حدائق معرض تشيلسي للزهور تعاني من الأزمة المالية

حديقة مصنوعة من مادة البلاستيسين تتنافس على جوائز المعرض
حديقة مصنوعة من مادة البلاستيسين تتنافس على جوائز المعرض

ربيع لندن هذا العام يختلف عن غيره، فهو ربيع مشحون بالقلق من الأزمة المالية التي تعصف ببريطانيا والعالم ولعل ذلك كان هو السمة البارزة في معرض تشيلسي للزهور، إذ أطلق على عدد من الحدائق المشاركة «حدائق الأزمة الائتمانية»، خاصة أنها تميل إلى التقشف والترويج للحديقة التي توفر للاكتفاء الذاتي.


وعلى الرغم من حالة التقشف السائدة، فإن ذلك لم يمنع من نفاد تذاكر المعرض لخمسة أيام هي فترة إقامته، وهو ما جعل المتحدث باسم الجمعية الملكية للحدائق يقول إن المعرض لا يواجه أية مشاكل، ويؤكد أن «البستنة هي العلاج الناجع للركود الاقتصادي».

وهذا على الأقل ما توحي به مجموعة من الحدائق التي اتخذت من الركود الاقتصادي شعارا لها، فهناك حديقة تعتمد تماما على نباتات الصبار المتفاوتة الأحجام والتي تراصت في تنسيق بديع، وهي حديقة تحمل رسالة واضحة فهي لا تحتاج إلى عمل شاق وسهلة الرعاية وغير مكلفة.

وعلى بعد خطوات توجد حديقة «المصرفي» التي تناثرت فيها قطع النرد الخشبية، وكأنها رسالة موجهة لكل العاملين في البنوك والذين مروا بأوقات عصيبة خلال العام بأن يجربوا حظهم عبر رمي النرد لعلهم يعوضون عبر الحظ ما خسروه من أموال ووظائف.

التقشف أيضا ظهر في انخفاض عدد المشاهير الحاضرين في اليوم الأول للمعرض، ولم يظهر منهم سوى الممثلة البريطانية هيلين ميرين والمغني رود ستيوارت الذي شارك في المعرض بحديقة خاصة ضمت وردة أطلق عليها اسم «هاي غروف» نسبة إلى المزرعة الخاصة بالأمير تشارلز ولي العهد البريطاني. عامل يضع اللمسات الأخيرة على إحدى الحدائق المشاركة في المعرض

وقد حاول البعض التلطيف من الأجواء، فقد ذكرت الصحف أن إحدى المشاركات وضعت في حديقتها «فزاعة حديقة» على شكل رجل قصير يحمل إبريقا للماء فما كان من مسئولي المعرض إلا أن طلبوا منها إزالتها بسبب مخالفتها لقوانين المعرض التي تنص على منع وضع المجسمات ذات الألوان البراقة.

وعلقت جيكا ماكيفيكر مصممة الحديقة والتي حازت في السابق على 61 ميدالية من الجمعية الملكية للحدائق على قرار طرد «فزاعتها» بأن البستنة قد تكون أمرا شديد الجدية ويجب كسر تلك الجدية بلمسة ضاحكة، ولم تنس ماكيفيكر أن تنهي تعليقها بدعابة قائلة إنها وإن اضطرت للاستغناء عن فزاعتها، فإنها ستعيدها إلى مكانها في الليل حين يغلق المعرض أبوابه وتضمن عدم وجود منظمي المعرض.

ولكن روح الدعابة لم تغادر أراضي المعرض إذ أطلق أحد المشاركين على حديقته اسم «غذاء الأزمة المالية» فقد زرع حديقته بمختلف أنواع الخضروات والفواكه التي يمكن لكل مزارع وضعها في حديقته والاستفادة منها في غذائه اليومي، ضاربا بذلك عصفورين بحجر أولهما أن يملأ حديقته بنباتات جميلة، والآخر أن يستفيد من تلك النباتات في غذائه.

وقال مصممو الحديقة إن «المناخ الاقتصادي القاتم يوفر لنا الحافز للعمل في الحدائق الخاصة بنا حتى ننتج الخضار والفاكهة لاستخدامنا الشخصي».

شخص آخر جعل من حديقته مرفأ صناعيا، إذ صنع شاطئا صناعيا ووضع قوارب بلاستيكية في خندق مائي صغير.

ويبدو أن الجو العام سيزيد من إقبال الشباب على رعاية الحدائق المنزلية، وحسب تعبير رابطة تجارة الحدائق البريطانية جيل أورموند لوكالة «رويترز» «يحاول الكثيرون الآن تقليص النفقات التي يصرفونها خارج المنزل ويعملون على قضاء أوقات فراغهم في رعاية المنزل والحديقة الخاصة بهم»، ويستند أورموند في حديثه إلى إحصائية أظهرت ارتفاع الإنفاق في مجال الحدائق بـ 42 في المائة في شهر أبريل الماضي، مقارنة بالعام السابق.

وعلى جانب آخر من الحدائق، توجد حديقة باسم «المفتاح» والتي قام عليها مجموعة من المشردين الذين يعيشون على طرقات العاصمة البريطانية. الحديقة نثرت ممراتها بالمفاتيح في إشارة إلى الحاجة لفتح «أبواب جديدة» وفرص جديدة.

المذيع التلفزيوني جيمس ماي شارك في المعرض بحديقة مصنوعة من البلاستيسين، وهو ما يناقض التقليد العام باستخدام النباتات في تزيين وتشكيل المجسمات داخل الحدائق، ولكن ماي له تفسير خاص، إذ يقول إنه لا يحاول الإيحاء بأن حديقته مصنوعة من مواد طبيعية، ولكنه يرى أنها شكل من الفن يعبر به عن روح معرض تشيلسي.

الحديقة تضم شجرة برتقال وشجرة كرز تحتهما مفرش من البلاستيك وضعت عليه قطع من الكيك وأكواب الشاي (كلها بلاستيكية) وشارك في صنع الحديقة 2000 شخص من مناطق مختلفة، ويعلق ماي في حديث لـ«رويترز» «إذا أردت الوصول إلى معان عميقة من خلال الحديقة، فيمكنك القول بأنها تعبر عن رؤيتنا للنباتات ومعنى الحدائق في حياتنا».

وكعادتها كل عام افتتحت الملكة إليزابيث الثانية المعرض وتجولت فيه وقامت بإهداء ميدالية الملكة فيكتوريا لابنها الأمير تشارلز تقديرا لاهتمامه بالحدائق، وبذلك يصبح تشارلز هو ثاني فرد في الأسرة المالكة البريطانية يتقلد هذه الميدالية. الجدير بالذكر أن الأمير تشارلز شارك عدة مرات في معرض تشيلسي، وفاز بجائزة أفضل حديقة مرتين، إحداهما عن حديقة الأعشاب الطبية والتي أهداها لجدته الملكة الأم والمرة الثانية عن تصميم للحديقة الإسلامية في عام 2001.

معرض تشيلسي للزهور هو تقليد إنجليزي عريق بدأ منذ حوالي مائة وأربعين عاما عندما بدأ أول عروضه في عام 1862 في حديقة النباتات الملكية في كنسنغتون تنقل بعد ذلك في أكثر من موقع حتى استقر في المستشفى الملكية بتشيلسي وأقيم بانتظام سنويا في نفس الموعد فيما عدا استثناءات بسيطة، فقد ألغي العرض في عامي 1917 ـ 1918 بسبب الحرب العالمية الأولى، وخلال الحرب العالمية الثانية ألغي العرض حين استخدمت وزارة الحربية أرض المعرض كموقع مضاد للطائرات.