التكنولوجيا الرقمية والتصميمات المرنة تتألق في معرض ميلانو للأثاث

عانى  معرض ميلانو للأثاث الكساد المالي العام الماضي .. والسحابة البركانية العام الحالي، وفي الصورة طاولة قهوة مصنوعة من الكتب ضمن معروضات معرض ميلانو الدولي للأثاث
عانى معرض ميلانو للأثاث الكساد المالي العام الماضي .. والسحابة البركانية العام الحالي، وفي الصورة طاولة قهوة مصنوعة من الكتب ضمن معروضات معرض ميلانو الدولي للأثاث

كان هناك موضوع واحد فقط مطروحا للحديث أثناء الأيام الأخيرة في معرض الأثاث السنوي في مدينة ميلانو الأسبوع الماضي، وهو: كيف نخرج من هنا؟


فقد تراكمت هذه السحب الكئيبة من الرماد البركاني فوق أوروبا في أسوأ وقت ممكن بالنسبة إلى زوار المعرض، الأمر الذي منع الآلاف منهم من السفر عبر الجو، من ميلانو أو إليها أثناء أكثر الأسابيع ازدحاما خلال العام، بالنسبة إلى هذه المدينة.

وما كادت أولى الرحلات الجوية عبر الأطلسي تبدأ في الهبوط، حتى تحول الحديث من التركيز على الطاولات والمقاعد المعروضة إلى الأشخاص العالقين، وحول ما إذا كان هناك أي مقاعد خالية على أي رحلة جوية تقلع من روما أو مدريد، وحول المبالغ الخرافية التي تتقاضاها شركات خدمة السيارات المحلية مقابل الانتقال إلى باريس، وهي مسافة تزيد على 500 ميل.

وللحكم على مدى سوء توقيت ثوران البركان، يتعين على الفرد التفكير في الأهمية الكبرى التي يمثلها هذا المعرض الدولي للأثاث في ميلانو بالنسبة إلى تجارة الأثاث العالمية.

ويعتبر معرض «ميلانو» حدث العام، وهو شيء يشبه معارض «ديترويت» و«جنيف» و«طوكيو» للسيارات، أو أسابيع الأزياء في نيويورك وباريس وميلانو، مجتمعة في حدث واحد.

وفي العام الماضي، خيم الكساد بظلاله السيئة على هذا المعرض، حيث انخفض عدد زائري هذا الحدث الذي يعقد في مجمع رو إلى 313385 زائرا للمرة الأولى خلال أعوام، مقابل الرقم القياسي الذي بلغ 348452 زائرا عام 2008.

ومنذ ذلك الحين، بدأت الأوضاع الاقتصادية في الهدوء، وبدا المصنعون في العام الحالي أقل توترا، إن لم يكونوا أكثر ثقة.

وارتفع عدد الزائرين إلى 335354 زائرا، وفقا لمنظم المعرض، شركة «كوزميت». وأقر كثير من العارضين بأن النشاط التجاري في المعرض أفضل، مقارنة بالعام الماضي.

وقال رولف فيلباوم، رئيس المجموعة السويسرية للأثاث «فيترا»: «كانت هناك علامات للتحسن، وكان التجار مستعدين لتقديم طلباتهم».

ومع ذلك، فإن الانتعاش غير مستقر وغير مكتمل. وقال باتريزيا موروسو، المدير المبدع للشركة الإيطالية للأثاث «موروسو»: «لا يزال الوضع سلبيا. يوجد في بعض الأسواق إمكان كبير للنمو، وهناك علامات انتعاش في أسواق أخرى، لكن ذلك سيحدث بوتيرة بطيئة، لأن هناك نهجا أكثر حذرا فيما يتعلق بالإنفاق».

وتم عقد مئات حفلات العشاء والغداء والفطور وغيرها من الحفلات في ميلانو الأسبوع الماضي، عندما كانت المدينة في أبهى صورة لها في ظل سطوع شمس الربيع.

لكن هذه الحفلات المثيرة تم تنظيمها من جانب بيوت الأزياء وشركات تصنيع السيارات، التي كانت حريصة على الاستحواذ على اهتمام وسائل الإعلام التي تدفقت إلى المدينة. وقامت شركات تصنيع الأثاث بخفض التكاليف إلى درجة كبيرة للغاية.

