عندما يتحول مصمم الديكور إلى محلل نفسي

تصميم المنزل يكشف عن الكثير من المشكلات الدفينة بين الأزواج، وفي الصورة كريستوفر كاي ترافيس مصمم موقع «ترو هوم» الذي يحاول تجنب المشكلات الزوجية
تصميم المنزل يكشف عن الكثير من المشكلات الدفينة بين الأزواج، وفي الصورة كريستوفر كاي ترافيس مصمم موقع «ترو هوم» الذي يحاول تجنب المشكلات الزوجية

في يوم عادي من أيام فصل الخريف قبل نحو عشرة أعوام كانت دي دي ألين، المصممة النيويوركية، تعرض على زوجين تعكف على تصميم شقتيهما بعض الأثاث الياباني في معرض «ناغا» في حي «آبر إيست سايد» داخل مانهاتن بنيويورك.


وبمزيج من الدهشة والاستياء تذكرت قولها: «هذه مساحة زن» (نسبة إلى طائفة بوذية يابانية). ما إن نطقت بالكلمة حتى تفاقم توتر بين الاثنين، كانت ألين قد لاحظت بدايته من قبل. وأخذ الاثنان يتحدثان بانفعال أقرب إلى الشجار.

تقول ألين: «في الواقع كان الموقف سخيفا. كنا ننظر إلى منضدة القهوة، وفجأة أصبحت وكأنها رمز لكل شيء خطأ بين الاثنين. كنا نتحدث عن المكان الذي ستوضع فيه وهل سيكون مكانا جيدا»، ولكن بدا وكأن كلا الطرفين يريد أن يقول للطرف الآخر إن طريقة تفكيره هذه تعبّر عن أنه لا يفهمه.

من حسن الحظ أنه لم تكن هناك أي آنية صينية في المتناول وإلا انتهى الأمر بما هو أسوأ من الشجار. وفي النهاية خفت حدة المعركة الكلامية، واندفع كلا الزوجين في اتجاه مختلف. ومضت أيام قليلة، جاء بعدها اتصال من الزوج يقول فيه إنه يريد إعادة بيع كل الأثاث.

ويذكر أن بعض الخلافات الزوجية بشأن ديكور المنزل قد تنتهي بالطلاق، وإن كانت الحالات ما زالت قليلة جدا. لكن تقر ألين مع زملائها بأن هذه المعارك كثيرة لدرجة أن نصائح الزواج يجب أن تضم قسطا خاصا حول الاتفاق على شكل التصميمات.

وأمام المصممين قضايا نفسية للتعامل معها أصعب من القيام بما يحتاج إليه العملاء مهنيا، ويرجع ذلك ببساطة إلى أنها تحدث تحولات تجعل العملية أشبه بالتحليل النفسي.

ولكن ربما تكون وسيلة المساعدة في طريقها إلينا، إذ يقدم مصمم معماري في روند توب بولاية تكساس يُدعى كريستوفر ترافيس حاليا ما يشبه اختبار شخصية لعملائه في محاولة لفهم هذه الخلافات وتجاوزها.

ويخطط لأن يطرح برنامج كومبيوتر به اختبار مماثل في ديسمبر (كانون الأول) سيطلق عليه «ترو هوم» يطرح أسئلة يجيب عنها العملاء ورقيا. وهي أسئلة تهدف إلى الكشف عمّا يفضل الأفراد وعن أشياء ربما لا يكونوا منتبهين إليها.

ويقول ترافيس عن البرنامج، الذين يأمل أن يستخدمه حرفيون آخرون في مجال التصميم: «نستهدف من خلاله الوصول إلى طريقة تمكن من تجنب الخلاف. أسألهم مثلا: ما هو المكان داخل المنزل الذي يكون فيه الطرف الثاني منفعلا؟ إذ يسهل تغيير (تصميم) المنازل على تغيير الأشخاص». ويوضح أنه في الكثير من الأحيان يعتمد الحل على مجرد توفير مساحة شخصية خاصة بهما، «أعطيت الرجل مكانا خاصة به، ولكن اكتشفت أن المرأة أيضا ترغب في ركن خاص بها».

