«الإكي دنيا» و«المشمش» .. يختلفان في الشكل لكنهما من عائلة واحدة أصلها الصين

«الإكي دنيا» و«المشمش» اكتشفهما أهالي صيدا بعد أن كانتا أشجارا للزينة
«الإكي دنيا» و«المشمش» اكتشفهما أهالي صيدا بعد أن كانتا أشجارا للزينة

الإكي دنيا والمشمش من الفاكهة الصيفية، وكلتاهما من نفس العائلة، جاءتا إلى منطقتنا العربية من الصين.


وهما تتشابهان من حيث اللون والملمس الناعم فقط، وتختلفان من حيث المذاق والبذرة، حيث نجد بذرة المشمش واحدة كبيرة على عكس الاكي دنيا التي تتميز بوجود أكثر من بذرة تؤثر أحجامها أحيانا على شكلها الخارجي.

الاكي دنيا وتعني الدنيا الجديدة باللغة التركية بسبب مذاقها اللذيذ وفوائدها الغذائية العديدة، وفي المناطق العربية تعرف تلك الفاكهة باسم (البشملة) وفي ليبيا تدعى (ناسبولي) وفي الإنجليزية تسمى Loquat.

والمشمش الهندي أو البشملة أو الإكي دنيا، المتوفر في سورية جاء من الصين قبل عشرات السنين ليزرع كأشجار زينة، كونه ينتمي للأشجار دائمة الخضرة، ولشكل أوراقه الكبيرة العريضة الخضراء ولسهولة زراعته من بذرة واحدة، يعطي شجرة كبيرة بعد خمس سنوات، زرع في مناطق الساحل السوري واللبناني، ليكتشف الناس أنه يحمل ثماراً لذيذة، فقرروا زراعته بشكل واسع، وكان أهل صيدا في لبنان أول من نشر زراعته في منطقتهم وقاموا بتعريف الأسواق به .

والإكي دنيا واسمه العلمي:Eriobotrya Japonica شجرة شبه استوائية، دائمة الخضرة تنتمي إلى العائلة الوردية Rosaceae، وتقول المصادر العلمية إن موطنها الأصلي هو المنطقة الشرقية الوسطى في الصين، حيث زرعت هناك منذ عدة قرون، ثم انتقلت إلى اليابان وانتشرت زراعتها بشكل واسع وأخذت تسميتها بالبشملة اليابانية ثم انتقلت إلى الهند وجبال الهيمالايا وأدخلت إلى جنوب أوروبا وسواحل البحر الأبيض المتوسط عام 1784 كشجرة تزيينية ومن ثم تحولت إلى شجرة مثمرة في جنوب البحر المتوسط، خاصة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ومالطا وتركيا وفي فلسطين وسورية ولبنان، حيث دخلت بلاد الشام أوائل القرن التاسع عشر ومن ثم دخلت إلى مصر والعراق ودول أفريقيا.

وانتشرت أيضاً في الولايات المتحدة الأميركية، خاصة في كاليفورنيا، وتتميز ثمار البشملة بأنها تتكون بشكل عناقيد على الشجرة وهي كمثرية الشكل ذات لون أخضر قبل النضج وأصفر أو برتقالي بعد النضج، وتحتوي الثمرة على 1ـ 5 من البذور، واللب لحمي متماسك طعمه حامضي متدرج حسب الصنف، حيث للاكي دنيا عدة أصناف معروفة ومنها: البلدي وشكل ثماره كروية ذات لون أصفر يضم 4ـ 5 من البذور وهناك (الصيداوية)، وهي التي توجد بشكل واسع في الأسواق العربية في فصل الربيع، وتكون إما كروية أو بيضاوية الشكل وذات لون ذهبي وطعم حلو وتضم 1ـ 3 من البذور وهناك أنواع أخرى مثل:champagne وتكون مستطيلة الشكل وذات لون ذهبي وطعم حلو وتضم بذرة واحدة.

ومن المعروف حسب الباحثين أن ثمار الإكي دنيا تضم سكريات بنسبة تصل إلى 10% وقليلا من حمض الماليك والسترات والأوكساليك وفيتامين c بنسبة قليلة، كما تحوي بروتينات بنسبة حوالي 35% وأليافا بنسبة 37%، لذلك تتميز الثمار، حيث يؤكل منها الجلد الخارجي، بطعم لذيذ وبفوائد غذائية وصحية عديدة، خاصة أنها مفيدة لجهاز الهضم وضررها قليل بالمقارنة مع أنواع الفاكهة الأخرى بالنسبة لمرضى السكري والبعض يشبه فوائدها بثمار التفاح كونها تتشابه مع التفاح في المكونات الغذائية، لكن لقصر موسمها وغلاء أسعارها، كونها تأتي في فترة يكون فيها سوق الفاكهة شبه خال من الثمار الموسمية، حيث تنزل إلى الإسواق في أشهر أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، في حين أن المشمش العادي يأتي في بداية مايو، لهذه الأسباب فإن شراء ثمار الإكي دنيا بغية تحويلها إلى مواد غذائية مصنعة أسوة بأنواع الفاكهة الأخرى، قليل نسبياً، حيث يمكن تحويل ثمارها إلى مربى أو عصير لذيذ المذاق، كما يمكن الاستفادة من ثمارها بتحويلها إلى عصير يكون طعمه مرا.

