التدخين أثناء الحمل .. تهديد خطير لصحة السيدات والأطفال

يزيد الإصابة بحساسية الصدر ويعزز من تشوهات الأجنّة
يزيد الإصابة بحساسية الصدر ويعزز من تشوهات الأجنّة

لا تتوقف مخاطر التدخين عند الأضرار الصحية للمدخن وحده، ولا حتى لمن حوله، ولكن يمتد أثرها لتشمل الأجنّة بالنسبة للأمهات المدخنات. وقد أجريت عدة دراسات على التأثير الصحي الضار للتدخين على الجنين، وأوضحت دراسة حديثة قام بها علماء من جامعتي كاليفورنيا وسان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأميركية، وتم نشرها في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الحالي في دورية طب الأطفال (Journal Pediatrics)، أن الأطفال الذين يعانون بشدة من حساسية الصدر ( - bronchial asthmaالربو الشعبي) قد تعرضوا في الأغلب أكثر من غيرهم بمعدل من 3 إلى 6 مرات لتدخين التبغ قبل الولادة عن نظرائهم من الأطفال الذين يعانون أيضا من حساسية الصدر ولكن بشكل أقل.
 
وأشارت دراسات سابقة إلى دور التعرض للتبغ في الإصابة بالحساسية وشدة تأثيرها، غير أن تلك الدراسات لم تكن حاسمة بالنسبة للدور الذي يلعبه التعرض للتبغ قبل الولادة.
 
حساسية الصدر
وأضافت الدراسة الجديدة أن هؤلاء الأطفال يتعرضون لحساسية الصدر سواء نهارا أو ليلا أكثر بثلاثة أضعاف من أقرانهم مرضى الحساسية، وكذلك يتم ترددهم على غرفة الطوارئ في المستشفى للعلاج من أزمة الصدر أربعة أضعاف من أقرانهم من المرضى العاديين حتى مع ثبات العوامل الأخرى مثل الظروف البيئية الواحدة والتعرض للأتربة ودخان السجائر أو الروائح النفاذة.
 
وتعتبر هذه النتائج بالغة الأهمية، خصوصا إذا ما عرفنا أن نحو 250 مليون سيدة حول العالم تدخن التبغ، وفقا للإحصائيات التي نشرت عام 2009، وهذا العدد في زيادة مستمرة كل يوم، وهو ما يمثل تهديدا خطيرا لصحة السيدات والأطفال على حد سواء، وفى بلد مثل الولايات المتحدة تبلغ نسبة المدخنات نحو 20%، وتبلغ نسبة الأمهات المدخنات نحو واحدة من كل سبع نساء، خصوصا في الفئات الاجتماعية التي لم تكمل دراستها الجامعية.
 
وتصل تكلفة علاج الأطفال من مرض الحساسية في الولايات المتحدة إلى 56 مليار دولار في السنة، وتتمثل تلك التكلفة في الأدوية ورعاية طبية خاصة، والتردد على غرفة الطوارئ بجانب أيام الانقطاع عن المدرسة، وأيضا اضطرار الأمهات إلى الجلوس في المنزل مع الأطفال أثناء الأزمة.
 
وقام الفريق البحثي بدراسة مسحية شملت 295 طفلا من الولايات المتحدة والمكسيك وبورتريكو تتراوح أعمارهم من 8 إلى 16 عاما، وكانت المفاجأة هي أن الأطفال الذين كانت أمهاتهم يدخنّ أثناء الحمل عانوا من أشد أنواع الأزمة الصدرية نحو 3 أضعاف أقرانهم من مرضى الحساسية في نفس الظروف البيئية والمعيشية.
 
ومن المعروف أن التدخين يحمل الكثير من التأثيرات السيئة على الأم والطفل معا، وبالنسبة للأم يمكن حدوث حمل عنقودي ويمكن حدوث إجهاض وكذلك نزيف مهبلي، وبالنسبة للأجنّة والرضّع والأطفال يمكن حدوث ولادة طفل ناقص الوزن أو الولادة المبكرة وأحيانا موت مفاجئ للرضيع (sudden infant death syndrome) وخلل في وظائف التنفس للأطفال ومشكلات في نمو الأعصاب، وكذلك عيوب خلقية مثل وجود طرف مشوه أو اختفاء القدم تماما، وكذلك عيوب خلقية في الوجه مثل وجود شق في الشفة العليا (cleft lip) أو شق في سقف الحلق (cleft lip) أو عيوب خلقية في الجهاز الهضمي، وذلك لأن الأم التي تدخن أثناء الحمل تعرض الجنين لمواد كيميائية خطيرة مثل النيكوتين وأول أكسيد الكربون والقطران التي قد تؤثر على عدم وصول الأكسجين الكافي له، وبالتالي ظهور عيوب خلقية.
 
