أزياء الـ «كروز» تحقق أكبر نسبة من المبيعات .. وعروضها تعكس أهميتها المتزايدة

من سيول والريفييرا الفرنسية إلى بالم سبرينجز .. تشكيلات الـ«كروز» لعام 2016 تزيد إبهارًا
من سيول والريفييرا الفرنسية إلى بالم سبرينجز .. تشكيلات الـ«كروز» لعام 2016 تزيد إبهارًا

من قال إن مايو شهر ترتاح فيه أوساط الموضة ويستفيد منه المصممون لتحضير عروضهم الموسمية الرئيسية، خاطئ مائة في المائة. فمنذ أعوام وبيوت الأزياء العالمية تقدم عروضا في عواصم عالمية متناثرة هنا وهناك، لا تقل ضخامة عن تلك التي تقدمها في عقر دارها بباريس أو نيويورك أو ميلانو. 
 
المقصود هنا تشكيلات الـ«بري كوليكشنز» أو الـ «ريزورت» أو الـ «كروز» وكلها تسميات تصب في نفس المفهوم وتستحضر إلى الذهن رحلات اليخوت والمنتجعات المترفة وأجواء الصيف، لأنها تخاطب زبائن يحتم عليهم أسلوب حياتهم السفر إلى أماكن تتنوع أحوال طقسها وجغرافيتها وبالتاي يحتاجون إلى خزانة تعكس هذا التنوع.
 
منذ بداية هذا الشهر، والعالم يستمتع بعروض باهرة أهمها عروض «شانيل» في سيول بجنوب كوريا، «لويس فويتون» ب «بالم سبرينغز» بالولايات المتحدة و«ديور» بجنوب فرنسا. 
 
فرغم طرح أغلب بيوت الأزياء العالمية تشكيلات «ريزوت»، تبقى هذه الأسماء الثلاثة الأكثر أهمية، لأنها حولت هذه العروض إلى تقليد راسخ لا تزيح عنه، بينما يكتفي غيرها بعروض صغيرة يخصون بها المشترين من المحلات الكبيرة فقط. 
 
السبب ليس عدم اقتناعهم بهذه العروض، فهم يدركون أن هذه التشكيلات تبيع بشكل جيد، ونسبة مبيعاتها لدى البعض تقدر بـ 70 في المائة، إلا أن العين بصيرة واليد قصيرة، لما تتطلبه من ميزانية عالية. الفضل في نجاحها التجاري يعود إلى تصاميمها الأنيقة والمريحة، ومناسبتها لأي زمان ومكان، بالإضافة إلى أنها تصل إلى المحلات في وقت مبكر، وتبقى فيها مدة أطول على العكس من التشكيلات الموسمية. 
 
كل هذا يجعلها، بالنسبة إلى البيوت المقتدرة، تستحق عروضا خاصة في وجهة مثيرة، تساعد على تسليط مزيد من الأضواء عليها، حين يتم تداول أخبارها وصورها على وسائل التواصل الاجتماعي، من «إنستغرام» إلى «تويتر»، فتحصل بذلك على دعاية تقدر بالملايين تعوض عن الملايين التي صرفت عليها.
 
«شانيل» كانت سباقة لقراءة تغيرات العصر ومتطلباته، وكانت من أوائل البيوت التي نظمت عروضا ضخمة سواء لـ«الكروز» أو «ميتييه داغ». هدفها كان خلق منبر جديد لهذه التشكيلات، أو ربما فتح باب يزيد من أهميتها. 
 
وسواء كان هذا أو ذاك، فقد حققت الهدف، إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم التغطيات التي تحصل عليها طيلة الشهر في مختلف الوسائل الإعلامية، من الصحف الرصينة إلى المدونات الخاصة وطبعا على مواقع «إنستغرام» و«تويتر» و«فيس بوك».
 
برونو بافلوفسكي، الرئيس التنفيذي لدار «شانيل» يشرح وجهة نظره حول الموضوع قائلا بأن هذه العروض الضخمة تسمح لزبائن مهمين تذوق نكهة «شانيل» عن قرب، خصوصا الذين لا يسعفهم الحظ أو الوقت للحضور إلى باريس خلال أسابيع الموضة الرسمية.
 
ما لم يقله أن ازدحام البرنامج في هذه الأسابيع قد يجعل «شانيل» مجرد دار مشاركة من بين العشرات، وهو ما يحرمها من الخصوصية التي توفرها العروض المنفردة في وجهة تختارها بنفسها، حسب الظروف والأهداف الاستراتيجية، سواء كانت دبي أو شنغهاي أو سيول.
 
هذه الاستراتيجية تبنتها بيوت أزياء أخرى مثل «ديور» التي قدمت يوم الاثنين الماضي عرضها في بيت كان يملكه سابقا المصمم بيير كاردان بالريفييرا الفرنسية، و«لويس فويتون» التي قدمت عرضها في بيت النجم الراحل بوب هوب ببالم سبرينغس، بل حتى «بربيري» توجهت مؤخرا إلى لوس أنجليس، حيث قدمت عرضا خاصا في مرصد غريفيث، استغرق تنظيمه والتحضير له سنة كاملة. 
 
