علاقة وثيقة بين داء السكري والضعف الجنسي

تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 220 مليون شخص على مستوى العالم مصابون بداء السكري، وأن الأرقام قابلة للزيادة بشكل مطرد، وأن وفيات ومضاعفات هذا المرض تتركز في البلدان النامية والمتوسطة الدخل.


ويصنف داء السكري بأنه أكثر الأمراض المزمنة شيوعا في العالم، ويحدث عندما تعجز غدة البنكرياس عن إنتاج مادة الإنسولين بكمية كافية، أو عندما يعجز الجسم عن استخدام تلك المادة بشكل فعال، والإنسولين هو الهرمون الذي ينظّم مستوى السكر في الدم.

إن ارتفاع مستوى السكر في الدم هو العرض الرئيس لداء السكري، ويحدث جرّاء عدم السيطرة على مستوى السكر في الدم، وهو يؤدي مع مرور الوقت إلى حدوث أضرار وخيمة في معظم أعضاء الجسم، وبخاصة في الأعصاب والأوعية الدموية.

ويمثّل اختلال تحمّل الغلوكوز واختلال الغلوكوز مع الصيام مرحلتين وسيطتين في عملية الانتقال من الحالة الطبيعية إلى الإصابة بالسكري. والأشخاص الذين يعانون من هذين الاختلالين معرّضون بشدة للإصابة بالسكري من النمط الثاني، والذي يشكل 90 في المائة من حالات السكري المسجّلة في شتى أرجاء العالم، ويظهر أساسا جرّاء فرط الوزن وقلّة النشاط البدني.

السكري والعجز الجنسي
تحدث إلى «صحتك» الأستاذ الدكتور أسامة زهران، استشاري المسالك البولية وأمراض الذكورة والعقم ومدير مراكز علاج، فأوضح أن هناك مجموعة من الحقائق العلمية التي تربط الإصابة بداء السكري غير المنظم بالعجز الجنسي وضعف الانتصاب. ومن أهم تلك الحقائق ما يلي:
أن عدم السيطرة على مستوى السكر في الدم لفترات طويلة يزيد من مخاطر الإصابة بالعجز الجنسي بشكل كبير. فقد أشارت الإحصائيات إلى أن أكثر من 50 في المائة من المصابين بالسكري يصابون بالضعف والعجز الجنسي.

أن التدخين يضاعف من هذه المخاطر، ويزيد الطين بلة، بسبب تأثيراته السلبية على الأعصاب الطرفية والأوعية الدموية الصغيرة، وأيضا يقلل إلى حد كبير احتمالات علاج الضعف الجنسي.

أن معظم تأثيرات السكري السلبية على الانتصاب غير قابلة للرجوع أو التحسن الملحوظ، لذلك فإن الوقاية هي أساس العلاج.

أن وجود عوامل خطر أخرى، مثل: السمنة، وارتفاع دهون الدم، وارتفاع ضغط الدم، والتدخين، وتعاطي المخدرات، يزيد ويضاعف التأثيرات السلبية للسكري على الانتصاب، ويعجل بحدوثها مبكرا.

ضعف الانتصاب
كيف يتسبب داء السكري في ضعف الانتصاب؟ في البداية، أوضح الأستاذ الدكتور أسامة زهران الآلية التي يحدث من خلالها الانتصاب، هي كالتالي:

عند حدوث أي إثارة جنسية يقوم المخ بإرسال إشارات كهربائية في الأعصاب عبر الحبل الشوكي إلى العضو الذكري، ينتج عنها إفراز مواد كيميائية في القضيب داخل الجسم الإسفنجي corpus cavernosum، ويؤدي ذلك إلى تمدد الأنسجة الإسفنجية وفتحها، فيبدأ ضخ الشرايين بقوة لتمتلئ بالدم، وفي الوقت نفسه تغلق الأوردة، فيحدث انحباس للدم المتدفق داخل الأنسجة الإسفنجية التي تحيط بنسيج ليفي قوي، فيتضخم القضيب ويصبح قاسيا صلبا، وهو ما يعرف بالانتصاب.

وإذا نظرنا إلى مضاعفات مرض السكري، فسوف يتضح لنا أن هذا المرض بحد ذاته يؤثر سلبا على جميع مراحل حدوث الانتصاب، عبر التأثيرات والتغييرات التالية:

السكري يسبب تلفا في الأعصاب التي توصل النبضات الكهربية من المخ إلى القضيب، وخاصة أعصاب الأطراف الموصلة والموجودة في القضيب، ما يقلل عدد النبضات الواصلة، فينتج عن ذلك قلة كمية المادة التي يتم إفرازها داخل الأنسجة الإسفنجية.

السكري يسبب تلفا في الأوعية الدموية الصغيرة في القضيب (مثله مثل باقي أطراف الجسم)، ما يقلل ضخ الدم داخل الأنسجة الإسفنجية عند حدوث الإثارة الجنسية.

السكري يضعف ألياف العضلات المكونة للقضيب، والتي تسترخي لتسمح بإتمام عملية الانتصاب، فهنا تكون القابلية لامتلاء الكهوف الإسفنجية corpus cavernosum بالدم أقل، ما يضعف الانتصاب.

