الأنتحار يسجل أرقاماً غير مسبوقة بين الفلسطينيين بـ 3 محاولات يومياً

سجلت حالات الانتحار معدلات غير مسبوقة بين الفلسطينيين في عام 2009 الجاري، في ظل التدهور الحاد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانسداد أفق الحل السياسي.


وفي حين بينت إحصائية صادرة عن إدارة التخطيط والبحوث في الشرطة الفلسطينية في رام الله أن عدد محاولات الانتحار بلغت 250 حالة منذ مطلع عام 2009 الحالي، نتج عنها ثمانية حالات وفاة، تم تسجيل 95 محاولة تسببت بوفاة 7 حالات وفاة في قطاع غزة منذ مطلع العام.

ويرى أطباء نفسيون أن المواطن الفلسطيني صار أكثر ميلاً لإنهاء حياته، بسبب ضغوط الحياة وعدم القدرة على التكيف، إلى جانب الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، وانخفاض الوازع الديني.

ولا تستغرب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" ازدياد محاولات الانتحار في المجتمع الفلسطيني، مع الفقر الهائل والضغوط الهائلة داخل الأسرة.
 
بين الشباب
ويشير الناطق الإعلامي باسم الشرطة التابعة للحكومة المقالة في غزة صابر خليفة إلى حالات الانتحار "غالباً ما تكون بين الشباب، خاصة في مرحلة المراهقة، الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ21 سنة"، بحسب ما قال لـ"العربية.نت"، مرجعاً هذه المحاولات، بالدرجة الأولى، إلى "ضيق العيش والعوامل النفسية".

واعتبر أن "ما مر به الشعب الفلسطيني في الفترة الأخيرة، والحرب على القطاع ليس بالأمر الهين أو البسيط، جميعها عوامل مؤثرة جدا في معظم حالات الانتحار التي عالجتها الشرطة الفلسطينية".

وأشار إلى أن الشرطة لعبت دورا مهماً بمعالجة هذه الحالات، بالتعاون من مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات غير الأهلية ومؤسسات حقوق الإنسان.

250 محاولة منذ بداية 2009
من جانبه، قال مصدر في المكتب الإعلامي للشرطة الفلسطينية في رام الله، إن عدد من حاولوا الانتحار بلغ 250 حالة منذ مطلع العام الجاري، نتج عنهم 8 حالات وفاة، مرجعا ذلك إلى انخفاض الوازع الديني، وعدم فتح حوار داخل الأسرة مع الشباب والشابات، بالإضافة إلى العنف الأسرى، والظروف الاقتصادية والاجتماعية والفقر وارتفاع معدلات البطالة.

ونفى أن تكون هناك حالات انتحار رصدتها الشرطة ناتجة عن الظروف السياسية، قائلا "لا اعتقد ان الظروف السياسية كانت سببا في الانتحار.

غالبا اسباب محاولات الانتحار تتركز حول الضغوط الاقتصادية والمالية، والفقر والبطالة، اضافة إلى أن هناك 14 حالة من هذه المحاولات كانت بخلفيات أخلاقية".

ولفت إلى أن تقارير الشرطة الفلسطينية يرصد حالتين إلى 3 محاولات انتحار يومياً.

واستناداً إلى احصائيات الشرطة، تتفوق الإناث على الذكور في محاولات الانتحار، إذ بلغت نسبة الفتيات اللواتي حاولن انهاء حياتهن 60.6% من إجمالي المحاولات.

أما الفئة العمرية فتتراوح بين 16 و45 عاما.

وتجري محاولات الانتحار وفق أساليب مختلفة، مثل شرب المواد الكيمياوية بشكل متعمد، كالكلور والكاز، أو الأدوية. كما يمكن محاولة الانتحار عبر القفر من علو، أو جرح احدى الشرايين باليد.
 
زيادة الاحباط
وشرح الطبيب النفسي فضل أبو هين أن الانسان يحاول التخلص من حياته حين يزيد احباطه، "ويشعر بالفشل الشديد في مواجهة الواقع الذي يعيش فيه. كما يصبح غير قادر على التكيف مع الأسرة والمجتمع الذي يعيش فيه".

وأكد أنه تعامل مع حالات كثيرة لفلسطينيين يعتبرون "الموت افضل من الحياة"، بسبب ظروف الحياة التي يعيشونها، التي أدت إلى ارتفاع معدل الاكتئاب النفسي لديهم.

ويعتقد أبو هين أن محاولات الانتحار في غزة سببها الحصار الإسرائيلي وتبعاته، لأنه "حصر الناس في كل مجالات حياتهم، فتوقف طموح الناس بالخروج الى السفر والتعليم، كما أغلقت آفاق الحياة والزواج والبناء، فيما فرص العمل غير موجودة وقدرة الناس على استقدام بعض المواد من الخارج، اصبحت محدودة اضافة الى الوضع الاقتصادي المتدني بشكل شديد في هذه الأيام والأعباء الملقاة على عاتق الأسرة وعاتق النساء بالذات اصبح كبير جدا".

ولفت إلى أن نسبة الدمار والهلاك والتدمير التي تبعت الحرب على قطاع غزة، أيضا لها دور كبير في ارتفاع معدلات الانتحار، مشيرا إلى أن جيمع هذه العوامل أدت في النهاية إلى تفجر في مشاعر الناس واحساسهم في الضعف والعجز وبالتالي محاولة الانتحار.

أما في الضفة الغربية، فيتحدث أبو هين عن التضييق الإسرائيلي الشديد، بوجود نحو 700 حاجز عسكري قطعت أوصال الضفة، "كما أن الحياة التعليمية والاقتصادية والاجتماعية ضربت بسبب تلك الحواجز والضغوطات الاسرائيلية، وبالتالي تأثر الناس نفسيا واجتماعياً بتغير مقاييس الحياة في الضفة".

ويتابع "أنا أعمل في جمعية غير حكومية، وقد تعاملت شخصيا مع فتاة همت بالانتخار وحاولت انهاء حياتها لعامل بسيط جدا وهو ضيق حياتها ومعاملة زوجها السيئة لها"، مضيفا "أعتقد أن ذلك أيضا يرجع للحصار لأن زوجها قبل الحصار كان يعمل، ويحصل على دخل جيد.

لكنه اليوم هو عاطل عن العمل وغير قادر على تلبية احتياجات ابناءه، وبالتالي اصبح يعامل الأبناء والعائلة بمنتهى القسوة، ما دفعها لمحاولة إنهاء حياتها".