نظرة على أسبوع لندن الرجالي لربيع وصيف 2016

أظهر هذا الموسم أن أقدامه راسخة في ثقافة الشارع ونظرته متطلعة للفنية والابتكار وأن هناك شباب يتوق للجديد بأي ثمن
أظهر هذا الموسم أن أقدامه راسخة في ثقافة الشارع ونظرته متطلعة للفنية والابتكار وأن هناك شباب يتوق للجديد بأي ثمن

لو سألت أي مهتم بالموضة، منذ عشر سنوات تقريبا، عن الأزياء الرجالية، أو بالأحرى إمكانية أن يكون للندن أسبوع خاص بالرجل، لاستهجن الأمر واعتبره أضغاث أحلام. لكن لو سألته الآن، لرد بأن الأمر طبيعي ومتوقع لأن كل الظروف مهيأة له. 
 
فخلال عشر سنوات، حصلت تغيرات كثيرة على المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وكان لهذه التغيرات تأثير مباشر على الموضة الرجالية. 
 
وعلى رأسها أن لا أحد ينظر اليوم إلى اهتمام الرجل بأزيائه ومظهره باستهجان أو ريبة، لأن ديفيد بيكام وجورج كلوني وبراد بيت، وكثيرين غيرهم، يعانقون الموضة ومستحضرات العناية بالبشرة والشعر من دون أن يفكر أحد بأن الأمر يتعارض مع رجولتهم. 
 
العنصر الثاني الذي لا يقل أهمية هو أن الرجل الشاب، أقل من الأربعين، حقق الكثير من النجاح في عمله وكون ثروة يريد أن يستمتع بها، ولا بأس أن يستعرضها، سواء تجسد هذه المتعة في شراء لوحة فنية أو سيارة فارهة أو طائرة خاصة أو أزياء وإكسسوارات غالية.
 
ولم لا؟ فالمظهر جزء من النجاح، إن لم نقل إنه يعززه، كونه يعكس ثقة الشخص بنفسه، ومن ثم يخلف انطباعا إيجابيا لدى الآخر.
 
لندن التقطت بذكائها هذه التغيرات، ولم تتردد منذ ثلاث سنوات في إطلاق أسبوع رجالي، بعد أن جست النبض لسنوات من خلال يوم يتيم كان يتشبث بذيل الأسبوع النسائي، واكتشفت أن الوقت جد مناسب.
 
فما كان منها إلا أن جندت كل الجهات الفنية والسياسية، بمن فيهم الأمير تشارلز الذي أطلق الأسبوع في يونيو (حزيران) 2012 لدعمه وإثارة الانتباه إليه. 
 
الآن وبعد ثلاث سنوات فقط، أكد الأسبوع أنه وصل إلى سن البلوغ وأصبح يقف على أرجله لا يحتاج إلى أن يتشبث بذيل أحد.
 
ما عزز قوته أن لندن نفسها أصبحت مركزا تجاريا مهما. فقد يكون عدد سياح باريس، مثلا أكبر، لكن أغلبهم يتفرجون على معالمها ويلتقطون صور «سيلفي» في مآثرها، على خلاف سياح لندن الذين يعشقون التسوق، ويصرفون مبالغ طائلة في محلاتها الكبيرة.
 
ولأن هؤلاء السياح ليسوا نساء فقط، كان لا بد من مخاطبتهم بأزياء تتوجه لهم، ما يفسر دخول العديد من المصممين مضمار الأزياء الرجالية مثل كريستوفر كاين، تود لين، وأخيرا وليس آخرا «هاوس في هولاند»، الذي قدم أول تشكيلة له للجنس الخشن.
 
كل هؤلاء باتوا يدركون أن قطاع الموضة منتعش في لندن ويحرك اقتصادها بشكل مباشر، وبأن عدوى الموضة والاهتمام بالمظهر وحب التسوق انتقلت من المرأة إلى الرجل.
 
نقطة الاختلاف الكبيرة بين أسبوع لندن وباقي الأسابيع العالمية التي سبقته، مثل ميلانو وباريس، أن هذه العواصم تستعمل الأزياء كوسيلة لبيع منتجات أخرى، على رأسها منتجات العناية بالبشرة والشعر والعطور، لأنها تعرف أن الاعتماد على الأزياء وحدها مجازفة لا تبرر تكاليف العرض وما يتطلبه من إبهار مسرحي وإضاءة وموسيقى وما شابه من أمور. 
 
بالنسبة لمصممي لندن، فهم لا يزالون صغارا، وبالتالي ليست لديهم منتجات من هذا النوع يسوقون لها وتدر عليهم الملايين التي يمكن أن تعوضهم عن أي خسارة في مجال الأزياء، لهذا فإنهم يستميتون لتقديم الجديد والمبتكر أيا كان الثمن. 
 
