متاعب الأذن أثناء السفر بالطائرة

إن كان البعض لا يبدي انزعاجه من ألم أو انسداد في أذنيه خلال الرحلات الجوية، فإن الأطفال الصغار لا حيلة لهم سوى الصراخ والبكاء كتعبير عما يُعانون منه من ألم في آذانهم أثناء السفر بالطائرة.


وحتى اليوم لا يُوجد ما يحل تلك المشكلة الناجمة عن تغيرات الضغط الجوي خلال مرحلتي الإقلاع والهبوط، بل إن بعض المصادر الطبية تشير صراحة إلى أن آلام الأذن والشعور بانسدادها، هي أكثر مشكلة صحية يشكو منها المسافرون على مستوى العالم.

وتزداد الأمور تعقيداً لدى منْ يُعانون في الأصل من مشاكل في الحلق أو الأذنين، أو نزلة برد، أو حساسية في الجهاز التنفسي العلوي.

ولا يزال أفضل ما تقدمه شركات الطيران كحل لهذه المعاناة والمشكلة هو بعض من قطع الحلوى أو العلك.

ولا يزال من البعيد في المستقبل المنظور أن تتوفر طائرات ذات درجات عالية من القدرة على معادلة الضغط الجوي داخل مقصورة الركاب بما يحول دون حصول تغيرات سريعة وكبيرة في مقدار الضغط الجوي الذي تتعرض له طبلة الأذن، من الجهة الخارجية والجهة الداخلية.

تأثير الضغط الجوي تتكون الأذن من ثلاثة أجزاء، هي الأذن الخارجية والأذن الوسطى والأذن الداخلية.

والجزء الذي يتأثر بشكل أكبر وأوضح بمشكلة اختلاف الضغط الجوي هو الأذن الوسطى. وهي عبارة عن حجرة مغلقة بصفة محكمة، ولها فتحة واحدة. ومن الجهة الخارجية للحجرة تقع الطبلة، كجدار عازل فيما بين الأذن الخارجية والوسطى.

أما من الجهة الداخلية للحجرة فتُوجد قناة طويلة وضيقة القطر وذات جدران رخوة، تُدعى قناة استاكيوس.

 ولأن الطبلة رقيقة وقابلة للاهتزاز لنقل موجات الأصوات التي تصل إليها، فإنها تتأثر بسهولة بالتغير فيما بين الضغط الواقع عليها من الجهتين، الخارجية والداخلية.

وتلخص الأكاديمية الأميركية لأمراض الأذن والحنجرة وجراحة الرأس والرقبة، مشكلة الأذن والسفر بالطائرة بالقول إن السفر بالطائرة قد يُؤدي إلى حصول تغيرات سريعة في الضغط الجوي للهواء المحيط في مقصورة الركاب.

وللمحافظة على راحة الراكب فإن قناة اوستاكي يجب أن يتكرر فتحها أكثر، ويجب أن يتوسع مجراها كي يتم من خلالها توفير معادلة للضغط داخل الأذن الوسطى، وبالتالي على السطح الداخلي لطبلة الأذن، بما يتناسب مع التغيرات المطردة والمتتابعة في الضغط الجوي الواقع على السطح الخارجي لطبلة الأذن.

والتغيرات إن كانت تحصل بشكل واضح خلال مرحلتي الإقلاع والهبوط، غير أن مرحلة الهبوط تصحبها تغيرات أكبر لأننا خلالها نقترب أكثر من الأرض، حيث مقدار الضغط الجوي أعلى ما يُمكن.

آليات طبيعية لمعادلة الضغط ويلحظ أحدنا أنه حينما يبتلع ريقه أو لعابه، فإنه يسمع صوتاً داخليا خفيفاً في الأذن.

 ومصدر هذا الصوت هو تسريب ودخول فقاعة صغيرة من الهواء إلى منطقة الأذن الوسطى. وتأتي فقاعة الهواء الصغيرة هذه من الأجزاء العلوية والخلفية للحلق والأنف. وتدخل إلى الأذن الوسطى عبر قناة اوستاكي.

ودخول فقاعة الهواء الصغيرة هذه مهم جداً في تكوين معادلة للضغط على سطحي الطبلة. لكن أنسجة الأذن الوسطى ما تلبث أن تعمل على امتصاص تلك الفقاعة الهوائية الصغيرة، ما يفرض إعادة إدخال فقاعة أخرى لاستمرار تحقيق معادلة الضغط على جانبي الطبلة.

 وحينما لا تحصل تلك العملية، فإن معادلة الضغط على الطبلة تختل، وبالتالي يشعر المرء كأن أذنه مسدودة.

والسبب أن الطبلة لا يعود بمقدورها الاهتزاز بحرية حينما تصل إليها موجات الأصوات.

وعلية فإن أي سبب يُعيق قناة اوستاكي عن تسهيل دخول تلك الفقاعة الهوائية سيتسبب بعدم القدرة على معادلة الضغط على الطبلة.

قناة أوستاكي في الطائرة وحينما يكون أحدنا في الطائرة، لا تحصل عملية معادلة الضغط على جهتي الطبلة.

