في أميركا كذلك .. في حفل الزواج يكلف الشباب الكثير

 لم تعد حفلات الزفاف في الولايات المتحدة مجرد احدي الطقوس المتعارف عليها للاحتفال بالزواج فالأفراح الأميركية أصبحت الآن مظهر ثقافي يعكس طبيعة المجتمع الأميركي وشكل الزفاف يعبر عن هوية الزوجين.


ومع ترسخ هذه المعتقدات لدي الشباب الأميركي المقبل علي الزواج، تحولت هذه الثقافة السائدة الي تكلفة كبير هو تكلفة الأفراح أو تكلفة الزفاف الذي يحصد 161 مليار دولار سنويا كما ذكرت ريبيكا ميد الصحفية في مجلة "ذا نيويوركر" في كتابها التحليلي "One Perfect Day :The Selling of The American Wedding" الذي صدر في مايو الماضي وهو نتاج ثلاث سنوات من التحقيق الصحفي في كل ما يرتبط بحفل الزفاف من منظمين أو Wedding Planners ومصانع فساتين الزفاف ومعارض ومجلات وبرامج تليفزيونية وحتي شركات حجز شهر العسل.الكتاب يذكر أرقاما صادمة تظهر حجم الأرباح الكبيرة التي يجنيها العاملون في تكلفة الأفراح.

وتوضح الصحفية البريطانية ان تكاليف حفل الزفاف الواحد تصل الي 28 ألف دولار في المتوسط دون الحديث عن ولايتي نيويورك وسان فرانسيسكو التي ترتفع فيهما التكاليف كثيرا.

عروس BrideZilla وتقاليع زفافية
وتشرح ميد أبعاد مصطلح BrideZilla الذي أطلقته علي كل عروس شابة من بين 2.3 مليون عروس أمريكية تتزوج كل عام. فبمجرد أن تتم خطبتها تتحول من امرأة عاقلة الي وحش شره في الشراء يضع خططا ويخصص أموالا فادحة للانفاق علي حفل زفافه الذي لا بد وأن يبدو "مصروفا عليه".

 
وفي هذا الاطار يشير أحد الناقدين الأميركيين في صحيفة "نيويورك تايمز" الي ان صديقه قال لابنته التي كانت علي وشك الزواج انه يخيرها بين أن يقيم لها حفل زفاف لن يتكلف أقل من 28 ألف دولار وبين أن يعطيها هدية زواج قيمتها 30 ألف دولار. وكسب حفل الزفاف!
 
المرأة في هذا اليوم تريد أن تبدو كالملكة المتوجة وتريد أن تشعر أنها شخصية مشهورة تركز عليها الأضواء ويتهافت عليها الناس معربين عن اعجابهم بمظهرها الذي يجذب المصورين أيضا. وفي سبيل ذلك تكون علي استعداد لاعطاء كل ما لديها لتحقيق غرضها.
 
وتحلل ميد في كتابها الجو النفسي العام المصاحب لحفلات الزفاف والذي يؤثر علي حجم الانفاق والضغوط العصبية وذلك من خلال مقابلات صحفية أجرتها مع متخصصين وخبراء في هذه الصناعة بالاضافة الي حضور حفلات زفاف في لاس فيجاس وعالم ديزني لنخلص في النهاية الي أن العاملين في هذه الصناعة يستغلون رغبة الزوجة في المقام الأول بأن تكون أجمل الجميلات في هذا اليوم المميز جدا في حياتها وفي سبيل ذلك هم مستعدون لتصوير بعض الأشياء الكمالية علي أنها ضرورة ليجنوا مزيدا من الأرباح.
 
وفي هذا السياق، ترصد ميد بعض المظاهر المتعارف عليها في حفلات الزفاف التي ليس لها أصول حقيقية وانما ابتدعها أصحاب التكلفة من أجل المكاسب الاقتصادية فقط.
 
مدة حفل الزفاف غير محددة فقد يكتفي بعض الأزواج الأميركيين بأربع ساعات صباح يوم السبت وقد يفضل آخرون أن يستمر حفل الزفاف ثلاثة أيام كاملة. وفي كلتي الحالتين ينشط العاملون في صناعة حفلات الزفاف.
 
