الفستق الحلبي .. يحفل بالعناصر الغذائية المهمة لنشاط الجسم

زرعه نبوخذ نصر في الجنائن المعلقة .. ويعتبر من المكسرات المرغوبة في الشرق والغرب
زرعه نبوخذ نصر في الجنائن المعلقة .. ويعتبر من المكسرات المرغوبة في الشرق والغرب

حينما كتبت الشاعرة نازك الملائكة أبياتاً في وصف طفلة صغيرة، وصدرتها بالبيت القائل: خضراءُ برّاقة مُغْدِقهْ كأنّها فَلْقَةُ الفستقهْ ظن بعض الشعراء والباحثين الأدبيين آنذاك أن نازكاً اخترعت هذا الوزن أو اهتدت إليه غير مسبوقة في ذلك.


لكن المراجعة المتأنية لباحثين آخرين لاحقاً أفادت بأنه وزن غير مستحدث، وسبق للشعراء من الأندلس، وحتى الشعراء الشعبيين في الجزيرة العربية، أن طرقوا استخدامه. واختلفوا إلى أي البحور ينتمي، وقال البعض أنها أبيات تحمل ملامح لبحر "البسيط"، وأخرى لبحر "الرمل"، واقترحوا بالتالي إضافتها كنموذج لبحر جديد يُمكن أن يُسمى "مرمل بسيط".

ورأى البعض خلاف ذلك. ولئن كانت لدى الأدباء آراء غير مستقرة حول موضوع أبيات "الفستق" لنازك، فإنه لا يبدو أن ثمة أي بقية لجدل مُحتمل لدى الأطباء والباحثين العلمين حول الفوائد الصحية للب "فلقة الفستق".

لمحة تاريخية
يعتبر تاريخ الفستق الحلبي من أكثر تواريخ النباتات والثمار الطيبة والخيرات الطبيعية بشكل عام، تاريخ طويل وحافل ومميز في العالم بعد انتشاره من منطقة الشرق الأوسط التي يحبها ويحب مناخها. وشجرته من أقدم أشجار المكسرات المزهرة. إذ تشير بعض الحفريات إلى استخدام الناس له منذ القرن السابع قبل الميلاد في تركيا. ولطالما اعتبر من ثمار الملوك والعامة على حد سواء وحمله الرحالة في أسفارهم ونقلوه وتاجروا به على أنه بضاعة فاخرة.

ويقال إن ملكة سبأ (شيبا) منعت الناس العاديين من زراعة الفستق الحلبي واستغلاله واستهلاكه واعتبرته حكرا على الطبقة المالكة وحدها. وكانت تسيطر وحدها على واردات الفستق الحلبي من الآشوريين لحبها له. كما جعل ملك بابل القديمة نبوخذ نصر من أشجار الفستق جزءا لا يتجزأ من الجنائن المعلقة التي كانت تعتبر من عجائب العالم القديم. وقد أحبه الرومان وأغرموا به منذ زمن طويل أيضا، وجلب شجرة الفستق إلى روما الإامبراطور فايتيليوس في القرن الأول. وهناك اعتقاد أيضا أن الفستق الحلبي، كان أحد الثمار التي جلبها معه سيدنا آدم عليه السلام إلى الأرض. وكما سبق أن ذكرنا، كان الفستق حلبي واللوز جزءا لا يتجزأ من حياة الرحالة والتجار الذين كانوا يعملون وينشطون على طول خط الحرير القديم الذي كان يوصل الصين بالشرق الأوسط والعالم، بسبب أسعاره الممتازة والقدرة على تخزينه واستخدامه لوقت طويل مع قيمته الغذائية العالية جدا.

