«علاج شخصي» يعزز قدرة الأطباء على مكافحة سرطان الثدي

معرفة الخصائص الجوهرية للأورام يحقق نسبة أعلى من الشفاء
معرفة الخصائص الجوهرية للأورام يحقق نسبة أعلى من الشفاء

يؤكد العلماء المتخصصون في مجال علاج سرطان الثدي أن «شخصنة» علاج هذا المرض، أو وضع إطار لعلاج شخصي محدد، والمعروفة علميًا بـ «Personalized Medicine» شكلت نقلة نوعية في مواجهته مقارنة بالطرق التقليدية التي كانت تساوي بين جميع الحالات، بما أتاحته الشخصنة من دلائل تراعي خصوصية كل حالة، مما يضمن استجابة أمثل للعلاج، وتحسين فرص الشفاء. 
 
وأكدوا أن هذا المفهوم بات نهجًا لكثير من منظمات الرعاية الصحية ومراكز الأورام، حيث ساعد الأطباء على وضع خطط علاجية أكثر ملاءمة لنمط الورم لدى كل مريضة على حدة، خاصة في ظل عدم توفر معلومات مؤكدة عن غالبية الأنواع العشرين لسرطان الثدي، التي لم يتوفر حتى الآن استخدام إكلينيكي سوى لأربع منها فقط.
 
مفهوم العلاج الشخصي
هذا المفهوم يعني دراسة حالة المريضة بصورة مفصلة وتوفير العلاج الأمثل والأفضل لها. ونظرة الأطباء لسرطان الثدي اختلفت عنها في السابق، حيث كان سرطان الثدي يعالج باعتباره مرضًا واحدًا، وبالتالي كان الأطباء يتعاملون معه في إطار منظومة علاجية نمطية إلى حد ما، لكن منذ عام 2005 استطاع الباحثون إحداث نقلة نوعية من خلال معرفة المزيد عن حيوية وبيولوجية الخلايا السرطانية، ما مكّن الأطباء من دراسة الخصائص الجوهرية للخلايا السرطانية التي أسفرت عن اكتشاف نحو أكثر من عشرين نوعًا من أورام الثدي، لم يتوفر إلى الآن استخدام إكلينيكي سوى لأربعة أنواع منها.
 
وعلى الرغم من أن الخوض في بيولوجية وفسيولوجية الخلايا السرطانية يعد مهمة غاية في التعقيد وتمثل تحديًا للأطباء، فإن له دورًا إيجابيًا كبيرًا في تحسين المكاسب التي يجنيها مرضى سرطان الثدي. 
 
ومن التحديات التي يواجهها أطباء الأورام، سواء في مجال تشخيص المرض أو العلاج، في ظل التوجه العالمي اليوم الذي يهدف إلى شخصنة علاجات الأورام، أن المسألة لا تعتمد فقط على اختيار الأدوية الحديثة التي تعد مكلفة بدرجة كبيرة، ولكن الأهم من ذلك تطوير تقنيات الكشف وتحديد نوع وطبيعة الورم وأي العلاجات ستكون أكثر فاعلية في شفاء المريض.
 
ويمكن تشخيص المرض بشكل صحيح واختيار العلاج المناسب له، تعتمد بدرجة كبيرة على توفر الإمكانات التكنولوجية الحديثة والضرورية للتشخيص، بالإضافة إلى قدرة الطبيب المعالج على تمييز الخصائص الجوهرية للخلية السرطانية ومنها مستقبلات الخلية السرطانية وفهم مساراتها المختلفة، ما يمكن أن يساعد الطبيب المعالج على الخروج بصورة أكثر وضوحا عن كيفية السيطرة على تلك الخصائص لمنع تنشيط الخلية السرطانية.
 
 
أورام متنوعة
وقد فرضت عدة عوامل أهمية اللجوء إلى العلاج الشخصي، لأن تسلسل سير الأحداث بين مستقبلات الخلايا السرطانية معقد، لأن الخلية السرطانية تسلك عادة كثيرا من المسارات للبقاء على قيد الحياة. 
 
وهذه الآليات تختلف باختلاف نوع الورم لدى كل مريضة سرطان ثدي. لذا فإن معرفة الخصائص الجوهرية لكل مريضة بسرطان الثدي على حدة تسمح للطبيب المعالج بتحديد نوعية الورم والوصول لتلك المسارات التي تستخدمها خلية السرطان في نموها وانتشارها، وبالتالي يمكنه انتقاء الطرق العلاجية والخيارات الدوائية المتاحة واتخاذ الإجراء العلاجي المناسب، وفقًا لنوعية المستقبلات الموجودة على الخلية السرطانية وآلياتها المتباينة، وهذا ما بات يعرف حاليًا بالعلاج الشخصي لمريضة السرطان. 
 
ومن المهم التفرقة بين المرضى في العلاج، لأن هناك من لا يستفيد منه فيتعرض لمضاعفات، أو يستفيد مع مضاعفات، أو يستفيد منه دون مضاعفات، أو لا يستفيد بلا مضاعفات. لأن معرفة الخصائص الجوهرية لكل نوع تساعد الطبيب المعالج بشكل كبير في توضيح عدد المستقبلات الهرمونية واختلافاتها ومساراتها المتباينة التي تتحكم في نوع الخلية السرطانية ونموها وانتشارها. 
 
ويصنف سرطان الثدي وفقًا لمراحل العلاج إلى 3 أنواع:
1- المراحل المبكرة (المرحلة الأولى والثانية).
 
