أصوات قرقرة المعدة .. لا تزال تحير الباحثين

غازات الجهاز الهضمي ليست سوى ضجيج ورشة الهضم البشرية


أصوات "القرقرة" التي يسمعها أحدنا في معدته لا تزال تحير الباحثين، وثمة من اختصر الموضوع وقال بأن في البطن عصافير، وأنها تزقزق حينما تشكو إلينا المعدة من جوعها!، والأصوات هذه، وإن كانت تُسبب إحراجاً للبعض، أو يعتبرها البعض منبهاً لضرورة الأكل، إلا أنه من النادر جداً، ان يرى الاطباء أي أهمية صحية أو مرضية لها.

ومعرفتنا بأن المصدر الأساسي لصدور هدير هذه الأصوات هو حركة الغازات في قنوات الجهاز الهضمي، لم تُعطنا إجابات مقنعة حول السؤال: لماذا نجدها مختلفة في درجات حدة أصواتها، وفي وتيرة تكرار سماعنا لها، وفي أماكن ظهورها، وفي معاناة الناس منها في أوقات دون أخرى؟ وفي غير ذلك.

لذا تظل هناك جوانب مثيرة للتساؤلات حول كيف، ومن أين تدخل الغازات إلى الجهاز الهضمي؟ ولما ومن أي الطرق تخرج منه؟ وما معنى وجودها في الأجزاء المختلفة من الجهاز الهضمي؟.. وهل لها علاقة بالأمراض أو مظاهرها؟ وهل يتسبب وجودها أو كتم إخراجها بأضرار صحية؟.. وغيرها من التساؤلات التي تُؤكد شيئاً واحداً، وهو أن علاقة الغازات بالجهاز الهضمي أوسع من مجرد التسبب بسماعنا أصوات مرورها وتنقلها.

غازات طبيعية
الجهاز الهضمي مكون من أجزاء مختلفة، بدءا من الفم، ومروراً بالمريء والمعدة والأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة، وصولاً إلى فتحة الشرج للإخراج.

وما يمر من خلال القنوات الهضمية هي ثلاثة عناصر رئيسية، أولاً، مواد متفاوتة الدرجة من الصلابة مثل الأطعمة أو حبوب الأدوية. وثانياً، مواد سائلة كالماء أو الحليب أو العصير، وثالثاً، الغازات الهوائية مثل الهواء الخارجي أو الغازات الموجودة في المشروبات الغازية.

ويعتقد الباحثون أن أصوات ضجيج ورشة ما يجري في قنوات الجهاز الهضمي، تنشأ بشكل عام من تفاعلات وجود درجات متفاوتة الحجم من الغازات، مع السوائل والطعام، التي تُؤثر فيها حركة انقباض وانبساط عضلات القناة الهضمية، والتي تعمل على دفع محتويات القناة الهضمية من الطعام والسوائل والغازات، قُدماً، أي في اتجاه سير واحد، من الفم إلى آخر أجزاء القولون.

وتقول المصادر الطبية ان في القناة الهضمية للإنسان الطبيعي حوالي ما بين نصف لتر ولتر ونصف من الغازات يومياً.

وان الإنسان الطبيعي أيضاً يُخرج غازات بمعدل 14 مرة في اليوم. وليس صحيحاً أن هذا الإخراج المتكرر للغازات، إما عبر التجشؤ من خلال الفم أو إخراج الغازات عبر فتحة الشرج، هو السبيل الوحيد للتخلص من غازات القناة الهضمية.

بل لدى أجزاء من القناة الهضمية قدرة عالية على التخلص من غالب الغازات الموجودة فيها، أي أكبر من الكميات التي نُخرجها، من خلال امتصاص خلايا بطانتها للكثير من الغازات، وبشكل متواصل.

ولإنسان ما أن يسأل، من أين تأتي الغازات إلى قناتنا الهضمية؟، والحقيقة أن ثمة مصدرين للغازات فيها، وهما ابتلاعنا للهواء، وحصول عملية هضم في القولون لبعض من السكريات، بدلاً من إتمام ذلك لها كاملاً في الأمعاء الدقيقة.

بلع الهواء
ابتلاع الهواء يحصل غالباً لاشعورياً، حين شرب الماء أو مضغ الطعام أو تناول المشروبات الغازية، مثلا.

 كذلك يكثر بلع الهواء لدى المدخنين أو منْ يعلك اللبان أو منْ لديهم تركيبة أسنان غير ثابتة. ولتخفيف بلع الهواء، يُنصح بمضغ الطعام جيداً وتناوله كلقمة متوسطة الحجم وتقليل مضغ العلك والتدخين.

