جراحات التجميل في تونس .. تنعش السياحة بسبب تكاليفها القليلة

شهدت الحياة الاجتماعية في تونس تطورات عديدة ترجمتها السلوكيات المختلفة التي بات التونسيون يلجأون إليها، سواء لضرورة نفسية ملحة أو لترف اجتماعي ومحاولة الظهور في أفضل الصور.


من هذا المنطلق، أصبح الإقبال على الأطباء والمتخصصين في عمليات التجميل، ظاهرة واضحة للعيان ولم تشمل القائمة التونسيين فحسب، بل تجاوزتهم لتستقطب زبائن أوروبيين كثيرين هربوا من غلاء تلك العمليات في بلدانهم الأصلية ليجدوا الفرصة مواتية في تونس وبأسعار غير قابلة للمنافسة، ولعل طرافة الموضوع المطروح تتجاوز مجرد طرحه بمعطياته المختلفة، لتتناول الظاهرة الاجتماعية التي رافقت هذه العمليات والمتمثلة في الإقبال اللافت للانتباه للرجال على قاعات التجميل من ناحية وعلى أطباء التجميل من ناحية ثانية.

ولكن متى يكون المرء في حاجة أكيدة للتجميل؟ وهل أصبحت هذه الظاهرة دليل تحضر لدى البعض؟ وهل أثر الفنانون والنجوم والمشاهير في الناس العاديين حتى بات التشبه بهم من قبيل الوجاهة والتطور؟ وماذا يقصد الكثير من الناس بقولهم «أريد أن أغير «اللوك»؟

تجدر الإشارة هنا إلى ضرورة التمييز بين التجميل الذي يهدف إلى الترف الاجتماعي ومحاكاة المشاهير، والتجميل الطبي الذي يهدف بالأساس إلى جراحة التشوهات الخلقية التي تولد مع الجنين أو التي تكون نتيجة للتعرض لمختلف فواجع الحياة، ويتعامل قطاع التجميل في تونس مع الصنفين، وان كان في معظمه موجه إلى المرأة من باب الترف الاجتماعي، بحيث تجاوزت طابعها الطبي لتصبح بمثابة الظاهرة الاجتماعية أو الموضة التي غزت عالم المشاهير وانتقلت بسرعة إلى الناس العاديين.

فقد أصبح البعض، مثلا، يطلب من طبيب التجميل أنف «نانسي» وخصر «هيفاء» وغيرهما من الطلبات ذات الطابع الاستعراضي. وأصبحت عمليات التجميل هذه بمثابة الموجة الجديدة التي يرى البعض أنها ستمثل حلا سحريا لكل العيوب بعد أن اتبع الكثير من الناس نمطا حياتيا تغلب عليه الأكلات السريعة وقلة الحركة والإكثار من الدهنيات.

ولن نستغرب إذا وجدنا ان القائمة توسعت واصبحت تشمل عمليات شد الوجه للتغلب على تجاعيد الشيخوخة، وعمليات تقويم الأنف وانتقاء الشكل المناسب الذي غالبا ما يكون شبيها بأنف أحد الفنانين المشاهير من مطربات وممثلات، بالإضافة إلى عمليات شد البطن بعد تشوهات الولادات المتكررة، ذلك أن عديد الأمهات اللاتي أنجبن يردن المحافظة على رشاقة الشباب، وعمليات توسيع أو تضييق محجر العينين، وتكبير أو تصغير الصدر.

وتشير بعض المعطيات إلى أن تونس أصبحت قبلة للسياحة الطبية، فالكثير من الأوروبيين يأتون إليها طلبا للراحة والاستجمام، لكن ذلك غالبا ما يكون مترافقا مع بعض العمليات التجميلية، ناهيك بأن بعض وكالات الأسفار العالمية والتونسية أصبحت متخصصة في هذه النوعية من السياحة.

وفي هذا السياق، قال حسام بن عزوز صاحب وكالة أسفار متخصصة في جزء مهم من نشاطها في السياحة الطبية:"ان اهتمامه بهذا النشاط الذي كانت بدايته مع السوق الانجليزية سنة 2005 يعرف تزايدا، واصبح حاليا استقدام أعداد مهمة من السياح الذين يجمعون بين السياحة والتجميل أمرا عاديا، إذ بلغت أعداد المقبلين على عمليات التجميل منذ ذلك التاريخ قرابة 1500 سائح وهم يأتون من أجل جراحة الأسنان وشفط الدهون وتقويم الأعضاء (الركبتين والكتف بالأساس)". ويشير إلى أنه من المنتظر التوجه قريبا إلى الأسواق العربية، بل هناك برنامج مخصص لأسواق منطقة الشرق الأوسط.

