الذهب .. ارتفاع أسعاره لم يوقف نمو مبيعات الساعات الفاخرة

تقوم بعض الشركات بالاعتماد على الفولاذ والذهب واللعب بذكاء عليهما للحصول على وزن محدود من الذهب يتناسب مع الجانب المعروض من الساعة
تقوم بعض الشركات بالاعتماد على الفولاذ والذهب واللعب بذكاء عليهما للحصول على وزن محدود من الذهب يتناسب مع الجانب المعروض من الساعة

منذ خمس سنوات تقريبا وعندما شوهدت العارضة السابقة وسيدة الأعمال حاليا، إيل ماكفرسون، وساعة «روليكس دايتونا» ذهبية ذات إطار من الذهب الأصفر تزين معصمها، تغيرت النظرة إلى الذهب الأصفر في الساعات.


قبل ذلك، لم يكن معظم الرجال يعتقدون أن مثل هذه الساعة يمكن ارتداؤها، لأنها براقة ولافتة بشكل قد لا يعطي انطباعا راقيا، كما لم تكن المرأة تميل إلى الأحجام الرجالية الكبيرة، لكن مع ماكفرسون، قوبلت برضا اجتماعي معدنا، ولونا وحجما.

فسرعان ما انفتحت الشهية على الذهب الأصفر والوردي، وانتعش سوق التصميمات النسائية المستوحاة من تلك التي كان يلبسها الرجال لعقود طويلة، أي الكبيرة الحجم.

فالذهب قد يكون مجرد واحد من عناصر الجدول الدوري للعناصر الكيميائية الذي ابتكره ميندليف، لكن إلقاء نظرة عامة على تاريخ حضارات العامة كفيل بكشف المكانة الاستثنائية التي حظي بها في كل الثقافات وعبر الأزمان.

وفي عصرنا المضطرب الحالي، يتمتع المعدن الأصفر بواحدة من أقوى فترات ازدهاره وسطوته، تماما مثلما حصل خلال سبعينات ومطلع ثمانينات القرن الماضي عندما سادت مشاعر التشكك والتوجس، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب بشدة، لكنها تراجعت بحلول منتصف الثمانينات وتميزت باستقرار نسبي طيلة عقدين تراوحت بين 300 و500 دولار للأوقية.

إلا أنه شهد ارتفاعا خلال العامين الماضيين، ومنذ بداية العام وصلت إلى مستوى يعادل قرابة 4 أضعاف المستوى المنخفض الذي كانت عليه عند بداية القرن. وتظهر تداعيات هذا الأمر أكثر وضوحا على صناعة الساعات السويسرية، التي تطرح منتجاتها الأكثر قيمة في صورة ذهبية.

دار «شوبار» للمجوهرات الراقية، مثلا، تتعامل مع قرابة 1300 كيلوغرام من الذهب سنويا، وأوضحت في إحدى المناسبات أن تأثير ارتفاع الأسعار على المجوهرات والحلي أقل وضوحا في القطع التي تعتمد على استخدام كميات أقل من الذهب.

بمعنى أن صناعة المجوهرات لم تتأثر كثيرا، حيث تتراوح الكميات المستخدمة بين 10 و20 غراما من الذهب فقط، لكن الأمر مختلف تماما فيما يخص الساعات، لأن الساعة المصنوعة بأكملها من الذهب مثل «إمبرييل» الذهبية تضم 170 غراما من الذهب.

وفيما ارتفعت أسعار الذهب ا بنسبة 15% على الأقل منذ بداية هذا العام فقط، فإن الفرنك السويسري الذي ازدادت قوته زاد في تفاقم المشكلة، علما أنه كان من المتوقع حدوث زيادة، لكنها مرت بسرعة كبيرة ولم يتوقع أحد أن تبلغ هذا الحد. ومع ذلك يبقى أمام بعض صناع الساعات هامش للمناورة.

ورغم أن الفكر السائد يميل إلى أنه مع ارتفاع سعر شيء ما، ينحسر الطلب، فإن الارتفاعات الأخيرة في الأسعار عملت على ما يبدو على تحفيز رغبة المشترين الذين يتدافعون الآن لشراء ساعات ذهبية.

والأسباب واضحة ومفهومة وهي أنه في كل الفترات التي سادت فيها مشاعر الخوف أو الخطر، تزداد رغبة الناس في الحفاظ على أو اقتناء كل ما هو قيم، لأنه يصبح بمثابة ذخيرة تشعرهم بالأمان والطمأنينة، تماما مثل الذخيرة التي كان يحتفظ بها البدائيون لحماية أنفسهم، وإن كان الأمر حاليا يشمل كل ما يكتسي بلونه، سواء تعلق الأمر بالأزياء أو الماكياج وغيرهما، وكأن المرء يحاول أن يتبرك به في الأوقات المهمة.

