الصوديوم الغذائي .. العلماء مختلفون حول أخطاره

العلماء مختلفون حول خفض مقادير تناوله لجميع الناس
العلماء مختلفون حول خفض مقادير تناوله لجميع الناس

في نوفمبر 2009 عقدت لجنة في معهد الطب «IOM» آخر جلسة لها لجمع المعلومات الخاصة بخفض استهلاك الصوديوم في الولايات المتحدة. ويتوقع أن تكون قد أصدرت تقريرها في شهر فبراير (شباط) 2010 الحالي.


ويتمثل هدف اللجنة في خفض تناول الفرد من الصوديوم إلى المستويات التي أوصت بها «إرشادات التغذية للأميركيين» (Dietary Guidelines for Americans)، أي - بعبارة أخرى - تناول كمية من الصوديوم لا تزيد عن 2300 مليغرام (ملغم) يوميا للشخص البالغ في المتوسط، وهي الكمية التي توجد في ملعقة شاي تقريبا من ملح الطعام الاعتيادي الحاوي على اليودين.

أما الكميات الأقل من الصوديوم - بمقدار لا يزيد على 1500 ملغم يوميا، أي نحو ثلثي ملعقة شاي من الملح - فتوصى للبالغين من الأعمار المتوسطة والأكبر سنّا، وكذلك للأميركيين من أصل أفريقي، وللمصابين بارتفاع ضغط الدم.

إلا أن الأميركيين يتناولون أكثر مما يحتاجونه من الصوديوم، 3400 ملغم يوميا في المتوسط.

مستويات الصوديوم
يأتي أغلب الصوديوم في غذائنا من الملح، أي كلوريد الصوديوم. ويؤلف الصوديوم نحو 40 في المائة من وزن الملح.

 وهو يؤدي الكثير من الوظائف البيولوجية المهمة: نقل النبضات العصبية، ودفع ألياف العضلات للانقباض والاسترخاء، والحفاظ على توازن السوائل المطلوب.

وتقوم الكليتان بتنظيم مستوى الصوديوم في الجسم بلفظ كمياته الفائضة. إلا أنهما لا تستطيعان أداء مهمتهما بنجاح عندما تكون مستوياته في الدم عالية.

 ويؤدي وجود مستوى عال من الصوديوم في الدم إلى سحبه للماء من الخلايا. ويقود ازدياد السوائل إلى ازدياد حجم الدم، وهذا ما يتسبب في إجهاد القلب، وفي ازدياد ضغط الدم في الأوعية الدموية، كما يتسبب في الغالب في تصلب جدران الأوعية، وظهور حالات ضغط الدم المرتفع المزمنة، وازدياد خطر التعرض لنوبة قلبية أو سكتة دماغية.

ويكون بعض الأشخاص حساسين جدا للصوديوم، إذ يزداد ضغط الدم لديهم ويهبط مباشرة بسبب تناولهم الصوديوم، وهذا ما يضعهم في خانة المعرضين لخطر متزايد لأمراض القلب، حتى إن لم يكونوا من المعانين من ضغط الدم المرتفع، كما يعني أنهم سيستفيدون جدا في حالة تحكمهم الصارم في تناول الصوديوم.

وأغلب الذين يكونون حساسين للملح هم من كبار السن، وذوي الأصول العرقية الإفريقية، والمصابين بضغط الدم المرتفع، وبالسكري، وبأمراض الكلى.

الصوديوم والصحة
يعاني واحد من كل أربعة أميركيين ضغط الدم المرتفع، وهي الحالة التي يتم تعريفها بمقادير لقراءات الضغط تبلغ 140/90 مليمتر زئبق أو أكثر.

إلا أن الكثيرين لديهم حالة «ما قبل ضغط الدم المرتفع» (حيث يكون الضغط الانقباضي بين 120 و139 ملم زئبق، والضغط الانبساطي بين 80 و89 ملم زئبق)، وهذا يعني أن ضغط الدم المرتفع سيظهر لديهم رغم أنهم لا يعانونه حتى الآن.

وقد أظهر الكثير من الدراسات أن ضغط الدم يرتبط مباشرة مع الصوديوم الغذائي (الذي يتم تناوله ضمن الغذاء)، ولذا فإن من المعقول أن يتجه المعرضون للخطر إلى الحد من تناوله.

ولكن ماذا عن أغلبية الناس الآخرين؟ تقول مراكز مراقبة الأمراض والوقاية «CDC» إن الحد من تناول الصوديوم يجب أن يحتل الأولوية لجميع السكان.

