مناعة الطفل الرضيع .. هل أقوى مما كان يعتقد؟

مقال بقلم د. هاني رمزي عوض
 
الخلايا المناعية تتسم بالكفاءة اللازمة لحمايته من العدوى:
من المعروف أن الأيام الأولى من حياة الرضع تعد الفترة الأضعف في حياته نظرا لعدم نضج أجهزة الجسم بالشكل الكافي الذي يجعلها تقوم بوظائفها على الوجه الأمثل، ومنها بطبيعة الحال الجهاز المناعي، ويزيد الأمر صعوبة أن يكون الرضيع مبتسرا، بمعنى أن تجري ولادته قبل ميعاد الولادة الطبيعي، وفي هذه الحالة يجري إيداعه الحضانة، حيث إنه يحتاج إلى رعاية مكثفة للحفاظ عليه من أي عدوى.
 
مناعة الرضيع:
وخلافا للاعتقاد السائد بأن الطفل الرضيع لا يتمتع بالمناعة الكافية لمقاومة الجراثيم والأمراض، وأنه يكون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المختلفة فقد أكدت دراسة حديثة نتائج معاكسة، إذ ظهر أن الطفل الرضيع قد يتمتع بحالة مناعية أقوى بكثير مما نتصور.
 
وأشارت الدراسة التي نشرت في مجلة "نتشر - الطب" journal Nature Medicine في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) من العام الحالي إلى أن الجهاز المناعي للطفل على الرغم من عدم تمام اكتماله، فإنه يمكن أن يكون كافيا لكي يقاوم بعض أنواع البكتيريا ويكافح العدوى. 
 
وتعد هذه الدراسة بمثابة كشف علمي كبير، وخاصة أن مخاطر تعرض الرضع للإصابة بالميكروبات يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة تؤدي إلى الوفاة مما يستلزم العلاج بالأدوية التي هي في الأغلب أنواع قوية من المضادات الحيوية واسعة المجال في الحضانات، ويمكن لجهاز المناعة القوى هذا أن ينقذ حياة الكثير من الرضع، فضلا عن تجنيب الرضيع التعرض المبكر للعلاج بالمضادات الحيوية في الأيام الأولى من حياته.
 
وكانت الدراسة التي قام بها باحثون إنجليز قد توصلت إلى أن جهاز المناعة لدى الرضع يقوم بمهامه بكفاءة كافية حتى ولو كان يؤدي تلك المهام بصعوبة، والجهاز المناعي يتكون من الكثير من الخلايا والأجهزة تعمل بمثابة خطوط الدفاع عن الجسم ضد الميكروبات والفيروسات المختلفة. 
 
ومن أهم أسلحة المناعة في الجسم كرات الدم البيضاء (في حالات الإصابة وعمل عد كامل لكرات الدم، فإن عدد كرات الدم البيضاء يزداد حتى يتمكن من مكافحة العدوى)، وهي بدورها تنقسم إلى عدة خلايا تقوم بالكثير من الوظائف التي تحمي الجسم بآليات مختلفة.
 
كفاءة الخلايا المناعية:
ومن هذه الخلايا يوجد نوع يسمى الليمفوسيت أو الخلايا اللمفاوية (lymphocytes)، وهي تنقسم إلى نوعين من الخلايا يرمز لهم بالحرفين T - B والخلايا اللمفاوية، بي B هي المسؤولة عن إنتاج الأجسام المضادة الطبيعية في الجسم antibodies في الجسم ضد ميكروب أو فيروس معين بينما تقوم الخلايا تي T بالتوجه إلى الخلايا المصابة بالفيروسات أو الميكروبات وتحاول أن تساعدها في التخلص من الميكروب لذلك تسمى المناعة الخلوية.
 
وكان الاعتقاد السائد حتى الآن أن الجهاز المناعي للرضيع لا يكون ناضجا بالشكل الكافي لمقاومة الجراثيم كنوع من أنواع الحماية للرضيع، بمعنى أن الخلايا الليمفاوية T يجري تثبيطها من الجسم حتى لا تهاجم الجراثيم الموجودة بداخل الخلية وينتج عن هذا الهجوم التهاب يمكن أن يؤثر على الخلية نفسها، وخاصة أن الخلايا لا تكون بالنضج الكافي في الأيام الأولى من الحياة.
 
ولكن وفي هذه الدراسة التي جرى إجراؤها على عينات صغيرة من دم 28 من الأطفال الرضع المبتسرين الذين جرت ولادتهم قبل ميعاد الولادة المحدد بفترات كبيرة، مما يعني أنهم في أشد حالات الضعف، درس الباحثون خواص الخلايا المناعية T ومعرفة مدى كفاءتها في هذه السن المبكرة جدا.
 
واكتشف العلماء أن الخلايا المناعية T حتى وإن كانت مختلفة عن الخلايا المناعية في البالغين في التركيب، فإن ذلك لا يعني بأي حال أنها أقل في الكفاءة أو جرى تثبيط عملها، وتقوم الخلايا الوليدة في الرضيع بتصنيع جزء مهم في الدفاع عن الجسم ضد الميكروبات يعرف باسم IL8، وهو يقوم بتحفيز نوع معين من الخلايا (النيتروفيل neutrophils) والتي تقوم بمهاجمة الميكروبات التي تحاول دخول الجسم.
 
وصرح الباحثون بأن للرضيع مناعة تعمل بآلية مختلفة عن الأطفال الأكبر سنا، ولكن مع ذلك لا تقل في الكفاءة بدليل أنها كافية لأن تحمي الطفل من أي إصابة يمكن أن تنتقل إليه من رحم الأم طوال فترة الحمل وتعمل بمثابة جهاز حماية وعلى الرغم من أن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى هذه الآلية التي يعمل بها جهاز المناعة للرضع المبتسرين في بداية حياتهم، فإن الأبحاث القادمة يمكن أن توضح هذه الآلية ومن ثم الاستفادة منها.
 
وأشار الباحثون إلى أن نشاط هذه الخلايا T يمكن أن يكون موضع بحث في الدراسات القادمة، حيث من الممكن أن يحدث تقوية لمناعة المبتسرين الرضع في العناية المركزة، خاصة أن الإصابة بالعدوى في هذه السن المبكرة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة أو حدوث تلف شديد في أجهزة الجسم الحيوية، كما أن الأطفال المبتسرين بسبب حداثة عمرهم يمكن أن يصابوا بالالتهابات المختلفة خاصة في القولون necrotising enterocolitis، حيث إن الالتهاب الشديد يدمر خلايا القولون وفي الأغلب يكون أشهر سبب للتدخل الجراحي العاجل في الطوارئ في الرضع في المملكة المتحدة. 
 
وتبلغ نسبة الوفيات جراء المرض ما يقرب من 20 في المائة من الحالات، ويأمل الباحثون أنه بمزيد من الدراسات يمكن الحفاظ على الرضع في صحة أفضل في الأعوام المقبلة من حياتهم.