بيد أن سعر الذهب ما هو إلا واحد من العوامل المؤثرة على سعر الساعات الفاخرة، والملاحظ أن الزيادة في أسعار الذهب خلفت تأثيرا ضئيلا نسبيا على أسعار العلامات التجارية، لأن حركاتها وتعقيداتها ووظائفها المتعددة بمجال قياس الوقت هي التي تشكل النسبة الأكبر من قيمتها.

العلامات التجارية الرياضية المتميزة بأطر صلبة واسعة قد تكون تأثرت بدرجة أكبر. شركة «برايتلينغ» على ما يبدو توصلت إلى الحل الوسط والمثالي، بتركيزها في الغالبية العظمى من نشاطها على الساعات المصنوعة من الفولاذ.

صحيح أنها لا تمانع في زيادة إنتاج القطع التي يدخل في صناعتها ذهب عيار 18 قيراطا، إلا أنها تخشى من تهديد المعايير التي قام عليها النمو الهائل الذي حققته العلامة التجارية على امتداد الأعوام العشرين الماضية.

لكن إذا كان الذهب استثمارا مطلوبا، فهناك جانب آخر قد لا يروق للكل وهو وزن الساعة الذي يزداد ثقلا كلما زاد الذهب. فعندما تشتري ساعة «برايتلينغ» ذهبية، مثلا فإنك تحمل بذلك قدرا كبيرا من الذهب حول رسغك، وليس بوسع الشركة القيام بأي شيء لجعل الساعة أخف وزنا وأقل سعرا.

وما يزيد من صعوبة تنازل الشركة عن الأمر أنها في حال صممت حواف إطار الساعة بشكل يجعلها أقل سمكا، فإن قدرتها على مقاومة الماء تقل، الأمر الذي قد يهدد مصداقية الشركة.

الحل توصلت إليه بعض الشركات التي وجدت أن عرض ساعات بمظهر ذهبي لكن من دون ذهب مثالي، خصوصا مع تنامي مبيعات الساعات المصنوعة من الفولاذ المتعدد الألوان.

فالنموذج الذهبي الكامل مكلف للغاية، ويبقى التركيز على حرفية التصنيع والحركة والتعقيدات باعتبارها المحدد الرئيسي للسعر بدل التركيز على المعدن.

ما تقوم به بعض الشركات بنجاح في الوقت الحالي هو الاعتماد على الفولاذ والذهب واللعب بذكاء عليهما للحصول على وزن محدود من الذهب يتناسب مع الجانب المعروض من الساعة، بينما يمكن تفريغ بعض حلقات الوصل في أسورتها. بهذه الطريقة تبقى مصنوعة من الذهب الحقيقي، لكن لا يتعين على العميل سداد قيمة كامل وزن الساعة ذهبا.

تجدر الإشارة إلى أن المزج بين الفولاذ والذهب في التصميم الخارجي للساعات ساد سبعينات ومطلع ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يعود إلى الواجهة في الآونة الأخيرة. ولا يعتقد الكثير من الخبراء أن ارتفاع أسعار الذهب أثر بشكل كبير على ما شكل زيادة صحية، من حيث النسب المئوية.

فتكسير حلقات الوصل الذهبية تتطلب مجهودا كبيرا للغاية، مما يجعله أسلوب تصميم مرغوبا فيه من قبل العملاء. أمر تؤكده مبيعات المزادات العالمية، التي حظيت فيها الساعات الذهبية بالغة الفخامة، مثل «نوتيللس» من إنتاج باتيك فيليب، والساعتين المصنوعتين بالكامل من الذهب «روليكس سبمارينرز جي إم تي» و«دايتونا»، بإقبال كبير.

ولأن الفولاذ شكل معدنا جذابا لسنوات طويلة، فقد بيعت منه هو الآخر ساعة طراز «جامبو» بسعر نهائي يتراوح بين 25 ألفا (22 ألف دولار) و30 ألف فرنك سويسري. وبيعت أكثر الساعات التي دخل في صناعتها الذهب الأصفر مقابل 20 ألف فرنك سويسري.

لكن مما لا شك فيه أن الساعة المصنوعة بأكملها من الذهب سيزيد سعرها عن المصنوعة من الفولاذ في هذه الفترة، رغم أن الساعات المعدنية البيضاء لم تفقد شعبيتها.

كل ما في الأمر أن الذهب الأصفر المدمج بصورة كاملة في أسورة الساعة نجح في انتزاع الاحترام والتقدير وأصبح عنوانا للأناقة والترف. والسبب لا يعود إلى ارتفاع سعره بقدر ما يعود إلى الرغبة في مواكبة الموضة وأحدث صيحاتها.