وفي دراسة نُشرت عام 2009 استخدمت فيها بيانات من دراسة «استطلاعات الاختبارات الوطنية حول الصحة والتغذية»، واعتمدت على «إرشادات التغذية للأميركيين»، استنتج باحثو المراكز بأنه ينبغي على 70 في المائة من البالغين الأميركيين (145 مليون شخص تقريبا يقع ضمنهم كل شخص تجاوز أربعين سنة، وكل الأميركيين من أصل إفريقي، وكل المصابين بضغط الدم المرتفع) تناول الصوديوم بمقدار لا يزيد على 1500 ملغم يوميا.

ويعتقد بعض خبراء الصحة العامة أن مقدار 1500 ملغم من الصوديوم يجب أن يكون المقدار اليومي الأعلى لكل السكان، بينما يشير آخرون إلى أن هذا المقترح يهمل العوامل الأخرى المؤثرة على ضغط الدم، والتي يمكنها أن تؤدي إلى عواقب غير مقصودة (مثل عواقب حملة خفض تناول الدهون وتعويضها بتناول الكربوهيدرات، التي ارتبطت بزيادة السمنة).

إلا أن الجميع تقريبا يتفقون على أننا لا نستطيع التوصل إلى الالتزام بمقدار 1500 ملغم من الصوديوم من دون خفض كمية الملح في المنتجات الغذائية المعالجة صناعيا، أو الجاهزة، وهي المصدر الرئيسي للصوديوم الغذائي.

في ربيع 2009، قال الدكتور فرانك ساكس البروفسور في كلية الطب وكلية الصحة العامة بجامعة هارفارد، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس لجنة التغذية في جمعية القلب الأميركية، لدى إدلائه بشهادة أمام لجنة معهد الطب، إن جمعية القلب ترغب في أن تخفض شركات إنتاج الأغذية والمطاعم من كميات الملح المضاف إلى الأغذية بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2020 «لتحقيق الفائدة للصحة العامة».

تقليل أم تحكم صارم؟
الكثير من الدراسات دققت في العلاقة بين تناول الصوديوم، وضغط الدم، وأمراض القلب والأوعية الدموية. وكانت نتائج تجارب «منطلقات التغذية لمنع ضغط الدم المرتفع - Dietary Approaches to Stop Hypertension» (DASH) من أكثرها قوة.

وقد أظهرت أولى تجارب «DASH» أن الغذاء الغني بالفواكه والخضراوات، ومنتجات الألبان القليلة الدسم، والحبوب الكاملة غير المقشرة، والبقوليات، والمكسرات، والسمك، واللحوم الخالية من الشحوم، والدجاج، يقلل من ضغط الدم.

وفي دراسة متابعة أجريت مقارنة بين هذا الغذاء وغذاء يشابه الغذاء الأميركي السائد، تم تقسيم نوعي الغذاء هذين إلى ثلاثة مستويات للصوديوم: المستوى العالي (3500 ملغم في اليوم)، والمستوى المتوسط (2400 ملغم في اليوم)، والمستوى الواطئ (1500 ملغم في اليوم). وتابع أكثر من 400 متطوع الغذاء المطلوب منهم لمدة 12 أسبوعا، مغيّرين من مقادير تناولهم للصوديوم بعد كل أربعة أسابيع.

وعبْر كل أفراد المجموعة، ظهر أن تقليل تناول الصوديوم أدى إلى خفض ضغط الدم. وكان غذاء «DASH» الذي تم التحكم الصارم بتناول الصوديوم فيه بمقدار لا يزيد على 1500 ملغم يوميا، الأفضل تأثيرا على كل المشاركين. وكان فعالا للأشخاص من ذوي ضغط الدم المرتفع مثل فاعلية الأدوية تقريبا.

وقد توصل الباحثون إلى خلاصة مفادها أن كل الناس يمكنهم تحقيق الفائدة من خفض تناول الصوديوم.

إلا أن الدراسة لم توفق في كبح الجدال الدائر حول هذا الموضوع. فقد قال منتقدوها إنها كانت قصيرة زمنيا، الأمر الذي لا يؤهلها لإصدار توصيات عامة، كما حذروا من الأخطار الصحية لنقص الصوديوم.

 أما مؤيدوها فلا يدعمون هذا الرأي لأن غالبية البشر لا يحتاجون إلى أكثر من 1500 ملغم من الصوديوم في اليوم لتأمين صحة جيدة. ومن الطبيعي أن لا تتمكن هذه الدراسة القصيرة على مدى 12 أسبوعا من التنبؤ بتأثير الصوديوم على القلب والأوعية الدموية.

