مصممو الأزياء ينافسون مصممو الديكور في عملهم

تصميم الأزياء والموضة .. عالمان يقومان على مبدأ خذ وهات
تصميم الأزياء والموضة .. عالمان يقومان على مبدأ خذ وهات

إذا كان التداخل بين عالمي الموضة والديكور الداخلي قد بدأ منذ سنوات، فإنه أصبح صارخا في المواسم الماضية، حسبما رأيناه على منصات عروض الأزياء وفي المعارض العالمية.


فالنقوشات المتضاربة في عرض «إيترو» والتصميمات المنحوتة في عرض الكسندر ماكوين، والمستقبلية في عرض «بالنسياجا» والهندسية في عرض ميسوني، كلها وجدت طريقها إلى محلات «هابيتات» و«روش بوبوا» و«باكارا»وحتى «إيكيا» لتدخل بيوتنا من أوسع الأبواب.

لكن من الظلم القول إن الاستلهام والغرف اقتصر على الديكور الداخلي، ذلك أن الموضة أيضا تستقي من عالم الديكور بدليل تشكيلة دار «برادا» لربيع وصيف 2002 التي أخذت فيها الكثير من القماش الدمشقي القديم والدانتيل المستعمل في الستائر الخفيفة، بعد زيارة قامت بها لإحدى أسواق باريس الشعبية.

لكن المهم في الأمر أن التداخل أصبح أكثر وضوحا من ذي قبل، وأصبحت طريقة ارتدائنا للأزياء وتنسيقنا لبيوتنا امتدادا لشخصيتنا ووسيلة لعكسها للآخر.

وهذا ما انتبه له العديد من المصممين من أمثال جيورجيو ارماني، دونا كاران، فرساتشي، ميسوني، كالفن كلاين، بوتشي وغيرهم ممن استغلوا هذه النقطة، فأسهبوا في إتحافنا بالمنتجات المترفة، ومن ثم توسيع إمبراطورياتهم، ضاربين عصفورين بحجر.

من جهة حققوا لأنفسهم أرباحا ضخمة، ومن جهة ثانية، غذوا جوعنا للتميز، خصوصا أن الأمر هنا لا يقتصر على المفارش المصنوعة من الكشمير أو جلود الحيوانات، ولا على الأطباق والأكواب أو مناشف الحمامات وحدها، بل يشمل كل ما يتعلق بالديكور الداخلي بدءا من ورق الجدران إلى الكنبات والأباجورات والسجاد وغيرها.

دار الأزياء «بوتشي» كانت من أوائل من دخل عالم الديكور المنزلي، بعد أن باع المؤسس إيميليو بوتشي حق استعمال أقمشته الخاصة لشركة متخصصة في تصنيع الأثاث والإكسسوارات المنزلية في عام 1972.

ومؤخرا رأينا مصمم الديكور الفرنسي، باتريك نورغي، يطرح كنبة منجدة بقماش قديم من دار «بوتشي» استعمله أيضا مصمم الدار، البريطاني ماثيو ويليامسون، في تشكيلته لربيع وصيف 2007 من خلال فستان طويل يليق بالمنتجعات الصيفية.

وفي عام 1983 طرح الأميركي رالف لوران تشكيلة منزلية أيضا، وسرعان ما احتذى به الإيطالي جيورجيو ارماني، الذي فهم أهمية هذا الجانب بالنسبة لمواكبي الموضة الذين يريدون أن يعيشوا أسلوبا مرفها ومتكاملا لا يقتصر على الأزياء والحقائب والأحذية وحدها.

مجموعة «ارماني كازا» تشمل قطع الأثاث والمفارش والسجاد، وكل ما يتعلق بالتصميم الداخلي، وتحمل الكثير من البصمات المتشابهة مع أزيائه، التي ترفع شعار «القليل كثير».

ويبدو أنه عاشق لأسلوبه، لأن يخته الخاص مؤثث بكل ما رسمه قلمه ونفذه الحرفيون بدقة، بدءا بالأثاث إلى طاولة القهوة مرورا بالأباجورات والمكتب والمناشف وغيرها.

