صداقات قبل الزواج هل تستمر بعده؟

العلاقات الحميمة بين الأصدقاء مضرة، لذا من الأفضل أن يكون هناك حواجز في هذه العلاقات
العلاقات الحميمة بين الأصدقاء مضرة، لذا من الأفضل أن يكون هناك حواجز في هذه العلاقات

أحببنا أم أبينا فإن الزواج يؤثر في صداقات كلا الزوجين السابقة.


في أحسن الحالات يزيد عددها وتصبح أكثر غنى وتنوعا، وفي أسوأ الحالات تتقلص بالتدريج، من باب الانتقاء درءاً لأي مشكلات قد تنجم في ما بعد اذا كانت الآراء والشخصيات والهوايات تختلف.

فمما لاشك فيه ان علاقاتنا بالأصدقاء تتأثر بشكل متفاوت بين مجتمع وآخر وبين عائلة وأخرى بعد الزواج. ففي حين يترك البعض الحرية للآخر في ما يتعلق بالأمر، بل ويشجع على أن يجد كل منهما حياته الخاصة في أوقات معينة كي لا يتقيد بحدود العائلة ومتطلباتها، يفرض البعض الآخر "شروطا طوعية" تتحكم في طبيعة تحركات الشريك وعلاقاته.

والملاحظ في هذه الحسبة، أن المرأة هي التي تضطر في الغالب للتنازل إرضاءً للزوج، وحتى تتفادى مشاكل تشعر أنها في غنى عنها. بيد أن البعض يرى ان العكس صحيح، فالمرأة هي التي تجذب الزوج إلى جهتها، وتدخله عالمها الخاص، حتى يبتعد شيئا فشيئا عن اصدقائه ويتقرب من أصدقائها، خصوصا منهم المتزوجين، ليشكلوا في ما بعد مجموعة منسجمة من كل النواحي.

لم تكن رانيا تنوي قطع علاقاتها بصديقاتها بعد زواجها، بل كانت تعتقد أن شيئا لن يتغير وستحاول قدر الامكان المحافظة على خصوصية حياتها الاجتماعية، انما حصل ما لم يكن في الحسبان ودخلت في غمار مسؤولياتها الجديدة.

تقول:
"في بادئ الأمر حرصت على أن أبقى على تواصل مع صديقاتي، انما وبعد انجابي الطفل الأول تقلصت الاتصالات بهن، الى أن انعدمت بعد ولادة طفلي الثاني. من جهة أخرى توطدت علاقتنا كعائلة مع اصدقاء زوجي المتزوجين، خصوصا أنني تزوجت في سن مبكرة، حين كنت أبلغ 20 عاما، الأمر الذي ساهم في ابتعادي أكثر عن صديقاتي، ربما لأنهن لم يكنّ قد تزوجن بعد".

يعتبر سامر وضعه مختلفا عن حالة رانيا، موضحا:
"مما لا شك فيه أن علاقتي باصدقائي تغيرت بعد الزواج وها أنا اليوم وبعد مرور عشر سنوات على زواجي انحصرت علاقتي بصديق واحد.

أهم سبب أن معظم أصدقائي هاجروا إلى لبنان، لذا توطدت علاقتي أكثر بأزواج صديقات زوجتي وأصبحنا نخرج مع بعضنا وكوّنا هوايات مشتركة، وهذا اعطى زوجاتنا الحرية كي يمضين أوقاتا مع بعضاً البعض والقيام بالأمور التي يستمتعن بها".

ويعزو سامر هذا الأمر الى طبيعة حياة الرجل وعمله" النساء يتواصلن أكثر مع بعضهن وينظمن مشاريع للخروج والتسلية أكثر من الرجال، لذا فعندما أعود من عملي يكون زمان النشاط ومكانه قد حددا مسبقا".

ولفادي قصة مختلفة عن غيره من الشباب، فهو يبلغ 25 عاما من العمر ولم يمر على زواجه الا بضعة أشهر، ونظرا لحياته "الصاخبة" قبل الارتباط قرر أن يفصل حياته الماضية عن حياته الجديدة، واختار الابتعاد عن عدد كبير من أصدقائه ليس فقط لناحية التواصل، بل لناحية مكان السكن.