وعادة ما يقوم الجسم بالتخلص من هواء المعدة هذا من خلال التجشؤ عبر الفم. وما يتبقى منه، تقوم خلايا بطانة الأمعاء الدقيقة بامتصاصه. ولا يُوجد مبرر طبي لاعتقاد البعض أن كتم التجشؤ ضار بالإنسان.

ويختلف الناس في التجشؤ، لأن منهم من يتجشأ بسهولة كالأطفال، والذكور عموماً، بينما يصعب على الإناث بسبب ضعف عضلات البطن لديهن.

لكن في حال تكرار التجشؤ أو مواجهة صعوبة في إتمامه مع الرغبة فيه، فهناك من يرى هذا مرتبطاً بوجود قرحة في المعدة أو التهابات المريء أو ترجيع إفرازات المعدة إلى المريء أو البطء في حركة المعدة لإفراغ محتوياتها إلى الأمعاء الدقيقة بعد الفراغ من تناول الطعام.

لذا فليس صحيحاً أن انتفاخ البطن، الذي قد يشكو الكثيرون منه من آن لآخر، هو نتيجة لوجود كميات كبيرة من الغازات في البطن، لأن الفحوص آنذاك غالباً ما تُثبت أن ثمة كمية طبيعية من الغازات في القناة الهضمية.

بينما السبب غالباً هو امتلاء المعدة بالطعام، وبطء المعدة في حركات إخراج الطعام منها إلى الأمعاء الدقيقة.

وعلى ما تقدم، فإن الهواء الذي نبتلعه عبر الفم لا يُشكل إلا جزءاً ضئيلاً جداً من الهواء الذي قد يخرج عبر فتحة الشرج.

* هضم غير مكتمل هضم السكريات في القولون، من قِبل البكتيريا الصديقة غير الضارة، هو أمر غير طبيعي بالأصل، لأن المطلوب هو أن تقوم الأمعاء الدقيقة، على وجه الخصوص، بهضم الطعام كي يتم منه امتصاص السكريات والبروتينات والدهون بهيئات تركيبية بسيطة.

والإشكالية في معاناة البعض، من غازات البطن هي عدم إتمام هضم السكريات بالكامل، أي حينما تُفلت بعض السكريات من تعرضها للهضم بالكامل في الأمعاء الدقيقة، لأسباب عدة، وتصل بالتالي إلى القولون في هيئتها التركيبية المعقدة. وبعكس ما يعتقد البعض، فإن تناول أو عدم اكتمال هضم الأمعاء للدهون والبروتينات، لا يتسبب بظهور الغازات في القولون.

والقولون عامرٌ بالمليارات، لا بل التريليونات، من البكتيريا الصديقة غير الضارة، ولأنها بحاجة إلى غذاء تقتات عليه، فإنها تتولى أمر هضم الأنواع المعقدة من السكريات أو التي لا تستطيع الأمعاء هضمها.

وبشكل عام، فإن غازات النتروجين وثاني أكسيد الكربون هي من الهواء الذي نبتلعه. وكلاهما لا رائحة له. أما غازات هضم بكتيريا القولون، فتشمل الهيدروجين عديم الرائحة، والميثان، ذا الرائحة.

لكن الميثان لا يُنتج إلا في قولون ثلث الناس فقط. والحالة الوحيدة التي يتسبب نوع الطعام فيها برائحة للغازات هو تناول منتجات غذائية تحتوي على الكبريت، ذي الرائحة، مثل الملفوف، أي أن سبب الرائحة في الغالب هو البكتيريا الصديقة وليس نوعية الأكل.

ومع هذا، فإن لدى الناس الطبيعيين نوع من التوازن في أنواع وسلالات البكتيريا الصديقة في القولون.

 وبعضها قد يتولى تخليص الإنسان من الغازات ذات الرائحة النفاذة. لذا يختلف الناس في رائحة الغازات الصادرة عنهم بحسب توازنات وجود أنواع البكتيريا الصديقة لديهم في القولون، حينما يتناولون نفس الأطعمة.

ليس صحيحاً أن الغازات مشكلة لا حل لها
ثمة حالات مرضية تصحبها الشكوى من الغازات، إضافة إلى الأعراض الأخرى مثل ألم البطن أو الإسهال أو الإمساك أو خروج دم مع البراز أو ارتفاع حرارة الجسم أو الحمى وغيرها.