وكان آنذاك يستخدم أيضا لعلاج وجع الأضراس أو الأسنان والكبد. ومع هذا، فإن أصول الفستق الحلبي لا تزال مثار جدل، وتتراوح بين تركيا وإيران وسورية. وتقول الموسوعة الحرة في هذا الإطار إن هناك بلدان كثيرة تعتبر موطنا لشجرة الفستق الحلبي وهي باكستان وإيران وتركيا وتركمنستان وقيرغيستان واليونان وأفغانستان وسورية. لكن الشجرة الحديثة التي نستغلها تعود على الأرجح إلى غرب آسيا، حيث كانت من قديم الزمان من المحاصيل المهمة في المناطق الإيرانية الباردة قليلا. وقد جاء ذكر الفستق الحلبي في كتب المؤرخ اليوناني والعالم الذي ولد في قليقيا في سورية دياسقوريدويس العظيم الذي كتب عدة كتب مهمة عن النباتات والحشائش. وجاء اسمه باليونانية آنذاك «بيستاكيا» وتلفظ أحيانا «فستاقيا».

لكن انتشار الفستق كما يبدو تم من سورية في اتجاه العالم الحديث على ما يبدو. ويقول المؤرخ الروماني المعروف بليني في كاتبه «التاريخ الطبيعي»، إن شجرة البطم «بيستاشيا» (pistacia) كانت معروفة جدا في أوساط الرومان وإن شجره كان من الأشجار الفريدة التي تتغنى بها سورية، وقد قام القنصل الروماني في دمشق لوسيوس في عهد الإمبراطور تابيريوس، بنقل شجرة الفستق الحلبي إلى إيطاليا لأول مرة. كما قام بنقلها إلى شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال) فلاكوس بومبييوس. كما جاء ذكر الفستق في مدونات البيزنطي أنثيموس، حيث كان كما يبدو شائعا في أوروبا في أواخر القرون القديمة، أي بين القرن الثاني والثامن.

وتكملة لهذا الكلام، تقول الموسوعة الحرة العربية، إن الفستق الحلبي عرف بسبب مدينة حلب التي تشتهر بزراعته منذ قديم الزمان وإن تاريخ زراعته في غرب آسيا وبلاد الشام يعود 3500 سنة قبل الميلاد. كما أن موطن شجرة الفستق الحلبي التي تنتمي إلى الفصيلة البطمية هو منطقة عين التينة في سورية. وتضيف الموسوعة أن بلدة مورك التي تقع جنوب معرة النعمان (شمال مدينة حماة) هي مركز زراعة الفستق الحلبي في سورية، إذ تعتبر البلدة الوحيدة في العالم التي تختص وتركز فقط على زراعة هذه الشجرة المعطاءة.

فمساحة الأرض المخصصة لزراعة الفستق تتعدى الـ68 ألف دونم، أي ما يساوي 800 ألف شجرة. بأي حال، هناك بعض المصادر التي تشير إلى أن تاريخ الفستق الحلبي يعود إلى 6760 سنة قبل الميلاد أي إلى الحقبة الباليوزية أو ما يعرف بحقبة الحياة القديمة التي ظهرت منذ 543 - 280 مليون سنة، وتضم ستة عصور مهمة. وبالتحديد في بعض مناطق الاستطيان البشري في العصر الحجري الحديث. وهناك من يجادل كما سبق أن ذكرنا أن أصول الفستق من الهند وباكستان والمناطق القريبة من الصحاري. ويقال إن الاسم الإنجليزي (pistachio) اسم استعارته اللغة اللاتينية قديما من الاسم الإيران «بسته» (Peste). ويطلق عليه أهل المغرب اسم «بيستاش».

زراعة الفستق
ودخلت شجرة الفستق الحلبي الولايات المتحدة التي تعتبر من الدول المهمة في إنتاجه حاليا، إلى ولاية كاليفورنيا في عام 1854 كشجرة للحدائق والزينة لوفرتها وغزارتها وحجمها المتوسط والجميل. وأدخل ديفيد فيرتشايلد من وزارة الزراعة نوعا من الصين إلى الولاية لم يستغل على نطاق واسع إلا بدايات القرن العشرين.

وهناك من يقول أيضا إن المهاجرين من منطقة الشرق الأوسط وبشكل خاص لبنان وسورية وتركيا وفلسطين جلبوا معهم الشجرة إلى ولاية كاليفورنيا في نهاية القرن التاسع عشر، حيث كانت تباع في أكياس صغيرة مطلية بلون أحمر في الماكينات لجذب الزبائن وتغطية شكل حبة الفستق.