وكان لا بد أن يتبع هذا، ظاهرة استعانة شركات الأثاث والأدوات المنزلية بمصممي الأزياء في مجال الديكور المنزلي للدفع بمبيعاتهم وجذب أنظار زبائن جدد إلى منتجاتهم، حيث استعانت شركة «ووترفورد ويدجوود» مثلا، بكل من فيرا وانغ ومارك جايكوبس، فيما استعانت شركة «هابيتات» بماثيو ويليامسون ورولان موريه لتصميم ورق حائط، وكذلك الثنائي باسو اند بروك اللذان استعانت بهما شركة «غراهام أند براون» للمرة الثانية هذا العام لتصميم مجموعة جديدة من ورق الجدران، وهلم جرا.

السؤال الذي يطرح نفسه هو أن الموضة موسمية، أي أنها متغيرة حسب المواسم، وهو الأمر الذي يصعب مجاراته فيما يتعلق بالديكور.

 وهذا ما أجاب عنه المصمم بول سميث، الذي أبدع الكثير من القطع والإكسسوارات المنزلية المتميزة بالخطوط القزحية، برفضه هذه الفكرة تماما. فقد صرح حسبما نشر في كتاب «مارني فوغز بوك كوتير انتيرير..

ليفينغ ويذ فاشن» أن كل الصناعات التي تعتمد على الإبداع والابتكار، لها نفس الإيقاع، والديكور المنزلي لا يخرج عن هذه القاعدة إذا نظرنا إلى منتصف الثمانينات، كانت الموضة ترفع شعار القليل كثير، الأمر الذي ترجم في تايورات بالأسود وقمصان بالأبيض، ونفس الأمر كان بالنسبة للديكور.

والحقيقة أن هذا الأسلوب استمر طويلا، لكن بالتدريج، مثل الموضة تماما، أصبح الديكور الداخلي يغلي بالألوان والنقوشات أي أن الموضة لا تولد اليوم لتختفي في الغد، بل تتغير فقط في بعض تفاصيلها الصغيرة جدا.

وتوافقه الرأي المصممة المخضرمة روزيتا ميسوني، التي تقول بأن تصميماتها الخاصة بالديكور تعكس أسلوب ابنتها وما تطرحه من أزياء، لكن في نفس الوقت تراعي أن الديكور يجب أن يدوم أطول من الأزياء.

 الميزة والفرق فيما يتم تصميمه للمنزل أنه يدوم مدة طويلة، وبالتالي يجب ألا يخضع لتغيرات الموضة.

فنحن نصمم تشكيلة واحدة في العام، بينما نقدم أربع تشكيلات أزياء في العام، للرجل والمرأة، وهو ما أعتبره كابوسا.

 لكني لا أنكر أني عندما أرى نقشا جميلا في زي تقدمه ابنتي أنجيلا في تشكيلة من تشكيلاتها، لا أقاومه فأسألها إن كان بإمكاني استعماله في تشكيلتي المنزلية.

روزيتا ميسوني انتقلت من تصميم الأزياء إلى تصميم الديكور عندما قررت التقاعد وتسليم المشعل لابنتها أنجيلا في عام 2001.

 كانت ولا تزال تعتقد أن للسن أحكاما. فالموضة، كما تقول، لم تعد تناسبها في الكبر، لأنها أصبحت واجبا وعملا بعد أن كانت متعة في مرحلة الشباب.

 لكن فترة التقاعد لم تدم طويلا، لأنها سرعان ما شعرت بالملل، وهو أمر طبيعي بالنسبة لامرأة لم تكن في يوم ما تقليدية وعملت طوال حياتها.

ومن هنا كان لا بد لها أن تبحث عن هواية جديدة تناسب أهواءها وميولها، فصوبت أنظارها نحو التصميم الداخلي.

 في إحدى الفعاليات التي حضرتها للترويج لتصميماتها الخاصة بالديكور المنزلي، شرحت روزيتا، التي تبلغ من العمر 77 عاما، هذا الأمر بقولها إنها في الفترة التي تركت فيها عالم الموضة «شعرت بأن البيت قد تحول إلى موضة.

وكنا قد طرحنا في السابق مجموعة خاصة بهذا الشأن في بداية الثمانينات، كانت ناجحة جدا، لكنها لم تكن تتبع خطوط الموضة.

كانت بجودة عالية ومصنوعة بحرفية وذوق، لكن كانت تنقصها الأناقة المتكاملة، ولم تشعرني بالرغبة في اقتنائها وتزيين بيتي بها».

