آلام الظهر .. قد تتحول إلى حالات قاتلة بسبب حقن السترويد الملوثة

مناقشات طبية حول الإفراط في وصف علاج ذي نتائج غير حاسمة
مناقشات طبية حول الإفراط في وصف علاج ذي نتائج غير حاسمة

تلقى زبائن مكتب المحامي راندال كينارد حقن الستيرويد في ظهورهم الصيف الماضي لعدة أسباب.
من بين زبائنه الخمسة والعشرين، تلقى أحدهم ثلاث حقن خلال شهرين عندما لم يختفِ الألم كلية لديه، بينما أخذت مريضة أخرى حقنة كنوع من الوقاية لأنها كانت في طريقها إلى رحلة إلى أوروبا وكانت قلقة من أن يزيد وجود الحصى لديها من إصابتها القديمة.
وقد لجأ الآن الخمسة والعشرون - أو الناجون منهم - إلى كينارد، أحد كبار المحامين في ناشفيل، لمقاضاة مركز «نيو إنغلاند كومباوندنغ».
وكان ثلاثة ممن تلقوا الحقن قد توفوا، وأصيب أحدهم بالشلل ولا يزال الكثير منهم يتلقون العلاج في المستشفى ويعانون جميعا من صداع قاتل - وقعوا ضحايا لمرض التهاب السحايا بسبب عبوات دواء الستيرويد الملوثة بالفطريات.
ويبدو مركز «نيو إنغلاند كومبوندنغ» دون شك مستحقا للمأزق الذي وقع فيه الآن، لأنه كان سببا رئيسيا في تفشي المأساة التي أدت إلى مقتل 32 شخصا وإصابة 438، فقد كانت زجاجات حقن الستيرويد التي يفترض أن تكون معقمة ملوثة بشكل كبير حتى إن الفطر الأبيض كان يرى بالعين المجردة في بعض القناني.
لكن الخبراء يقولون إن المركز، الذي ساءت سمعته في الوقت الراهن، يمتلك شبكة واسعة على مستوى البلاد من مروجي هذه الحقن، فهناك أطباء يفرطون في وصف علاجات آلام الظهر، التي لم تثبت فائدة، حسب الدراسات، بالنسبة للكثير من المرضى الذين تلقوا العلاج.
وهناك مرضى يرغبون في علاج سريع للتخلص من الأوجاع والآلام.
وقد تزايد استخدم حقن الستيرويد لعلاج آلام الظهر خلال السنوات الخمس عشرة الماضية - بسبب الزيادة في أعداد المرضى الذين يعانون من آلام الظهر، حيث زادت وتيرة استخدام حقن الستيرويد من قبل مرضى الرعاية الصحية بنسبة 121% في الفترة من 1997 إلى 2006.
ووجدت ولاية واشنطن أن استخدام حقن الظهر ارتفع بنسبة 12.6 في المائة بين 2006 إلى 2009 كلفت الولاية 56 مليون دولار. وتلقى بعض الأفراد أكثر من 10 حقن في العام.
لم تؤدِّ الزيادة في العلاج إلى آلام أقل في المجمل، حسب باحثين، بل أدت فقط إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية.
وتقول الدكتورة جنا فريدلي، الباحثة في جامعة واشنطن: «هناك الكثير من الأماكن التي تقوم بالكثير من الحقن التي لم تظهر أي فائدة. المثير للأسى أن بعض المرضى المصابين بالتهاب السحايا ربما كانوا في تلك الفئة - لم تبدُ عليهم أية أعراض توجب استخدام حقن الستيرويد».
لا تزال الدراسات غير حاسمة بعدُ حول أي مجموعات من مرضى آلام الظهر التي يتوقع أن تستفيد من حقن الستيرويد.
وعلى الرغم من شعور بعض المصابين بارتياح كبير لدى استخدام هذه الحقن، فإن الباحثين في مجال الصحة يجمعون تقريبا على أن العلاج تم استخدامه بشكل مفرط وبصورة موسعة في الولايات المتحدة.
لكن الدكتور لاكسمايا مانتشيكانتي، رئيس الجمعية الأميركية لأطباء الألم الداخلي، أشار إلى أن الأعداد المتزايدة لحقن العمود الفقري كانت مجرد جزء من زيادة متسارعة في كل الوسائل التدخلية، وأنها تعكس فهما أفضل للألم المزمن ومطالب المرضى لتخفيف الآلام المتطورة.
على الرغم من أن الأطباء لا يزالون يؤكدون على أهمية هذه الحقن، فإن غالبية الباحثين الأكاديميين يرون أنه لا توجد أدلة على أن حقن الستيرويد مفيدة في تسهيل آلام أسفل الظهر المزمنة.
وتقول الإرشادات المهنية إن مثل هذه الحقن يجب أن لا تستخدم بشكل عام لعلاج آلام الظهر التي ظهرت منذ أربعة إلى ستة أسابيع، التي تشير الدراسات على التحسن عبر العلاج غير التدخلي.
وعلى الرغم من تلقي الكثير من مرضى الرعاية الصحية حقن العمود الفقري لعلاج حالة تدعى «آلام تضيق العمود الفقري» (spinal stenosis)، تضييق المساحات بين عظام العمود الفقري، يرى الدكتور فريدلي أن الحقن لا تستخدم لأجل هذه الحالات في الكثير من الدول الأوروبية.
