابناء الآخرين، خصوصا لمن مازالوا في طور الدراسة، حيث يلاحظ ان بعضهم يترك مقاعد الدراسة بعد ان فقدوا الحماس لاكمال تعليمهم عندما رأوا ان الاخت او الاخ الاكبر، الذي كان بمثابة قدوة لهم، لم يحصل على فرصة عمل بعد التخرج.

وتحكي فتاة موظفة انها تعيش معاناة نفسية يومية مع اخيها العاطل «اكثر ما يؤلمني هو عندما اغادر البيت صباحا الى العمل، واتركه في غرفته متظاهرا بالنوم، حتى اني اتمنى لو استطيع ان اقتسم معه مرتبي البسيط لانقاذه من هذا الوضع الذي حوله الى شخص انطوائي يتجنب لقاء الاخرين، لأنه لم يعد يتحمل نظرات التحسر والشفقة في عيونهم، ولا حتى دعواتهم المتكررة له.

في هذا الصدد، تقول فاطمة الكتاني، الاخصائية النفسية ان وجود شاب او شابة عاطلة عن العمل في البيت يسبب احباطا كبيرا للاسرة بكاملها، لكن وحتى لا تتفاقم المشكلة، لابد ان يحافظ الابوان على علاقة طبيعية مع ابنائهم العاطلين، لانهم في امس الحاجة الى الدعم النفسي، عبر بث الافكار الايجابية بدل توجيه اللوم الذي يسبب لهم اذى نفسيا، ويعمق لديهم الشعور بتأنيب الضمير لانهم خيبوا ظن آبائهم.

وتنصح الكتاني أي شاب او شابة عاطلة بـ«التسلح بالامل والتفاؤل لان الشخص اليائس والمحبط لن ينجح في ايجاد عمل مهما قضى سنوات في البحث عنه».

وبما ان العاطل يحتاج الى افكار عملية وليس مجرد حلول نظرية، طالبت الكتاني الاباء بمزيد من الصبر والتضحية، بمنح فرصة تكوين اضافية للابن في بعض التخصصات المطلوبة في سوق الشغل، والتي لا تتعدى ستة اشهر الى سنة، اذا كان لديهم مبلغ موفر من المال، أو دفع اقساط اشتراك في النوادي الرياضية الموجودة في الاحياء لفائدة الابناء.

وهي في الغالب اقساط بسيطة جدا مقابل ما قد يتعرضون له جراء الفراغ والإحباط، لاسيما أن الرياضة تساعد على التفكير الايجابي، ووسيلة لتفريغ الطاقة. والمهم، في رأيها، هو المحافظة على هدوء الاعصاب، وعدم اظهار أي تذمر الى حين ايجاد حل.