عطور الصيف.. بطعم الفاكهة وعبق الزهور

حتى الآن، ورغم تطور صناعة العطور وتقطير الزيوت، لا يزال الخبراء يؤكدون ان الروائح التي ترتكز على خلاصات الفانيلا أو المسك هي التي لها تأثير قوي في الحواس. فهي من جهة، تجعل المرأة جذابة في عيون الجنس الآخر، ومن جهة ثانية تشعرها بالسعادة والرضا عن النفس لأنها تأخذها إلى عوالم الطفولة والأمان.


ويشير الخبراء إلى انه عندما تمزج هذه الروائح مع الياسمين، فإن الخلطة تكون استثنائية، كما هو الحال بالنسبة لعطر «شانيل نمبر 5» الذي تباع منه قنينة كل بضع ثوان ولا يزال يحقق أعلى المبيعات في سوق العطور، رغم مرور عشرات السنين على ابتكاره.

ورغم ان أنوف المتخصصين لا تزال تجتهد وتبحث عن تلك الخلطة السحرية التي ستنافس هذا العطر وتزحزحه عن مكانته، ولو قليلا، ورغم أنهم جربوا الكثير من الخلاصات، ارتأى بعضهم ان يستسلموا، وأن يجربوا نظريات جديدة لعلها تحقق لهم نجاحات من نوع آخر، وهذا ما يفسر تركيزهم على خلاصات يبدون من خلالها كمن يريد ان يكتشف مدى صحة المقولة القائلة بأن «أسرع طريق إلى قلب الرجل معدته».

فعلى ما يبدو، قرروا الابتعاد عن خلاصات الورود والأزهار، ووجهوا أنظارهم إلى ابتكار عطور تدخل في تركيباتها أنواع شتى من ثمار الفاكهة والشوكولاته وما شابهها من الطيبات للصيف المقبل. على رأس هذه الثمار التوت ومزيج الشوكولاته وفاكهة أخرى شهية الرائحة.

يقول فيرنر هاريجيل من رابطة صناعة العطور الألمانية في رينكلينجهاوزن، حسبما نشرته وكالة الأنباء الألمانية «د.ب.أ»، إن الفاكهة الطازجة من الفراولة إلى الخوخ، مرورا بالبابايا والمانجو، تعد من الاتجاهات الحديثة في تكوين العطور.

ويضيف أن العطور مثل الموسيقى كلما تم إدخال آلات جديدة في عزفها كلما كان اللحن كاملا. ويوضح مارتن روبمان من رابطة أدوات التجميل الألمانية ببرلين أن الأريج الرئيسي في عطور النساء للصيف فعلا يفتح الشهية، خصوصا أنه يصعب مقاومة الإغراء الذي تثيره روائح التوت والجريب فروت والعليق وأزهار الفاكهة.

وثمة نماذج كثيرة على أرفف متاجر العطور حاليا مثل «ماي إنسولونس» من دار غيرلان، وهي أول شركة تجميل وعطور، تضع التوت تحت دائرة الضوء، كما هناك ابتكار آخر من كايلي مينوج عبارة عن مزيج من الفراولة وثمر العليق وخشب شجر الفراولة، بينما يستخدم العطر «إل» من إيف سان لوران الليمون والليتشي.

وتوضح بريتا جون من إحدى جمعيات العطور بمدينة بيلفيلد الألمانية أن العطور المصنوعة من الأزهار وتلك المصنوعة من الفاكهة تثير مشاعر مختلفة في النفس. فالأزهار الرقيقة، مثلا، تمثل الصفاء والشفافية وتنقل الإحساس بالسعادة، ولهذا لا يمكن الاستغناء عن نغماتها في أي عطر نسائي، بينما تمثل الفاكهة الانتعاش وروحا رياضية.

ومن جهته يتفق روبمان مع بريتا في ان الأنوف لا تستطيع، مهما حاولت، الاستغناء عن الأزهار، لأنها هي التي تشكل جوهر العطر، حتى ولو كانت بجرعات خفيفة جدا. ويضيف بأن هذا الموسم يتجه صوب أزهار الحديقة مثل زنبق الوادي وعشب الزهر المتعدد الألوان والسوسن والورود إلى جانب الأزهار البهيجة مثل الياسمين واللوز واللوتس.

لكن الجديد لا ينفي القديم، فهناك دائما عودة للخلاصات الكلاسيكية، لما تثيره من ذكريات ارتبطت بتجارب حميمة أو بشخصية عزيزة على قلوبنا أو مناسبة خاصة وغيرها، وبالتالي لا يمكن ان ننكر ان جزءا مهما من إقبالنا على العطور وشرائنا لها يكون فيه للذاكرة دور كبير، خصوصا ان الكثير من هذه المشاعر ترفع معنوياتنا وتحسن أمزجتنا.

المصمم مارك جابوبس، مثلا، عندما طرح عطره «دايزي» زهرة البنفسج كأساس، على الرغم من أن البعض كان يخشى أنها أصبحت قديمة ومستهلكة، كان يعرف ان هذه الزهرة تمثل صورة أنثوية جذابة وبإمكانه ان يجعلها حديثة وتواكب ذائقة الفتيات العصريات، ونجح إلى حد كبير في هذا بمزجها بخلاصات جديدة وعصرية.

صحيح ان العطور الجديدة لا ترضي جميع الأذواق، لكننا دائما نجد ما يعجبنا بين هذا الكم من العطور التي تطرح في الأسواق كل شهر تقريبا. فثقافة العطر نفسها تغيرت، مما انعكس على شكل القنينة والمكونات في الوقت ذاته.

ففي الزمن الماضي كان العطر اقتناء خاصا تشعر المرأة بالألفة معه، وبالتالي تبقى مخلصة له مدى الحياة إلى ان يرتبط بها وترتبط به، لكن الآن ومع تطور التقنيات وسهولة التصنيع فقد أصبح بالإمكان تجربة العديد منها وتغييرها كما نغير أحذيتنا وحسب تغير المزاج أو الطقس.

ورغم ما في الأمر من سلبيات، إلا ان له إيجابياته ايضا، كونه يرضي جميع الأذواق ويناسب ثقافة العصر الاستهلاكية التي تريد ان تنتقل من جديد إلى آخر. ويقول هاريجيل من رابطة صناع العطور، إن الأريج الذي يحبه الجميع يأتي دائما كحل وسط بالنسبة للشركات المصنعة.

كما توضح بريتا جون، أن السبب في هذا الزخم من العطور المطروحة في الأسواق يعني أيضا تنوعا في المكونات والخلاصات والرائحة، إذ هنا العطور المكونة من الزهور القوية، وأخرى من الأخشاب الشرقية، كما أن هناك التي ترتكز على الفاكهة الحمضية، وفي كل الحالات يكون المستهلك في موقف يسمح له بالاختيار.

وتضيف أن القواعد الثابتة مثل تلك التي كانت تنادي بضرورة استخدام عطر خفيف، مثلا، عند ارتداء ملابس رياضية قد ولى زمانها، فأي نوع جائز ومقبول ما دامت النفس تهفو إليه وتشعر معه بالسعادة والثقة.