موضة الفينتاج "vintage".. أصبح لها الآن موقع خاص بكل ما هو أنيق

إن الإقبال على الموضة، وبالذات موضة الفينتاج لا يمكن أن يتأثربالأزمة، لأن هناك نساء يبحثن دائما عن التميز وعن قطع بمثابة تحف فنية
إن الإقبال على الموضة، وبالذات موضة الفينتاج لا يمكن أن يتأثربالأزمة، لأن هناك نساء يبحثن دائما عن التميز وعن قطع بمثابة تحف فنية

ما يحسب للموضة أن لا شيء يحبطها أو يوقف دورانها، لا الأزمات المالية، ولا التوقعات المتشائمة من سنوات عجاف قادمة.


فعلى الرغم من أننا نسمع، في بريطانيا على الأقل، بتأثر عدة شركات وأسماء بالأزمة إلى حد إغلاق بعضها وإسدال الستار عليها، مثل أماندي وايكلي، فإننا نسمع أيضا عن ظهور أسماء ومشاريع جديدة، آخرها وأكثرها أهمية «أتولييه-ماير دوت كوم», atelier-mayer.com وهو موقع إلكتروني مخصص لموضة القرنين العشرين والواحد والعشرين، بعبارة أخرى موقع مخصص للقطع التي لا تعترف بزمن: «الفينتاج».

قد يبدو التوقيت غريبا وغير مناسب لإطلاق أي ماركة أو شركة جديدة، لكن عندما يتعلق الأمر بالفينتاج وعلى الإنترنت، فإن الأمر يختلف كثيرا، لأن الأول أكد أنه موضة لم تشبع منها المرأة الأنيقة من جهة، بغض النظر عن إمكانياتها وأسلوبها، ولأن الإنترنت أكدت أنها لم تتأثر بالأزمة المالية التي عصفت بالعالم، من جهة ثانية، بدليل أن موقع «نيت أ بورتي» و«إس.أو.أ.إس» حققا أرباحا محترمة هذه السنة، على العكس من أغلب المحلات المترامية في شوارع الموضة، بما فيها الأسماء العالمية.

تقول كارمن هايد عن إطلاقها مشروعها في هذا التوقيت المتذبذب، إن الإقبال على الموضة، وبالذات موضة الفينتاج، لا يمكن أن يتأثر، لأن هناك نساء يبحثن دائما عن التميز وعن قطع بمثابة تحف فنية، كونها قطعا فريدة لا مثيل لها، في سوق أصيب بالتخمة من التصميمات المتشابهة وغير الملهمة، حتى وإن كانت لمصممين معروفين، فهم أيضا استقوها من الماضي، وليست إبداعا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وهذا يؤكد أنه ليس هناك ما هو أجمل ولا أرفع من الأصلي.

وتضيف: «ما سيتغير هو طريقة تسوّقنا، فبعد أن كنا نشتري أي شيء يطرح في السوق باسم الموضة، سنتوجه الآن ومستقبلا إلى القطع المميزة والفريدة، التي لا تعترف بزمن، وتكون بجودة عالية. والفينتاج الذي سيوفره الموقع سيكون في الغالب رفيعا ولا غبار عليه».

المشروع الجديد من بنات أفكار محررة موضة هي أليس كوديل، ومخضرمة في العلاقات العامة هي كارمن هايد، التي عملت لسنوات طويلة مع إيف سان لوران ودار «سيلين» الفرنسية، وكان يوم الخميس الماضي هو تاريخ ميلاده رسميا، في حفل حضره الكثير من خبراء الموضة وسيدات المجتمع، ومصممي أزياء ومجوهرات وغيرهم، ممن قد يتعاونون مع الموقع في المستقبل، أو بدأوا بالفعل في التعاون بطرح قطع حصرية تم استلهامها من قطع فينتاج قد يعود بعضها إلى عدة قرون، مثلما هي الحال بالنسبة للمجوهرات التي طرحتها جوليا موغانبورغ، صاحبة ماركة «بيلماكس» خصيصا للموقع. وتقول كارمن إن جوليا استوحتها من إبزيم حزام قديم، فضلا عن قطع لبالنسياجا وكوريج وكارولينا هيريرا وغيرهم.

