علاقة لغوية حارة بين الشوربة والخبز

في فصل الشتاء، تتغير طبيعة حركتنا ومعيشتنا ونبدأ بالتفكير بالبرد وبتبديل ملابسنا ومآكلنا ما يناسب الفصل الجديد والطويل. وعادة ما نستعيد بعض المآكل للتأقلم مع الحياة البيتية الداخلية الجديدة. ومن اهم هذه المآكل التي تجد نفسها بكثرة على موائدنا خلال هذا الفصل هو طبق الحساء او «الشوربة» ـ على انواعه ـ لما فيه من المواد المغذية والمفيدة والغنية بالسعرات الحرارية بالتحديد.


ومن اهم حسنات الحساء الحديثة انه بالإمكان استخدام الكثير من فضلات الخضار وغيره، في اعداده وتحضيره مما يوفر الجهد والمال، خصوصا عند العائلات الفقيرة والمعدمة. وهو ايضا سهل التحضير بشكل عام ولا تستغرق عملية تحضيره الكثير من الوقت، بالإضافة الى انه سهل الهضم ويعوض ما يخسره البعض من فوائد الطعام احيانا بسبب مشاكل القضم والاسنان واللثة.

وبسبب هذه المشاكل ايضا درجت بعض المجتمعات العربية على استخدام الخبز مع الحساء او ما يعرف منه بـ «الفتة» في لبنان، لأن كبار السن يجدون صعوبة في قضم الخبز الناشف والطازج، ويفضلونه مبللا سهل البلع. ويعتبر طبق الحساء من انواع الاغذية التي نجدها متوفرة بكثرة وبسهولة في المستشفيات والسجون وملاعب كرة القدم ومراكز الترفيه الكبرى والجمعيات الخيرية لرخص تكاليفه وطيبة مذاقه.

لكن كل هذا لا يعني انه لا قدرة لهذا الطبق على التنافس مع الكثير من انواع الطعام او المآكل، إذ يمكن ان يكون بعضه من الأنواع الشهيرة والفاخرة والغنية بأفضل المواد. وعادة ما يولع به الكثير من الزعماء والنجوم واهل المهنة من الطباخين، لما يتطلبه من مهارة وعناية في التحضير احيانا.

ويمكن للحساء ايضا ان يكون من الأطعمة او المآكل اللذيذة التي تقدم لفتح شهية الفرد عبر الطعم والشكل والزينة والالوان. ومن حسناته ايضا ان بالإمكان تناوله مع الخبز والزبد او زيت الزيتون، أي انه ليس من انواع المآكل المنفردة، بل من المآكل التي تستقي قيمتها من قيمة ما يقدم الى جانبها من منوعات، مثل الخبز والبصل الاخضر والفجل والأعشاب البرية والبهارات وغيرها. بأية حال فإن الحساء مرغوب في معظم البلدان والمناطق اكانت معتدلة ام حارة ام باردة، رغم انتشاره في فصل الشتاء القارس بكثرة كما ذكرنا. التاريخ: مضى زمن طويل على اعتماد الناس على طبق الحساء بأنواعه المختلفة كمصدر للغذاء والدواء.

ويقول المؤرخون ايضا إن تاريخ الطبق يعود الى تاريخ الطبخ نفسه على الارجح، إذ كان مرغوبا من قبل الرحل والمستقرين في الارض على حد سواء، ومن قبل الأغنياء، كما هو الحال مع الفقراء ولدى الأصحاء كما هو لدى المرضى. الكثير من المؤرخين يعتقدون ان الحساء بالأصل هو نفسه وان اختلفت اسماؤه،أي ان اطباق حساء البندورة (الطماطم) في انجلترا والبصل في فرنسا و«البورشيت» في روسيا، ليست الا انواعا لنفس الثيمة.

كما ان المطاعم الحديثة ـ التي انتشرت في العالم بدءا من العاصمة الفرنسية باريس ايام نابليون في القرن الثامن عشر ـ اعتمدت على اطباق الحساء كأساس لأعمالها ونشاطاتها، ولهذا يعتبر البعض ان الحساء الحديث بشكل عام من اصل فرنسي يتدرج او يتحدر من المطبخ الفرنسي إذا وافقنا على الرأي او لم نوافق.