وفي عام 1930 بدأت الولايات تشهد زراعة الفستق الحلبي على نطاق واسع ومن نوع «كيرمان» الذي يحمل اسم مدينة كيرمان في وسط إيران وقرب صحراء لوط. وبعد الستينات بدأت الولاية بإنتاج الفستق على نطاق واسع وأصبح أكبر منتج له في العالم في بعض الفترات وفي الولايات المتحدة نفسها، حيث تشكل 98 في المائة من الإنتاج الأميركي المحلي.

وتشبر المعلومات المتوافرة، إلى أن ولاية كاليفورنيا والوادي الكبير فيها تستغل ما لا يقل عن 100 ألف هكتار من الأراضي لاستغلال وزراعة الفستق الحلبي الممتاز، أي ما يساوي 120 مليون كيلو تقريبا. وارتفع الإنتاج لاحقا بالطبع ووصل إلى أكثر من 150 مليون كيلو، ما قيمته نحو نصف مليار دولار في الأسواق، حسب إحصاءات عام 2005. ولا تزال أنواع الفستق الحلبي السوري تنتشر في منطقة نايلز القريبة من فريمونت في ولاية كاليفورنيا منذ بدايات القرن العشرين.

بأية حال، فإن الفستق الحلبي من الثمار والمكسرات المحبوبة والمرغوبة في الشرق والغرب على حد سواء ويتم حاليا بيعه في كل دكان محمصا ومملحا ومقشرا. ولطالما دأب الناس في سورية ولبنان وتركيا وإيران على استخدامه لتزيين وصناعة أافحر أنواع الحلويات الشرقية مثل البقلاوة وعش السرايا والقشطلية والأرز بالحليب والمهلبية وغيره من الكثير من أنواع الحلوى المحلية.

كما يعتبر جزءا لا يتجزأ من المكسرات اللبنانية الفاخرة وما يعرف بالمخلوطة ومنه أنواع كثيرة كبيرة ونحيفة. وعادة ما يباع أيضا وبأسعار غالية أخضر ذا قشرة جلدية ناعمة ذات لون زهري جميل ورائحة عطرة وطيبة وخفيفة لا تقارن بأي من غيرها من الثمار. كما يستخدم كثيرا في طبخ الأرز لإعطاء الأرز قيمة أكبر وأحيانا إلى جانب الصنوبر. ويلجأ البعض إلى خلطه في الطبيخ وأحيانا في شتى أنواع السلطات.

وفي النهاية، يستخدم لطيبة طعمه وكدلالة على الفخامة والفخر ولأنه أيضا مفيد جدا للقلب، إذ تقول الأبحاث الأخيرة إن تناوله يوميا وبانتظام قد يقي القلب من السكتة القلبية عند بعض الناس. وعلى الرغم من أنه يحتوي على الكثير من السعرات الحرارية، فإن دهونه معظمها غير مشبعة ولا يؤدي تناولها باعتدال إلى زيادة الوزن الذي لا بد من تخفيضه عند البعض أو بكلام آخر تخفيض نسبة الكولسترول في الدم ومحاربة الأكسدة في الجسم بشكل عام بسبب وجود فيتامين «إي».

كما يقال إنه مفيد في منع حصول بعض السرطانات وخصوصا سرطان الأمعاء. بأية حال، فإن الكثير من الشعوب عشقت الفستق الحلبي وأغرمت به، فهو جزء لا يتجزأ من الحياة في اليونان وإيطاليا ويستخدم كثيرا في آسيا مع تحضير الأطباق الهندية والصينية والتايلاندية والفيتنامية. واليابانية، ولا يزال حتى الآن من السلع غالية الثمن رغم انتشاره الكبير، نسبة إلى غيره من أنواع الثمار. وكان الأطفال وفي الكثير من المناطق يصنعونه مع القطر على شكل رقائق بعد تحميصه كأحد أنواع السكر والحلوى الخاصة بصغار السن.