هذا وتحتل تونس المرتبة الثانية في القارة الافريقية مباشرة بعد جنوب افريقيا، وقد سبقت في هذا المجال عديد البلدان الأخرى، مثل تركيا والمغرب ومصر وقبرص التي انطلقت اخيرا في الدعاية لهذه النوعية الجديدة من السياحة. ويقدر عدد عمليات التجميل المجراة في تونس خلال السنوات الأخيرة بما لا يقل عن 150 ألف عملية تجميل سنويا، وذلك بعد أن كان العدد لا يتجاوز حدود الألف عملية خلال عقود قليلة سابقة.

ويقدر نسبة المقبلين على عمليات التجميل من الأجانب بحوالي 20 بالمائة، ففي سنة 2006 على سبيل المثال توافد على تونس قرابة 62500 مريض أجنبي، ومن بينهم قرابة 12500 خضعوا لعمليات التجميل.

وتعد دول أوروبا من بين الأكثر إقبالا على هذا المنتوج التونسي الجديد، الذي يجمع بين الطب والسياحة، وتأتي فرنسا وايطاليا وألمانيا وكندا على رأس قائمة الدول القادمة على تونس لإجراء مثل هذه العمليات، مدفوعين بانخفاض التكلفة، إذ لا وجه للمقارنة بين الأسعار التي يعرضها طب التجميل في تونس ونظيره في أوروبا.

فعملية شد الوجه على سبيل المثال تكلف حوالي 3000 يورو في أوروبا، في حين أن نفس العملية لا تزيد كلفتها على 1500 يورو، مع ضمان الإقامة السياحية لمدة أسبوعين في مجمع صحي. أما بالنسبة لعملية «تكبير الثدي» فلا تزيد تكلفتها على 2600 يورو في تونس، وتتضمن هذه التعريفة تكلفة السفر، بينما لا تقل تكلفتها في فرنسا على سبيل المثال عن 5000 يورو. وبحسبة بسيطة نعرف أنها عملية اقتصادية أكثر من رابحة بالنسبة للسياح، الذين يقبلون على عمليات شفط الدهون الناجمة عن الوزن الزائد، كذلك تجميل الوجه والثدي على وجه الخصوص.

أما بالنسبة للتونسيين من الرجال، فان إقبالهم على عمليات التجميل يصب في عمليات زرع الشعر وإصلاح الكسور على مستوى الأنف، هذا بالإضافة لعمليات شفط الدهون. ويطلب التونسيون كذلك عمليات جراحية على الجفون وشد الوجه وإزالة التجاعيد وهي تقريبا نفس العمليات المطلوبة من ضيوف قادمين من بلدان المغرب العربي والبلدان الأوروبية.

وقد شهد عقد التسعينات ارتفاعا ملحوظا من قبل التونسيين على جراحة التجميل، وكانت البداية بالأثرياء وأصحاب المحافظ المكتنزة، ثم انتشرت الظاهرة لتضم اليوم عامة الناس، وإن كانت المصحات التجميلية تتوزع على المناطق الساحلية السياحية أكثر. فبالإضافة إلى العاصمة تونس مركز الثقل الاقتصادي والاجتماعي، فان بقية المصحات موجودة في ولايتي سوسة وصفاقس وجزيرة «جربة».

وللوقوف على آخر المستجدات في مجال الجراحة الطبية، انتقلنا إلى المصحة التي يجري بها الدكتور الطاهر الجمل هذه النوعية من العمليات، حيث تبين لنا أن عملية زراعة الثدي، على سبيل المثال، والتي تدوم أكثر من ست ساعات في فرنسا، بفضل المهارات التونسية لا تتجاوز حدود الساعة ونصف الساعة وبنفس الفعالية، وفيما تتكلف هذه العملية قرابة 25 ألف يورو في ايطاليا، فإنها في تونس لا تتجاوز 1764 يورو.

وحسب الأرقام التي أمكن لمحدثنا جمعها، فان المقبلين على مثل هذه العمليات، سواء من تونس أو من الخارج، معظمهم من النساء، وتصل النسبة إلى 80 بالمائة، وقرابة نصف النساء أعمارهن فوق 45 سنة، وتدوم نتائج عمليات شد الوجه ما بين 7 و12 سنة.

ويفسر الدكتور الطاهر الجمل الإقبال على الجراحة الطبية في تونس أولا بانخفاض التكلفة، خصوصا لعدم تكفل الصناديق الاجتماعية في معظم دول أوروبا بمثل هذه العمليات. بدوره يرى الدكتور فتحي حوسين، طبيب نفساني متخصص في التحليل النفسي، ان الحاجة لعمليات التجميل زادت خلال السنوات الأخيرة، بسبب الأهمية الكبرى التي أصبحت تكتسبها الصورة والمظهر العام للفرد داخل المجتمع، كما أن ظاهرة التسويق طغت على جل المعاملات فذهب ظن البعض أن كل شيء بات يشترى حتى الجمال، لكنه لم ينكر أهمية مثل هذه العمليات في تحقيق التوازن النفسي للأشخاص.