متلازمة النفق الرسغي .. احتباس السوائل في الجسم من أهم أسباب حدوثها

 تنتشر متلازمة النفق الرسغي لدى الذين يتطلب عملهم ذلك مثل مستخدمي الكومبيوتر لفترات طويلة، العاملين في الخياطة والتطريز، لاعبي كرة اليد، الموسيقيين، العمال الذين يستخدمون الحفارات اليدوية ذات الاهتزاز
تنتشر متلازمة النفق الرسغي لدى الذين يتطلب عملهم ذلك مثل مستخدمي الكومبيوتر لفترات طويلة، العاملين في الخياطة والتطريز، لاعبي كرة اليد، الموسيقيين، العمال الذين يستخدمون الحفارات اليدوية ذات الاهتزاز

يقع النفق الرسغي أو القناة الرسغية carpal tunnel أسفل الذراع في قاعدة اليد (الرسغ)، وهي عبارة عن قناة على شكل تجويف أو قوس. وتتكون من عظام الرسغ الصغيرة وعددها 8، تكون متلاحمة بعضها مع بعض بواسطة أربطة قوية وثابتة. ويمر في هذا التجويف القوسي العظمي من الأعلى الرباط المستعرض الرسغي transverse c. ligament المثبت والملتحم بعظمتين صغيرتين همما عظمة ترابيزيم trapezium والعظمة الزورقية scaphoid من جهة الإبهام، وعند طرف القوس الآخر من القناة الرسغية يلتحم الرباط المستعرض الرسغي بعظمتين أخريين هما العظمة السمطية - هاميت hamate والعظمة البازلاء - بيزيفورم pisiform من جهة الأصبع الصغير، وبذلك يتكون ما يعرف بـ «القناة الرسغية».


يبدأ السيناريو الطبي بالشعور بتنميل ووخزات خفيفة لثوان أو دقائق قليلة في اليد والرسغ أثناء ممارسة العمل في المكتب، وبعد شهور من تجاهل وإهمال تلك الأعراض، يتطور الأمر الى الشعور بألم حاد مفاجئ يضرب مفصل الرسغ وينتشر سريعا صاعدا الى الساعد، فهل من الممكن إهمال ذلك الألم الشديد؟

الجواب هو بالطبع لا، فعلى الأغلب هذه أعراض متلازمة النفق الرسغى (Carpal Tunnel Syndrome).

نفق رسغي
هناك مجموعة من الأنسجة والأوتار القابضة للأصابع والأوعية الدموية والألياف العصبية ومنها العصب الأوسط median nerve - تمر جميعها من خلال هذه القناة.

ويعتبر العصب الأوسط أحد ثلاثة أعصاب رئيسية تغذي اليد حيث يستقبل السيل العصبي من المخ مارا بالرقبة ثم الكتف ثم اليد ويبلغ طوله تقريبا مترا واحدا، ويحمل الألياف الحركية والحسية معا. والعصب الأوسط هو المسؤول عن حركة معظم أصابع الكف، وكذلك الإحساس. ويمر هذا العصب قريبا من سطح القناة ويقع في وسطها، ويفصله عن الجلد والأنسجة تحت الجلدية الرباط المستعرض الرسغي فقط.

والنفق الرسغي عبارة عن نفق ضيق يقع في منطقة معصم اليد، ومكون من عظام معصم اليد والرباط الرسغي المستعرض حيث يمثلان جدار هذا النفق.

وللتعريف بهذا العصب الأوسط (mediab nerve)، فهو عصب سميك (تقريبا 8 ملم) أصفر اللون يبدأ نزوله من منطقة الرأس عند الكتفين ليغذي الأطراف العلوية (الذراعان والمرفقان واليدان). ويمر هذا العصب بالقناة الرسغية لمفصل الكف ويغذي عضلات أصابع الإبهام والسبابة والوسطى وجزءا من أصبع الخاتم مع الإحساس فيها. وعند حصول ضغط على العصب عند القناة نتيجة ورم أو التهابات أو كسر عند منطقة الرسغ (مفصل الكف) أو حولها، فإن العصب سوف يتأثر بهذا الضغط.

وهذا المرض يصيب النساء أكثر من الرجال بنسبة 3 إلى 1، خاصة الحوامل، وذوي الأوزان الثقيلة، ومرضى السكري، والمرضى الذين يعانون من هبوط مزمن في إفراز الغدة الدرقية، ومرضى الفشل الكلوي، ومرضى الالتهابات الروماتيزمية، وكذلك المدخنين ومدمني الكحول وكبار السن.

