للرجال فقط .. أدخل المطبخ وتعلم فنون الطهي فالعروس العصرية هجرته

 يبدو أن السندريلا الراحلة سعاد حسني عندما تغنت في مسلسلها الوحيد والشهير "هو وهي"، ناصحة كل بنات حواء بأن "أقصر طريق لقلب جوزك معدته"، كانت لا تعلم بأن الطريق سيتم إغلاقه مع مطلع القرن الواحد والعشرين، وستصبح المطاعم هي أقصر طريق لإفراغ جيبه، وأن قلبه سيتم الوصول إليه بوسائل أخرى، وأنه اصبح على الزوج قبل دخول القفص إما أن يتعلم فن الطهي أو يدرب معدته على طعام السوق.


وقد حدث هذا الانقلاب الأسري بعد أن تخلت فتيات هذا الزمان عن العلاقة الحميمية التي كانت تربطها بعالم المطبخ، فقد تعددت اهتماماتها وتنوعت، وأصبح العمل وربما الدراسة هما بدائل الطهي والأعمال المنزلية.

وتظهر المفاجأة للزوج المسكين بعد دخول القفص الذهبي، عندما يصبح الحديث عن تحضير الأطباق اللذيذة، هماً يثقل قلب العروس وتفكيرها، وتبدأ المطاعم في توصيل طلباتها إلى عش الزوجية إنقاذا للموقف.

ففي السنوات الأخيرة، توقفت الأمهات عن "استدعاء" بناتهن الى المطبخ وحضهن على تعلّم مهارات الطبخ وتنمية هذه الموهبة التي كانت في الماضي القريب الطريق الانسب لإعداد الفتاة الصغيرة لكي تكون زوجة متمكنة، وأصبحت هذه الفتاة تمضي الوقت بين الكتب والدفاتر أو بصحبة الاصدقاء أو أمام شاشة التلفاز، فيما تحوّل الاهتمام باكتساب مهارات المطبخ حديثا مستغربا، وتستيقظ الفتاة من غفوتها هذه عندما تقبل على مشروع الزواج فيصيبها الهلع من حتمية أن تقوم بالطهي لعريسها، وتبدأ مغامرتها التي غالبا ما يكون الزوج فيها هو الضحية.

هذا ما حدث مع رانيا وهي عروس جديدة لم يمر على زواجها إلا بضعة أيام، فتقول وهي تبكي " أشعر بأن المسؤولية على عاتقي كبيرة جدا، فأنا امضي يومي في استقبال المهنئين ولا اجد وقتا للراحة. وأحاول عدم التفكير في ما يجب علي القيام به لاحقا في المطبخ".

وللتخلّص من هذا "المأزق" المحرج والمخيف، تلجأ الشابة المتزوجة حديثا الى اعتماد الحلول العصرية كشراء طبخة معينة من المطاعم المتخصصة في تحضير هذه الأطباق لقاء أسعار تناسب الميزانيات المتوسطة.

وتسخر رولا: "الطبخ؟! عليّ ان اتعلّم اولا طريقة تشغيل الغسالة. ثم إن أكل المطاعم لذيذ ويساعد على تحريك العجلة الاقتصادية، فلم اختيار الطريق الاصعب؟".

وقد "تنجو" العروس عبر تحضير طبق سهل كالمعكرونة او السلطة او غيرهما من المأكولات السريعة التحضير التي تفرض في أصعب الحالات استخدام المايكروويف. هذا حال ندى، وهي ايضا شابة دخلت القفص الذهبي قبل اشهر قليلة تمضي يومها بالتسوق وترتيب امور المنزل، كما تقول: "باستثناء الطبخ لأنه يتطلب جهدا كبيرا ووقتا طويلا، ثم لا اتمتع بـ "النفَس" في الطهي ربما لأنني لم أعتد عليه، فسابقا كنت أمضي وقتي في الدرس أو برفقة الاصدقاء فلم ابد فضولا للتعلم ولم أضطر يوما لدخول المطبخ الذي كان دوما شأنا من شؤون والدتي".