وبما اننا في سياق ما هو حديث، لا بد من ان نتذكر ان الثورة الصناعية والتقنية الاخيرة، ساعدتنا على وضع طبق الحساء في اشكال ونماذج مختلفة، إذ يمكن ان يكون الطبق هذه الايام من النوع المتنقل الذي يمكن حمله من مكان الى آخر، او المُعَلب او الجاف (المُنَشَف) على شكل دقيق ناعم، او ما هو خاص فقط بـ «المايكروويف». وقد انتشر استخدام الحساء الجاف عبر الجيوش والمستشرقين والرحالة الغربيين في القرن التاسع عشر، إذ كان خفيف الحمل يكفي لمنح الفرد ما يحتاجه من فيتامينات وبروتينات وسعرات حرارية ضرورية خلال تنقلاته.

علاقة لغوية حارة بين الخبز والحساء:
يقول بعض العارفين بتاريخ الطعام، إن النوع الوحيد من أطباق الحساء الذي كان متوفرا قبل اختراع الخبز، هو الحساء المكثف (الثخين ) المطبوخ بالقمح او المطبوخ بالخضار واللحم في الاواني الفخارية. وما ساهم في ترسيخ الحساء كغذاء أساسي على موائدنا، خصوصا في الدول الاوروبية الغربية، هي قيمته كمصدر مستقر للتغذية، إذ لم يكن الخبز في بعض الدول الاوروبية في القرون الماضية متوفرا للجميع، بل حكر على اهل البلدات الكبيرة والمدن.

من الناحية الإيتمولوجية أي من ناحية اصل الكلمة ولفظها وتاريخها، كلمة «سوب» ( Soup) تعني «المبلول» او «المنقوع» او «المغمس» في سائل (صلصة او زوم ) معين. والكلمة لاتينية كلاسيكية الاصل والمانية ايضا انتقلت الى الانجليزية، ثم الفرنسية. الا ان اللغة الانجليزية لاحقا وحديثا ورثت عن الفرنسية معنى كلمة «سوب» الذي يقول بأنه:«طعام سائل مضاف الى خبز». لكن المعنى الفرنسي متعدد ومتناقض ويقول ايضا العكس، أي انه: «قطعة خبز مغمسة بطعام سائل».

وقد درج الانجليز قبل الثورة الصناعية، على اضافة خليط من اللحم والخضار على قطع من الخبز (احيانا يستخدمون الخبز في الشوربة، كما تستخدم المطاعم الحديثة الآن «الكروتونز» )، ولم يبدلوا عادتهم هذه الا لاحقا في القرن الثامن عشر، عندما بدأوا بفصل الخبز عن الحساء وتقديمه كما هو بسيطا وساخنا. وعلى الارجح ان الانجليز استخدموا الخبز في الحساء في البداية لضرورات عملية أي لعدم توفر الملاعق.

وهذه مسألة تتعلق بصميم طبيعة طبق الحساء في القرون الوسطى، حيث كان يفترض ان يحمل في طياته الطعام نفسه ووسيلة تناوله. ودرج على تناوله بعد الظهر او عند نهاية النهار لخفته على المعدة. اما بالعربية فالحساء حسب قاموس المنجد، هو السهل من الارض الذي يستنقع فيه الماء. ويقال في العربية إن الحساء أيضا هو ما يمكن تناوله كشراب وبمعنى ان من يحتسي هو من يشرب.

ـ 4 حبات بندورة صغيرة. ـ 2 من حبات الحامض.

ـ 2 رغيف خبز عربي. ـ 150 غراما من الزبد. ـ 4 بصلات خضراء. ـ 5 حبات فجل احمر او هولندي ابيض طويل. طريقة التحضير:

* اغسل جيدا اوراق «السلق» بماء بارد، وافرمها بطريقة خشنة، ثم اسكب بعض زيت القلي داخل طنجرة كبيرة، وبعد تحمية الزيت اضف السلق اليها وواصل تقليبه لمدة 10 دقائق على نار خفيفة، حتى يصبح داكنا وذابلا.