وتكشف ميد في كتابها بعض مظاهر بدع الأعراس بدءا بخاتم الزواج وحتي شهر العسل أو honeymoon. واستشهدت باستطلاع رأي أجري عام 1939 أظهر أن 16% من الزوجات تزوجن بملابس عادية كانوا يملكونها من قبل أي أنهن لم يشترين فساتين زفاف.
 
الاستطلاع أظهر أيضا أن ثلث الزوجات ممن تم استطلاع رأيهن لم يضعن خواتم زواج وأن نحو ثلثا آخر لم يقضين شهر عسل مع أزواجهن لتؤكد أن مظاهر الزفاف التي اعتدنا عليها في السنوات الأخيرة هي مظاهر مزيفة من صنع رجال الأعمال والتكلفة.
 
أما اليوم، فتعلن رابطة مستشاري العرائس Association of Bridal Consultants التي تزعم عضوية أربعة آلاف شخص فيها عن حاجتها لثلاثة وأربعين مهنيا للخدمة في الأفراح الأميركية.
 
وتستعرض المؤلفة كل مظهر علي حدة بمزيد من التفصيل فتقول ان الفتاة المقبلة علي الزواج كانت في الماضي تهتم بكل تفصيلة في حفل الزفاف بنفسها وقد تساعدها والدتها أو عمتها علي سبيل المثال في هذه الأمور بدءا بمظهرها وشكلها وملابسها ومكياجها يوم العرس وانتهاءا بأنواع الطعام المقدمة والحلويات من كيك وتارت.
 
أما التصوير الفوتوغرافي أو حتي الفيديو فكان مهمة العم أو الخال ولذلك فالفرح كله هو نتاج عمل أسرة بأكملها. أما الآن فقد ظهر ما يعرف بمنظمي الأعراس أو حفلات الزفاف Wedding Planners الذين تتم الاستعانة بهم لضمان سير الأمور علي ما يرام وعدم اغفال أي شئ ولو بسيط في هذا اليوم الذي لن ينسي.
 
وتعتبر الكاتبة أن اللجوء لمنظمي حفلات الزفاف وأشهرهم شركة The Knot يرجع الي انشغال الفتاة أو السيدة عن تنظيم حفل زواجها بسبب ظروف العمل مثلا وأن رجوعها لأشخاص آخرين لكي يضعوا لها سيناريو أهم يوم في حياتها يعكس طبيعة أفكارها عن المرأة وحقوقها في المجتمع أي أنها تميل نحو ال Feminism.
 
شهر العسل. مظهر مزيف آخر من مظاهر الزفاف حسبما تري ميد. وتقول انه بعد أن كان شهر العسل فرصة للزوج والزوجة لقضاء أوقاتا حميمية وحدهما بعيدا عن الأقارب والأصدقاء وضغوط الحياة، سار الآن مجرد أجازة من ارهاق تنظيم العرس! أما خاتم الزواج الذي يعد خاتما ذهبيا يعبر عن الحب ويرمز الي الارتباط الدائم فهو من اختراع كاتبة تدعي فرانسيس جيريتي ابتدعته في الأربعينيات ووضعت له أفضل شعار دعائي للقرن العشرين . هو "A Diamond is Forever".
 
أما المظاهر الأحدث والتي يراها البعض أمرا غريبا يميز هذا الفرح أو ذاك فهو تخصيص ممر في حفل الزفاف لسير الكلاب والقطط الصغيرة التي ترتدي الأجنحة في صفين متقابلين احتفاءا بالعروسين.
 
وتوقعت ميد في حوار لها مع موقع "Salon" أن تتزايد هذه "التقاليع الزفافية" لتضخ مزيدا من الأموال في جيوب المستفيدين الذين يعرفون كيف يديرون عجلة تجارة الزواج جيدا ليتربحون من أجمل يوم في حياة كل شاب وفتاة.
 
