الطفلة المعجزة فيــروز .. عاشت ورحلت طفلة!

الطفلة فيروز.. هكذا كانت تلقب وهكذا عاشت ورحلت أيضًا، بروح طفولية بريئة عفوية.

فيروز.. وقعت في قلب كل من رآها ليس لجمال ملامحها وبراءة وجهها فحسب، بل للباقتها الممزوجة بخفة الظل والتي احتفظت بها منذ نعومة أظافرها وحتى وفاتها!.

أما عن سيرتها وحياتها الشخصية والفنية فسنستعرض سويا أهم محطات حياتها وأهم ما قدمت.

حياة فـيــروز
الولادة، الطفولة المبكرة والاكتشاف

(  فيروز) ليس اسمها الحقيقي (عند الولادة) وإنما لقب حملته والتصق بها طوال حياتها وبه ومن خلاله أطلت على نافذة العالم العربي من خلال شاشات التليفزيون والسينما.

بيروز أرتين كالفايان، ممثلة مصرية من أصل أرمني مولودة في الخامس عشر من مارس عام ١٩٤٣في القاهرة، لعائلة كانت تسكن من قبل حارة الجب بمدينة حلب السورية.

ولدت فيروز لعائلة فنية فهي الشقيقة الكبرى للفنانة نيللي وابنة عمة الفنانة لبلبة.

انطلاقة فيروز كانت مبكرة جدا فأول أعمالها الفنية كان فيلم (ياسمين) عام ١٩٥٠ وبالرغم من  النجاح الساحق الذي حققه الفيلم فلم يكن عمر فيروز حينها قد تجاوز السابعة!، ولكن مكتشفها ومقدمها الحقيقي للجمهور كان قد آمن بموهبتها الفذة، وهو الراحل العبقري المنتج والممثل أنور وجدي والذي شاركها التمثيل والغناء.

 والحقيقة أن عرض وجدي عليها بإنتاج فيلم لها لم يكن هو العرض الوحيد أو حتي الأول الذي تتلقاه الفنانة الصغيرة، ولكن وجدي استطاع أن ينتزعها من بين عروض المنتجين الآخرين الذين قد شاهدها معظمهم في حفل بأحد صالات الأوبرج أدت فيه مونولوج من تأليف وتلحين إلياس مؤدب صديق والدها، وكان أبرز حضور حفلها ملك مصر الملك فاروق الذي صفق لها بحرارة من شدة إعجابه بموهبتها ومنحها جائزة مالية قدرها خمسون جنيه كاملة!

أولى خطوات الشهرة والنجاح
 ويفوز وجدي بتمثيلها أفلاما من إنتاجه بعقد احتكار وقعه معه آرتين كالفايان والد بيروز ينص على أن تتقاضي إبنته  ١٠٠٠ جنيه كاملة عن كل فيلم تمثله لصالح المنتج وجدي منفرداً، وذلك بعد أن كان من المفترض شراكة الموسيقار عبد الوهاب مع وجدي بحسب الإتفاق بينهما ولكن الأول انسحب خشية ضياع أمواله "علي طفلة لا تجيد سوي الرقص والغناء"!.. هكذا قال وقتها.

ولكن ثقة وجدي في موهبة الطفلة جعلته يخوض المغامرة متحملا تكاليف الإنتاج بالكامل وحده!

 ومن هنا تنطلق فيروز المعجزة كما أطلق عليها وجدي وكما قدمها للجمهور بعد أن أصقل موهبتها باستعانته بمدرب رقص خاص لها!.

فيلم ياسمين ودهاء أنور وجدي
 ويلمع نجم المعجزة فيروز مباشرة بعد عرض فيلم (ياسمين) في صالات السينما والذي أشاد به النقاد سواء بأداء فيروز وقدراتها التي سبقت سنها أو لقدرة وجدي العبقرية في توظيف مواهب الطفلة وإبرازها كمخرج عالي الطراز ولبراعة السيناريو والقصة..علاوة على دهاء وجدي في الترويج والدعاية لفيلمه بطريقة لم يسبقه إليها أحد.. حيث أعلن في الصحف المصرية صباح يوم العرض عن فيلمه داعيًا فيه أطفال مصر الحضور لسينما الكورسال لمشاهدة الفيلم الذي سيعرض في العاشرة صباحًا والذي ستقوم بطلته الصغيرة بنفسها بتوزيع جوائز علي الأطفال الحضور، وبالفعل علقت الزينات والبلالين ووزعت مئات الهدايا. 