يزرع الفستق هذه الأيام أيضا في العالم الأنغلوساكسوني من الولايات المتحدة إلى أستراليا ونيوزيلندا ونيو مكسيكو. وتقول الإحصاءات المتوافرة عن عام 2005 إن إيران على رأس الدول المنتجة للفستق في العالم بنحو 200 ألف طن متري، يليها الولايات المتحدة بـ 401 ألف طن متري، ثم تركيا (60 ألف طن متري)، وسورية (60 ألف طن متري)، والصين (34 ألف طن متري)، واليونان (9500 طن متري)، وإيطاليا (2400 طن متري)، وأوزبكستان (1000 طن متري)، وتونس (800 طن متري)، وباكستان (300 طن متري)، ومدغشقر (160 طنا متريا)، والمغرب (50 طنا متريا)، وقبرص (15 طنا)، والمكسيك (7 أطنان مترية)، وموريشيس (5 أطنان مترية).

فوائد الفستق
وما كان يُعتقد في السابق من أن تناول الفستق، أو غيره مما يُصنف تحت عنوان "المكسرات"، سبب في زيادة وزن الجسم وارتفاع الكولسترول والتسبب بأمراض شرايين القلب والدماغ، أصبح اليوم مختلف تماماً، وبزاوية 180 درجة.

وغدت نصائح رابطة القلب الأميركية وغيرها من الهيئات العالمية المعنية بصحة القلب وشرايين الجسم تقول لنا صراحة بأن علينا تناول تلك المكسرات. وأن علينا أن نستحدث طرقاً لإضافتها إلى مختلف أطباق الأطعمة التي نتناولها يومياً. وأمسى الفستق اليوم ينال عن جدارة ما كان محروماً منه في السابق، وهو النصح الطبي بالالتفات إليه للاستفادة من تناوله.

والفستق بذرة، أو عبوة، صغيرة. ذات محتويات مُركّزة من العناصر الغذائية والمعادن والفيتامينات. ومما لاحظه الباحثون، وقبلهم أجيال متعاقبة من البشر على مر آلاف السنين، أن لتناول بذور الفستق فوائد صحية، إضافة إلى مذاقها طعمها اللذيذ.

ودعونا نراجع ما يُهم صحياً حول ثمار الفستق، وما يُقال عنه في الأوساط الطبية اليوم، خاصة حول فائدة تناوله لصحة القلب. مع التنبه إلى أن المقصود في العرض هو الفستق المعروف بالحلبي pistachio، تميزاً له عما يُطلق عليه فستق ويُقصد به الفول السوداني.

ارتفاع "مؤشر نوعية التغذية"
ثمة تعبير علمي يُقال له "مؤشر نوعية التغذية". وأساس قوة المؤشر لأي منتج غذائي هو كمية ما يحتويه من عناصر غذائية مفيدة بالنسبة لما يحتويه أيضاً من طاقة السعرات الحرارية، كالورى. والمنتج الغذائي يُعتبر "مُغذياً" “nutritious” ، حينما يحتوى على 4 عناصر غذائية ذات قيمة للمؤشر تساوى 1 أو أكثر. أو حينما يحتوي على عنصرين غذائيين ذا قيمة للمؤشر تساوي 2 وما فوق. وبالنظر للفستق، فإنه يحتوي على مقدار 160 كالورى لكل أونصة (الأونصة 28 غراما تقريبا).

وفي هذه الكمية من الفستق يُوجد "تركيز غذائي بدرجة ممتازة" “super nutrient dense” ، لأنها مُكتنزة بـ 8 عناصر غذائية. أربعة منها ذات قيمة للمؤشر تساوي 2 وأكثر، وهي فيتامين ثيامين و فيتامين بي_6 والنحاس والمنغنيز. وأربعة أخرى تتراوح قيمة المؤشر لها ما بين 1 و 1,7 ( واحد فاصلة سبعة)، وهي البوتاسيوم والألياف الغذائية والفسفور والمغنيسيوم.