والخطير في الأمر أنه حتى السيدة غير المدخنة، التي تتعرض للتدخين السلبي من المحيطين بها باستمرار سواء في المنزل من الزوج المدخن أو العمل، معرضة هي الأخرى لزيادة معدل خطورة أن تضع رضيعا متوفى (stillbirth) بنسبة تصل إلى 23% أكثر من السيدة العادية، وكذلك احتمالية ولادة جنين بعيوب خلقية تصل إلى 13% أكثر من أقرانها، وذلك حسب الدراسة التي نشرها في شهر أبريل (نيسان) الماضي في دورية طب الأطفال.
 
الأطفال وأمراض القلب
وفي نفس السياق وفي دراسة تم نشرها في النسخة الإلكترونية من دورية أمراض القلب الأوروبية (European Heart Journal) في بدايات العام الحالي، اكتشف باحثون من جامعة سيدني بأستراليا أن الأم المدخنة تكون السبب في إصابة أطفالها بانخفاض في نسبة الدهون المفيدة بالجسم ((HDL مقارنة بأقرانهم من الأمهات غير المدخنات.
 
وهذا الانخفاض يجعل الإنسان أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والجلطات الدماغية، وأوضحت هذه الدراسة أن هذا الانخفاض يكون في عمر نحو 8 سنوات مع ثبات العوامل الأخرى، سواء البيئية أو التعرض للتدخين بعد الولادة. وأوضحت أن تأثير التدخين قبل الولادة كان له الأثر الأكبر في إمكانية تعريض الجنين مستقبلا لخطر الإصابة بأمراض القلب.
 
وقام الباحثون بإجراء الدراسة على 450 من الأطفال الأصحاء في عمر 8 سنوات، لمعرفة تأثير الأم المدخنة على سمك جدار الشرايين وكذلك نسبة الدهون المفيدة، وفضل الباحثون عمر 8 سنوات لتجنب بقية العوامل الأخرى التي يمكن أن تقلل نسبة الدهون المفيدة مثل السمنة والإصابة بمرض السكري، وتم تجميع معلومات عن الأطفال قبل وبعد الولادة، وتضمنت هذه المعلومات إذا ما كانت الأم مدخنة أثناء الحمل وبعده لإمكانية تعرض الطفل للتدخين السلبي، وكذلك فترة الرضاعة الطبيعية، وتم قياس الطول والوزن ومقياس الخصر، كما تم قياس ضغط الدم، كما أجريت أشعة تلفزيونية على الشرايين لقياس سمك جدارها، وكذلك تم أخذ عينات دم لقياس مقدار الدهون المفيدة من 328 طفلا (الذين وافقوا على إجراء اختبار الدم)، وأظهرت النتائج عدم تأثر جدار الشرايين، ولكن بالنسبة للدهون المفيدة أظهرت انخفاض نسبة الدهون المفيدة في الأطفال الذين ولدوا لأمهات مدخنات مع ثبات العوامل الأخرى مثل الوزن ونسبة تناول الدهون للأطفال والرياضة، وكذلك التعرض لدخان التبغ بعد الولادة وأثناء الطفولة.
 
واعتبر الباحثون هذه النتائج مؤشرا شديد الخطورة، حيث إن انخفاض الدهون المفيدة في هذه السن المبكرة ينذر بأن الانخفاض سوف يزيد مع البلوغ والتقدم في العمر، وأن هذه الزيادة قد تزيد تقريبا من فرص الإصابة بأمراض الشرايين التاجية، والتعرض للذبحة القلبية مستقبليا بنسبة تتراوح بين 10% و15% من أقرانهم من الأطفال للأمهات غير المدخنات، وهي نسبة كبيرة جدا وتمثل ظاهرة صحية خطيرة، خصوصا في المجتمعات الأوروبية، حيث تبلغ نسبة الأمهات المدخنات نحو 15%.
 
ومن المعروف أن وجود الدهون المفيدة يقلل من فرص وجود الدهون الضارة، التي تتراكم على جدار الشرايين، تؤدي إلى تصلبها، ثم تتسبب في انسداد تلك الشرايين، ومن ثم تزيد التعرض للإصابة بالأزمات القلبية مستقبلا.
 
ويحتاج هؤلاء الأطفال في المستقبل إلى متابعة دقيقة لعوامل الخطورة الأخرى لأمراض القلب مثل ارتفاع ضغط الدم، وكذلك ارتفاع نسبة الدهون الضارة بالجسم (LDL) والضغوط النفسية وكذلك التدخين مستقبلا لهؤلاء الأطفال، ويحتاج هؤلاء الأطفال إلى زيادة نسبة الدهون المفيدة في الجسم عن طريق الرياضة المنتظمة، وكذلك بعض الأدوية مع متابعة لنسبة الدهون بالدم.