فكانت جميعها جهود وأفكار ومواهب تضافرت فنجحت في تقديم ميلودراما ناجحة.

مشوار فيروز الفني القصير من الطفولة للشباب
تتالت بعد (ياسمين) أعمال فيروز التي وفي الحقيقة لم تكن كثيرة ولم يكن لوجدي نصيب منها سوى أربعة أفلام خلال ثلاث سنوات متتالية حقق الثنائي فيهم نجاحًا باهرًا، ولكن الوالد آرتين فسخ العقد مع وجدي لينفرد هو بتكاليف إنتاج الأفلام لإبنته التي كانت له بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهب!!

وكان أول أفلام المنتج والوالد آرتين فيلم (الحِرمان) عام ١٩٥٣ الذي اشتركت فيه فيروز مع شقيقتيها نيللي وميرفت.

توقفت فيروز بعد (الحرمان) عن العمل لثلاث سنوات كاملة، لتعود بعدها تؤدي أدوارًا درامية تتناسب مع عمرها آنذاك.

وبالرغم من تأديتها لأدوارها بحرفية وبراعة إلا أن حظ الطفلة المعجزة كان أوفر من حظ الشابة اليافعة  فبرغم النجاح المتفاوت لم تنل أفلامها في الشباب ضجة ولم تحقق إيرادات ضخمة كما سابق العهد وكما اعتادت هي.

 الجدير بالذكر أن مشوار فيروز الفني رغم نجاحها وموهبتها لم يستمر سوى تسع سنوات فقط قدمت فيهم عشرة أفلام نجح معظمهم نجاح ساحق وترك جميعهم بصمة تميزت بها السينما المصرية ومازالت حتى يومنا.

وعن الأفلام العشرة التي قدمتها، فهم :
- ياسمين ١٩٥٠

- فيروز هانم١٩٥١
 
- صورة الزفاف ١٩٥٢

- دهب ١٩٥٣

- الحرمان ١٩٥٣

-عصافير الجنة ١٩٥٥

- اسماعيل يس للبيع ١٩٥٧

- اسماعيل يس طرزان ١٩٥٨

- أيامي السعيدة ١٩٥٨

- بفكر في اللي ناسيني ١٩٥٩ 

ومن خلال أفلامها تعلق بأذهان الجماهير عدد من الأغاني والمونولوجات التي أدتها ببراعة وبصوت طفولي رقيق عذب والتي مازالت تردد حتى اليوم رغم مرور ما يزيد عن ستين عام عليها، وأشهرها:

(كروان الفن وبلبله، معايا ريال، بحلق لي، اتمخطري، مبروك عليكي عريسك الخفة، أنا كتكوتة نونو ودح).. وغيرهم.

الإعتزال
 وقد اعتزلت المراهقة الشابة فيروز السينما وغادرت الحياة الفنية تماماً بكامل إرادتها وهي بعمر الستة عشر عام فقط وبالفعل كان قرار لا رجعة فيه.

أما عن الحياة الشخصية لفيروز
أثناء عمل فيروز في فرقة اسماعيل ياسين تعرفت على زوجها الفنان الراحل بدر الدين جمجوم الذي تزوجها بعد فترة قصيرة من اعتزالها واتفقا على أن تبقى هي على دينها وعلى اعتناقها المسيحية  وهو مسلم ولم يختلفا في ذلك، وأنجبا طفلين هما أيمن وإيمان وظل فيروز وجمجوم زوجان متفاهمين  لأكثر من ثلاثين عام حتى رحل هو عن الدنيا عام ١٩٩٢.