فبيته الجديد يبعد عن المنطقة التي كان يقطن فيها مع أهله واصدقائه القدامى. ويعلق فادي على الموضوع" في السابق كان كل من يعرفني يأتي لزيارتي في أي وقت، أما الآن فأنا أخرج من المنزل من الصباح حتى المساء وزوجتي تبقى بمفردها، لذا اخترت عددا محددا من أصدقائي وأعلمتهم بعنوان بيتي كي أبقى على اتصال معهم وكي نتبادل الزيارات، أما الآخرون فلم تعد علاقتي بهم صالحة نظرا للمستجدات التي طرأت على حياتي الشخصية والتي تتطلب التغيير الى الأفضل".

وعن اختلاف الصداقات بين مرحلة العزوبية ومرحلة الزواج، تقول الدكتورة دولة خنافر المتخصصة في علم الاجتماع:
"الزواج بالنسبة الى الشاب والفتاة يعني الدخول الى عالم مختلف وجديد، لكن لا يمكن القول إن هناك قواعد عامة تطبق في كل الحالات وفي كل الظروف، بل إن الاختلاف يكمن في نضج الفرد الاجتماعي والوعي الفكري والذهني.

لذا ففي أحيان كثيرة يحاول الرجل ادخال زوجته إلى مجتمعه وسلخها عن حياتها الخاصة والاجتماعية مما يشعرها بالغربة والانزعاج، وقد تأتي خطوة الابتعاد عن الأصدقاء من الفتاة نفسها التي تنشغل بمسؤولياتها الجديدة ولا ترى مجالا للقيام بعلاقات متينة فتقتصر علاقاتها على صديقات معدودات وقد تنعدم بشكل جذري".

لكن في الوقت عينه تجد خنافر أن تقلص العلاقات مع الأصدقاء حالة طبيعية لا بد أن تحصل، خصوصا في بداية الزواج وبعد انجاب الأولاد، وسبب هذا الابتعاد هو الالتزامات العائلية، اضافة الى اعتراضات قد تأتي من الطرفين على حد سواء، وترتكز في معظمها على عدم رضا أحدهما على أصدقاء الآخر.

وكما هناك تغيرات تطرأ على الحياة الاجتماعية بعد الزواج كذلك هناك زيجات يحرص فيها الشريكان على ابقاء مساحة من الحرية الشخصية لكل منهما، وهذه هي حال مريم التي لا تزال تلتقي بصديقاتها ولم تتغير علاقتها بهن رغم مرور ثلاث سنوات على زواجها.

تقول "منذ أن تعرفت إلى زوجي اتفقنا على أن لا ننعزل عن الآخرين ولا نترك لحياتنا الزوجية مجالا كي تشغلنا عن حياتنا الخاصة، وبدل من أن تنقطع علاقاتنا بأصدقائنا انفتح كل منا على اصدقاء الآخر، خصوصا المتزوجين منهم، مع ابقاء الأصدقاء العازبين من دون أي مشكلات أو حواجز قد تعيق استمرار هذه العلاقات".

وتعلق الدكتورة خنافر:
"أحيانا تكون المرأة هي السبب في عدم دعوة صديقاتها إلى منزلها، لا سيما إذا كن عازبات وجميلات، بدافع الغيرة وعدم الثقة، كما قد يبتعد الرجل عن أصدقائه العزاب للسبب عينه، انما ذلك كله متعلق بتربية الشخص ومدى ثقته بنفسه".

وعن العلاقة المثالية التي يفترض أن تجمع الأزواج بأصدقائهم، تؤكد خنافر أنه يجب أن يكون هناك حدود بين الأطراف مشيرة:
"من المحتمل أن تكون العلاقات الحميمة بين الأصدقاء مضرة، لذا من الأفضل أن يكون هناك حواجز في هذه العلاقات، وحصرها في المناسبات وبعض النشاطات، مع حفاظ كل منهما على علاقات منفردة مع أصدقائهما بعيدا عن محيط الأجواء العائلية، وهذا قد يكون قابلا للتطبيق بشكل أسهل بعد مرور سنوات طويلة على الزواج، أي حين تخف حاجات الشريكين لبعضهما وبعد أن يصلا الى مرحلة متقدمة من النضج الزوجي والاجتماعي".