الفائز بجائزة نوبل محذرا "مصل مضاد لمرض الإيدز حلم بعيد المنال" !!

يعتبر فيروس إتش. آي. في المسبب لمرض الإيدز من الفيروسات الفريدة النادرة التي يصعب التحكم فيها والسيطرة عليها باستخدام الأمصال التقليدية. وقد علق على هذا الأمر الحائز على جائزة نوبل في العلوم لهذا العام في تقرير نشرته صحيفة ديلي ميل اللندنية.


وكان هذا الرأي هو ما نطق به وتبناه البروفيسور ديفيد بلتيمور رئيس جمعية التقدم العلمي في أثناء ترأسه للجلسة الختامية للمؤتمر السنوي للجمعية في بوسطن بالولايات المتحدة، وأضاف بلتيمور، إن العلماء كانوا ولا زالوا يبحثون عن طرق جديدة ووسائل حديثة لعلاج هذا الفيروس أو على الأقل للتوصل إلى أحد الأمصال المقاومة له مثل العلاج الجيني وأساليب العلاج الأخرى التي تتعامل مع الخلايا وذلك بدلاً من الطرق التقليدية للعلاج مثل التحصين (التطعيم).

وكان من بين ما صرح به علاوة على ما سبق "بأن ثمة حالة من الإحباط أصابت المجتمع بسبب عدم وضع أقدامنا على أول الطريق للنجاح في علاج هذا الفيروس"، واستمر في حديثه قائلاً "إن الأمر يبعث على الأسى، فقد كنا وما زلنا عاكفين على التوصل إلى كيفية صنع وتركيب مصل مضاد لـ "إتش. آي. في" ولا زلنا في انتظار اليوم الذي نصل فيه إلى ذلك".

"ففي عام 1984 تم الإعلان عن ظهور هذا الفيروس، وأن اكتشاف المصل المضاد له على وشك الحدوث. وكان التاريخ إلى جوارنا، حيث تمكنا من التوصل إلى أمصال مضادة لجميع الفيروسات التي تهدد الإنسان تقريبًا، إلا أنه على الرغم من ذلك، وعلى العكس من جميع الفيروسات أصبحنا في الوقت الحالي بعيدين كل البعد عن التوصل إلى علاج أو حتى مصل مضاد للـ "إتش. آي. في".
 
يذكر أن هذا الفيروس يتميز بطبيعة فريدة عن غيره من الفيروسات التي تصيب الإنسان، نظرًا لعدم القدرة على السيطرة عليه ومنع الإصابة به عن طريق استخدام الأمصال. فقد تمكن الـ "إتش. آي. في" من تطوير الخصائص الوراثية التي يتمتع بها ونجح في ذلك، مما نتج عنه اكتسابه لمقاومة كبيرة لجميع الإجراءات التي يقوم بها الجهاز المناعي، هذا هو ما صرح به "بلتيمور" مضيفًا أن الغشاء الخارجي للفيروس قد تكونت لديه القدرة على عدم التفاعل مع الأجسام المضادة التي تحاول اختراقه.

كما أنه أصبح في طوره الأخير قادرًا على التصدي للهجمات التي تقوم بها العناصر المكونة للجهاز المناعي بالجسم والتصدي أيضًا لأي من الترسانات الخلوية الموجودة بالدم مثل خلايا الـ "T".
 
جدير بالذكر أن معظم الفيروسات لا تحتاج في أي من مراحل تكوينها إلى تجنب مقاومة الجهاز المناعي، لأنها تقوم على الدوام بتغيير العائل قبل أن يتنبه جهازه المناعي لوجودها ويبدأ في مقاومتها. ومن جهة أخرى عمل الفيروس على تجنب الهجمات المناعية، ثم اكتسب صفة العدوى المزمنة، وأصبح يتكاثر ويقوم بإنتاج نسخ جديدة منه على امتداد دورات متصلة. وعلى الرغم من أن ما حدث، لأسباب غير معلومة، لم يتسبب في أضرار جسيمة بالنسبة إلى حيوانات الشمبانزي، وهي أولى الكائنات التي شهدت تطور هذا الفيروس للمرة الأولى، ثبت أن النتائج المماثلة تعتبر كارثية بالنسبة إلى الإنسان.

وأضاف البروفيسور "بلتيمور": "بالنظر إلى ما تقدم من خلفية، يمكننا القول إن العاملين في مجال ابتكار الأمصال الجديدة قد بذلوا قصارى جهدهم، فقد كرسوا الوقت والجهد من قبل في محاولة مبدئية بغرض التحكم في الفيروس من خلال استعمال المضادات الحيوية ، لكنهم اكتشفوا أنه يتمتع بحماية قوية وعنيدة ضد هذا الإجراء العلاجي التقليدي.

الأمر الذي دفع المتخصصين في الأمصال إلى المحاولة على النطاق الآخر للحماية المناعية، فقرروا تحويل جهودهم البحثية باتجاه النظام المناعي الخلوي، إلا أن النتائج أشارت إلى أنه لم يحدث من قبل حشد لجميع إمكانيات النظام المناعي الخلوي من أجل السيطرة على الفيروس نظرًا لعدم تمتع هذا الإجراء العلاجي بالقوة الكافية.

لقد تأكد لنا حتى الآن من خلال العلاج الإكلينيكي التقليدي واسع المدى ومن خلال استخدام المصل المقترح لم تساعد في توفير حماية للجسم البشري من هذا الفيروس، وذكر البروفيسور "بلتيمور" أن العلماء المتخصصين ما زالوا يثابرون من أجل تحقيق فتح جديد في مجال الأمصال الطبية، وكذلك في تطوير أنواع جديدة أكثر فاعلية من المضادات الحيوية .

لكن هؤلاء المتخصصين، حسب البروفيسور "بلتيمور"، يصابون بقدر من الإحباط نظرًا لأننا لا نرى في الأفق ثمة أمل في التوصل إلى طريق يؤدي إلى النجاح في نهاية المطاف".

وأضاف البروفيسور "بلتيمور": "منذ سنوات توصلت إلى استنتاج مهم، فالعلماء كان يتوجب عليهم تبني مناهج حديثة ومبتكرة واتباعها بجدية شديدة، وإلا سوف نجد أنفسنا في مواجهة أنواع عديدة من الأمراض الوبائية على مستوى العالم من دون أن نتسلح بالاستجابة الطبية الملائمة، ولا أحد ينكر أننا نتعرض لبعض هذه المواقف في عالم اليوم".

يذكر أن البروفيسور "بلتيمور" هو الحائز على جائزة نوبل في الطب عام 1975 لتمكنه من التعرف إلى ما يسمى بـ "الإنزيم المنعكس" الذي يؤدي دورًا محوريًا في عملية نسخ وتكاثر فيروس "إتش. آي. في."، ويعد ذلك إنجازًا جديرًا بالتقدير حث ساهم عمله مساهمة جليلة في اكتشاف فيروس "إتش. آي. في".