وحين تقرر تخصيص يوم للمطبخ فحتما يكون لتحضير طبق معكرونة بالزبد او المعكرونة مع صلصة الطماطم الجاهزة أو المعكرونة مع صلصة الحليب. اما إذا حلت عليها "نعمة" النشاط، فتعمد الى تحضير طبق من سلطة الخس مع المعكرونة وحبوب الذرة وصلصة المايونيز.

وإذا كان الحظ حليف العروس الجديدة فتحظى بدعم الوالدة، ذلك انه أصبح مألوفا ان تتناول العروس الجديدة وزوجها طعام الغداء لدى أهلها او تأخذ أطباق الأسبوع المحضرة سلفا من والدتها. وكأن هذا الواقع هو ترجمة عصرية لما درجت الأمهات على القيام به في الماضي حين كنّ يتبعن تقليدا قديما يسمى "لقمة الفقدة".

وغالبا ما تكون "اللقمة" طبخة من الارز مع الدجاج أو المغربية أو غيرها من الاطباق التقليدية الدسمة التي تساهم في رفع معنويات العروس وتدل على حنين أهلها إليها وعدم تخليهم عنها بعد زواجها وكأنها هم أزيح عن قلبهم، إنما هي وديعة غالية لدى زوجها. هذه اللفتة من شأنها انقاذ العروس "المبتدئة" من الإحراج أمام عريسها الذي سيعمد بالتأكيد الى مقارنة طهيها بما كانت تعده والدته.

وهذه المقارنة تحوّلت في السنوات الأخيرة محور الأمسيات التي يمضيها الأهل والأصدقاء مع العروسين الجديدين حين يباشر العريس سرد لائحة من "مبتكرات" العروس في مجال الطبخ، إذ يروي أحدهم كيف تحولت البيتزا الى كعكة منتفخة بسبب افراط زوجته في وضع الخميرة حتى انتفخت العجينة، ويؤكد انه "عند كل محطة فاشلة، كنت أستدعي احد عمال الشركة لوهبه ما طهته زوجتي".

عن هذا "الطراز الحديث" للعروس العصرية، تقول الدكتورة ماري روز شاهين، اختصاصية علم النفس: "إن التطوّر وسرعة نمط الحياة فرضا على المرأة المتزوجة حديثا دخول سوق العمل، مما أعاد النظر في ترتيب المسؤوليات داخل المنزل.

فسابقا كان يقع على عاتق المرأة وحدها ان تهتم بتدبير شؤون المنزل ورعاية الاولاد، اما اليوم وبسبب الاوضاع الاقتصادية فأصبحت مضطرة للعمل كالرجل تماما.

لم تعد تلك السيدة التي تلازم المنزل وتمضي ساعات طويلة في المطبخ لتحضير الاطباق الدسمة. أصبحنا نرى الازواج الجدد يتشاطرون الادوار والواجبات المنزلية، فلم يعد عيبا على الرجل ان يغسل صحنه أو يغسل الثياب أو يكنس، فضلا عن ان الادوات الكهربائية المخصصة لهذه الاغراض سهّلت الامور كثيرا. لا بل اكثر من ذلك أرى بعض الحالات، حيث يهتم الرجل بالمنزل إذا فقد عمله فيما تذهب زوجته الى العمل".

وأضافت: "لقد ظهر عامل إيجابي في هذه الصيغة الجديدة وهو تعاون الزوجين منذ بداية حياتهما المشتركة وتحاورهما للوصول الى حلول مشتركة لأعباء الحياة. اما إذا فشلا في التفاهم، فيبدأ نشوب المشكلات ويتجادلان وتسوء علاقتهما منذ بداية زواجهما.

فنرى الرجل يتهم المرأة بالتقصير في تأدية الواجبات المنزلية، فيما تشتكي الزوجة من إهماله وعدم مساعدتها. الواقع ان على الرجل ان يفهم ان العصر اختلف ولم يعد على المرأة وحدها ان تكون قديرة، فقد اصبح هو شريكا أساسيا في ذلك".

ولفتت الى ان "إجادة الطبخ لم تعد مطلوبة كالسابق، فهناك الكثير من المنتجات المتوفرة في المخازن التجارية التي تسهل عملية الطهي، ثم ان الاطباق المعقدة التي تستغرق ساعات من التحضير أصبحت غير مرغوبة بسبب دسامتها، لذلك اصبح التركيز على الطعام الصحي في المطبخ الحديث المزوّد ايضا بآلات خاصة بالفرم والتقطيع وإلى ما هنالك من أمور تختصر الوقت والجهد".