ولا شك أن العديد من الناس، مثل روزيتا، لم يقعوا ضحية لإغراء هذه المنتجات بشكل كبير سوى في السنوات الأخيرة التي عرفت طفرة المنتجات المترفة عموما، لسبب وجيه أنه لا يمكن اعتبارها كلاسيكية أو استثمارا، بل موضة تعكس ذوق صاحب البيت وإمكانياته.

 بداية الإقبال كانت من خلال المفارش والمناشف والإكسسوارات الصغيرة، لكن مع تغير إيقاع الحياة الاقتصادية والاجتماعية، تغير مفهوم البيت وأصبح مكانا مناسبا لاستقبال الأصدقاء والعملاء وإقامة الحفلات المهمة أيضا.

ونتيجة لهذا كان من البديهي أن يكون ديكوره مطابقا لشخصية صاحبه ويعكس إمكانياته ومركزه وذوقه، إذ ليس من المعقول أن يقود سيارة فخمة ويلبس أزياء من توقيع كبار المصممين ويكون ديكوره من «إيكيا» أو من محلات غير معروفة.

صناعة الموضة
صناعة الموضة أثرت بشكل كبير على الديكور منذ عدة سنوات، وبشكل قوي وواضح لا مجال فيه للشك، سواء تعلق الأمر بالخامات المستعملة أو الألوان أو الإكسسوارات.

وهذا التقاطع بين الموضة والديكور ليس مجرد تخاطر أفكار بل هو نتيجة سنوات من الدراسة والتجارب وجس النبض أدت إلى تقبل الفكرة بل وتوقعها وانتظارها.

الخامات
- قماش التويد الذي اقتصر في يوم ما على البدلات الرجالية الانجليزية الريفية، تحول إلى خامة مهمة في الديكور المنزلي إلى جانب الفرو والجلود بكل أنواعها ونقوشاتها، والحرير والتطريزات فيما يتعلق بالستائر والوسادات وغيرها.
 
فهو في هذه السنة مثلا، ميز الكثير من قطع الأثاث خصوصا الكنبات إلى جانب الصوف وغيرها من الأقمشة التي كانت حكرا على الموضة، لكنها لما توحيه من دفء دخلت البيوت أيضا، ومن أوسع الأبواب.

- جلد التمساح المطلوب في حقائب اليد النسائية والأحذية الرجالية، أصبح أيضا يغلف بعض القطع مثل صناديق التخزين البارزة أو إطارات الصور وغيرها، فضلا عن الفرو الذي لا يغيب من خلال المفارش.

ونظرا لإيحاءاته السلبية في السنوات الأخيرة، طرحت منه نسخا اصطناعية كثيرة وبجودة عالية تجعل الشتاء مفعما بالدفء.

الألوان
- الأرجواني لون قوي في عالم الموضة هذا الموسم، فمنذ أن ظهرت به سيدة فرنسا الأولى، كارلا ساركوزي، خلال زيارتها إلى بريطانيا وهو يعرف إقبالا متزايدا عليه رغم أنه كان حاضرا بخجل في المواسم السابقة.

والمثير فيه أنه لم يعد يقتصر على الأزياء أو ظلال جفون العين، بل أيضا على الكنبات وإكسسوارات الديكور الداخلي ومفارش غرف النوم.

- الذهبي لون حاضر في الأزياء والمجوهرات بشكل لا يمكن تجاهله، سواء كان من خلال فساتين سهرة من اللاميه أو مطرزة بالترتر، أو من خلال حقائب يد وأحذية، بما في ذلك القطع الموجهة للنهار، التي لم تسلم من التطريزات المعدنية والألوان الزاهية، نفس الأمر بالنسبة لإكسسوارات البيت بل وحتى قطع الأثاث التي عادت إلى الطراز الكلاسيكي والقماش المقصب.

- الأسود رغم ازدهاره في الثمانينات والتسعينات في مجال الديكور، إلا أنه لا يزال حاضرا من خلال قطع الأثاث الخشبية والإكسسوارات، إلى جانب البني الغامق جدا.

ـ الدانتيل المستوحى من ستائر البيوت الخفيفة عرف طريقه إلى الموضة من خلال تشكيلة كاملة من الفساتين بتوقيع ميوتشا برادا.