وبلغ عدد الشركات العارضة في المعرض العام الحالي 2499 شركة، مقارنة بنحو 2723 شركة في عام 2009، وحتى هذه الشركات عرضت عددا أقل من المنتجات الجديدة مقارنة بالمعتاد، وكانت معظم هذه المنتجات أقل طموحا من الناحية التقنية، وذلك بهدف خفض نفقات التطوير.

وقال ألاسدير ويليس، الرئيس التنفيذي للشركة البريطانية للأثاث «Established & Sons»: «قامت معظم الشركات بكل وضوح بخض النفقات إلى حد كبير، واكتفوا فقط بحضورهم في المعرض.

لقد خفضوا استثماراتهم على أعمال الزخرفة والتصميمات، وقدموا عددا صغيرا للغاية من المنتجات التي تحتاج إلى أعمال الزخرفة والتصميمات الدقيقة».

وعلى نحو غير مفاجئ، لم يكن هناك كثير من الاتجاهات الواضحة أو المنتجات الممتازة. وكان التطور الوحيد الأكثر إثارة هو ظهور ما يمكن تسميته أسلوب الضوء المفرط، أو بالإيطالية «superleggera»، المرن والرشيق والخشن، بدت هذه القطع كأنها إطلالات تكنوقراطية على أعمال المصممين الإيطاليين أمثال فرانكو ألبيني وغيو بونتي في خمسينات القرن الماضي حيث تمت تسمية أحد المقاعد التي صمماها بـ«Supperleggera».

وعلى شاكلة ذلك، كانت المقاعد التي صممها مارتينو غامبر، وكونستانتين غرسيك وجيرزي سيمور لصالح ماغيس، وكذلك تلك التي صممتها «المنشأة الصناعية» لصالح ماتيازي، والقطع النحاسية الأنيقة التي صممها ألدو باكر لصالح توماس إيك.

وشملت الأمثلة الأخرى الطاولات الطويلة والمصنوعة من الألمنيوم التي صممها رونان وإروان بورولك لصالح ماغيس، ومصباح المنارة الذي صمموه لصالح شركة «Established & Sons».

وقال رونان بورولك: «لقد شعرنا بأن الوقت قد حان لتقديم شيء أكثر جمالا وأكثر هدوءا. سمعت أحد مصنعي العطور يتحدث حول كيف كانت المرأة قبل 30 عاما تريد عطورا قوية لتنم عنها عند دخولها إحدى الغرف، لكن المرأة الآن تفضل أن تكون العطور أكثر لطفا. أشعر بالشيء نفسه في مجال الأثاث».

وتشمل مجالات الابتكار الأخرى الإضاءة، حيث يمكن التقدم في التكنولوجيا الخاصة بالمصابيح الثنائية باعثة الضوء، والمصابيح الثنائية العضوية باعثة الضوء والموفرة للطاقة، المصنعين والمصممين من ابتكار منتجات جديدة.

«تصدر المصابيح الثنائية باعثة الضوء نقطة صغيرة ومكثفة من الضوء، لكن المصابيح الثنائية العضوية الباعثة للضوء من الممكن تعديلها إلى ألواح رقيقة، وحتى مرنة».

وخصص المصمم الألماني الكبير إنغو مورر عرضه لعشاق المصابيح التقليدية القديمة، لكنه كشف النقاب أيضا عن قطع مذهلة من المصابيح الثنائية العضوية الباعثة للضوء.

وعرضت شركة «فلوس» الإيطالية للإضاءة كيف يمكن دمج المصابيح الثنائية باعثة الضوء في الجدران والأسقف.

كما كشفت الشركة النقاب عن سلسلة من المصابيح الثنائية العضوية الباعثة للضوء لشركة «فيليب ستارك»، التي قال تاجر التجزئة موراي موس إنه يعتزم عرضها في متجره الخاص «سوهو»، من بين المنتجات التي اختارها من المعرض.

