الكويتيات الليبراليات يخشين مجلس أمة متعصباً

تقف ثلاث فتيات كويتيات مشرقات بإبتسامات جميلة قبل أن تشع عدسة الكاميرا بالفلاش. يتأملن الصورة قليلا، وعندما تأكدن أنهن ظهرن جميلات بها وافقن على نشرها. تقول إحداهن :" الصورة جميلة الآن، لكن لو تأملتها لدقيقة أخرى فستتحول لصورة بشعة".


بالفعل هي صورة جميلة، ولكنها تبدو مرتبطة بالكويت المتألقة الليبرالية السابقة أكثر من الكويت الحالية التي تميل إلى محافظة قاتمة. في الكويت السابقة كانت تمثل فيها شخصية المرأة الكويتية الحرة والجريئة، والتي ترتدي أزياء حديثة، وتقص شعرها بطرق مبتكرة، أحد وجوهها المضيئة .

تبدو هذه الفتيات الثلاث وكأنهن امتداد صغير لتلك الأجيال النسائية الكويتية الليبرالية السابقة، واللاتي مثلن نموذجاً ملهماً لكل نساء منطقة الخليج.

تقول  مراحب العلي، الطالبة  في الجامعة الأميركية والتي يشع من عينيها ذلك البريق الخلاب للمرأة الكويتية في السبعينات والثمانيات :" الحياة الاجتماعية في الكويت الآن أصبحت أكثر ضيقاً بالمرأة من السابق.

كان هناك جيل لامع من النساء الكويتيات في السابق لأنه كانت هناك أجواء من الحرية والانفتاح والتحضر. أما الآن فالأشياء تغيرت، وأصبح الوضع لا يساعد على بروز نساء قويات وجريئات وحرات ." وتضيف :"لا يعني أن هذا الوضع سيء جدا بالنسبة لي، ولكنه أيضاً غير جيد. أنا أقف في المنتصف تماما".

يبدو أن هذا هو شعور كثير من النساء الليبراليات الكويتيات التي يعشن في المنتصف، بين ماضي مضيء للمرأة الكويتية وواقع غير مريح ولا يمنحنهن أبسط الحقوق . تقول فاطمة أنها تصارع منذ 7 سنوات من أجل تكوين منتخب كويتي لكرة القدم ، ولكن كل تلك المحاولات فشلت وتضيف :" هناك حقوق مفقودة للمرأة الكويتية كانت موجودة في السابق . هناك أشياء كثيرة تغيرت من ذلك الوقت ولحد الآن".

تبدو أسباب هذه التغيرات التي أضرت بصورة المرأة الليبرالية في الكويت متعددة ، وتصدر من الداخل والخارج . من الواضح أن الكويت تأثرت كثيرا بالنزعة الأصولية المتشددة التي أثرت على غالبية البلدان العربية والإسلامية.

وبطريقة تشبه الذي حدثت في مصر ، توجد نزعة فيها كبيرة للمحافظة التي تبدو في أحيان كثيرة شكلية . فعدد النساء المحجبات في الكويت الآن لا يقارن بعدد النساء الكاشفات .ولكن هناك من يرى أن الغزو مثل صدمة كبيرة للكويتيين جعلتهم يعاقبون أنفسهم بالالتزام بنمط ديني أكثر محافظة من السابق.

كما أن القيم المتشددة التي نقلوها من المجتمع السعودي الذي تسيطر عليه ثقافة دينية متشددة كانت لها أيضا دور في دفع المجتمع الكويتي نحو هذه الوجهة الجديدة.
 
ولكن هناك سبب مهم في الكويت لبقاء نزعة التشدد موجودة، وهو مجلس الأمة الذي امتلأ في دوراته الأخيرة بالإسلاميين الذين يبغضون النموذج النسائي الليبرالي الكويتي القديم ,ولا يتمنون عودته إطلاقاً , وهم قادرين عبر النفوذ السياسي والثقافي الكبير الذين يملكونه على التأثير على حياة الكويتيين، الحد من بروز نوعية جريئة من النساء .

من خلال هذا النفوذ  اتخذوا مواقف ضد حرية المرأة، و دفعوا بالقوانين التي تحارب بروز هذا الوجه النسائي الليبرالي، كان أبرزها قانون منع فصل الطلاب عن الطالبات في الجامعات الكويتية.

تقول مراحب العلي :" موضوع فصل الطلاب سيء جداً، ومضر على مستويات كثيرة ,ومع ذلك فرضوه.نسمع قصص كثيرة من آبائنا وأخوتنا الكبار عن الدراسة المختلطة في السابق، والتي أنتجت أجيال صالحة وناجحة ساهموا في بناء الكويت, ولم يفرز التعليم المختلط  أجيال فاسدة كما يحاولون أن يدعون الآن"

يسعى الإسلاميون بشكل صريح لاستبدال الدستور الكويتي بالشريعة الإسلامية ,وذلك من أجل فرض رؤيتهم الخاصة على شئون الحياة  وأهمها السيطرة على المرأة ,وفرض أفكارهم الخاصة عن الاحتشام والأخلاق، وفي الحقيقة أنهم استطاعوا أن يفرضوا مثل هذا النمط من السلوك حتى قبل أن يطبقوا الشريعة الإسلامية فعلاً.

تقول مراحب العلي أنها قابلت العديد من النساء اللاتي  يعتبرن التصويت للمشرحات كاشفات الرأس حراماً ,وتضيف :" هذا أمر محزن وصادم".

مثل هذا التصاعد الأصولي في مجلس الأمة والحياة الاجتماعية يقلق الكويتيات صاحبات الرؤى الليبرالية المنفتحة , تقول فاطمة :" هذا الأمر يبعث على المخاوف بالتأكيد . لا يمكن أن نعيش تحت وصاية أحد". تقول مراحب العلي :" إنهم يتحدثون عن الشريعة، شريعتهم الخاص، ولكن نحن نعيش وفق طريقتنا التي لا تتعارض مع الشرعية التي نعرفها".

ولكن الوجه المضيء من المسألة، هو أن الإرث القديم للمرأة الليبرالية الكويتية لم يشطب تماما ,و هذا ما تشير له الشابة الكويتية دانة التي تقول أن :" هناك أقلية صامتة كبيرة من النساء الكويتيات الحرات والجريئات، وهن بدأن يتحركن للعودة من جديد للصورة"و تضيف": أنا متفائلة، فبحسب ما أرى هناك انبعاث جديد لقوة النسائية الليبرالية ". 

من أجل إعادة هذا الروح النسائية من جديد فإن هؤلاء الفتيات والنساء يلتففن هذه الأيام حول المرشحين والمرشحات الذين يدعمون مثل هذه التوجه، مثل المرشحين في التحالف الديمقراطي الذي يمثلون إحدى قوى التيار الليبرالي الكويتي، كمحمد الصقر وعلى الراشد وأسيل العوضي  .

تقول د.أسيل العوضي :" أنا أشارك هؤلاء النساء المخاوف. الكويت دولة مدنية .ويجب نحافظ عليها من أجل أن نحافظ على حقوق وحريات الجميع .ليس لدي عصا سحرية ,ولكني بالتأكيد سأدعم حقهن في الحرية و الاختيار".

ستصوت هؤلاء النساء يوم غداً للمرشحين الليبراليين، وذلك بهدف إضعاف سيطرة القوى الإسلامية المتشددة على مجلس الأمة القادم. ويأملن أن يظهر مجلس أمة جديد أكثر انفتاحاً وتسامحاً .ولا يكره أن تستعيد المرأة الكويتية ألقها الذي سحر العرب من سنين طويلة.