السكري يصيب الأنسجة الإسفنجية داخل القضيب بالتلف والتليف حيث إنه سبب مهم لمرض بيروني Peroni's disease، وهو اضطراب يصيب النسيج الليفي الداخلي للقضيب الذكري، محدثا اعوجاجا علويا ملحوظا يؤثر على عملية الجماع. ويتحسن مرض بيروني عادة، بعلاج المسبب له، كما يتحسن الألم الذي يرافق الانتصاب عند المصابين بهذا المرض خلال عام واحد أو عامين، لكن غالبا ما يستمر تليف الأنسجة والانحناء. وفي بعض الحالات، يتحسن الانحناء والألم الناتج عن مرض بيروني دون علاج متخصص للمرض.

أما إذا كان الألم أو انحناء القضيب يمنع من ممارسة الجنس أو يسبب للشخص القلق، فتجب مراجعة الطبيب للبدء في العلاج النوعي المتخصص لهذه الحالة، سواء بالأدوية أو الحقن الموضعي أو التصليح الجراحي إذا كانت الحالة شديدة.

السكري يؤدي إلى خفض هرمون الذكورة في الدم، وهذا بدوره يؤدي إلى ضعف الانتصاب، حيث إن جميع مراحل الانتصاب تحتاج إلى وجود معدل طبيعي من هرمون الذكورة في الدم، وذلك يؤدى أيضا إلى ضعف الرغبة الجنسية.

السكري يزيد من مخاطر تصلب الشرايين، وهذا يؤثر سلبا على تدفق الدم في القضيب عند حدوث الإثارة، ما يزيد من احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وهذا أيضا يؤثر سلبا على الانتصاب، سواء في حد ذاته، أو بسبب كثير من العلاجات التي تستخدم في علاج ضغط الدم.

مضاعفات السكري الشائعة
وأهم المضاعفات الشائعة والآثار الضارة الأخرى لمرض السكري:
القلب والأوعية الدموية: يزيد السكري من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، فالأمراض القلبية الوعائية (أمراض القلب والسكتة الدماغية بالدرجة الأولى) تتسبب في وفاة 50 في المائة من المصابين بالسكري. كما يمكن أن يتسبب السكري، مع مرور الوقت، في إلحاق أضرار بالعينين والكليتين والأعصاب.

الخلل العصبي السكري: هو ضرر يصيب الأعصاب بسبب عدم التحكم الجيد في مستويات السكر في الدم السكري، ويطال ذلك نحو 50 في المائة من المصابين بهذا المرض. وعلى الرغم من تعدّد المشكلات التي قد تحدث جرّاء الاعتلال العصبي السكري، فإنّ الأعراض الشائعة هي وخز أو ألم أو تنميل أو ضعف في القدمين أو اليدين. ومع مرور الوقت، يُضعف السكري الدورة الدموية في الأطراف السفلى، بمعنى إضعاف جريان الدم في الدورة الدموية للشرايين الصغيرة والمتوسطة، ما يزيد فرص الإصابة بقرحات القدم، ثم بتر الأطراف في نهاية المطاف.

اعتلال الشبكية السكري: هو من الأسباب الرئيسية لضعف الإبصار المتزايد، وقد يؤدى إلى العمى، وهو يحدث نتيجة تراكم طويل المدى للأضرار التي تلحق بالأوعية الدموية الصغيرة الموجودة في الشبكية. وبعد التعايش مع السكري لمدة طويلة تصل إلى 15 عاما يُصاب نحو 2 في المائة من المرضى بالعمى، كما يُصاب نحو 10 في المائة بحالات وخيمة من ضعف البصر.

الاعتلال الكلوي السكري: فالسكري من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى الفشل الكلوي الذي يتسبب في وفاة 10 إلى 20 في المائة من المصابين بالسكري.

أنّ المصابين بالسكري معرّضون لخطر الوفاة بنسبة لا تقلّ عن الضعف مقارنة بغير المصابين به.

الضعف الجنسي: ويحدث ذلك بسبب التغيرات التي تصيب جدار الشرايين، وكذلك الأعصاب الطرفية الموصلة، بسبب عن عدم التحكم الجيد في السكر بالدم، وهذا التأثير هو الأكثر وضوحا بالنسبة لحالات الضعف الجنسي.

الوقاية من مضاعفات داء السكري قبل حدوثها، ومحاولة التقليل من آثاره السلبية على الانتصاب هي القاعدة الذهبية في هذه المشكلة. ويتم ذلك من خلال اتباع مجموعة بسيطة ومهمة من أساليب الحياة الصحية، وأهمها: ممارسة الرياضة بصفة منتظمة، بهدف حرق السكر الزائد بشكل طبيعي وتحسين الدورة الدموية الطرفية، وتناول الخضراوات الطازجة يوميا، وشرب كميات كافية من الماء، ومتابعة السيطرة على معدلات السكر بالدم بشكل دوري ومستمر، وتجنب عوامل الخطر الأخرى مثل التدخين والسمنة وغيرها، وعمل فحص دوري للوظائف الحيوية والهرمونات ودهون الدم والسكر التراكمي.