«هند مطر» .. مصممة تبحث عن التناقضات لتروضها وتمنحها تناغمًا

 «هند مطر» .. مصممة تبحث عن التناقضات لتروضها وتمنحها تناغمًا
«هند مطر» .. مصممة تبحث عن التناقضات لتروضها وتمنحها تناغمًا

بعيدا عن الربيع العربي الذي لم يحقق الأهداف السياسية التي كانت تأملها الأغلبية، هناك ربيع عربي من نوع آخر تشهده المنطقة العربية. 
 
ربيع إبداعي يقوده شباب في مقتبل العمر، ويرفعون رايته عاليا، سواء تعلق الأمر بالفن أو بالموضة. من هؤلاء نذكر الشابة البحرينية هند مطر، مؤسسة ماركة «مطر» التي تطمح أن تحلق إلى العالمية بالمزج بين ثقافتها الغربية وجذورها الشرقية ونجحت لحد الآن في إثارة الانتباه بتصاميمها المبتكرة التي تحمل جديدا عوض استنساخ ما هو موجود حاليا في الأسواق.
 
درست هند الموضة في معهد «سانترال سانت مارتنز» وتدربت في ورشات كل من برنار ويلهيلم ويانغ لي، لكنها، وحسب اعترافها، مسكونة بدراما جون غاليانو المسرحية، وجنون الكسندر ماكوين الإبداعي لأن «هذه هي العناصر التي تمنح الموضة حيويتها وتخلق حوارا فكريا» حسب قولها. 
 
عندما فكرت في تأسيس ماركة خاصة بها والإعلان عن نفسها، كان من البديهي أن تشارك في أسبوع لندن، ليس لأنها تخرجت من واحد من أهم معاهد الموضة في العاصمة فحسب، بل لما يعرف عنه أيضا من ابتكار وفنون، فضلا عن تقبل لندن لكل مبدع واحتضانه. 
 
أمر ينطبق عليها تماما، فتصاميمها تضج بالجرأة والرغبة في التميز من خلال القصات المبتكرة والأقمشة الحديثة والألوان التي تتمازج بشكل فني راق، وهو ما تؤكده بقولها بأنها تريد أن يرتبط اسمها «بأسلوب جريء لكنه بعيد كل البعد عن الابتذال أو المبالغات». 
 
ترجمتها لهذه الرؤية تظهر في خطوط غير مألوفة، تتميز في غالب الأحيان بكونها مفصلة على الجسم فتزيده رشاقة وجمالا، بينما تضيف إليه المصممة تفاصيل مبتكرة تُخرجه من العادي، كأن تضيف طيات أوريغامي على تنورة مفصلة أو على جانب جاكيت متسع مستوحى من السترات الرجالية، وما شابه من التناقضات الفنية التي تكتسب تناغما ملحوظا بفضل هذه اللمسات الخفيفة. طبعا بين هذه الطيات والتناقضات تظهر إيحاءات شرقية، تحرص أن تبقيها خفيفة حتى لا تقع في مطب الفولكلوري. 
 
تؤكد هند أنها، كمصممة عربية، تحرص على «تحديث الجماليات العربية» من دون السقوط في كليشيهاتها، مثلما فعلت في تشكيلتها لخريف 2015 وشتاء 2016 تحديدا. فالـ«شروال» العربي الفضفاض اكتسب رشاقة شجعت على إضافة تفاصيل جانبية عليه، مثل فتحات من الأمام أو ثنيات على طول الساق، أو وردة معقودة أسفله مثلا، بينما أخذت العباءة شكل فستان طويل يقطعه خط غير متماثل، أو تنورة بخامتين ولونين مختلفين وهكذا.
 
فسر التميز بالنسبة لها يكمن في هذه التفاصيل الدقيقة والواضحة في الوقت ذاته. 
 
ولا تُنكر هند أن أسلوبها لحد الآن متأثر بثقافة البدو الرحل، من حيث ألوانهم ومرونة الأقمشة التي يستعملونها وهكذا، وتشير أن السبب قد يعود إلى كونها عاشت مثلهم متنقلة من مكان إلى آخر. 
 