فالوسيلة تبرر الغاية بالنسبة لهم، سواء كانت من خلال تفصيل راقٍ لا يعلى عليه، أو صرعات لا تخطر على البال إلى حد أن يقف أمامها البعض مشدوهين من جرأتها أو غرابتها. 
 
فقد لا يفهم هؤلاء مثلا لماذا يرسل مصمم، مثل كريستوفر شانون، العارضين وحمالات صدر غير مربوطة تتدلى من صدورهم، أو لماذا هناك «موس» حلاقة على شعورهم وذقونهم؟! صعب أن تفسر لهم أن الأمر لا يتعدى الإثارة وخلق بعض الجدل والتفكه حتى لا يمر العرض مرور الكرام، لأن الصورة التي تترسخ في ذهنهم في البداية مجنونة وغير معقولة، قبل أن تتضح الصورة مع توالي العروض.
 
المهم أن هذا التوجه، أي الابتكار ومخاطبة الشباب، كان أكثر وضوحا في الأيام الأولى من الأسبوع، بدءا من عرض «توبمان» إلى عروض كريستوفر شانون وسيبلينغ وناصر مزهار وكريغ غرين وغيرهم من المصممين. هذا الأخير مثلا اعتمد على الألوان الصارخة والمتوهجة، وكأنه يريد أن يستعرض ثقته بنفسه ويؤكد للعالم أنه قادر على الابتكار وتحريك التابوهات. 
 
فرغم أنه تخرج منذ ثلاث سنوات فقط في معهد سانترال سانت مارتنز، فإن أحد أعماله معروضة في متحف المتروبوليتان بنيويورك ضمن معرض «الصين: نظرة من خلال الزجاج»، وهو ما يعتبر إنجازا بالنسبة لأي مصمم، فما الحال إذا كان هذا المصمم في بدايته؟! مثل بقية المصممين الشباب، ركز كريغ غرين على الأزياء «السبور» والشبابية العملية، مستعملا الأقمشة بسخاء لمنح الجسم حرية وحركة، والكثير من الطيات والثنيات للهدف نفسه. 
 
بعد عرضه شرح أنه أراد أن تعبر تشكيلته عن التفاؤل الساذج، وهو ما مثلته ألوان البرتقالي، الأصفر، الأحمر، الأخضر والأزرق، وجسدته تصاميم جاكيتات الجلد والدينم، التي كانت لافتة للانتباه إلى جانب البنطلونات الواسعة. اللافت أيضا أنه استعان ببعض العارضات من الجنس اللطيف، في إشارة إلى أنها تصاميم تخاطب الجنسين. قد يكون السبب أيضا محاولته إرضاء «زبوناته» المخلصات، اللواتي يمكنهن الحصول على هذه التشكيلة، لأنه سيطرحها لهن بمقاسات صغيرة جدا تناسب مقاساتهن.
 
كريستوفر شانون، بدوره اعتمد الأسلوب الـ«سبور» المستوحى من ثقافة الشارع، من خلال «تي - شيرتات» طويلة، أحيانا بذيل، وأخرى تربط عند الخصر بحزام على شكل حبل. كانت هناك أيضا الكثير من الجاكيتات الواسعة والقمصان المفصلة التي أضاف إليها سحابات لتبقى الروح الغالبة على التشكيلة «سبور».
 
من جهته، أكد المصمم ناصر مزهار، في تشكيلته لربيع وصيف 2016 أنه مستمع جيد لنبض الشارع، وأكثر من يتقن ترجمته بلغة شبابية جريئة. قوته تكمن بلا شك في استعماله أقمشة بتقنيات عالية طورها بنفسه، وأضفت على كل قطعة الكثير من القوة رغم ألوانها الداكنة التي تباين معظمها بين الأسود والرمادي. 
 
تجدر الإشارة هنا إلى أن مزهار يتمتع بلائحة طويلة من المعجبات بتصاميمه مثل ريهانا ولورين هيل وغيرهما، كما أنه يصمم تشكيلة «بينك» لصالح فيكتوريا سيكريت كل سنة. بيد أن مخاطبته للرجل تكتسب أهمية كبيرة في كل موسم، لأنه يعبر فيها ليس عن ميوله فحسب بل أيضا ميول وتطلعات أبناء جيله.
 
ومع ذلك، لا بد أن نقول إن بعض التصاميم تحتاج إلى جرعة قوية من الشجاعة والجرأة، ويتعلق الأمر هنا أيضا بما قدمته أستريد أندرسون على شكل معاطف طويلة وبنطلونات واسعة تتراقص بدرجات النيون إلى جانب أخرى منقوشة كاملة بالورود على أقمشة من الحرير والدانتيل المعدني.
 
والحقيقة أن هذا المزج بين التصاميم الواسعة والضيقة، وبين «السبور» والأسلوب المستوحى من ثقافة الشارع والهيب بوب ظل هو الغالب على تشكيلات أغلب المصممين الشباب لربيع وصيف 2016. 
 
