«عدم تحمل الطعام» .. مرض لا علاقة له بالحساسية

تشخيصه يتطلب تدقيقا طبيا أعمق
تشخيصه يتطلب تدقيقا طبيا أعمق

تنقسم الأمراض التي لها علاقة بالطعام إلى قسمين رئيسين هما حساسية الطعام Food Allergy وعدم تحمل الطعام Food Intolerance، وسبق أن تحدثنا في عدد سابق من «صحتك» عن القسم الأول وهو حساسية الطعام. وسنتطرق في هذا الموضوع إلى «عدم تحمل الطعام» لأهميته، إذ تعاني منه نسبة كبيرة من الناس ويصعب تشخيصه في بعض الحالات.


في البداية فأن «عدم تحمل الطعام» مرض لا علاقة له بالحساسية ولا ينتج عن أمراض الحساسية، وتحتاج فيه الأعراض لفترة طويلة حتى تظهر، أي لا تظهر مباشرة بعد تناول الطعام كما يحدث في مرض حساسية الطعام الذي يتصف بمجموعة مميزة من الأعراض تظهر في بعض أجهزة الجسم كالجهاز الهضمي (غثيان، قيء، مغص في البطن مباشرة بعد تناول وجبة الطعام)، وجهاز الجلد (احمرار الجلد، حكة، انتفاخات وأرتكاريا)، وجهاز الأوعية الدموية (ودمة وعائية وهي عبارة عن انتفاخات في الفم والشفتين والحلق).

وفي حالات «عدم تحمل الطعام» لا تظهر أعراض الحساسية المعروفة، بل تنتج كأعراض عن وجود مشكلة في الطعام نفسه كوجود مواد كيميائية كمادة الكافيين التي تسبب الصداع النصفي أو ما يسمى الشقيقة.

إن معظم أعراض الجهاز الهضمي التي تظهر متعلقة بتناول الطعام ناتجة عن عدم تحمل الطعام ومن الخطأ أن تعزى إلى حساسية الطعام التي تؤكد كافة الدراسات الطبية الحديثة أن معدل انتشارها (أي حساسية الطعام) في البالغين منخفض (1.4%) مقارنة مع حالات عدم تحمل الطعام التي تعتبر منتشرة جدا.

عدم تحمل الطعام
أن تشخيص «عدم تحمل الطعام» صعب بالمقارنة مع حساسية الطعام التي يعتبر تشخيصها سهلا، وصعوبة تشخيص عدم تحمل الطعام تأتي لعدة أسباب، منها: عدم وجود فحص مختبري خاص له، كما أن له علاقة بالحالة النفسية لدى المريض.

أما أسباب عدم تحمل الطعام فهي:

1- تناول بعض الأطعمة التي تحتوي على بعض المواد التي تهيج الجهاز الهضمي مثل:
- الأطعمة المحتوية على مادة الهستامين Histamine:

وهي موجودة في المواد التي تؤكل بعد انتهاء فترة صلاحيتها بزمن طويل مثل السمك الدهني (التونة والسردين) والفراولة والطماطم والبرتقال والخمرة الحمراء.

- الأطعمة التي تحتوي على مادة التايرامين Tyramine:

مثل الجبن والخمرة الحمراء والتي تسبب الشقيقة (الصداع النصفي).

- الأطعمة المحتوية على مادة (المونوصوديوم جلوتاميتMonosodium Glutamate): وهو ملح يستخدمه سكان جنوب شرقي آسيا في أطعمتهم وبالذات المعلبات الجاهزة والأطعمة المحفوظة التي تستخدم في تلك البلاد، بالإضافة إلى الأطعمة التي يتم تحضيرها في المطاعم الصينية، حيث وجد أن تناول الأطعمة المحتوية على هذه المادة يسبب ظهور احمرار شديد في الوجه وصداع ومغص في البطن بعد تناول تلك الوجبة بعدة ساعات.

- الأطعمة التي تحتوي على مادة (السلفايت أي السلفا Sulphites)

حيث توجد هذه المادة في حافظات الطعام والتي تستخدم لحفظ بعض الأغذية مثل التي تستخدم في حفظ السلطات الموجود في بوفيه المطاعم ليتم حفظها بشكل طازج لفترة طويلة. كما توجد مادة السلفايت في الخمرة والفواكه المجففة. كما أن مادة السلفايت تؤدي إلى تدهور حالة الربو الشعبي.

- الأطعمة التي تحتوي على مادة (التارترازين Tartrazine):

وهي مادة ملونة للطعام باللون الأصفر التي وجد أنها قد تهيج حساسية الجلد والربو الشعبي والارتكاريا وانتفاخات في الشفتين والجفن والحلق (الودمة الوعائية Angioedema).

2- بعض الأمراض الوراثية الناتجة عن نقص بعض الأنزيمات المهمة لهضم بعض المواد في الجسم:
- نقص إنزيم اللاكتيز (lactase deficiency) المهم في هضم سكر الحليب مما يؤدي إلى إسهال مزمن وأعراض في الجهاز الهضمي بعد شرب الطفل للحليب.