وقد تحدث الإصابة بسبب التعرض المستمر أي الضغط (الثني) المتكرر لمفصل الكف أثناء العمل وإنجاز المهام وأحيانا أثناء التعرض للكسور.

 ويحتوي هذا النفق على العصب الوسطي ( Median Nerve ) وأربطة وأوتارعضلات اليد والساعد التي تكون مغطاة بأغشية رقيقة، ويعمل النفق الرسغي على حماية العصب الوسطي الذي يمر من خلاله، الذي يتحكم في إحساس راحة وأصابع اليد جميعا ما عدا الخنصر، كما يعمل على تغذية بعض عضلات الكف الصغيرة بقوة الدفع لتساعدها على الحركة.

وفي حال حدوث التهاب أو انتفاخ أو تورم في أي من الأنسجة الموجودة بالنفق الرسغي، يضغط هذا الانتفاخ أو الورم الحاصل على العصب الوسطي، مما يؤدي إلى الإحساس بألم وتنميل ووخز في الأصابع وجزء من اليد الذي يقوم ذلك العصب بتغذيته.

ويحدث أيضا ضغط على العصب الوسطي نتيجة استخدام اليد في العمل بطريقة خاطئة مما يؤدي إلى استمرار الضغط على العصب الوسطي والإصابة بمتلازمة النفق الرسغي.

لا تدعو الإصابة بمتلازمة النفق الرسغي الى القلق، فمع العلاج يختفي الألم وتعود الأمور إلى طبيعتها. لكن في نفس الوقت يجب عدم التهاون في العلاج لمدة طويلة حتى لا تصبح الأعراض دائمة ويصعب الشفاء منها.

الأسباب
تصيب حالة متلازمة النفق الرسغي السيدات ثلاث مرات أكثر من الرجال، وأكثر الإصابات تحدث بين عمر 30 – 60 عاما. هناك عدة أسباب تؤدي إلى حدوث متلازمة النفق الرسغي نتيجة الضغط على العصب الوسطي:

كثرة استخدام اليد والقيام بنفس الحركات المتكررة لليد والرسغ بصورة مستمرة. لذلك تنتشر متلازمة النفق الرسغي لدى الذين يتطلب عملهم ذلك مثل مستخدمي الكومبيوتر لفترات طويلة، العاملين في الخياطة والتطريز، لاعبي كرة اليد، الموسيقيين، العمال الذين يستخدمون الحفارات اليدوية ذات الاهتزاز العالي (Vibrating Hand Tools) وكذلك عند الإصابة بكسور في المعصم أو حدوث إصابات فيه، أو بسبب التورم والانتفاخ الناتج عن تمزق الأربطة.

كما تؤدي بعض الأمراض للإصابة بمتلازمة النفق الرسغي عبر تسببها بضيق المجرى الذي من خلاله يجب أن يمر العصب بحرية ومن دون أي ضغط عليه وما يحصل في هذه الأمراض هو عمليات التهابات في أنسجة الأوتار وغيرها من التراكيب المحيطة بمجرى العصب ما يؤدي الى انتفاخها وتورمها وبالتالي ضغط ذلك كله على العصب.

مثل التهاب الروماتويدي المفصلي، وفي مرض السكري ونقص هورمون الغدة الدرقية وغيرها من أمراض التمثيل الغذائي تقوم العمليات الكيميائية لهذه الأمراض بنفس الفكرة في تضييق مجرى العصب فيتم الضغط عليه.

ينتشر حدوث متلازمة النفق الرسغي خلال الشهور الأخيرة من الحمل نتيجه لاحتباس السوائل في الجسم، والذي عادة ما يختفي بعد الولادة.

كما يصيب السيدات بعد انقطاع الدورة الشهرية لنفس السبب وهو احتباس السوائل في الجسم، وتكثر الإصابة به مع السمنة والزيادة في الوزن. وهنالك بعض الاصابات التي تحدث من دون سبب معروف.

الأعراض والتشخيص
الشعور بألم ووخز وتنميل في اليد، يشمل جميع الأصابع دون إصبع الخنصر( الإبهام، السبابة، الوسطى، البنصر). ينتشر الألم الى الرسغ ثم يمتد الى المرفق. يزداد الألم والوخز أثناء الليل في منطقة راحة الكف وحول الإبهام متضمنا أصبع السبابة والوسطى وجزءا من إصبع الخاتم، مصاحبا بضعف في قبضة اليد وفقدان القوة والحركة للأصابع.، الأمر الذي قد يؤدي إلى الاستيقاظ من النوم، وقد يشتد الألم الى الحد الذي يصعب معه تناول أو الإمساك بالأشياء أو حمل الحقائب.