وفي حالات غير طبيعية أو مرضية تظهر الغازات، مثل الحساسية من الحليب ومشتقات الألبان، أو الحساسية من بعض الأطعمة الجاهزة كالخبز المُضاف إليه خميرة الخبز أو"البيكنغ باودر"، أو تناول بعض أنواع التوابل أو الفلفل أو غيرها من التي تضاف إلى السلطات أو الطبخ، أو حالات سوء الهضم نتيجة إما لنقص أنزيمات معينة كأنزيمات البنكرياس، أو لوجود أمراض في الجهاز الهضمي، سواء جرثومية أو نتيجة التهابات داخلية أو اضطراب حركة الأمعاء.

لكن المهم تذكر أن الشكوى فقط من الغازات نادراً ما تكون علامة على وجود أمراض ما.

وبعد التأكد من خلو الإنسان من أية أمراض في الجهاز الهضمي، فإن الغازات ليست مشكلة لا حل لها، لسبب بسيط هو أن الغازات لها أسباب مفهومة تُوجب ظهورها. والحديث منصب بالدرجة الأولى على نوعية مكونات الطعام وعلى مدى إتمام هضم الأمعاء للسكريات فيه.

القلق لا داعي له طالما لا تُوجد أعراض مُصاحبة، أما الحرج فعلى الإنسان التعامل معه والعمل أيضاً على تقليل فرص تكون الغازات، لأنه لا يوجد مرض مزمن يقال له زيادة غازات الجهاز الهضمي، بل هناك «حالة» تكون فيها زيادة في حجم الغازات، وتزول «الحالة» بزوال السبب.

وهناك ثلاث طرق لحل مشكلة الغازات، وهي تعديل نوعية الغذاء، وتقليل ابتلاع الهواء، وتناول الأدوية المخففة لكمية غازات المعدة والقولون.

ومن أهم أسباب الغازات تناول المنتجات الغذائية الغنية بالسكريات المعقدة، سواء كانت أليافا أو مركبات سكرية مستقلة لا علاقة لها بالألياف.

 والبقول أفضل مثال على احتواء الألياف وأنواع من السكريات التي لا تستطيع الأمعاء هضمها. لذا فإن تناول الفول أو الحمص يعني تناول ألياف ذائبة وسكريات معقدة، وكلاهما سيتسبب للكثيرين بالغازات.

وهذه السكريات المعقدة في الفاصولياء أو الفول أو الملفوف، هي من نوعي رافينوز وستاشيوز. وتشكل نسبة لا تتجاوز 1% من السكريات في أي من تلك المنتجات الغذائية.

لكن الإشكالية تنجم عن أن البشر عموماً لا يملكون الأنزيم اللازم لهضمها في الأمعاء الدقيقة. لذا تصل إلى القولون وتتولى البكتيريا الصديقة هضمها وتنتج الغازات بالتالي.

 وهذا الأنزيم تُنتجه بعض الفطريات، ولذا فإن الأنزيم يُوجد على هيئة مادة دوائية تُدعى البيانو. وهو على هيئة قطرات يتناولها الإنسان قبل تناول الوجبة مباشرة ، لكنه لا يفيد في حالة الحليب ومشتقات الألبان أو الألياف.

كما يُمكن لنقع البقول هذه عدة ساعات قبل الطبخ أو إضافة الخل إليها بعد الطبخ، تخفيف مشكلة الغازات بعد تناولها.

ومن الأمثلة الأخرى تناول البروكلي والحبوب غير المقشرة والمنتجات الغنية بالنشا كالبطاطا والذرة والطحين والخبز غير الناضج. ويحتوي البصل والعديد من أنواع الفاكهة كالتفاح والكمثرى والمشمش على سكريات تتسبب بالغازات في القولون.

ومما يغيب عن البعض، أن الوجبات أو المشروبات الخالية من السكر أو أنواع الحلويات والعلك، التي يطلق عليها «دايت»، والتي تحتوي مواد مُحلية صناعية، تسبب هي الأخرى الغازات. وما يُلفت النظر إشارة المصادر الطبية إلى أن تناول الأرز لا يتسبب عادة بالغازات!.

وهناك العديد من الأدوية لتقليل إزعاج الغازات، مثل «سيميثكون»، الذي يُضاف إلى بعض أنواع شراب خفض حموضة المعدة. ويتناوله المرء قبل الطعام، ويُسهم فقط في تقليل غازات المعدة، وليس غازات الأمعاء.. كذلك حبوب الفحم المنشط لتخفيف غازات القولون. وثمة مجموعة من الأدوية التي تساعد سرعة حركة الأمعاء وتقليل فرصة تكون الغازات.