كانت الفكرة منه تقديم الدار نفسها للسوق الأميركي بشكل مبهر بمناسبة افتتاح محلها في روديو درايف. ولم ترَ مانعا أن تستغل المناسبة لاستعراض عضلاتها الإبداعية وقدراتها المادية وأيضا ربط علاقة بنجمات هوليوود على أمل أن يظهرن في تصاميمها على السجاد الأحمر مستقبلا.
 
المهم أن كل الوجهات المختارة للعرض ليست اعتباطية ووراءها دائما حسابات، فقد تغيرت خريطة الموضة في العقود الأخيرة، ومع هذا التغيير تغيرت الخريطة الشرائية، كما زادت متطلبات الزبائن واحتياجاتهم لأزياء تختلف حسب المناسبة والمكان، ما بات يتطلب تشكيلات جديدة تشكل ضغوطا جمة على المصممين، الذين كان المطلوب منهم سابقا إنتاج تشكيلتين في السنة (من الهوت كوتير) ثم تشكيلتين من الأزياء الجاهزة فقط، بينما الآن أصبح لزاما عليهم أن لا يتوقفوا عن الإنتاج لتلبية الطلبات، وطرح تشكيلات قد تصل إلى ثمان في السنة. 
 
قد تختلف تسمياتها لكنها تصب في نفس الهدف. مع الوقت أصبحت بدورها تحتاج إلى دعاية إعلامية لتسويقها، لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، لأنها من المفترض أن تصل إلى الزبون، أينما كان، بسرعة البرق، عبر الصور والتغريدات. فباريس ستظل باريس دائما لن يزحزح مكانتها أحد، لكن لا بأس من الخروج منها والتوجه إلى أسواق بعيدة لمغازلتها من جهة، وإرضاء وطنيتها من جهة ثانية.
 
في عام 2010، مثلا، توجهت دار «ديور» إلى شانغهاي، وفي العام الماضي إلى طوكيو، وهو ما أسعد الصينيين واليابانيين وأرضى غرورهم، وكانت النتيجة زيادة المبيعات في هذه الأسواق. أما توجه «شانيل» إلى دبي في العام الماضي فكان ضربة معلم، لما أثارته الخطوة غير المسبوقة من ضجة إعلامية عالمية ظلت صداها تتردد لأسابيع، إن لم نقل لأشهر. 
 
وهذا وحده يبرر المبالغ الضخمة التي تصرف على تنظيمها وإخراجها وديكوراتها. فهذه أسواق مهمة لا يمكن تجاهلها، وهذه التشكيلات تبقى في المحلات لمدة أطول من أزياء الخريف والشتاء أو الربيع والصيف الرسمية وبالتالي تحتاج إلى دفعة قوية. 
 
هذا ما انتبهت إليه «لويس فويتون» مؤخرا، حيث دخلت المنافسة في العام الماضي فقط، بتقديمها عرض «كروز» في موناكو، لمست نتائجه الإيجابية مباشرة. فقد حققت مبيعات كبيرة وفي غضون فترة قصيرة في الإمارة الفرنسية رغم صغر محلاتها. نفس الأمر تتوقع حدوثه في أميركا، خصوصا وأنها افتتحت مؤخرا محلا جديدا في «روديو درايف».
 
كل هذا الاهتمام يشير إلى أن تشكيلات «الكروز» ستكبر وليس ببعيد أن تصبح في أهمية عروض «الهوت كوتير» أو الأزياء الجاهزة مستقبلا. 
 
يشير أيضا إلى أنها ستفرض نفسها على كل المصممين، وهو ما بدأنا نلمسه فعليا. فأسبوع لندن سيبدأ تقليدا جديدا ابتداءا من شهر يونيو (حزيران) الحالي يقدم فيه تشكيلات «بري كوليكشنز» لمجموعة من مصمميها الشباب الذين ليست لديهم الإمكانيات للسفر إلى وجهات بعيدة وإقامة عروض ضخمة، وهي خطوة رحب بها الكل لم تعنيه من زيادة في المبيعات والأرباح، رغم قناعتهم بأنه من الصعب عليهم مجاراة بيوت كبيرة مثل «شانيل».
 
فهذه الأخيرة لا تبخل على عروضها بشيء، لأنها تعتبرها وسيلة دعائية مهمة تخدمها على المدى البعيد. 
 
وبالنظر إلى ما تحققه من نجاحات فإن استراتيجيتها نجحت، وليس أدل على هذا من أن عرضها الأخير في سيول تزامن تقريبا مع حفل العام، الذي يقام في متحف المتروبوليتان بنيويورك وتشرف عليه عرابة الموضة أنا وينتور نفسها، ويحضره لفيف من النجوم العالميين، ومع ذلك لم يمر مرور الكرام، بل العكس، فقد أثار نفس الاهتمام وألهب حماس المتابعين، الذين تأكدوا مرة أخرى أن مصممها كارل لاغرفيلد أكثر مصمم إنتاجا وخيالا في الوقت الحالي.
 