ودعت الرجل الى "عدم مقارنة مذاق أطباق عروسه بتلك التي تحضرها والدته، أولا بسبب الخبرة الطويلة للأخيرة، ثانيا لان ظروف زوجته تختلف عن ظروف والدته وعصرها. كما ان المقارنة تضر بمشاعر الزوجة التي نراها تجتهد لتتعلم الطبخ بشراء كتب أو عبر مشاهدة بعض البرامج التلفزيونية، لذلك عليه ان يتكيّف مع حياته الجديدة".

وقالت: "ما المانع ان يتغدى العروسان عند اهالي بعضهما بعضا؟، بالعكس ان الأمر جيد لأنه يساعد على تعرف الصهر على اهل زوجته، كذلك يساعد الزوجة في التقرب من أهل زوجها، مما ينعكس ايجابا على العلاقة ويضفي بعض الحميمية".

وعن الناحية الاجتماعية لهذا الواقع، تحدثت الاختصاصية الاجتماعية اللبنانية، الدكتورة دولت خنافر، فأوضحت ان "الأمر يشكل ظاهرة جديدة وحتمية فرضت نفسها على المرأة بفعل التطوّر الهائل الذي شهدناه.

فقد دخلت المدارس والجامعات، حيث أصبحت تشغل المساحة الأكبر أحيانا. هذا ما بدّل نظرتها إلى نفسها والمجتمع والعالم أجمع. فارتفع سقف طموحاتها ومتطلباتها، كذلك تغيّر الدور المنوط بها. سابقا، كانت تربّى على فكرتي الزواج والإنجاب، وتتهيأ لذلك من سن 14 عاما او 15.

أما اليوم فأصبح نادرا ان تتزوج في هذه السن الصغيرة وقد حصرت هذه الثورة دورها كمنجبة ومربية وزوجة لتصبح ايضا المرأة ـ العاملة او المنتجة. وأدركت بفعل وعيها انها تريد ان تعيش لنفسها ايضا وليس فقط لأولادها، فهي لم تعد ترضى كالسابق بأن تمضي سنواتها من العشرين حتى الأربعين تحمل وتنجب وتربي. تريد اليوم ان تحافظ على لياقتها وجمالها وأناقتها وتهتم بثقافتها فضلا عن توفير حاجات اولادها".

وأضافت: "الرجل بشكل عام ومهما بلغ تزمته لم يعد يقبل بعروس عاطلة عن العمل وغير مثقفة، لتصبح بذلك صورة المرأة التي تلازم المطبخ في طريقها للزوال. كذلك ان تبدّل طبيعة عمل الرجل وظهور امراض القلب والشرايين انعكسا على المطابخ، فلم يعد مطلوبا ان يأكل الأطباق التي تزوده طاقة كبيرة ولم يعد مطلوبا من المرأة أن تكون طاهية ماهرة لتكون زوجة صالحة، وإلا لما ارتفعت نسبة الإقبال على استشارة خبراء التغذية. جداتنا مثلا كن يملكن طناجر كبيرة وأواني ضخمة. اما المرأة العصرية فأدواتها صغيرة ومطبخها أنيق وخزاناتها أيضا، حتى انه ظهرت أدوات حديثة لحفظ بعض الاطباق او تسخينها في المايكروويف".

وتشير خنافر الى انعكاس الأمر على علاقة الزوجين وتقول "اصبحت العلاقة ومنذ دخولهما الحياة المشتركة تبنى على التفاهم والتعاون، فلم يعد الرجل الآمر الناهي، والمرأة لم تعد الزوجة ـ  الخادمة أو المطيعة، بل الشريكة، وهذا افضل.

صحيح ان نسبة الطلاق ارتفعت فهناك احصاءات تشير الى انتهاء 50% من الزيجات في اوروبا وأميركا بالطلاق، و30% في الكويت، ونحو 20% في مصر ولبنان. كل هذا نتج عن ثورة المرأة على واقعها الظالم أو عدم قبولها بدور الخادمة. لقد أدركت حقها بالحصول على مكان ومكانة في الحياة الزوجية".