وللمقارنة فقط بين الفستق وغيره من المنتجات الأخرى المُتناولة للتسلية، وذلك من ناحية حساب مقدار "مؤشر نوعية التغذية" لها مع احتساب كمية طاقة السعرات الحرارية فيها، فإن شرائح البطاطا المقلية لا تحتوي على أي تركيز غذائي dense nutrients لأي من العناصر الغذائية المهمة للجسم.

وإذا ما أضفنا إلى ارتفاع "مؤشر نوعية التغذية" للفستق، عنصر انخفاض "المؤشر السكري" glycemic index للفستق، أي تدني كمية السكريات فيه، فإن تناول الفستق يُعتبر وسيلة جيدة للحصول على عناصر غذائية مفيدة دون إرهاق الجسم بكمية عالية من الطاقة ودون إنهاك البنكرياس بكميات كبيرة من السكريات.

ومعلوم أن ارتفاع كمية طاقة الغذاء المتناول يومياً، سبب في السمنة، ما لم يتم استهلاك الجسم لها. كما أن تناول كميات عالية من السكريات، سبب في الإصابة بالسكري، نتيجة للإنهاك المتواصل للبنكرياس، وسبب في ارتفاع نسبة الدهون الثلاثية في الدم، وسبب في السمنة أيضاً.

الفستق والمواد المضادة للأكسدة
تمتاز بذور الفستق بارتفاع محتواها من كميات أنواع المواد المضادة للأكسدة بالمقارنة مع أنواع من أخرى من المكسرات أو البذور. وتحديداً من أنواع كاروتينويد carotenoids ، مثل مواد "ليوتين" lutein وزينثاتين zeaxanthin و "بيتا كاروتين" beta-carotene و "غاما- توكوفيرول" gamma-tocopherol .

وللعلم فقط، فإن الهيئات العلمية بوزارة الزراعة الأميركية تقول: ومن المواد المضادة للأكسدة، فإن الأونصة من الفستق تحتوي على كمية أعلى مما هو موجود في كوب من الشاي الأخضر! بل حينما راجع باحثو الوزارة المذكورة كمية المواد المضادة للأكسدة total antioxidant capacity (TAC) لأحد أهم أنواعها، وهو نوع مركبات "فينول" Phenols ، في 100 صنف من أنواع الأغذية الشائعة التناول، وجدوا أن الفستق هو من بين مجموعة الأغذية الأعلى احتواءً لها! وتزيد المصادر العلمية بالقول إن بالمقارنة مع بقية المكسرات، يحتوي الفستق على كمية من مادة "ليوتين" lutein المضادة للأكسدة، بمقدار يفوق 13 ضعف الكمية الموجودة في البندق، الذي هو المرتبة الثانية بعد الفستق.

ومعلوم أن تناول هذه النوعية من مضادات الأكسدة يُقلل من احتمالات مخاطر الإصابة بتدهور سلامة البقعة الداكنة في شبكية العين لدى التقدم في العمر age-related macular degeneration (AMD). وهذا النوع من الإصابات هو السبب الرئيسي بالعمى لدى منْ تجاوزوا عمر 65 سنة في الدول المتقدمة.

وأحد أهم الفوائد القلبية لمضادات الأكسدة هي منعها عملية ترسيخ ترسب الكولسترول على جدران الشرايين. ومعلوم أن أسباب شتى، منها ارتفاع نسبة كولسترول الدم، تعمل على تغلغل الكولسترول داخل جدران الشرايين، إلا أن هذا التواجد للكولسترول لا يكفي للتسبب بضيقها، إذْ أن الكولسترول قابل للخروج بسهولة من تلك الجدران.

وما تعمل الجذور الحرة عليه هو أكسدة الكولسترول. وهنا تُحاول مضادات الأكسدة منع عملية الأكسدة هذه، وتخفيف حدة رسوخ ترسيب الكولسترول في جدران الشرايين.

