مهنة عروض الأزياء في مصر ماضي جميل وحاضر عليل

على مدى سنوات بعيدة، عرفت مصر عروض الازياء، ليس فقط في قصور الامراء والطبقة الحاكمة التي كانت مولعة ومهتمة بالازياء والجديد فيها، لكن بين المستويات المرتفعة من الطبقة الوسطى والطبقة الارستقراطية أيضا. العارضات في البداية كن أجنبيات بحكم الاحتلال الانجليزي، لكن سرعان ما ظهرت عارضات حفرن أسماءهن وبقوة في الأذهان ليس في مصر وحدها، لكن في العالم العربي كله. من بينهن رجاء الجداوي، وفاء زكي، إكرام صالح، منى حسن، ليلى شعير، مديحة حسن، بثينة سالم، أماني عبد الهادي، هويدا، ونادين. وتصور البعض أن هذا الجيل الرائد في مجال عروض الازياء، سيقود نهضة في تكوين أجيال جديدة قادرات على منافسة العارضات العالميات، وهو ما لم يحدث، والعكس حصل. فقد تراجع مستوى العاملات في هذه المهنة، باستثناء حالات قليلة تحسب على أصابع اليد، مثل أمينة شلباية وهدى العبودي وداليا البحيري وفاتيما، العارضة المميزة لدى مصممة الازياء ماري لوي بشارة.
تقول عارضة الازياء السابقة والفنانة المعروفة، رجاء الجداوي «يعتقد كثيرون أن أي فتاة تصلح كي تكون عارضة أزياء، وهو اعتقاد خاطئ، حيث تحتاج هذه المهنة إلى مواصفات معينة. بالنسبة لي، جاء دخولي مجال عروض الأزياء بمحض الصدفة حين كنت أحضر مع جدتي إحدى الحفلات المقامة بحديقة الأندلس، وقتها كنت ما زلت طالبة في المدرسة، وأقيم كرنفال لانتخاب «سمراء القاهرة»، وكنت اشاهد المتسابقات أثناء صعودهن للمسرح. الغريب وقتها كان عدم فوز أي فتاة منهن باللقب، رغم ان كلهن كن جميلات. ثم فوجئت بأعضاء اللجنة يبحثون بين الجمهور الموجود عن فتيات يصلحن للمشاركة، ووقع اختيارهم عليّ، واصطحبوني معهم وطلبوا مني السير على خشبة المسرح، فتصرفت بتلقائية وفوجئت بهم يصفقون لي بشدة وسلموني وشاح «سمراء القاهرة». وبناء على هذا الوشاح، فزت بجائزة «مسابقة القطن المصري»، وتتابع الجداوي: «كان من بين حضور هذه المسابقة مصمم أزياء يوناني شهير رشحني للعمل في مجال عروض الازياء، فوافقت، لكنه لم يسمح لي بممارسة العمل إلا بعد عام كامل، ظللت أتدرب خلاله لدى أشهر مصممة أزياء في مصر في ذلك الوقت، وهي صالحة أفلاطون، التي لم تعلمني أن أكون عارضة أزياء ناجحة فقط، لكنها علمتني الكثير من المهارات الاخرى، مثل فنون الإيتيكيت، وكيف أكون سيدة صالون، وكيف أختار ما يناسبني من ملابس، وما يناسبها من اكسسوارات، وغيرها من الامور التي أضافت لي الكثير، وتعلمت منها أن الجمال ليس أساس عمل عارضة الازياء، وأنه مجرد عامل من العوامل. ولهذا عند دخولي مجال عروض الازياء، شعرت بالتميز على الرغم من تحفظ العائلات وقتها على عمل الفتاة في هذا المجال، لكني كنت قد أحببته وأصررت على الاستمرار فيه، ونجحت. وبدأت أثقف نفسي وكونت فريقا من العارضات المصريات، واستطعنا إعطاء المهنة صورة جميلة، وحققنا نجاحا كبيرا في مصر والعالم العربي». وتعزو الجداوي نجاح جيلها في المهنة، الى ان كل واحدة منهن، جعلت لها شكلا وأسلوبا مميزا عن الأخريات في كل شيء، بما في ذلك طريقة السير على خشبة العرض.


وعلى الرغم من أن دخولها مجال الازياء كان سببا في احترافها التمثيل في ما بعد، إلا أن الفنانة رجاء الجداوي تنفي أنها اتخذت من عملها في عروض الازياء وسيلة لدخولها المجال الفني كما يحدث هذه الايام، وتؤكد: «لم أكن أفكر في التمثيل على الإطلاق، والدليل أن خالتي هي الفنانة الراحلة تحية كاريوكا، ولو كنت اريد التمثيل لفعلت قبل عملي كعارضة أزياء، لكن المخرجين الذين شاهدوني في عروض الازياء، هم من رشحوني للعمل في السينما، بالاضافة إلى أنني والزميلة ليلي شعير فقط، مَن عمل في السينما، بينما اكتفت باقي العارضات بالعمل في مجال الازياء»، وتضيف: «أنا لا أرفض عمل العارضة في الفن، لكني ارفض ان تتخذه وسيلة لجذب الانظار لها فقط. وللأسف، فإن عددا كبيرا منهن الآن لا يمتلكن الاخلاص للمهنة، كما أنهن لسن مؤهلات فعليا للعمل بها، وهو ما أدى إلى تراجع مستوى المهنة، بالإضافة إلى عدم وجود مصممي أزياء بالعدد الكافي، على عكس ما كان عليه الحال في الماضي. فقد كان هناك العديد من المبدعين في مجال تصميم الأزياء، مثل إيفون ماضي، فوزي أندراوس، ليلى البنان، وغيرهم».