نُبذة عن الزوج الفنان بدر الدين جمجوم
جمجوم مصري مسلم من أصول فلسطينية، وتحديدا مدينة الخليل، وتخرج من معهد العلوم المسرحية عام 1959 في قسم التمثيل ثم كلية الآداب بجامعة القاهرة.

التحق جمجوم بفرقة ساعة لقلبك، ثم فرقة إسماعيل ياسين (التي تعرف من خلالها بالزوجة فيروز)، وبعدها فرقة التلفزيون، وتوفي جمجوم عام 92 عن عمر يناهز57 عام.

اختلاف الدين والتسامح بين الزوجين (يوصلها للكنيسة وهي تقرأ الفاتحة )!!
كان زواج الفنانة المعتزلة و الطفلة المعجزة فيروز من الفنان بدر الدين جمجوم ، مضرب الأمثال في التسامح الدينى بين الأزواج ، و كيف أنه يمكن لزوج مسلم أن يعيش في حب ووئام مع زوجة مسيحية ، حيث عاش بدرالدين جمجوم و الطفلة المعجزة فيروز ثلاثين عاما حتى توفاه الله و هى على دينها المسيحي، والطريف ما حكته الإبنة إيمان عن الود الأسري بين أبويها وامتلاك أمها لقلب طفل لآخر يوم بحياتها، فذكرت أن الفنان الراحل بدرالدين جمجوم كان يأخذ زوجته فيروز إلى الكنيسة لتقوم بعبادتها بينما يجلس الفنان بدرالدين جمجوم بعيدا ينتظرها، وكانت فيروز تذهب أيضا مع زوجها جمجوم إلى السيدة زينب و الحسين لتقرأ الفاتحة معه فقد كانت تحفظ آياتها عن ظهر قلب، فكانا زوجين غاية في الحب والتفاهم و عاشا حياة رائعة كانت مضرب الأمثال للكثيرين ومحط أنظارهم .

تكريم فيروز
كرّم مهرجان القاهرة السينمائي فيروز عام ٢٠٠١ على مشوارها الفني المميز الرائع.

وفاة فيروز
عانت القديرة فيروز في أواخر سنوات حياتها من متاعب شديدة ومضاعفات بالكلى والكبد و قد استردها الله صباح السبت 30 يناير2016، عن عمر يناهز 73 عاماً، بعد أن شهدت حالتها الصحية تدهوراً كبيراً، حيث دخلت العناية المركزة بمستشفى الصفوة في مدينة 6 أكتوبر وهناك قضت فيروز مسيحية والعزاء فيها يقام في مسجد!!

بالفعل أقيم سرادق عزاء الفنانة الطفلة المعجزة فيروز في دار مناسبات بمسجد الحامدية الشاذلية بالمهندسين في الجيزة، بحسب إرادة عائلة زوج الراحلة وابنيها (أيمن وإيمان) فهما مسلمان على دين أبيهم وهم من قرروا أن يكون العزاء بالطقوس الإسلامية.. هكذا صرح مسؤول بالنقابة، بينما تم دفن الجثمان بمدافن الأرمن بأرض الجولف بمصر الجديدة، وذلك حسب رغبة ابنها.

أما عن رأي الشرع فقد صرّح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن تلقي العزاء لغير المسلمين في مساجد المسلمين جائز شرعا طالما أن أهل المتوفاة أو المتوفى من المسلمين، بينما لا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين .

وأضاف أن أبناء الفنانة الراحلة مسلمون، وتأدية واجب العزاء ستكون لهم وليس لغيرهم، بالتالي يجوز شرعا أن تقام مراسم العزاء في المسجد بشرط ألا تمارس طقوس المسلمين فيه مثل قراءة القرآن أو الذكر أو الترحم، وطالما أن العزاء يقام في دار مناسبات خارجية ملحقة بالمسجد، فيمكن استقبال القساوسة وقيادات الكنيسة دون حرج .

وكانت هذه حياة الطفلة فيروز وأهم محطات حياتها،  فهكذا كانت تلقب وهكذا عاشت ورحلت أيضًا، بروح طفولية بريئة عفوية.