- نقص في الإنزيم الذي يهضم مادة الكحول (الخمرة) مما يسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي بعد تعاطي الكحول.

3- التسمم الغذائي الناتج عن تناول أطعمة ملوثة ببكتيريا التسمم الغذائي أو بعض المواد الكيميائية.

4- احتواء الطعام على مواد مهيجة للجهاز الهضمي كالفواكه الحمضية (كالبرتقال والليمون)
والتي قد تسبب ظهور طفح جلدي حول الفم مع حساسية الجلد لدى الأطفال، أو المأكولات الحراقة شديدة الحرارة كالمأكولات المحتوية على الفلفل والبهارات الحارة والتي قد تسبب سيلان الأنف، سبق أن ذكرنا أن «عدم تحمل الطعام» لا علاقة له بالحساسية وإنما ينتج عن مشكلة في الطعام ذاته، وأنه أكثر شيوعا من «حساسية الطعام» والأطعمة المسببة هي:

- منكهات وحافظات الطعام وهي مثل مادتي «السلفا» «المونوصوديوم جلوتاميت» المذكورتين آنفا.

- صبغات وملونات الطعام مثل ما يسمى بصبغة التارترازين وأصفر الغروب.

5- التسمم الغذائي الناتج عن التسمم البكتيري أو التسمم الغذائي الناتج عن أكل الفطريات مثل (الأفلاتوكسي aflatoxins) وهو عبارة عن طبقة سوداء تأتي على بعض المأكولات بعد تعفنها، (والإرجوت ergot) وهو مرض يصيب الأرز وبعض الحبوب حيث يحل محل الحبة جسما طويلا أسود قاسيا، وكذلك تناول المأكولات المعفنة، والتسمم الغذائي الناتج عن أكل بعض الأسماك البحرية الضخمة والضارة (barracuda, grouper, snapper)، وأكل المحار الملوث.

6- الالتهابات الجرثومية في الجهاز الهضمي:
- التهابات بكتيرية (Salmonella, Shigella) وغيرها

- التهابات طفيلية (Giardia) - التهابات فيروسية كالتهاب الكبد الفيروسي والنزلات المعوية وغيرها.

7- تلوث الطعام بإحدى المواد التالية:

المعادن الثقيلة كالزئبق والنحاس، المبيدات الحشرية، البنسيلين.

8- وجود بعض المواد في الطعام تؤدي لظهور أعراض (عدم تحمل الطعام) وهي مثل:

- مادة الكافيين والموجودة في القهوة والشاي والمشروبات الخفيفة.

- مادة ثيوبرومين (Theobromine) والموجودة في الشاي والشوكولاته.

- مادة الهستامين (Histamine) والموجودة في السمك والطعام المعد من الكرنب المخمر.

- مادة تريبتامين (Tryptamine) الموجودة في الطماطم.

- مادة سيروتونين (Serotonin) الموجودة في الموز والطماطم.

- مادة فينايل إيثايل أمين (Phenylethylamine) الموجودة في الشوكولاته.

- مادة تيرامين (Tyramine) الموجودة في الجبن والسردين المخلل (طرشي الساردين).

- مادة ألكالويد (Alkaloid) الموجودة في البطاطس.

- الكحول.

التشخيص والعلاج:
بلا شك، زيارة الطبيب المتخصص في أمراض الحساسية أمر مهم جدا لأن التفريق بين عدم تحمل الطعام وبين حساسية الطعام أمر يحتاج لتدقيق كبير خلال أخذ المعلومات من المريض في العيادة بأسئلة موجهة تبين الفرق بين المرضين لكن مع ذلك يظل احتمال وجود عدم تحمل الطعام موجودا إلا إذا تم إجراء الفحوصات المختبرية وكانت نتيجتها تنفي وجود الحساسية تماما فعندها يتأكد وجود عدم تحمل الطعام وهذه الفحوصات هي كفحص وخز الجلد بالإضافة لفحوصات الدم المخبرية الخاصة بالحساسية.

أما العلاج فينبع من فهم مرض عدم التحمل للطعام فهو ليس ناتجا عن حساسية في المريض نفسه بل لأن الطعام الذي يأكله المريض يحتوي على مواد كيميائية مهيجة للجهاز الهضمي كالتي ذكرت سابقا وعند الجلوس مع المريض والتأكد من نوعية الطعام المسبب يجب تحويله لاختصاصي تغذية يوجهه بشكل مفصل بكيفية تجنب ذلك الطعام دون أن يؤثر على حياته العامة.

أما لو تجنب المريض الطعام المشكوك فيه واستمرت الأعراض فعندها يجب تقييم الحالة فقد يكون تشخيص الطعام المسبب غير صحيح أو قد يكون هناك طعام آخر يحتوي على مادة أخرى عندها يجب إلقاء الضوء عليها وعلى العموم الأمر يحتاج لزيارات متكررة للطبيب المتخصص في الحساسية حتى يتضح بجلاء وترسو السفينة على وجهة صحيحة يتم من خلالها تخفيف أعراض هذا المرض.