فقد عاشت طفولتها في الولايات المتحدة الأميركية قبل أن تنتقل إلى البحرين وعمرها ست سنوات. ورغم ما يقال: إن الأطفال يتأقلمون بسرعة مع بيئاتهم ولا يشعرون بوقع التغيير، فإن هند لم تكن مثل كل الأطفال، فقد كانت حساسة حتى في هذا العمر، وبالتالي كان للنقلة وقع كبير على نفسها. 
 
أحد الأسباب حسب تفسيرها، أنها في أميركا، كانت منخرطة في مدرسة تتبع منهج «مونتسوري» التعليمي، وهو المنهج الذي يعتمد على فلسفة تربوية تؤكد على تنمية شخصية الطفل بصورة تكاملية في النواحي النفسية والعقلية والروحية والجسدية والحركية، لمساعدته على تطوير قدراته الإبداعية والقدرة على حل المشكلات، إضافة إلى تنمية التفكير النقدي وغير ذلك. 
 
بمعنى آخر، هو منهج يمنح الطفل الكثير من الحرية لتشجيعه على التعبير عن نفسه دون قيود، بينما في البحرين انخرطت في مدرسة تقليدية، ما كان له أثره على نفسيتها لحد الآن.
 
لحسن الحظ أنها انتقلت بعد فترة وجيزة إلى مدرسة أميركية في البحرين، شعرت فيها بالانتماء أكثر نظرا لاحتضانها أطفالا من جنسيات مختلفة واتباعها منهجا عالميا في التدريس. كل هذا انعكس على تصاميمها ذات الطابع العالمي الذي يتوخى تكسير المتعارف عليه واحتضان الآخر، ما يخلق نوعا من التناغم والانسجام.
 
أما كيف بدأ حبها لتصميم الأزياء، فتقول: إن أفلام السينما كانت هي البذرة، لأنها كانت تعشق مشاهدة الأفلام الفرنسية والإيطالية التي أخرجها كل من فيليني وبيرتولي، وكانت تتابعها بنهم كلما زارت خالتها.
 
فهذه الأخيرة كانت تملك مكتبة غنية من الأفلام الأوروبية.
 
من خلال هذه الأفلام عشقت إيطاليا لأنها شعرت بأن الفنية تفوح من كل جوانبها، كما أن «الجمال فيها يُحتفى به بشكل يومي تقريبا» حسب قولها.
 
الأمر الطبيعي كان أن تدرس فن التصميم فيها، وهو ما كانت تنويه إلى أن زارت لندن، فتغير رأيها تماما. فقد اكتشفت أنها ليست عاصمة الفنون فحسب بل أيضا الجنون، وهو ما يعكس شخصيتها إلى حد كبير.
 
كان كل شيء في لندن يصرخ بالحرية، ويقدم دعوة إلى التعبير عن النفس من دون قيود، لهذا كان انخراطها في معهد لدراسة التصميم فيها أمرا غير قابل للنقاش. 
 
بعد تخرجها عملت في مجلات فنية ومع مصممين كبار، غير أن كل هذه التجارب لم تشف غليلها ما جعلها تفكر جديا في أن تطلق ماركتها «مطر»، وهو ما تجسد في تشكيلة صغيرة وجهتها لربيع وصيف 2014.
 
وكان تأثير الفن المعاصر واضحا فيها. 
 
فهي تعرف أنها لكي تتميز وتنافس في عاصمة تتنفس الابتكار وتعيش عليه، عليها أن لا تتوقف عن البحث، وهو ما تقوم به في كل تشكيلة تقدمها، وغالبا ما يكون الفن هو نقطة الانطلاق فيها، بالإضافة إلى بحثها الدائم عن قواسم مشتركة تجمع بين المتناقضات لكي تصبح بعد مزجها وجهين لعملة واحدة. وهذا تحديدا ما يلخص أسلوبها.