أرجنين وفيتامينات ومعادن
الفستق غني بنوع أرجنين Arginine من الأحماض الأمينية Amino Acids. ومعلوم أن البروتينات تتكون من مجموعات متراكمة للأحماض الأمينية. وكما يقول الباحثون من قسم التغذية بجامعة هارفارد فإن المكسرات ليست مفيدة للقلب بسبب أنواع الدهون غير المشبعة فيها، بل أن محتواها من نوع أرجنين للأحماض الأمينية هو آلية أخرى لحماية شرايين القلب.

والفستق يحتوي كميات جيدة من هذا الحمض الأميني. وفائدته تنبع من أنه هو المُستخدم في إنتاج مركب أوكسيد النيتريك nitric oxide. وأوكسيد النيتريك هو المادة الفاعلة في العمل على توسعة الشرايين المتضيقة، ولذا تُسمى أحياناً عامل الارتخاء ذا المنشأ من بطانة الشرايين endothelium-derived relaxing factor. وللتقريب فإن الحبة الوردية الصغيرة التي يضعها مرضى شرايين القلب تحت لسانهم حال شعورهم بالألم، إنما هي من نفس الفصيلة.

ويحتوي الفستق على معادن وفيتامينات مفيدة للقلب. وللتقريب تحتوي أونصة من الفستق على كمية من البوتاسيوم توازي ما في نصف موزة. وعلى كمية من فيتامين بي-6 موازية لتلك التي في نفس الوزن من كبد البقر. وكذا الحال مع معادن المنغنيز والمنغنيزيوم والفسفور وفيتامينات الفوليت والنياسين والثيامين وغيرهم.

هذا كله مع تدني محتوى الفستق من الصوديوم. ويجب الحذر مما يفعله البعض من إضافة الملح للفستق، لأن هذا يضر بضغط الدم. وإن كان لا بد من إضافة شيء لطعم الفستق، فإن الأفضل إضافة الليمون أو غيره مما لا يحتوي صوديوم.

كولسترول الدم والفستق
ويعمل الفستق على خفض نسبة الكولسترول في الدم، وعلى حماية الشرايين منه، عبر أربعة آليات:

- الآلية الأولى: وهي الأبسط عملاً وفهماً، أن تناول أحدنا للفستق يعني تناول منتج غذائي خال من الكولسترول بالأصل. ومعلوم أن الكولسترول لا يُوجد على الإطلاق في أي منتج غذائي نباتي المصدر، سواءً كان حبوباً أو بقولاً أو مكسرات أو زيوت نباتية بأنواعها المختلفة. وإنما مصدر الكولسترول في الغذاء هو المنتجات الحيوانية، مثل اللحوم والأسماك ومشتقات الألبان والسمن والحيوانات البحرية وغيرها.

- الآلية الثانية: أننا حينما نتناول الفستق فإننا نُدخل إلى أجسامنا دهوناً ذات نوعية عالية الجودة من الناحية الصحية. ذلك أن الأونصة الواحدة من الفستق تحتوي على كمية تُقارب 13 غراما من الدهون. و 90% من الدهون الموجودة في الفستق هي من نوع الدهون غير المشبعة unsaturated. ومن هذه الدهون غير المشبعة، تُشكل الدهون الأحادية غير المشبعة monounsaturated نسبة 60%، غالبها من نوع أوليك oleic.

كما تُشكل الدهون العديدة غير المشبعة polyunsaturated نسبة 30%، غالبها من نوع لينأوليك linoleic. أي أننا نتحدث عن زيت يُشبه تركيبة زيت الزيتون، وليس زيت الذرة أو السمسم. والأهم أن دهون الفستق خالية من الدهون الأكثر ضرراً بالصحة، أي الدهون المتحولة trans-fat ، تلك الموجودة في الزيوت النباتية المُهدرجة جزئياً partially-hydrogenated oils أو المهدرجة كلياً، والمحتلة لأرفف المتاجر كزيوت نباتية.

- الآلية الثالثة: احتواء الفستق على مواد "فايتوستيرول" phytosterols المساعدة على خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول الموجود فيما نتناوله من أطعمة. والحقيقة أبعد من هذا، ذلك أن الفستق بالمقارنة مع بقية البذور أو المكسرات عموماً، هو الأعلى في الاحتواء على هذه المادة الكيميائية الطبيعية المفيدة جداً.