 كما قد يحدث ضعف في عضلات الأصابع مع تأخر العلاج مع مرور الوقت وتصبح قبضة اليد ضعيفة يصعب علاجها. وقد تكون الإصابة في يد واحدة فقط أو في كلتا اليدين معا.

يتم تشخيص المرض من شكوى المريض، والفحص السريري باستخدام طريقة معينة من قبل الطبيب يستطيع من خلالها تشخيص المرض، وبمساعدة بعض الاختبارات للعصب وعضلات اليد، كدراسة مدى توصيل الأعصاب ودراسة كهرباء العضلات( nerve conduction study and electromyography ) وفي بعض الحالات يتم عمل أشعة عادية على رسغ اليد لتشخيص التهاب المفاصل أو وجود كسر.

ويبتدئ تشخيص مرض العصب الأوسط بعمل الفحص السريري الإكلينيكي الذي يشمل:

- الضغط المباشر على وسط منطقة مفصل الكف phalen test)).

- الطرق المتكرر بأصبع السبابة (للفاحص) على منطقة مرور العصب بالقناة الرسغية (tinels sign) لإحداث ومضات كهربائية يشعر بها المريض أثناء الطرق في الفروع الصغيرة الخاصة بالألم والحرارة (حيث إن الضغط، خاصة المزمن، يصيب فروع الأعصاب الحسية الطرفية الكبيرة للأصابع الخاصة باللمس الخفيف والاهتزازات).

وهناك طريقة لقياس تأثر النهايات القطبية للأصابع نتيجة الضغط الحاصل على منطقة مرور العصب بالقناة الرسغية (طريقة سيمز، وينشتاين) وذلك بقياس نقطتين متراوحتي المسافة في بنان الأصابع.

- النظر في عضلات الكف (خاصة قاعدة الإبهام) وما إذا كان بها ضمور.

- قياس فاعلية العصب بالتخطيط الكهربائي N.C.S , E.M.G ويضيف د. العديني أن هناك بعض الاحتمالات الأخرى في التشخيص لحالات مشابهة ومختلفة، مثل:

- ضغط على العصب في منطقة الفقرات العنقية.

- الضغط على العصب عند منطقة مفصل الكوع pronator syndrome - أمراض الأعصاب الأخرى.

الوقاية
للوقاية من الإصابة بالمرض، إنقاص الوزن في حالات السمنة، الاهتمام بعلاج اي مرض قد يسبب متلازمة النفق الرسغي مثل مرض السكري، التهاب المفاصل الروماتويدي، نقص هورمون الغدة الدرقية.

في حال كان العمل يستدعي استخدام اليد باستمرار، فيجب محاولة عدم الانحناء أو مد أو لف اليد لفترات طويلة متصلة فالتوقف لدقائق بين فترة وأخرى يساعد كثيراً على تجنب الاصابه بالمرض ولا يجب العمل والذراع قريبة جدا أو بعيدة جدا عن باقي الجسم مع محاولة التغيير بين اليدين أثناء العمل، فلا يتم الاعتماد على يد واحدة فقط ، مع اختيار أدوات مريحة ومناسبة لليد أثناء العمل.

 ويجب أخذ فترات راحة منتظمة وباستمرار من الحركات اليدوية المتكررة لإعطاء اليد والرسغ وقتا للارتياح.

إذا كان العمل يتطلب استعمال لوحة مفاتيح الكمبيوتر لفترة طويلة، فيجب جعل مستوى الكرسي الذي يتم الجلوس عليه مناسبا بحيث يكون مستوى اليد في نفس مستوى لوحة المفاتيح. فلا تكون هناك حاجة لثني رسغ اليد أثناء الكتابة.

وعند الإمساك بشيء يجب استخدام اليد كلها وليس الأصابع وحدها، مع الحفاظ على القيام ببعض التمارين البسيطة لليد و الأصابع أثناء فترات الراحة.

العلاج
إذا كانت متلازمة النفق الرسغي نتيجة مرض ما مثل السكري، الغدة الدرقية، إلخ.. فيجب البدء في علاج المرض نفسه.

يجب ممارسة رياضة المرونة والقوة تحت إشراف معالج طبيعي مع التدليك لمنطقة الرسغ، واستخدام كمادات الماء الباردة من الأمور التي تساعد كثيرا على التخفيف من حدة الألم وتقوية عضلات اليد.