عدم الرضا عن مستوى العارضات الموجودات حاليا في مصر، لا يقتصر على الجيل الماضي أو جيل الرواد فقط، كما يطلقون عليه في هذا الوسط، فأمينة شلباية، التي تعد حاليا واحدة من أهم عارضات الازياء في مصر منذ فترة التسعينات، تتفق مع الفنانة رجاء الجداوي على تراجع مستوى الازياء والعروض في مصر بشكل كبير، وهو ما دفعها إلى انشاء مدرسة أطلقت عليها «ليبس» lips، لتعليم الفتيات فنون عروض الازياء، وكل ما يتعلق بها من فنون أخرى، مثل فنون الماكياج والإيتيكيت والعناية بالبشرة والأظافر وما شابه ذلك من أمور. أمينة قالت « منذ صغري كنت أعشق مهنة عارضة الأزياء، وبعد حصولي على لقب ملكة جمال مصر عام 1988، سافرت الى لندن ودرست التجميل والموضة دراسة مكثفة. وبعد عودتي بدأت العمل مع شركات التجميل وفي عروض الأزياء. طوال تلك الفترة لم تكن هناك وكالات متخصصة في تخريج عارضات أزياء مصريات، وهو ما دفعني لإنشاء مدرسة متخصصة في أواخر التسعينات، وفعلا شهدت اقبالا من عدد كبير من الفتيات، إلى حد أني اجري لهن اختبارات قبل قبولهن للدراسة بها، لأن هناك مواصفات معينة لا بد أن تتوفر في عارضة الأزياء، من بينها الطول الذي يجب ألا يقل عن 170 سم، ومقاس الصدر يتراوح بين 88 ـ 89 سم، ومقاس الوسط من 64 ـ 67 سم»، وتشرح أمينة: « المشكلة اننا متأخرون في عالم الموضة، ولم نعد نوليه الاهتمام الكافي كما كان يحدث في الماضي، حين كانت الموضة محط اهتمام كل النساء من كافة الطبقات وليست الطبقة الثرية فقط. وأعتقد أن المشكلة الاساسية تكمن في قلة عدد المصممين وقلة عروض الازياء واقتصار حضورها على طبقة بعينها». وتنفي أمينة ما يتردد عن قلة عدد العارضات المصريات الموجودات حاليا في الساحة، موضحة: «هناك العديد من العارضات المصريات اللاتي بدأن العمل منذ ثلاث أو أربع سنوات، وأصبحن أسماء بارزة، بحيث يتم طلبهن بالاسم، ومنهن غادة يوسف، ولبنى وخلود». أما عن الصورة المترسخة في الأذهان عن الحياة المترفة والممتعة التي تعيشها العارضة، تعلق أمينة: «معظم الفتيات يرسمن صورة خيالية عن مهنة عرض الأزياء، فيتصورن أنهن يقضين حياتهن بين السفر وعروض الازياء وبرامج التلفزيون والشهرة. والحقيقة عكس ذلك تماما، فمهنة عارضة الأزياء صعبة جدا، يكفي انها تكون مطالبة طوال حياتها بالحفاظ على شكلها وبشرتها، وممارسة الرياضة باستمرار للحفاظ على قوامها، هذا بالاضافة إلى مطالبتها دوما بمتابعة ما يحدث في عالم الموضة، سواء في ما يتعلق بالماكياج أو الازياء أو طرق تصفيف الشعر وغيرها». وإذا كانت هذه الحياة الصعبة تبعد البعض عن هذا المجال بعد تجربة قصيرة، فإن البعض الآخر يرى أن السبب يعود إلى قلة عدد المصممين المبدعين، وعدم قدرتهم على إطلاق تصميمات تحمل اسماءهم، وبالتالي يكتفون بتصنيعها وتوزيعها في خطوط تجارية عامة، مما يؤدي إلى تراجع مستوى المهنة في مصر، فليس هناك على الساحة سوى قلة نذكر منهم على سبيل المثال، هاني البحيري، ومحمد ندا ، ومحمد داغر، لكن حتى هؤلاء يعملون بنظام «الورشة»، لا المؤسسة أو الوكالة التي يمكنها تخريج عارضات أزياء. مما لا شك فيه ان مهنة عارضات الأزياء في مصر لم تعد اليوم بنفس الازدهار أو الحرفية التي كانت بالأمس، وربما هذا الفراغ هو ما شجع عارضة الازياء اللبنانية ناتالي فضل الله بافتتاح فرع «وكالة نتالي» لعروض الأزياء والتجميل في القاهرة، في أول وجود اقليمي للوكالة خارج لبنان. نتالي تقول إن هذا الفرع ما هو إلا البداية، إذ تنوي توسيعه ليشمل دولا عربية أخرى في المرحلة المقبلة.