وبعكس المشمش الهندي أو البشملة، فإن المشمش العادي ينتمي للأشجار المتساقطة الأوراق بعكس الهندي، ويسمى علميا Armenica Vulgaris))، وينتمي لفصيلة اللوزيات، ويعرف منه نحو تسعة أصناف تختلف عن بعضها بلون الثمار من الأصفر للبرتقالي، وبطعم الثمار ما بين الحلو الخفيف والحلو العصيري، كذلك تختلف الأصناف بموعد النضج، ومن أبرز الأصناف هناك: الكلابي والزرب والعجمي وشربارا ولويزيت وويلسون وستيلا وهنغاريان روز ورويال.

واستعمالات ثمار المشمش الذهبية الغذائية عديدة جداً، فهي غنية جداً بالمواد السكرية والفيتامينات، خاصة فيتامين A ولذلك برع الدمشقيون، الذين تشتهر غوطتهم باحتوائها على عشرات الآلف من أشجار المشمش، في تحويل الثمار إلى مربى وبعدة أشكال وإلى قمر الدين المجفف وإلى جيلية لذيذ الطعم.

والأبرز هنا في استخدام ثمار المشمش هو المربى، ومن أنواعها كما تقول سلمى كلثوم، وهي سيدة منزل دمشقية التقيناها في سوق الشعلان تشتري المشمش مع بداية موسمه فتقول: إضافة لتناول المشمش كثمار مائدة لذيذ الطعم، خاصة في بداية موسمه، حيث تكون الثمار قاسية قليلاً، فإنه وبعد أيام يتحول إلى ثمار طرية، إذ نعمل على تحويلها إلى مربى ومنها: مربى المشمش المهروس ويتم تحضيرها على الشكل التالي: يتم في البداية غسل وتنظيف ثمار المشمش وإزالة البذرة من داخلها ومن ثم يتم تقطيعها، حيث توضع القطع مع طبقات من السكر الناعم بشكل متساو، بين كل طبقتي قطع مشمش يوضع ما يعادل نصف وزن القطع من السكر، ومن ثم يتم وضع المزيج من السكر وقطع المشمش على نار هادئة، ويغلى المزيج لمدة حوالي خمس ساعات مع تحريك المزيج المستمر حتى يذوب تماماً مع السكر ويصبح مربى مع سماكة في اللزوجة، ومن ثم يترك حتى يبرد ويعبأ في أوان زجاجية وتوضع الأواني المملوءة بمربى المشمش تحت أشعة الشمس لعدة أيام حتى تتشكل طبقة سميكة على فتحات الأواني، مع ضرورة تغطيتها بقطع قماشية شفافة، والغاية من وضع المربى تحت أشعة الشمس حتى تأخذ المناعة اللازمة للحفظ لفصل الشتاء ولفترة زمنية طويلة نسبياً، ولكي لا يفسد المزيج أو كما يقال (يحمّض)، وبالتالي عدم نجاح عملية تحضير المربى وضياع الجهد والمال.

أما النوع الثاني من مربى المشمش الذي نحضره في منازلنا ـ تضيف سلمى ـ  هو مربى المشمش الخشن، ويحضر بنفس طريقة الناعم، لكن من دون تحريك المزيج على النار حتى لا تذوب القطع، بل تبقى كما هي مع السكر، وهناك نوع ثالث من مربى المشمش، وهي مربى الثمرة الكاملة التي يرغب بمذاقها الكثيرون، حيث توضع ثمرة المشمش المنزوع من داخلها البذرة، كما هي في وعاء الغلي مع السكر على نار هادئة ومن دون تقليب وتحريك المزيج لتتحول الثمرة إلى مربى وتؤكل في فصل الشتاء كقطعة حلوى لذيذة الطعم.

وعلى الرغم من وجود عشرات المعامل الغذائية التي تحول المشمش إلى مربى وإلى ثمار مجففة أو إلى قمر الدين وإلى خشاف، إلا أن الكثير من نساء دمشق يعملن على تحضير مربى المشمش في منازلهن، وتبرر سلمى ذلك قائلة إن أفراد العائلة بكاملها تفضل المربى المنزلية، فهم يضمنون بذلك مذاقها اللذيذ والطازج، كما أن الكثير من النساء، خاصة ربات البيوت يعتبرن تحضير المربى في المنازل نوعا من التقاليد الموسمية في قاموس المطبخ ومؤونة للشتاء يتم تناولها مع الزبد والجبن البلدي.