توقيت التعرض للبكتيريا المفيدة في الجسم .. هل يحمي الأطفال من الحساسية؟

أربعة أنواع مفيدة منها داخل الأمعاء تعزز مناعتهم في الأشهر الثلاثة الأولى من أعمارهم
أربعة أنواع مفيدة منها داخل الأمعاء تعزز مناعتهم في الأشهر الثلاثة الأولى من أعمارهم

لا شك أن الأزمة الصدرية (asthma) تعد من أهم المشكلات الصحية المزمنة التي تؤرق الأمهات والأطفال خاصة مع قرب فصل الشتاء ودخول المدارس. وعلى الرغم من أن هناك كثيرا من الأسباب لحدوث الأزمة الصدرية بعضها مناعي، فإن هناك محاولات للحد من حدوثها بشكل حاد. 
 
وتناولت أحدث دراسة علمية هذه المحاولات، إذ أشار باحثون كنديون إلى إمكانية تفادي حدوث الأزمة، وذلك عن طريق الميكروبات الجيدة الموجودة في الأمعاء، خاصة إذا كان لدى هؤلاء الأطفال أربعة أنواع معينة من هذه البكتيريا قبل عمر ثلاثة أشهر.
 
وفي السابق لم يكن معروفا أن لوقت تعرض الطفل للميكروبات سواء المفيدة أو الضارة، أثرا كبيرا في حدوث الأزمة ومدى حدتها من عدمه، ولكن بعض الدراسات أشارت مؤخرا إلى أهمية عامل توقيت مثل هذا التعرض.
 
بكتريا مفيدة
وكانت الدراسة التي قام بها باحثون من مستشفى للأطفال بكندا (UBC and BC) وبمشاركة جامعة بريتش كولومبيا (University of British Columbia) أشارت إلى أن هناك احتمالية تفادي الإصابة بمرض الربو الشعبي إذا كانت أمعاء الرضيع تحتوي على أربعة أنواع من البكتيريا الجيدة في أول ثلاثة أشهر من بداية حياته. 
 
وشارك في هذه الدراسة الطولية 300 عائلة من أنحاء كندا، وناقشت فرضية أن البيئة شديدة النظافة قد يكون لها تأثيرها السيئ على الأزمة الربوية، خاصة وأن نحو 20 في المائة من الأطفال في الدول الغربية يعانون من الأزمات الصدرية وفي تصاعد مستمر منذ الخمسينات وحتى الآن. وفي كل هذه المجتمعات خاصة الحضارية منها بيئات تعد شديدة النظافة وتخلو من ذرات التراب كما في دول العالم الثالث.
 
وقام العلماء بتحليل عينات من بكتيريا الأمعاء لـ319 طفلا من الذين كانوا في خطر متزايد للإصابة بالأزمة الربوية، ووجدوا أن هناك أربعة أنواع من البكتيريا الجيدة في الأمعاء كان معدل وجودها أقل في أول ثلاثة شهور من عمر الرضيع. وأوضح الباحثون أن معظم الأطفال يوجد لديهم وفرة في هذه الأنواع الأربعة مكتسبة من البيئة حولهم، ولكن هناك بعض الأطفال لديهم نقص في هذه الأنواع الأربعة، سواء بسبب ظروف ولادتهم أو بسبب ظروف أخرى، كما تبين أن هناك مستويات مختلفة من هذه الأنواع في عمر عام، مما يدل على أن الثلاثة أشهر الأولى من عمر الطفل تلعب دورا كبيرا في نمو وتطور الجهاز المناعي لديه.
 
وأشار الباحثون إلى أن نتائج هذه الدراسة تعد في غاية الأهمية؛ إذ إنها تعطي أملا جديا للتدخل مبكرا في عمر الطفل للحماية من الإصابة بمرض الربو الشعبي، وذلك عن طريق إمداد الرضيع بهذه الأنواع الأربعة من البكتيريا المفيدة، خاصة إذا تم التدخل مبكرا في أول ثلاثة أشهر من عمر الطفل. 
 
وتوجد البكتيريا النافعة بشكل طبيعي في جسم الإنسان ولا تؤذيه، بل تتنافس مع البكتيريا الضارة على المكان نفسه الموجودة به، وبالتالي تخلص الجسم منها. وبعض الأنواع تفرز مواد تساعد الجسم في الحماية من الأمراض.
 
وبطبيعة الحال يحتاج الأمر إلى إجراء تجارب على عدد أكبر من الأطفال في المستقبل ولكن هذه التجربة تعد مبشرة جدا.
 
تفاعل بيئي
وفي السياق نفسه وفي محاولة للحد من أخطار المرض وتفنيد فرضية أهمية البيئة النظيفة (hygiene hypothesis)، كانت دراسة سابقة قام بها باحثون من مستشفى جون هوبكنز بالولايات المتحدة، ونشرت في مجلة «الحساسية والمناعة الإكلينيكية» (Journal of Allergy and Clinical Immunology) قد أشارت إلى أن الأطفال الذين يتعرضون لذرات من شعر الحيوانات الأليفة مثل القطط والكلاب أو القوارض، وأيضا ذرات التراب في المنازل في السنة الأولى من حياتهم لديهم فرص أقل في الإصابة بالربو، وذلك خلافا للاعتقاد الراسخ أن مثل هذه الأشياء من شأنها أن تزيد من حدة الربو الشعبي، حيث كانت النصيحة دائما بالابتعاد عن الحيوانات أو وضع اليد على شعر تلك الحيوانات لأن الذرات العالقة به يمكن أن تزيد من الحساسية، خاصة الأطفال الذين نشأوا في المنازل المغلقة في المدن الكبيرة، وأن الطفل يستفيد من هذه الميكروبات إذا تعرض لها قبل أن يبلغ عاما، في حين أنه إذا تعرض لها في مرحلة متأخرة من الطفولة يمكن أن تكون ضارة بالنسبة له، وتوقيت التعرض للبكتيريا قد يكون في غاية الأهمية.
 
وكانت تلك الدراسة قد تتبعت 467 من الأطفال الأميركيين من مدينة بوسطن من المنازل الحضرية منذ ولادتهم وحتى بلوغهم عمر الثالثة، وكذلك قامت بفحص 104 من المنازل للوقوف على مدى نظافتها ونوعية الذرات المسببة للحساسية فيها، سواء الأتربة أو الحيوانات أو أي مؤثر آخر مثل منتجات كيميائية معينة لها رائحة نفاذة.
 
وقامت بعمل اختبارات للحساسية عن طريق الجلد ومختبرات التحاليل، وأيضا الكشف الإكلينيكي للتأكد من إصابتهم بالحساسية من عدمه.
 
وكانت النتيجة أن الأطفال الذين نشأوا في منازل بها قطط أو فئران أو حتى حشرات مثل الصرصور كانت لديهم مناعة أكثر من أقرانهم، وأقل احتمالية في التعرض للأزمة الصدرية. 
 
ووجد الباحثون أنه كلما تعرض الطفل مبكرا قبل عمر الثالثة لكثير من مسببات الحساسية، زادت فرصه في عدم الإصابة، مقارنة بالطفل الذي يتعرض لمسبب واحد أو الذي لا يتعرض لأي مسبب على الإطلاق.
 
وعلى ذلك قد يكون من المفيد التعرض لبعض البكتيريا في فترات العمر المبكرة.