الكنافة .. تعلم صنعها سكان نابلس في فلسطين من الأتراك

الجبنة الحلوة ومياه الينابيع تميز الحلويات في نابلس، كما يتفنن النابلسيون في صنع الكنافة وأنواعها
الجبنة الحلوة ومياه الينابيع تميز الحلويات في نابلس، كما يتفنن النابلسيون في صنع الكنافة وأنواعها

تحولت نابلس في الأيام القليلة الماضية التي سبقت عيد الفطر إلى «سوق بسطات» كبيرة جدا، فقد افترش البائعون الجائلون الساحة الرئيسية في المدينة «دوار الحسين»، وأغلقت الشوارع ومنعت السيارات من الدخول، وترك المكان للبائعين والمتسوقين ورجال الأمن.


كان المشهد يشير إلى مدينة استعادت عافيتها أخيرا، يتحرك فيها الناس مثل خلية نحل .. الشرطة منشغلة بتوجيه السيارات إلى طرق بديلة، والبائعون ملأوا المدينة ضجيجا وهم ينادون على بضاعتهم، هذا يبيع ملابس، وهذا ألعاب، وهذا أدوات منزلية، وهذا ينادي على عصير الخروب والسوس، والحصرم، الذي ربما لا تجده إلا في نابلس، وهو عصير مصنوع من العنب غير الناضج الصغير والمر.

كانت الناس تشتري كل شيء، بينما يلهو الأطفال بألعاب اشتروها بمناسبة العيد، وبسبب هذا الازدحام الذي يبدو أنه تحول إلى مشهد يومي، بدأت بلدية المدينة بحفر أنفاق تحت الأرض للمشاة.

وأطلقت نابلس مع بداية الصيف «مهرجان نابلس للتسوق»، في محاولة منها لتنشيط الحركة التجارية في مدينة حوصرت 8 سنوات، وجاءت الخطوة ضمن خطوات أخرى، سعت لها السلطة كي تستعيد نابلس دورها كعاصمة للاقتصاد الفلسطيني.

وخفف الإسرائيليون الحواجز الإسرائيلية التي كانت تخنق المدينة، وسمحوا لأهل الضفة وعرب الداخل بزيارتها، حتى بسيارتهم، بعد أن كان هذا ممنوعا في سنوات سابقة.

وعلى الرغم من أن المدنية كانت تعج بالبضائع بكل أنواعها، فإن الزائرين إليها كانوا يبحثون عن أفضل ما تصنعه هذه المدينة منذ عشرات السنين، إنها الحلويات، وخصوصا الكنافة.

وقد اقترنت الكنافة باسم نابلس، وفي كل مكان في العالم تجتذبك فورا «الكنافة النابلسية»، وحتى خارج نابلس في مدن الضفة الغربية، يعمل أهل نابلس خصيصا في صنع الكنافة، إذ تبقى هي الأفضل على الإطلاق، والمرغوبة أكثر، من بين أنواع أخرى، مثل الكنافة الاسطنبولية.

وفي البلدة القديمة، التي تشبه إلى حد كبير البلدة العتيقة في القدس، يزدحم الناس في ممرات ضيقة وطويلة، وربما لا يصطفون حول أي من المحلات كما يصطفون من أجل الحصول على كيلو أو أكثر من محلات «الأقصى» للكنافة، التي يعرفها أهل نابلس بمحلات «الشنتيرة».

وليس بعيدا عن الأقصى، يصطف آخرون ليتذوقوا، كنافة أبو صالحة، وتعلو الأصوات في محلات كنافة دمشق، بسبب الاكتظاظ، وهذا ما يحدث أيضا لدى محلات عرفات.

إنهم (بائعو الكنافة) لا يتوقفون لحظة، فأهل المدينة مولعون بها، وأكثر منهم الضيوف الذين لا يمكن أن يمروا بنابلس دون أن يجربوا ويشتروا من كنافتها.

وقال أسامة أبو صالحة، صاحب محلات أبو صالحة للكنافة: «الكنافة تعني نابلس وبس»، وأضاف: «أينما ذهبت في العالم، ستجد أنهم يكتبون كنافة نابلسية .. نحن أصل الكنافة وأفضل من يصنعها، يجب أن يكون صناعها من نابلس، وإلا ما بتظبط».