طريقة التسوق على موقع «أتولييه-ماير دوت كوم» تشبه كثيرا التسوق على موقع «نيت أ بورتيه» تقنيا، لكن أضيفت إليه ميزات أكثر، حيث يمكن للمتسوق أن يطلب أي قطعة معروضة، بعد أن يتفحص كل تفاصيلها من كل الجوانب والجهات من خلال لقطات تصورها من زوايا مختلفة، بما في ذلك الحياكة من الداخل ومكان صنعها، فضلا عن معلومات وافية عنها، بدءا من نوع قماشها، إلى تاريخها، وكيفية ارتدائها وتنسيقها مع قطع أخرى، ولا يقتصر الجانب الصحفي في الموقع على مواصفات كل قطعة، بل سيشمل مواضيع متنوعة ومقابلات مع شخصيات مؤثرة في عالم الموضة.

أما الأجمل في الأمر، هو أنه يمكن للسيدات اللاتي يتطلب أسلوب حياتهن حضور الكثير من المناسبات أن يحصلن على قطع مميزة وفريدة من نوعها عن طريق استئجارها لفترة محددة، وهكذا يكون بإمكانهن الظهور بإطلالة متجددة وجديدة كل مرة، من دون دفع مبالغ كبيرة لشرائها، وهذا أمر جيد أيضا في وقت الأزمة الراهنة.

كما أن هذا مناسب للسيدات اللاتي لم يتبق في خزانة ملابسهن حيزا كبيرا لتخزين المزيد، فضلا عن أنهن يضمن ألا يحضر المناسبة في نفس الزي أحد غيرهن.

ولا شك أن الكثيرات منا يذكرن أنه قبل عقد من الزمن، كان «الفينتاج» يعني أزياء واكسسوارات من عهد مضى، بل وقد تكون «دقة قديمة» لها روح غريبة ورائحة تكاد تكون منفرة، إلى أن تبنتها نجمات شابات، وإلى أن بدأت تترامى إلى مسامعنا أسرار كانت غائبة عنا، وهي أن العارفات، بما فيهن الثريات والمخمليات، يعشقن هذه الموضة ويبحثن عنها في كل مكان، سواء كان ذلك في المزادات العالمية، أو في الأسواق الشعبية، أو المحلات التي تبيع الملابس المستعملة.

وبين ليلة وضحاها أصبح ما كان «تابوها» في قاموس الموضة، ساخنا وحُلوا في عيون الأغلبية، فتحولت الكثيرات منا إلى مقتنيات وعاشقات، خاصة بعد أن اكتشفن الفرق بين ما صنع في العشرينات أو الخمسينات من القرن الماضي، وما تطرحه المحلات المتخصصة في بيع «الملابس السريعة» أي المقلدة التي تلبس لموسم واحد وترمَى، وأحيانا قبل ذلك، لأنها تتلف بمجرد غسلها لأول مرة.

فلا شيء يضاهي مثلا قطعة من بول بواريه، الذي عاش في العشرينات من القرن الماضي. فهي تحفة لا يعلى عليها، ولا يمكن إلا لمحظوظة أن تحوز واحدة منها، لأن الطريقة التي نفذت بها وتطريزاتها الغنية التي لم يبخل عليها مصممها بشيء ترفعها فعليا إلى مصاف التحف، ذلك أنه في وقت من الأوقات كان المصمم فنانا أولا وأخيرا، وقلة فقط كانت تفهم في الجانب التجاري والتسويقي، وهذا ما يجعل الـ«فينتاج» مختلفا ويرفع من سعره.

وزيارة إلى مزادات الموضة تؤكد لنا أن قطعة من إبداع الآنسة شانيل أو السيد ديور أو كريستوبال بالنسياجا، يمكن أن تحقق مبلغا يساوي ثمن قطعة مجوهرات رفيعة.