 كما يجب استخدام جبيرة لتثبيت وإراحة الرسغ واليد لعدة أسابيع، وتستخدم أثناء الليل ابتداءً فإن لم تحدث النتيجة المرجوة لتخفيف الألم يتم ارتداؤها طوال اليوم.

اما العلاج الدوائي، فان من أهم الأمور العلاجية، السيطرة على الألم وتخفيف الالتهاب الضاغط على العصب، لذا ينصح الأطباء باستخدام أدوية مضادات الالتهابات غير الستيرودية كالبروفين، الأسبرين.

كما أثبتت بعض الأبحاث أن فيتامين بي 6 يعطي نتائج جيدة في علاج أعراض متلازمة النفق الرسغي.

لكن ينصح بعدم تناول أكثر من 200 مليغرام يوميا حتى لا يسبب ضررا في العصب. وكذلك استعمال حقن كورتيزون(الستيرويد) عند رسغ اليد في منطقة النفق الرسغي.

وهو يعطي نتيجة سريعة في اختفاء الأعراض، لكن قد تعود الأعراض مرة ثانية بعد فترة، ولا يجب أن تعطى حقن الكورتيزون لمرضى السكري إلا بإشراف الطبيب المعالج للحالة. ويمكن إعطاء الستيرويد عن طريق الفم على شكل حبوب البريدنيزلون.

وفي حالات احتباس السوائل ينصح الأطباء بتناول مدرات البول تحت الإشراف الطبى لتخفيف الاحتباس، وإزالة الضغط عن العصب.

 كما يستخدم الليزر(cold laser therapy ) لاختراق الجلد والأنسجة عند رسغ اليد ويقوم بتحفيز العصب الوسطى وزيادة الدورة الدموية في منطقة الرسغ دون الحاجة إلى جراحة.

اما العلاج الجراحي فيتم اللجوء له إذا فشلت جميع الحلول السابقة وازدياد الأعراض سوءاً. وتختفي الأعراض غالبا بعد إجراء الجراحة مباشرة.

وهي جراحة بسيطة، تبلغ نسبة نجاحها 85%. وتتمثل الجراحة في قطع الرباط الرسغي المستعرض الذي يكون سقف النفق الرسغي.

 وبذلك يستطيع العصب الوسطي المرور بحرية تامة خلال المجرى من دون أي ضغط. و يتم استعمال اليد طبيعيا بعد الجراحة بأسابيع أو شهور قليلة.

وتستخدم في ذلك إما الجراحة المفتوحة أو الجراحة بالمنظار.

ونلخص العلاجات المتاحة فيما يلي:
- أولا: العلاج التحفظي. ويبدأ بتحديد وتنظيم نشاط حركة اليد، واستعمال سنادة داعمة (SPLINTS) أثناء النوم، واستعمال حبوب مسكنة ومضادة للالتهاب NSAID وأحيانا يتطلب الأمر إعطاء المريض حقنة استيرويد (ومن الملاحظ أنه عند أعطاء المريض حقنة الاستيرويد، فإن نحو 80% من المرضى يتحسنون ويبقي نحو 22% منهم متحسنين لمدة سنة (كاملة) ويستمر تحسن نحو 40% لمدة سنتين بعد إعطاء الحقنة) وفي حالة فشل العلاج التحفظي، خاصة حقنة الاستيرويد، فإن التدخل الجراحي يصبح مطلوبا.

- ثانيا: العلاج الجراحي. ويكون إما بالفتح الجراحي أو عن طريق استخدام المنظار.

- الفتح الجراحي: يتم بعمل فتحة بطول 2 إلى 3 سم (شق طولي) فوق منطقة الرسغ لتحرير الضغط الحاصل على العصب الأوسط عند هذه المنطقة وما حولها ويقفل الجرح بعد ذلك بطريقة (سهلة وتجميلية). وقد تحصل بعض المضاعفات ولكنها محدودة مثل إصابة بعض الأعصاب الحركية المغذية لمنطقة أصبع الإبهام وما حولها، والاسترجاع أو الانتكاسة وهي الإحساس لما قبل العملية، وعدم التحسن وذلك بسبب الإخفاق في تحرير منطقة الضغط أعلى العصب بصورة كاملة. وبعد الإجراء الجراحي ينصح المريض بتحريك أصابعه بصورة طبيعية مع الحفاظ على نظافة الجرح.

- الفتح بالمنظار: ورغم محدودية الفتح، فإن كثيرا من أطباء جراحة اليد لا ينصحون به لارتفاع نسبة الاسترجاع (الانتكاسة) بسبب الفشل في تحرير منطقة الضغط على العصب بصورة كاملة.