ساهم في الترويج لحقن العمود الفقري، التي قد تكلف ما بين 600 إلى 2,500 دولار شاملة رسوم ردهات العلاج، وتشجيع المرضى على استخدامها، العدد المرتفع من عيادات وإخصائيي الألم، وغالبيتهم من خبراء التخدير وأطباء إعادة التأهيل، الذين يستثمرون في التدريب الإضافي لتعلم إجراءات مثل حقن العمود الفقري. 
ويقول سكوت فورسين، الدكتور الذي يدرس علاج آلام الظهر في جامعة جورجيا لعلوم الصحة: «كان هناك عدد محدود من الأفراد الذين قاموا بذلك، لكن العدد آخذ في الارتفاع وفي مقابله ارتفعت التعويضات أيضا. ويرتبط عدد حقن العمود الفقري التي يتم حقنها في أي منطقة جغرافية بشكل كبير بعدد من الإخصائيين المحليين الذين تم تدربيهم على هذا الإجراء عوضا عن مقدار آلام الظهر التي يعاني منها المريض. فهناك مقولة شائعة في مجال الطب تقول: (عندما تذهب إلى ميداس، لا تحصل سوى على الوشاح)».
هذه الحقن التي قد تحتوي على الستيرويد والمخدر عادة ما توزع بغرض الربح في عيادات الألم التي يملكها الأطباء الذين يقومون بعملية الحقن.
ويقول الدكتور فريدلي: «هناك قلق بالغ تجاه الدوافع المالية الفاسدة».
حصل زبائن كينارد على الحقن في العيادات الخارجية بمستشفى سانت توماس للأعصاب، وهي شركة ذات مسؤولية محدودة نصفها مملوك للأطباء، تحتل طابقا في مستشفى ناشفيل المركزي. وتقوم المستشفى بحقن 5,000 حقنة سنويا أو نحو 20 حقنة يوميا، وتدرج حقنة الستيرويد فوق الجافية على موقعها كإجراء أولي.
ونظرا لأن المبادئ التوجيهية للحقن محل نزاع بين مجموعات الأطباء، قد يكون من الصعب في أغلب القضايا القول إذا كان على المريض أن يخضع للحقن من عدمه، حسب مارك ليبتون، محامي بولاية ميتشغان الذي يمثل أكثر من 20 مريضا مصابين بالتهاب السحايا الفطرية.
على الرغم من اعتقاده أن حقن الستيرويد تمت المبالغة في استخدامها، لكن الكثير من المرضى الذين يمثلهم تمت معاملتهم بشكل ملائم، وخضعوا للحقن لتخفيف آلام الانزلاق الغضروفي في محاولة لتلافي جراحة الظهر. ويستهدف هو ومحامون آخرون في الوقت الراهن مركز كومباوندنغ سنتر بدعاوى المسؤولية عن المنتج.
ويقول الدكتور فورسين: «يجب أن تستخدم الحقن بصورة انتقائية، لكن الانتقائية تراجعت. ففي بعض الأماكن يحصل الأفراد على الحقن لأنهم دخلوا إلى المركز».
وقد أثبت المرضى أنها عملاء متلهفون على العروض الطبية الجديدة، ورغبة في علاج سريع بدلا من الانتظار لأسابيع أو شهور حتى الخضوع لعملية علاج طبيعي.
ويقول كينار، المحامي: «إذا آذيت ظهري في سن السبعين، فسوف يقول لي طبيبي اذهب إلى الشاطئ وتمتع واسترخِ وسوف تكون بخير. والآن إن شعرت بآلام الظهر وذهبت إلى الطبيب فسوف يطلب منك في الحال أن تجري أشعة الرنين المغناطيسي وستكون بحاجة إلى إصلاح شيء ما. قد ينبغي عليك أن تحصل على الحقن».
حقن السترويد ليست علاجا شاملا، حتى بالنسبة للشروط التي يوافق الأطباء على أنها جديرة بالمحاولة، حيث تصاحب آلام الظهر آثار الإصابة العصبية مثل وخز أو ضعف الساق. وثلث مثل هؤلاء المرضى سوف يتحسنون بالعلاج، وسوف يظهر الثلث بعض التحسن. والبعض لن يظهر تقدما على الإطلاق.
وعندما اختارت مفوضية هيلث إفيدنس ريفيو في وقت مبكر من العام الحالي تضييق استخدام الحقن إلى حالات معينة، ووجهت بانتقادات عامة من مجموعات مثل الجمعية الدولية لجراحة العمود الفقري.
وقال مانتشيكانتي إن محاولات الحد من الحقن ما هي إلا محاولة للحد من التكاليف والمنافسة من إخصائيي الطب الآخرين: «من الواضح أنهم لا يستغلون هذه الأدبيات بشكل صحيح».
آلام الظهر بطبيعة الحال أمر مزعج. وقد أنتج الطب الحديث بعض العلاجات الرائعة. لكن من الآن فصاعدا عندما يغرى الأطباء والمرضى على القول: «ما الضرر في محاولة الحقن للخلاص من آلام الظهر المزعجة؟»، وسوف يكونون أكثر دراية بمدى ضخامة حجم المخاطر.