وقال بيرو غانديني، رئيس شركة «فلوس»: «لقد بدأنا الآن فقط إدراك القوة الكامنة لهذه التكنولوجيات. والنتائج بالفعل مثيرة للغاية».

وكانت هناك عروض مثيرة للاهتمام حول سبل دمج التكنولوجيا الرقمية في المنزل. وقدمت شركتا «سوني» و«ماتسوشيتا» اليابانية للإلكترونيات مشاريع تجريبية - من أنظمة الصوت إلى المطابخ - طورتها مع المجموعة البريطانية للتصميمات «BarberOsgerby»، والمصمم الياباني ناوتو فوكاساوا على الترتيب.

لكن المصمم الهولندي الشاب مارتن باس حقق الانقلاب في التسويق خلال الأسبوع بمشروع رقمي، وهو تطبيق لجهاز «آي فون» مستند إلى مشروعه الآني، الذي يقوم فيه الممثلون بالإشارة إلى الوقت بالساعات والدقائق.

وبنهاية اليوم الأول من المعرض، كانت الجدران في الشوارع مكسوة بالملصقات التي تعلن عن «مارتن باس الأكثر حداثة مقابل 99 سنتا فقط».

وقابل عدم التجانس في المعرض التجاري، العروض المستقلة لأعمال المصممين الشباب التي أقامتها في الضاحية الصناعية لامبارتي، مؤسسات مثل «أكاديمية إيندهوفن للتصميم» في هولندا، ومؤسسة «Z33» للتصميمات الفنية في بلجيكا ومشروع «IN Residence» في إيطاليا.

وهذه المعارض استخدمت تصميمات مثل أداة المفاهيم للاحتفال بالسعادة البسيطة واستكشاف قضايا مثل النفايات والتغير الاجتماعي والاستخدام المفرط للتكنولوجيا.

وقال المصمم البريطاني إيلس كراوفورد، الذي يرأس أحد الأقسام في «أكاديمية إيندهوفن» وشارك في تنظيم المعرض: «لقد اعتقدنا أنه سيكون من المثير للاهتمام عرض كيفية تبني المصممين الفكرة، وتنفيذها في الواقع عن طريق طرح الأسئلة، لأن هذه هي الطريقة التي يقدمون بها معنى التغيير.

هناك حاجة إلى النظر إلى التصميمات على أنها عملية مهمة، أكثر من الحاجة إلى جعل الأشياء تبدو جيدة».

وبطل هذا المعرض هو المصمم الإيطالي المخضرم إنزو ماري، الذي تعد أعماله مؤثرة إلى حد كبير. وشاهد ماري مقعدا صممه عام 1974، أعادت إصداره شركة «أرتك» الفنلندية، وأقام معرضا رائعا لـ60 قطعة من الأشياء التي توضع على الورق لمنعها من التطاير، والتي جمعها على مر السنين، وتشمل قطعا إسمنتية وقطعا من الخشب والرخام والآلات وزجاجات الحبر القديمة وقطع الكريستال الموضوعة على المقطوعات الموسيقية، إلى جانب رسومات ومذكرات مكتوبة بخط يده.

وقدم مصمم إيطالي آخر في العقد الثامن من عمره، أليساندرو مينديني، ما اعتبره الكثيرون الحدث الأكثر أهمية في ميلانو الأسبوع الماضي، «كوالي كوزي سيامو»، وهو معرض جميل للغاية في متحف «لا ترينيل للتصميمات»، وتم عرض نحو 700 قطعة، تشمل نسخة طبق الأصل لتمثال داوود للفنان مايكل أنجلو، والمفاتيح اللولبية وماكينات إسبرسو وقطع من المعجنات وتمت بعثرتها جميعا كما لو كانت معروضة في سوق للسلع الرخيصة والمستعملة.

كما كان هذا المعرض المحير مفعما بالأفكار والبراعة والشعر. ولحسن حظ المهتمين بالتصميمات، الذين لم يكونوا حاضرين في ميلانو الأسبوع الماضي، لا يزال أمامهم مزيد من الوقت لمشاهدة عرض مينديني، الذي يعقد في شهر فبراير العام المقبل، هذا إذا سمح لهم بركان إيافيالايوكل الكبير بالذهاب إلى هناك!