أسبوع «ألتا روما ـ ألتا موضة» .. يحاول استعادة بريق أيام زمان بالحرفية والأحلام

هناك عواصم لا تحتاج إلى بذل أي جهد لكي تحصل على ما تحلم به غيرها من العواصم من بريق وتهليل، وهناك عواصم عليها أن تنحت في الصخر لتحفر مكانتها وتجذب إليها أنظار أوساط الموضة، وروما من الفئة الأخيرة.
فعلى الرغم من تاريخها الطويل وثرائها المعماري وجاذبيتها السياحية، بل على الرغم من أنها قبل ميلانو وفلورنسا كانت عاصمة الموضة الإيطالية حين كان إيميليو بوتشي و«غوتشي» وفالنتينو يعرضون فيها، فإنها لا تزال تعاني وتجاهد لتستعيد بريق الستينات، قبل أن تدور عليها الأيام وتتغير الأحوال
منذ سنوات وهي تحاول أن تقول للعالم إنها ثاني أهم عاصمة موضة متخصصة في الـ «هوت كوتير» بعد باريس، وأن ما تقدمه أبقى وأكثر جودة مما تقدمه ميلانو، غريمتها التي سحبت منها السجاد، وإنها ستصبح ندا لباريس ونيويورك في مجال الأزياء الجاهزة.
وإذا كانت محاولاتها هاته لا تزال تجد صعوبة في الوصول إلى آذان المؤثرين، فإنها على مستوى الأزياء، خصوصا فساتين الأعراس، نجحت في أن تكون وجهة العرائس العارفات بخبايا الأمور.
والفضل يعود إلى ما يعرف بالأسلوب الإيطالي، وأيضا إلى حرفية العاملين فيها، والذين توارثوا المهنة عن أجدادهم، ويعتبرونها فنا أكثر منه مجرد صناعة. هؤلاء الحرفيون هم من تحاول العاصمة الاحتفال بهم والاعتماد عليهم لاسترجاع مكانتها.
والمتتبع لأسبوعها، «ألتا روما - ألتا مودا» (AltaRoma - AltaModa) يلاحظ أنه سنة بعد سنة يزيد جذبا واحترافا، بعد أن انتبه المشرفون عليه إلى أنهم ينامون على منجم غني لا بد من الاستفادة منه بشكل أو بآخر.
فهم لا يفتقرون إلى المصممين الكبار، ولا إلى الحرفيين المتخصصين في كل ما يخص التطريز والزخرفة وصناعة الجلود وغيرها من العناصر التي يتطلبها إكسسوار لافت أو فستان مفصل على المقاس. فستان قد يضاهي ثمنه سعر سيارة «بورش» أو شقة صغيرة، وكل ما فيه يصرخ بـ«صنع في إيطاليا» وبالتالي يتطلب التفرد. 
وهذا ما تؤكد عليه المصممة سيلفيا فانتوريني فندي، رئيسة أسبوع «ألتا روما - ألتا موضة»، في كل مناسبة، بقولها إن روما يجب تكون نقطة لقاء مجالات إبداع متعددة، وإن أسبوعها يجب أن يكون المنبر الذي تستعرض فيه فنيتها من جهة، ومهاراتها الحرفية من جهة أخرى. وطبعا ليس هناك أفضل من فستان زفاف ينهي به كل مصمم عرضه مختزلا فيه فنية لا مثيل لها وحلما ترجمته أنامله بالحرير والدانتيل أو الموسلين أو التول.
قناعة سيلفيا فندي تؤكد أن الموضة في الأسبوع الروماني يجب ألا تدور في فلك النساء المخمليات اللواتي يردن قطع أزياء على المقاس فحسب، بل يجب أيضا أن تسلط الضوء على الأنامل الناعمة التي تسهر على إنجازها وتنفيذها على أحسن وجه.
فروما، شاءت عواصم الموضة الأخرى أم أبت، تبقى «مركز الحرفية اليدوية» حسب قولها «فهناك شوارع في العاصمة بأسماء صناع السلال، مثلا، ممن لا يزالون يصنعونها لحد الآن».
تجدر الإشارة إلى أن قوة روما كانت بعد الحرب العالمية الثانية، قبل أن تنتقل إلى مدينة فلورنسا ثم ميلانو. ويبدو أنها واثقة أن الوقت حان الآن لكي تسترجع حقها، لا سيما أنها تملك ما لا تملكه ميلانو: الحرفية ودماء جديدة مستعدة دائما لضخها بالقوة والشباب والنفس الطويل.
مثل أسبوع لندن الذي يرعى المواهب الصاعدة ويدعمها من خلال مشروع «نيو جين» أو الجيل الجديد، فإن روما أيضا ترعى مشروعا مماثلا باسم «هو إيز نيكست» (Who is on Next?) يجد فيه المصممون الشباب من كل أنحاء العالم منبرا لاستعراض فنيتهم وقدراته.
في هذا الموسم برز الثنائي ماركو جوليانو (26 عاما) ونيكولو بولوينا (27 عاما)، باستعمالهما النقوشات الفنية والتصاميم المبتكرة في ماركتهما «ماركوبولونيا»، فيما كانت جائزة أحسن مصمم إكسسوارات من نصيب كل من مصمم الأحذية جيانلوكا تامبوريني، صاحب ماركة «كونسبيراسي» وكارلوتا دو لوكا، وهي رومانية درست في معهد «سانت مارتينز» اللندني مما يفسر جرأتها في الأشكال الهندسية التي صاغت بها الكعوب. 
لكن تبقى قوة روما في أزياء السهرة والمساء وفساتين الزفاف، التي تستحضر «لادولتشي فيتا» أو الحياة اللذيذة كما لخصها المخرج فيليني في فيلمه الشهر. ويمكن القول إنها أصبحت بمثابة «تخصص» في العاصمة الرومانية، التي فيها ولدت وانطلقت عدة أسماء مهمة مثل فالنتينو كارافاني وغيره.
صحيح أن أغلبهم هجروها إلى ميلانو أو باريس مما سرع في خفوت بريقها، إلا أنها لا تزال تحتضن أسماء لا تقل أهمية مثل فاوستو سارلي ورافاييلا كورييل وباليسترا إلى جانب أسماء عالمية، مثل عبد محفوظ وجمال تسلق وغيرهما، ساعدت على إبقاء جذوتها مشتعلة. هذا ما يجعلها متحمسة وكلها آمال في المستقبل، فهي مثل عروس تبدأ فصلا جديدا من مشوار حياتها، مما يجعلها تفهم ما تحلم به أي عروس.