والمشكلة آنذاك لن تكون فقط مجرد شعور مزعج بانسداد الأذن، بل ستقل أيضاً القدرة على سماع الأصوات بوضوح. وقد يُؤدي دفع الطبلة إلى الداخل، إلى الشعور بالألم.

وتتعدد أسباب هذا الألم، ففي حالات احتقان الجهاز التنفسي العلوي، كما في نزلات البرد والتهابات الجيوب الأنفية وحساسية الأنف، يضيق مجرى قناة اوستاكي، ويصعب دخول الهواء إلى الأذن الوسطى لمعادلة الضغط على جانبي طبلة الأذن.

لكن الجسم لا يقف مكتوف الأيدي إزاء هذه المشكلة، بل يُحاول معالجة الوضع بطريقة بديلة، وهي تجميع كمية من السائل الشفاف لبلازما الدم، في داخل الأذن الوسطى للعمل على اتزان الطبلة. وهذا قد يُخفف من الشعور بسد الأذن، إلا أن وضوح سماع الأصوات يظل ضعيفاً.

والأطفال أكثر عُرضة للتأثر في هذه الحالة لأن القناة قصيرة وصغيرة وضيقة المجرى بالأصل لديهم، مقارنة بالبالغين.

كيف نتأقلم مع تغيرات الضغط الجوي في الطائرة؟
هناك عدة أفعال يُمكن القيام بها لتخفيف الاختلاف في مقدار الضغط على جانبي الطبلة، إلا أن الآليات التي من خلالها يتحقق هذا التخفيف تظل متشابهة. ومن تلك الأفعال:

التثاؤب، بلع اللعاب، مضغ العلك، تناول الطعام أو الشراب، لضغط على هواء الفم إلى الخلف مع قفل فتحتي الأنف، رضاع الأطفال الصغار، عطاء المصاصة للطفل.

وهذه الأفعال تعمل على تنشيط عمل عضلات الحلق التي تفتح مجرى قناة استاكيوس. ومن ثم تتم فرصة لمعادلة الضغط على الطبلة.

 ولأن كل الأفعال هذه إرادية، من الضروري أن يكون المرء، أو الطفل، مستيقظاً حال الإقلاع وحال الهبوط. والتثاؤب الحقيقي، أو حتى المُفتعل، أقوى وأفضل ما يُمكن لتحقيق ذلك.

والبلع يظل مفيداً وجيداً، ولذا فإن شرب الماء أو تناول قليل من الطعام، يُؤديان المقصود من تنشيط عملية البلع بصفة كاملة.

 وللاستفادة من مضغ العلك، فإن من الأفضل استخدام أنواع خالية من السكر أو استخدام اللبان الطبيعي.

 والسبب أن وجود سكريات العلك أو حتى الحلويات، في الفم يُثبط إفراز الغدد اللعابية للعاب حال المضغ. وفي حالة الإقلاع أو الهبوط، نحتاج كمية من اللعاب لبلعها، في محاولة تخفيف الضغط على الطبلة.

وعندما لا يُجدي أي من هذه الأفعال، فإن ثمة طريقة أخرى تنجح غالباً في فتح قناة اوستاكي. وهي ما يجب القيام بها برفق.

 وتتلخص بقفل فتحي الأنف، ثم ملء الفم بالهواء، وبعدها استخدام عضلات الخدين والحلق لدفع الهواء إلى خلفية وأعلى الأنف، بمعنى محاولة أحدنا «إخراج الهواء عبر أذنه»، وهو ما لن يتم، لكنه سيفتح القناة قليلاً وبما يكفي، وعادة ما يسمع المرء صوتاً خفيفاً في أذنيه آنذاك، ويشعر بالراحة فيهما. والمهم القيام بذلك بلطف، ويُمكن تكرار فعل ذلك كلما دعت الحاجة.

استشارة الطبيب قبل السفر
الأصل ما تنصح به الأكاديمية الأميركية لأمراض الأذن والحنجرة وجراحة الرأس والرقبة، من يُعانون من نزلات شديدة للبرد أو التهابات في الجيوب الأنفية أو حالات غير منضبطة من الحساسية، بتأجيل السفر في تلك الأوضاع الصحية.

وتشدد على تأجيله لمنْ تم لهم حديثاً إجراء عملية في الأذن أو الحلق. ويستفيد البعض، ممنْ لديهم حساسية في الأنف أو نزلات برد متوسطة، من تناول أحد أدوية معالجة الحساسية. ويتم تناولها قبل السفر بحوالي ساعة، كي يبدأ مفعولها مع بداية الرحلة.

وهناك أنواع من مضادات الاحتقان تُفيد البعض، سواءً كانت حبوب أو شراب أو بخاخ للأنف. وفائدة هذين النوعين من الأدوية هي تقليل حدة ضيق مجرى قناة اوستاكي، وتسهيل مرور الهواء من خلالها.

ويجب التذكير بأن تناول الأدوية هذه يجب أن يتم بعد المشورة الطبية، خاصة لكبار السن أو مرضى القلب أو ارتفاع ضغط الدم أو اضطرابات إيقاع نبض القلب أو منْ يتناولون هرمون الغدة الدرقية. وكذلك الحال مع الحوامل والأطفال.