أما دراسة متابعة أخرى عام 2007، وهي «تجارب لدرء ضغط الدم المرتفع - Trials of Hypertension Prevention» (TOHP) فقد فتحت آفاقا بعيدة المدى. وكانت دراسة «TOHP» الأصلية قد تضمنت تجربتين عشوائيتين أُجريَتا في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي.

 وفي دراسة المتابعة الجديدة تابع فريق من باحثي جامعة هارفارد، الأفراد المشاركين في تلك التجربتين ووجدوا أن الذين داوموا على خفض مقدار تناول الصوديوم إلى ما بين 2000 و2600 ملغم في اليوم واستمروا في التحكم في تناول الملح، قلت لديهم حوادث التعرض لمشكلات في القلب والأوعية الدموية، ومن ضمنها الوفاة، بنسبة 30 في المائة، خلال 10 إلى 15 سنة.

ولم تطلب تجارب «TOHP» من المشاركين إجراء تغيرات غذائية قاسية، بل إن المتطوعين أنفسهم تعلموا كيفية التعرف على مقادير الصوديوم في الأغذية بهدف تفاديه.

 وقد نجح المشاركون الذين خفضوا من تناول الملح بمقدار يتراوح بين الثلث والنصف يوميا، في تحقيق الفوائد لقلبهم وأوعيتهم الدموية.

ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه النتائج تعني أن علينا خفض تناول الصوديوم إلى حدود 1500 ملغم في اليوم، أو الطلب من شركات إنتاج الأغذية خفض الملح في منتجاتها إلى النصف.

إليكم بعض طرق خفض تناول الصوديوم:
- تناول الغذاء الطازج بكثرة، فأغلب كميات الصوديوم تأتي من تناول مأكولات المطاعم أو الأطعمة المعالجة صناعيا.

- قلل تناول الصلصات المختلفة، والمخللات، والصودا المستخدمة في الشواء والخبز في الأفران، التي تحتوي على الصوديوم.

- اقرأ ملصقات التعريف بالمنتجات الغذائية للتعرف على مقدار الصوديوم فيها.

- اطلب من المطعم تحضير طعامك بأقل مقدار من الملح.

- استخدم الأعشاب والبهارات عوضا عن الملح.

اليودين في الملح .. وأهميته
اليودين حيوي لحياة الإنسان، إذ تؤدي قلته إلى مشكلات صحية خطيرة منها تضخم الغدة الدرقية، وحدوث مشكلات في الأعصاب. ويأتي أغلب اليودين الذي يتناوله الإنسان من الملح الحاوي عليه.

وتعتبر 5 غرامات من الملح الحاوي على اليودين (ملعقة شاي تقريبا) كافية لتأمين 150 ميكروغراما (مكغم) من اليودين، وهو المقدار الذي يوصي به الخبراء يوميا للبالغين والبالغات أيضا، من غير الحوامل.

والسؤال المطروح هو: هل سيؤدي الحد من تناول الصوديوم - أو استخدام الملح غير الحاوي على اليودين - إلى حدوث نقص في تناول اليودين؟
الجواب: حتى الآن لم يكن ذلك من ضمن اهتمامات العلماء. إلا أن دراسة «استطلاعات الاختبارات الوطنية حول الصحة والتغذية» أشارت إلى وجود انخفاض حاد في تناول اليودين في المتوسط في بداية السبعينات والتسعينات من القرن الماضي، إلا أن مستويات اليودين لم تنخفض إلى أقل من المستويات اللازمة لضمان صحة جيدة. أما الآن فإن المستويات ترتفع مجددا.

وعلى الأشخاص الذين يقللون من تناول الملح الحاوي على اليودين، اللجوء إلى تناول اليودين من مصادر أخرى. وأحد المصادر الممتازة لليودين هو أعشاب البحر، وكذلك الغذاء البحري.

وتصنع بعض أنواع الخبز باليودين، كما أن إضافته إلى علف الماشية، توفر مصادره من منتجات ألبانها.

ولسوء الحظ فإن مقادير اليودين لا توضع ضمن المواد التي تعرضها الملصقات التعريفية للمنتجات الغذائية.

وتحتوي الفواكه والخضراوات على اليودين، إلا أنه لا يوجد فيها بشكل مركز. ولعل أفضل مصدر له - عدا الملح - هو حبوب الفيتامينات المتعددة الحاوية على اليودين.