وجدير بالإشارة أن بعض الخلافات الشائعة تظهر عندما يريد أحد الزوجين منزلا يتناسب مع واقعهما فيما يريد الآخر منزلا يحلم به ولا يتناسب مع الواقع، أو عندما لا يريد أحدهما إنفاق الكثير من المال، فيما يريد الآخر إنفاق الكثير. (يقدم موقع «ترو هوم» truehome.net نموذجا من الاختبار مجانا، فيما توجد اختبارات أوسع تتراوح تكلفتها ما بين 19.95 دولار إلى 200 دولار).

وبالطبع، قام المصممون بتطوير وسائل يمكن من خلالها إدارة الخلاف بين العملاء.

روبرت كوترير مصمم صادف الكثير من المشاحنات والشجار بين الأزواج عند اختيار ديكورات منازلهم أما ما إذا كان برنامج «ترو هوم» سيحظى بشعبية أم لا، فأمر متروك للوقت، لكن من الواضح أنه لا يوجد مصمم محصن من المشكلات التي يتعامل معها البرنامج. وقد شاهد كل من المصممين ماريو بوتا وفيكتوريا هاغان وروبرت كوترير ولي ميندل نصيبه من الخلافات بين الأزواج.

يعلق بوتا على ذلك قائلا: «تقضي الكثير من الوقت مع هؤلاء داخل منازلهم، وتسمع كل شيء. وربما تجدهم يختلفون على أبسط الأمور، مثلا على نوعية قماش ما أو نوعية ورق حائط. والذكي هو الشخص الذي لا ينحاز إلى أحد الجانبين. ولذا أغادر الغرفة وأتركهما يستعدان للمعركة».

ويشير كوترير إلى أنه «إذا كان الرجل والمرأة يريدان نفس الأشياء، فهذا شيء رائع. ولكن تسوء الأمور عندما يريد كل منهما شيئا مختلفا. ومعروف أنه ربما تريد المرأة منزلا يظهرها اجتماعيا، فيما يريد الزوج مجرد مكان ليعيش فيه. وقد شاهدت معارك تعتقد فيها أن الزوجان سينفصلان. ولا يكون أمامك إلا أن تجلس وتتضرع للرب كي ينقذك من هذا الموقف».

ويعرف دانيال ساكس، وهو مصمم من مانهاتن، جيدا الشعور بالقلق الذي يصفه كوترير: «جلست حتى انتهاء مواقف مخجلة وصادمة ربما لن تصدقها. وفي إحدى المرات انفجرت عميلة وسط الاجتماع في زوجها واتهمته بكل شيء، ومن بين ذلك التردد على بائعات الهوى وكأنه لا يوجد أحد في الغرفة».

ويتفق الكثير من المصممين على أن الغضب غالبا ما يرجع إلى شيء هو خاطئ أساسا ولا شك في أن المال عنصر ثابت، وكذا السيطرة والمساحة الشخصية، ولكن بعيدا عن ذلك يمكن أن يتشاجر الزوجان بسبب قضايا ربما لا يتوقعانها مثل لون غرفة واستبدال باب.

وتلفت هاغان، التي تضم قائمة عملائها الكثير من الأثرياء، الانتباه قائلة: «ربما يكون الموقف مثيرا. ولكن مَن معه الحق؟ في الكثير من الأحيان ربما يكون هناك أشخاص بمجالات ناجحة جدا ولكن لا علاقة لهم بالابتكار».

ويقول جوي ناهم، من «فوكس ناهم ديزين» داخل نيويورك، إنه بصورة عامة «35 في المائة من عملي يعتمد على تقديم نصائح زوجية، فهناك الكثير من القضايا النفسية في هذا الأمر».