فقد ظهر كذلك في تشكيلة «سيبلينج»، رغم أن الماركة توجهت بأنظارها إلى الولايات المتحدة الأميركية، واستقت خطوطها من ملابس لاعبي كرة القدم، وهو ما تجلى في الكثير من القطع والتفاصيل، التي ظهرت إما على الأكتاف أو على شكل أرقام مكتوبة على الصدر، من دون أن ننسى تصاميم تشد الصدر لتظهره مفتولا، بينما ظلت البنطلونات واسعة. 
 
الجميل في «سيبلينغ» أنها لم تخاطب شريحة واحدة بل قدمت مجموعة من البدلات المفصلة التي تظهر مدى قدرتها على التفصيل، الذي يفخر به مصممو «سافيل رو» وخياطون لهم خبرات عقود من الزمن من جهة، وحتى تكسب ود هذه الشريحة في حال تطلب عملها أو مناسباتها بدلات مفصلة من جهة ثانية.
 
من الطبيعي أن يكون عرض «ألكسندر ماكوين» من العروض التي يتسابق الكل لحضورها. ليس لأن الراحل من بين أكثر المؤثرين على ساحة الموضة في هذا القرن، أو لأن معرضه «جمال وحشي» في متحف «فيكتوريا أند ألبرت» من أنجح معارض الموضة لحد الآن، بل لأن خليفته سارة بيرتون، لا تزال تتحف عشاق الموضة بأزياء تحترم الأسس التي رسخها المصمم الراحل وتواكب تطورات العصر في الوقت ذاته. 
 
جنونها الذي يروق للشباب لا يؤثر على مبيعاتها لأنها خلف جنون الفنون هناك دائما انتباه دقيق للتفاصيل. فالجميل في عروضها أنها تمسك العصا من الوسط؛ تقدم للشباب ما يريدونه من خلال نقشات جريئة وأقمشة مثل الدينم، في بدلات تحاكي في تفصيلها ما يقوم به خياطو «سافيل رو» عندما يفصلون أجود أنواع الصوف أو التويد، كما تقدم للرجل الأنيق والمتحفظ تصاميم تحترم أسلوبه من خلال بدلات يسهل عليه تطويعها لتناسب أسلوبه. 
 
في هذه التشكيلة اختارت نقشات مستوحاة من فن الوشم، وهو ظاهرة أصبح الكثير من شباب العالم يقبلون عليها، فضلا عن نقشات تستحضر البحر وكائناته الحية وتقليمات عريضة بالأبيض والأسود. لكن خلف كل هذه الألوان والنقشات الجريئة هناك دائما تفاصيل كلاسيكية تحترم جسم الرجل ومقاييسه، وتنجح في إضفاء الكثير من الأناقة والحيوية عليه، شرط أن يختارها بألوان حيادية.
 
في آخر الأسبوع، تتنفس الصعداء وأنت متعجب أو مستغرب، لكنك في قرارة نفسك مستمتع بكل دقيقة وبكل عرض، لأنك تذكر نفسك بأنك في لندن، فلولا تناقضاتها لما كانت لها هذه الشخصية القوية واللامبالية التي تجعل منها مركزا تجاريا عالميا ومنطقة جذب سياحية من الطراز الأول. بالنسبة للموضة، فكل الأساليب فيها مقبولة وكلها أيضا متوفرة لتلبي كل الأذواق، حتى وإن بقيت ثقافة الشارع هي الأقوى.
 
على هامش الأسبوع
استهدفت منظمة الموضة الرجالية هذا الموسم السوق الصينية بشكل مباشر. فقد ضمت النجم هو بينغ إلى لائحة سفرائها العالميين من أمثال العارض ديفيد غاندي، ومغني الراب تايني تامبا، وبطل سباقات «الفورمولا 1» لويس هاميلتون، إلى جانب آخرين. وكانت الصين خامس أكبر سوق للمنتجات الرجالية في عام 2014، ومن المتوقع أن تقفز إلى المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية بحلول عام 2017، حسب «يورو مونيتور» العالمية.
 
وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الاستثمارات الصينية كان لها تأثير مهم على بعض بيوت الأزياء البريطانية العريقة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن «جيفس آند هوكس»، و«هاردي آيميس»، و«كيلغور»، و«كانت آند كوروين» مملوكة حاليا لـ«فونغ براذرز» التي يوجد مقرها في هونغ كونغ.
 
والمثير أنه على الرغم من هذا الاهتمام بالسوق الصينية، فإن زاندر زاو هو المصمم الصيني الوحيد المشارك في الأسبوع. وكان يحرص على الابتعاد عن أي من الكليشيهات التي يمكن أن تجعله في خانة لا يستطيع الخروج منها، مثل استعمال صور التنين، لكنه هذا الموسم غير وجهته وعانق ثقافته قائلا «لقد وجدت أخيرا الشجاعة لاستعمال عناصر شرقية».