توجه هذا العام إلى سيول بكوريا الجنوبية، حيث قدم ما لا يقل عن 90 إطلالة حافظ فيها على جينات «شانيل» وتلاعب بها بذكاء بحيث انصهرت مع الموروثات الكورية الآسيوية بشكل خفيف، بدءا من الهانبوك، وهو فستان أو كيمونو كوري أصيل بقصة «الإمباير» تقريبا يتميز بألوان متوهجة دون أي جيوب، إلى الـ «جيوغوري»، وهو جاكيت تقليدي قصير يُلبس في العادة مع الهانبوك، مرورا بقطع تقنية «الباتشوورك» وغيرها.
 
قدرة كارل لاغرفيلد على تقديم الجديد حتى عندما يعود إلى التاريخ أو يوجه أنظاره إلى التقاليد القديمة، تدهشنا دائما، وبالتحليل والتمحيص نكتشف أن وصفته الناجحة هي تعامله مع التاريخ وموروثاته باحترام من دون تقديس أو إغراق في الفولكلور. 
 
والأهم من هذا عدم تناسيه أبدا أن العالم يعشق لمسات «شانيل» ولا يريده أن يتخلى عنها مهما كانت الوجهة أو الثقافة. صحيح أن وسائل السفر تطورت وأصبح العالم صغيرا، إلا أن هذا لا يعني أن ينكب المصمم المخضرم على ثقافة الغير يغرف منها بنهم، بقدر ما يعني احترام أسلوب «شانيل» أولا وأخيرا. 
 
فما يُحسب له دائما أنه يلتقط خيطا رفيعا من أي ثقافة يسلط عليه الضوء من زاوية باريسية، مثل مصور ماهر لتأتي النتيجة عبارة عن صورة باهرة لا مثيل لها. 
 
وهذا ما تجلى في هذه التشكيلة التي غلبت عليها الخطوط الكورية المنسابة والألوان المتفتحة وتقنيات الباتشوورك، التي تظهر في ملابس الأطفال غالبا، لكن استعمل فيها لغة فرنسية أنيقة، موظفا أدوات الدار المعروفة مثل السلاسل المتعددة وقماش التويد، وطبعا النعومة الحالمة.
 
إقامة «شانيل» عرضها في «دونغدامون ديزاين بلازا» الذي صممته المعمارية العراقية الأصل، زها حديد، بانحناءاته والتواءاته وخلفيته البيضاء، له أيضا دلالاته. فالمصمم حريص على أن لا يكون الماضي سوى الخيط الذي يربطه بالحاضر والمستقبل.
 
الحاضر من خلال الديكور الذي غلبت عليه كراسي بألوان مستوحاة من البوب آرت، والمستقبل من خلال أزياء يمكن أن تبقى مع المرأة لسنوات قادمة طويلة.
 
«لويس فويتون» دخلت الميدان منذ عام فقط، ومع ذلك تشير كل الدلائل إلى أنها تُدرك أهمية الـ«كروز» ودرستها من كل الجوانب. هذا العام توجهت إلى السوق الأميركي، وتحديدا «بالم سبرينجز» بكاليفورنيا، واختارت كمكان للعرض بيتا كان يملكه النجم الكوميدي بوب هوب صممه له في عام 1973، المهندس المعماري الأميركي جون لوتنر.
 
يتميز البيت يطل على تلة شاسعة، بتصميم مستقبلي يبدو فيه وكأنه مركبة فضائية تاهت طريقها في الصحراء. 
 
كل شيء في المكان يفوح بالعصرية والرغبة في معانقة المستقبل، وهذا تحديدا ما يتوافق مع رؤية «لويس فويتون» ويعكس مع قدمه مصممها نيكولاس غيسكيير لعام 2016. فالتشكيلة تحن إلى رومانسية الخمسينات وفي الوقت تضج بالألوان والنقشات الطبيعية مثل الورود والأشجار والقطع المنفصلة التي تناسب كل الأجواء، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، نظرا لأطوالها وأقمشتها الخفيفة وتصاميمها المنسابة. 
 
العملية ومفهوم السفر والتنقل الذي يشكل جينات هذه التشكيلات عموما تجسدت أيضا في الإكسسوارات، بدءا من الأحذية من دون كعوب أو الرياضية إلى الحقائب البوهيمية التي تعلق وراء الظهر، علما بأن الدار أسهبت في الإكسسوارات وقدمتها بكميات هائلة، حتى إذا لم تجد المرأة ما يناسب حجمها أو أسلوبها من الأزياء، يمكنها أن تشبع عطشها لاسم الدار بالإكسسوارات.