والأسوأ من ذلك أن هذه المواقف قد تمضي في أحد ثلاثة اتجاهات، فمثلا بعد أن يجتمع أحد المصممين مع الزوجين يأخذ الزوج المصمم جانبا ليؤكد تخفيض التكاليف ويطلب منه أن ينبهه إذا تجاوزت زوجته الميزانية المحددة. وبمجرد أن يبتعد الرجل قليلا، تقول الزوجة للمصمم إنه يجب عليه ألا يقلق بشأن التكلفة وأنها سوف تتكلف بالأمر. وربما لا يكون الأمر مرتبطا بالرجل أو المرأة ولكن بالنهج الذي يريد المصمم أن يختار.

يقول ساكس: «لدي الكثير من قصص الانفصال الكارثية يتجاوز ما لدى الآخرين». ويعود أسوأ موقف في رأيه إلى الأعوام الأولى من عمله، وكان البطل مهندسا معماريا وزوجته الثرية.

يقول ساكس: «حددنا أجندة عمل وميزانية وفق ما يحبان، واجتمعنا لنتحدث عن هذا. ولكنه أخذ يقلل السعر وكنت أقول له إنه يمكننا القيام بذلك، ولكن سيكون الأمر أكثر صعوبة على ضوء الميزانية الصغيرة وبدا غاضبا لأي سبب. وبعد ذلك عندما كنت أتحدث معها كانت تخبرني بأنه علي ألا أقلق بشأنه فهي من تدفع التكلفة.

وبعد ذلك اتصل بي ليخبرني أنه شعر بالإهانة لأني وصفت ميزانيته بـ(الصغيرة)» واستمر ساكس مع المشروع على أمل أن المشكلة قد انتهت، ولكن لم ينته الأمر. «بدأنا المشروع، وكانا لا يزالان يعيشان هناك.

وفي كل يوم كان الرجل يبدو في حال اضطراب شديد ويدخن بشكل جنوني، ويتهمني بكل شيء، وحاول أن يفسد ما بين الجميع فكان يشتكي لي من زوجته ومني لشريكي وهكذا.

أما هي فجعلتنا نعمل لصفها، وكانت تتعمد إثارته، كأن تختار أشياء تعلم أنه يكرهها. وكنا في الوسط». ولم ينته المشروع ولا الزواج بشكل جيد، بحسب ما يقولهالمصممة دي دي ألين عاينت كيف تحول نقاش حول طاولة إلى أزمة زوجية ساكس، موضحا أن الشيء المحبط في الموقف لم يكن السلوك السلبي العدواني وحسب، بل التصرفات غير المنطقية. وهذه الأشياء يفهمها جيدا ترافيس، معد برنامج «ترو هوم»، ويعلق عليها قائلا: «القضية هي أنه حتى لو قمت بإنهاء التصميم بالصورة التي يودان، فلن يوافقا عليه.

لقد تعلمت أن الناس يكذبون على أنفسهم ولا يعرفون في واقع الأمر ما يحبه الآخرون. كانت لدي عميلة تشتكي من أن زوجها غير أنيق وذهبت إلى منزلهما كي أرى ذلك فوجدت أن تسعة أعشار الأشياء خاصة بها، فيما كانت الأشياء الخاصة به أنيقة للغاية».

وهذا ما يحاول برنامج «ترو هوم» الكشف عنه منذ البداية، بحسب ما يقوله ترافيس.

وربما يفيد في ذلك بعض المرح. تقول هاغان: «قابلت زوجين مؤخرا، وقال الرجل: (إني أحب الألوان، ما رأيكم في أريكة مصنوعة من الجلد ذات لون أخضر زاهٍ؟) لم يكن علي أن أقوم بأي رد فعل، لأن الزوجة قالت (نعم، ولكن مع زوجتك التالية).

وبالطبع، في مثل هذه المواقف يجب على المصمم أن ينتبه إلى عدم القيام بشيء يفاقم من المشكلة. يقول ناهم إنه «في إحدى المرات، اجتمعت مع الزوجة من أجل دراسة بعض الخطط، وبعد ذلك كنت أدرس نفس الخطط مع الزوج وأوضحت له قائلا (حسنا، زوجتك تريد أن يكون الطفلان في غرفة نوم واحدة كي توفر مساحة للطفل الرضيع). رد الزوج متسائلا (أي طفل؟)».