2- المرحلة المتقدمة موضعيًا (المرحلة الثالثة).
 
3- المرحلة المتقدمة التي تتميز بوجود خلايا سرطانية ثانوية في أماكن أخرى من الجسم (المرحلة الرابعة).
 
أما بالنسبة لنوع المستقبلات، فإن سرطان الثدي ينقسم إلى أربعة أنواع على الأقل:
 
الأول: يتميز بوجود مستقبلات (الإستروجين والبروجستيرون) دون وجود مستقبلات الهير2.
 
الثاني: يعرف بالنوع ثلاثي الإيجابية ويتميز بوجود مستقبلات (الإستروجين والبروجستيرون) مع وجود مستقبلات الهير2.
 
الثالث: يتميز بوجود مستقبلات الهير2 دون وجود مستقبلات (الإستروجين والبروجستيرون).
 
الرابع: يعرف بالنوع ثلاثي السلبية ويتميز بعدم وجود أي من تلك المستقبلات.
 
فوائد العلاج الشخصي
الأطباء في السابق كانوا يعتمدون على مؤشرات محدودة في وضع الخطة العلاجية لمريض سرطان الثدي، وهي حجم الورم، وإصابة العقد اللمفاوية من عدمها، ووجود الخلايا الثانوية في الجسم من عدمه، وهذا لم يكن كافيًا للتغلب على المرض. 
 
لكن النظر في الخصائص الجوهرية للخلية السرطانية أصبح يتيح لهم صورة أوضح عن بعض الدلالات البيولوجية للخلايا السرطانية، فوجود مستقبل هرموني معين من عدمه يتحكم في مدى قابلية الاستجابة للعلاج ومقاومة الخلية، أنها أشبه بحرب من التفاعلات بين مستقبلات الخلية السرطانية والعامل الكيميائي، وتحديد نقاط الضعف للتشويش على الحالة النهائية، وهي الإشارة السلبية للنواة السرطانية التي تساعد على الانقسام.
 
والخلية السرطانية تتمتع بقدرة هائلة على اتباع طرق ملتوية تغير من خلالها سلوكياتها لتبقى نشطة، كما أن لها القدرة على التحول، أي أنها في أول الاكتشاف قد تحمل مستقبلات هرمونية موجبة، ثم بعد الشفاء وحدوث انتكاسة في المرض قد تعود بمرض مع مستقبلات هرمونية سالبة، لذا تأتي أهمية أخذ عينة من الورم عند انتكاسة المرض.
 
وشخصنة العلاج زادت من نسب الشفاء من المرض، وقللت من نسب الوفاة بصورة كبيرة في بعض الأنواع التي كانت نسبة حدوثها الكبيرة تشكل دلالة سلبية ودرجة عالية من الخطورة والقابلية للانتكاسة.
 
وبين أنه مع معرفة نوع السرطان بصورة دقيقة تغيرت المعادلة تمامًا، إذ إن هذا النوع ذا الدلالة السلبية أصبحت متاحة له خيارات علاجية يمكن من خلالها التحكم فيه، حتى إن نسب الوفيات تقل معه بنسب كبيرة قد تصل إلى 30 في المائة، وتقل فرص عودة المرض بنسبة 40 – 50 في المائة.
 
أن الفهم الأدق للخواص الجوهرية للخلية السرطانية لكل نوع من أورام الثدي على حدة، أوجد بدائل متعددة لعلاج المرض وقلل من نسب الإتلاف والضرر التي تلحق بالثدي مع المحافظة على مستوى جيد للنتائج. 
 
على سبيل المثال بدلا من الإزالة الجذرية للأنسجة في حالة اقتصار الورم على جزء صغير من الثدي، صارت المعالجة المعتمدة هي تلك التي تحافظ على الثدي، كما أن استخدام العلاج الإشعاعي بشكل أكثر تركيزًا سمح بتقليل الضرر الذي تتعرض له الأنسجة الطبيعية.
 
أيضًا في بعض الأورام التي قد تبدو كما لو كانت محدودة، هناك إمكانية لأن تكون أرسلت خلايا ثانوية إلى أماكن أخرى من الجسم، ومن خلال مهاجمة هذه الثانويات بالعلاجات المناسبة نستطيع القضاء على هذه الخلايا وزيادة نسب الشفاء.
 
إن قدرة الأطباء على وضع معايير علاجية تتوافق مع خصائص كل مريضة سرطان ثدي على حدة، من شأنها أن تزيد من كفاءة العلاج، لذا فإن شخصنة العلاج تعد نقلة نوعية في مرحلة المواجهة مع مرض سرطان الثدي. 
 
ربما ما زالت هناك إجابات غير شافية عن كثير من التساؤلات الغامضة فيما يخص الأنواع الأخرى من أورام الثدي، خصوصا أن القضية لا تقتصر على دراسة مستقبلات الخلية السرطانية فقط، وإنما تشمل التفاعلات الكيميائية لتلك المستقبلات والطفرات الجينة وكثيرا من العوامل الأخرى، وجميعها عوامل عقدت من مفهوم العلاج الشخصي، ولكن أصبح لدى الأطباء على الأقل المعرفة بأن سرطان الثدي لا يعد مرضا مفردًا، وأن الحرب ضد هذا المرض تظل مستمرة، ولا شك أن الآفاق المستقبلية تحمل مزيدا من الحلول الطبية التي ربما ستؤدي إلى حلول حاسمة في إعاقة آليات استدامة الخلية الورمية على الأقل في الأنواع المعروفة منه حتى الآن.