 لكن مفهوم «الفينتاج» يمكن أن يشمل أيضا قطعا من جينز ليفايس أو قبعة من «هيرميس» أو نظارة من «إيف سان لوران»، على شرط أن تكون في حالة جيدة، وهذا ما تركز عليه كارمن هايد، التي تقول إنها تبحث عن القطع المميزة وتضعها تحت المجهر حتى تطابق المواصفات التي تتطلبها في كل قطعة.

وتشمل تجولاتها البحث في خزانات سيدات مخضرمات عشن زمن الموضة الجميل، وكن من أهم الزبونات لكبار المصممين في القرن الماضي. وهؤلاء، تقول كارمن، غنيات بكل شيء، بالقطع المتميزة، وأيضا بالمعلومات القيمة، والجميل فيهن أنهن على أتم استعداد لأن يحكين تجاربهن الخاصة مع كبار المصممين «ونحن نحرص في الموقع على أن نجري مقابلات معهن في هذا الصدد، فهن يمثلن تاريخا رائعا في مجال الموضة يجب أن نحافظ عليه ونسجله».

أهمية «الفينتاج» انتبه إليها كبار المصممين أيضا، ومن ثم بدأنا نشاهد في عروض الأزياء الكثير من القطع المستوحاة من الماضي، والتي يبررونها بالعودة إلى الأرشيف وإرث الدور التي ينتمون إليها.

كما أن نظرة خاطفة على مناسبات السجاد الأحمر، تؤكد أن هذه الموضة دارجة جدا بين النجمات، لأنهن من خلالها يضمن أن لا تلبس أخرى مثيلا لها، مما يجنبهن الإحراج.

مؤخرا رأينا ميشال ويليامز في مهرجان «كان» في فستان من العشرينات، وغوينيث بالترو في نيويورك في فستان من إيف سان لوران، ورينيه زيلويغر في حفل الغولدن غلوبز في فستان لديور، وغيرهن كثيرات.

الأمر نفسه انتبهت إليه المحلات الكبيرة، التي لا تريد أن تتجاهل أي من زبائنها. فمحلات «سيلفريدجز» بلندن، مثلا، خصصت ركنا لهذه الموضة في العام الماضي، كذلك الأمر بالنسبة لمحلات «هارودز»، لكن ليس بإمكان كل الناس التنقل إلى العواصم الأوروبية، أو لديها الوقت الكافي للبحث عنها في المحلات الصغيرة المترامية في أماكن بعيدة، فضلا عنها أنها تحتاج إلى صبر ومعرفة مسبقة، لأنها تكون في أماكن أشبه بمغارات علي بابا، لا تبدو مغرية من الخارج، ولا تفصح عما بداخلها من كنوز إلا لمن له نظرة وحس.

ومن هنا يأتي موقع «أتولييه-ماير دوت كوم» كما تقول كارمن، الذي سيسهل على عاشقة الفينتاج أن تشتري أو تستأجر أو تبيع بسهولة وبأمان، ضامنة أنها ستحصل على ما تريد بسرعة وفي حالة جيدة، ولا تشك في أن الفكرة ستحقق نجاحا كبيرا، لأنها ثمرة حبها وشريكتها، أليس كوديل، للموضة وفهمهما الجيد لها، وهذا ما يساعدها على انتقاء القطع والاهتمام بكل صغيرة وكبيرة، أيضا بحب ووعي. كما أن علاقة الفينتاج والإنترنت ليست علاقة جديدة أو مجرد نزوة، فقد برهنت على نجاحها منذ عدة سنوات، من خلال «إيباي» وغيرها من المواقع المتخصصة في هذا المجال في كل من لوس أنجليس وإيطاليا، وعشقنا للماضي، كما تقول كارمن، وحنيننا إلى جمالياته يزيد يوما عن يوم، وليس هناك أفضل من قطعة من الفينتاج لتلخص هذا الحنين والجمال وتسمو بهما.