وقالت ان التقليعة القادمة قد تكون "تبييض أسنان" العروس "Tooth Whitening" مع تخفيضات في التكلفة اذا ذهبت العروس بصحبة العريس وبصحبة والدتها لكي يبيضوا أسنانهم جميعا!

تكلفة الأفراح
ولما ثبتت المكاسب الكبيرة العائدة من الأعراس وحفلات الزفاف، بدأ الكل يحاول حجز نصيب له من الكعكة. وأنشأت شركة ديزني قاعات أفراح عالمية في التسعينيات تحمل اسم شخصيات ديزني الكارتونية وتصل قيمة حجز القاعة الواحدة (قاعة سندريلا علي سبيل المثال) الي ألفين وخمسمائة دولار للحفل الواحد بدون أي إضافات. 

لاس فيجاس. مدينة أمريكا الليلية تشهد 122 ألف حفل زفاف كل عام ويستغل مديرو القاعات شهرة فنانين ومغنيين كبار زاروا هذه القاعات في رفع سعرها وهو ما حدث مع المغنية الأميركية بريتني سبيرز.
 
تكلفة الأفراح خلق أيضا مدارس لتعليم منظمي حفلات الزفاف واعطائهم دروسا في فن التزيين وزيادة المتطلبات التي يصورونها للعروسين علي أنها ضرورية كما يتعلمون كيفية اقناع العروسين بأن الاعداد لحفل الزفاف ليس أمرا هينا ولذلك يجب الاستعانة بالمتخصصين في هذه الأمور.
 
كما صدرت العديد من المجلات والكتيبات ومجموعات المقالات وحتي المواقع الاليكترونية التي تخاطب المقبلين علي الزواج وتضم كل لوازم حفل الزفاف من مستلزمات ضرورية وكمالية فالهدف هو اقناع العروس بأن حفلها تنقصه بعض الأشياء التي رغم صغرها الا انها ستضيف الكثير وستجعل الحفل نموذجيا فيصبح حديث الناس ويحاولون محاكاته. من هذه المجلات.
 
"In Style Magazine" المعروفة بتغطية أفراح المشاهير وهي بالطبع مكلفة للغاية بالنسبة لأي مواطن أمريكي عادي. ولم يبلغ الذراع الاعلامي لهذه الماكينة التجارية منتهاه عند هذا الحد بل امتد أيضا الي التليفزيون وأصبح هناك برنامج شهير تقدمه احدي القنوات بعنوان "قصة عرس" أو A Wedding Story.
 
المصورون الفوتوغرافيون أو مصورو الفيديو قطاع آخر من القطاعات المستفيدة من حفلات الزفاف. يشير الكتاب الي محاولات المصورين المستمرة طوال الحفل لالتقاط أغرب الصور للحاضرين وخصوصا للأطفال فيظلوت يتبعوهم حتي يلتقطوا صورا مضحكة لهم كأن يظهروا في لقطات أثناء محاولتهم سرقة هدايا العروسين مثلا.
 
ويقوم المصورون بعد ذلك بتجميع الصور وضمها مع بعض وتركيبها في شريط صور أو ما شابه ويغيرون فيها بواسطة فن الجرافيك لتصبح أكثر امتاعا وتسلية وذكري لا تنسي يطلبون معها ضعف أجرهم الأصلي!
 
هذا البذخ في مظاهر ومصاريف الأفراح لم يعد حكرا علي الولايات المتحدة فقط فباعتبار الثقافة الأميركية هي الثقافة العالمية الغازية بدأ الأمر نفسه يتكرر في بريطانيا وحتي الصين!
 
هذا التكلفة المربح ليس وليد الصدفة بل هو نتاج عمل مدروس ولهذا لم يكن من الغريب علي رابطة مستشاري العرائس أن تجري أبحاثا ودراسات علي جمهورها لتجد أن عدد العرائس سوف يصل الي أربعة ملايين ومائتي ألف بحلول عام 2018 بينما هو الآن 2.3 مليون لنطمئن علي مستقبل تجارتها وعملها. فما دام المستهلك الشره موجودا فان هناك المزيد والمزيد من الأفكار والابتكار والبدع!!