وتعود أصول الكنافة، حسب أبو صالحة إلى عهد الأتراك الذين حكموا نابلس قبل مئات السنين، وقال أبو صالحة: «بدأت صناعتها في عهد العثمانيين، وظلت حتى الآن». أما لماذا نابلس تحديدا، فالسبب «الجبنة الحلوة» التي تعتبر «روح الكنافة»، إذ تحشى العجينة بالجبنة، ويضاف إليها السمن والسكر والفستق حلبي.

وقال أبو صالحة: «نابلس مليئة بالجبنة، والناس من كثر الجبنة ما كانوا يعرفوا وين بدهم يروحوا فيها، فيصنعوا منها الحلويات»، وشيئا فشيئا تطورت أشكال الكنافة، فمنها الخشنة والناعمة والأصابع والاسطنبولية، وكلها باستثناء الاسطنبولية، وهي أخف حلاوة، صناعة نابلسية بحتة.

جربنا مثل الجميع، الكنافة، وأصر على أن «يحلينا» حسام خضر، القيادي الفتحاوي المعروف بمواقفه الجريئة، والذي كان يأكل الكنافة بصحبة ضيوف لديه من القدس.

كانت نكهتها مميزة، حتى عن تلك التي يصنعها النابلسيون في مدننا في الضفة، وقال صالح من رام الله: «في نابلس يختلف الطعم، فيها سحر، الكنافة رائعة، وطعم الجبنة أزكى، وحتى السعر مختلف».

وفي نابلس يصل سعر كيلو الكنافة 28 شيكلا (7 دولارات)، وفي مدن أخرى 36 شيكلا (9 دولارات)، وقال محمد من بيت لحم: «ولا حتى أهل نابلس خارج نابلس يعملونها بهذه الطريقة، هنا تبدو مميزة».

وقال أبو صالحة، مفسرا: «الماء.. السر أيضا في الماء». وأوضح «كل نابلس تعيش على مياه الينابيع، هذه مي حلوة، وتعطي الكنافة طعما إضافيا مميزا». والكنافة على شهرتها، ليست هي الحلويات الوحيدة التي تنفرد بها نابلس، بل إن البعض يذهب إلى نابلس خصيصا ليشتري «الكلاج»، وهي عجينة رقيقة مصنوعة من السميد وتخبز على النار، وتحشى بالجبنة كذلك، والبعض يفضل أن يحشوها بالمكسرات.

وقال أبو وجيه عفونة (60 عاما) الذي يصنع الكلاج ويبيعه في البلدة القديمة: «جاءوني من كل مكان في الضفة كي أعلمهم طريقة صنع عجينة الكلاز، لكني رفضت.. هذا سر المهنة»، وأضاف وهو يضحك «ما حد بيقلع عينيه بيده»، وتعلم أبو وجيه الكلاج من والدته التي تعلمته من آخرين تعلموه كذلك من الأتراك.

وأضاف أبو وجيه: «عمل الكلاز صعب ويستغرق وقتا طويلا ويحتاج إلى خبرة»، ولا ينقطع الطلب على أبو وجيه لا صيفا ولا شتاء، وقال «في الشتاء يطلبه الناس أكثر، وأنا أستمتع بعمله أكثر لأني باعمله على النار»، سألته لماذا يسميه «كلاز» وليس «كلاج» كما هو شائع، فرد: «أصل الكلمة، هو كلاز، منذ زمن الأتراك، لكن الناس استسهلت كلمة كلاج».

وبخلاف الكنافة، لا تنتشر حلويات الكلاج خارج نابلس، ويتفنن النابلسيون في صنع حلويات أخرى، مثل المطبق والبورمة والبقلاوة والهرايس والمشبك وعش العصفور والقطايف.

وقبل شهرين صنع العشرات من أصحاب محلات الكنافة في نابلس، أكبر طبق كنافة بالعالم، وقد دخل كتاب جينيس للأرقام القياسية، بعد أن صنع بطول 74 مترا وبعرض 105 سم، وكان وزنه 1765 كغم.

وفي كل يوم يفتتح النابلسيون محلات للكنافة في مدن في الضفة الغربية، وفي العالم، فهم سفراؤها.