بعد ذلك اضف نصف كيلو من العدس الاخضر العريض بعد غسله وتنقيته، ثم حرك خليط العدس والسلق في الطنجرة بعد اضافة الملح والفلفل الاسود حتى يبدو العدس محمرا نسبيا (7 دقائق). وعندما تشعر بأن الخليط اصبح ناضجا، اضف لترا من الماء الساخن اليه وحركه قليلا واتركه على نار قوية لمدة 10 دقائق او 15 دقيقة، ثم غط الطنجرة واترك الخليط ليطبخ على نهار هادئة لمدة نصف ساعة على الاقل.

يقدم الحساء الى جانب خبز مع الزبد (مسألة ذوق) وعصير الحامض، والبصل الاخضر الطازج والفجل، ويفضل ان يؤكل ساخنا، رغم ان الكثير من الناس تأكله باردا احيانا، خاصة إذا كان السائل او الزوم كثيفا (ثخينا).

* يمكن للبعض اضافة عدة حبات من البندورة الصغيرة الداكنة الحمار ـ كما هي ـ على الخليط قبل الانتهاء من طبخه حتى يمنح الحساء طعما حامضا وهو طعم مفضل لحساء العدس.

* حتى تحصل على سائل او مكثف لحساء العدس، يمكن قلي قطع صغيرة وناعم لحبتين من البطاطا (متوسطة الحجم)، مع بصلة مفرومة بشكل ناعم ايضا، قبل اضافة السلق الى الطنجرة. ويعتبر هذا الخيار افضل خيار للحصول على الحساء الممتاز والطيب الذي يشعرك بالامتلاء والدفء.

مهرجان من النكهات.. في طبق

حساء الكراث بالبطاطا
* المقادير:

ـ 4 بصلات كراث متوسطة ـ كبيرة.

ـ 6 حبات بطاطا. ـ 1 لتر من الماء الساخن.

ـ 5 مكعبات من مكثف الخضار.

ـ 2 ملعقتا طعام من زيت الزيتون.

ـ ¼ ملعقة شاي من الملح. ـ 1/2 ملعقة شاي صغيرة من الفلفل الاسود المطحون.

ـ 4 ملاعق طعام من الكريم المكثف (double cream).

ـ 100 ملليتر من الحليب (اختياري). طريقة التحضير:

* اقطع جذور بصلات الكراث، ثم اقطع كل بصلة طوليا ومناصفة واغسلها جيدا بالماء البارد وتأكد من عدم وجود تراب بين طيات الأوراق. اغسل حبات البطاطا جيدا والجأ الى تقشيرها قبل ان تقطع كل حبة الى ثمانية مكعبات.

افرم اوراق الكراث بشكل خشن. حم بعض زيت الزيتون في قاع الطنجرة وزد عليه قطع الكراث ومكعبات البطاطا.

بعد ذلك، حرك الخليط قبل ان تغطي الطنجرة مع تركه على نار هادئة لمدة 10 دقائق. واثناء ذلك تابع تحريك الخليط من وقت لآخر حتى تمنع احمراره. بعدها اعمل على تذويب 5 مكعبات من مكثف الخضار في لتر من المياه الساخنة، واضف السائل الى الخليط، ثم غط الطنجرة واترك الطعام على نار هادئة لمدة 10 دقائق اخرى حتى تنضج البطاطا.

عند التأكد من نضوج البطاطا، يمكن البدء بتناول الحساء بعد اضافة بعض الملح والفلفل الاسود المطحون. البعض يفضله كما هو والبعض الآخر يفضل عصارته أي ما تبقى منه من سائل بعد عصره. بعض الناس ايضا يعمدون الى اضافة الكريم المكثف الى الحساء قبل تناوله.

* حساء الكراث بالبطاطا من الأطباق المفضلة في فصل الشتاء، لأهميته الغذائية، ولمذاقه الطيب.

* بعض الناس يرغبون في الحساء، حيث يكون مطبوخا بالبصل، ويمكن اضافة بصلتين مفرومتين الى خليط الكراث والبطاطا في البداية.