وكما سبق عرضه في ملحق الصحة بالشرق الأوسط، فإن مواد ستيرول وستناول شبيهة من الناحية الكيميائية بالكولسترول، إلا أنها لا تُوجد في المنتجات الحيوانية، بل في بعض المنتجات النباتية. وحينما يتناول الإنسان منتجات نباتية غنية بها، كالفستق الحلبي، فإنه سيُوفر لأمعائه مادة طبيعية مهمتها العمل على منع امتصاص الكولسترول الذي نتناوله مع تناولنا للمنتجات الحيوانية.

- الآلية الرابعة: غنى الفستق بالألياف الغذائية الطبيعية. ومعلوم أن لها دوراً مهماً في خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول وفي إبطاء امتصاص الأمعاء للسكريات. ولذا فإن أحد الإستراتيجيات العلاجية، لحالات ارتفاع الكولسترول، النصيحة بتناول ما بين 30 غراما للرجال، و 25 غراما للنساء، من الألياف يومياً، أي حوالي 14 غرام لكل 1000 كالورى من طاقة الغذاء اليومي. والأونصة الواحدة من الفستق تُوفر 3 غرام من الألياف. أي ثلاثة أضعاف ما في الجوز (عين الجمل) أو الكاجو. ولا يُوازي الفستق في محتوى الألياف إلا اللوز من بين بقية المكسرات .

عناصر الفوائد الصحية للفستق ـ الفوائد الصحية للفستق منبعها تشكيلة المواد التي تختزنها تلك البذور ضمن عبوة صغيرة. وتحديداً، من العناصر التالية:

- يُعتبر الفستق ذا قيمة مرتفع لـ "مؤشر نوعية التغذية" Index of Nutritional Quality (INQ) .

- انخفاض "المؤشر السكري" glycemic index للفستق. أي تدني كمية السكريات فيه.

- ارتفاع محتواه من كميات المواد المضادة للأكسدة.

- خلوه الطبيعي من مادة الكولسترول.

- نوعية الدهون في الفستق هي من الأنواع عالية الجودة من الناحية الصحية.

- احتواء الفستق على مواد "فايتوستيرول" phytosterols.

- غنى الفستق بالألياف الغذائية الطبيعية.

 نصائح طبية حول الفستق الحلبي
لعب عاملا لذة الطعم والفوائد الصحية، الدور الأهم في اهتمام دول، كالولايات المتحدة وأستراليا، بزراعة أشجار الفستق. وهي دول لم تعرف من قبل زراعة تلك الأشجار. بل وقدمت للباحثين الطبيين كل دعم كي يتمكنوا من إجراء دراسات علمية غير مسبوقة حول الآثار الصحية لتناول بذورها.

وهي التي كشفت النقاب بشكل غير متوقع عن أنها طعام مفيد لصحة القلب بدرجة امتياز. كما بينت صراحة أن من المطلوب البحث فيما بين المنتجات الغذائية، الزكية الطعم والرائحة، عما هو مفيد للقلب، بدلاً من العبث وإضاعة الوقت والاستماتة، في محاولات متكررة الفشل، لإثبات أن الثوم، أو غيره، له أي فوائد صحية على القلب أو السكري أو ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع الكولسترول.

وما يُمكن الجزم به أن ثمة كتلة متنامية الحجم والوزن من الأدلة العلمية على أن تناول المكسرات، مثل الفستق، له علاقة بخفض خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب والدماغ.

وتنصح رابطة القلب الأميركية والبرنامج الأميركي للكولسترول بتناول ما بين 3 إلى 5 حصص غذائية أسبوعياً من إما المكسرات أو البذور أو البقول. والحصة الغذائية الواحدة هي ما يُعادل ثلث كوب من المكسرات أو ملعقتين من معجون زبدة الفول السوداني أو نصف كوب من الفاصوليا أو البازلاء الجافة وغير المطبوخة.

وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد أعلنت صراحة في عام 2003 قرارها الشهير، والذي نص على أن: "الأدلة العلمية تقترح طرح، لكن لا تثبت، أن التناول اليومي 1,5 ( واحد ونصف) أونصة، أي حوالي 45 غراما، من معظم المكسرات مثل الفستق الحلبي، على حد قولها، كجزء من منظومة وجبات غذائية منخفضة المحتوى من الدهون المشبعة ومن الكولسترول، ربما يُخفّض خطورة الإصابة بأمراض القلب".

وهي عبارة ملخصة ودقيقة. وتعتبر قوية جداً في تقرير جدوى تناول الفستق، بتلك الكمية اليومية ومع تلك الاحتياطات الصحية في مكونات وجبات الطعام اليومي، في خفض خطورة الإصابة بأمراض القلب. وللتوضيح، فإن العبارات العلمية، وخاصة في تقرير ما دلت نتائج الدراسات العلمية أنه يُفيد، لا تستخدم عبارات جازمة بضمان تحقيق الفائدة لدى كل الناس.

 وأهم الاشتراطات المقيدة هو التوضيح بأن تحقيق الاستفادة هذه، مبني على عمل الإنسان إحلال تناول تلك الكمية من دهون الفستق محل تناول الدهون المشبعة. وتنص أيضاً أن لا تزيد كمية طاقة السعرات الحرارية (كالورى) لكامل الوجبات اليومية عن الحد المنصوح به لذلك الشخص، أي وفق العمر ومقدار وزن الجسم وكمية النشاط البدني اليومي الذي يقوم به.

وضمن فعاليات مؤتمر التجارب الحيوية، الذي عُقد بسان دييغو بالولايات المتحدة في مارس الماضي، أعلن الباحثون من قسم علوم التغذية بجامعة ولاية بنسيلفينيا، في نتائج دراستهم المقارنة، أن الفستق الحلبي يحتوي عناصر غذائية مهمة، لها تأثيرات إيجابية لخفض عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب.

وتبين أن تناول وجبات صحية تحتوي على ما بين 1,5 ( واحد ونصف) أونصة إلى 3 أونصات من الفستق الحلبي، ولمدة أربعة أسابيع، يعمل على خفض نسبة الكولسترول الخفيف، الضار، في الدم بمعدل 11,6% . وعلى خفض نسبة الكولسترول الكلي في الدم بمقدار 8,4% . وعلى خفض نسبة الكولسترول الخفيف المُؤكسد. وعلى ارتفاع نسبة مجموعة من المواد المضادة للأكسدة في الدم. وعلى خفض مستوى مؤشرات عمليات الالتهابات في الجسم. والطريف أنهم لاحظوا أيضاً انخفاضاً في مستوى تأثر الجسم وأعضائه بأسباب التوتر التي يتعرض لها المرء في حياته اليومية.

الفستق .. بذور أم مكسرات 
الملفت للنظر أن اهتمام الولايات المتحدة بزراعة الفستق جاء متأخراً. وبدأ إنتاج مزارعها للفستق في ولاية كاليفورنيا تحديداً، في منتصف سبعينيات القرن الماضي. وبالرغم من هذا، أصبحت بعد ثلاثة عقود، الدولة الثانية في إنتاج الفستق على المستوى العالمي، متجاوزة بهذا الإنجاز، وفي وقت زمني قصير، قائمة طويلة من الدول العريقة في زراعة الفستق، والتي بعضها يُنتجه منذ أكثر من 3500 عام!.

وتشير المصادر العلمية إلى أن أصل أشجار الفستق هو مناطق غرب آسيا، ومنها انتشرت في شرقي مناطق البحر الأبيض المتوسط قبل حوالي 4000 عام. وأن أشجار الفستق المعروفة تنتمي إلى فصيلة بيستاشيا، التي يمتد التاريخ المعروف لها إلى حوالي 80 مليون سنة مضت، والتي تضم العديد من أنواع الأشجار، المنتجة للفستق وغيره.

وأشجار الفستق على نوعين، مذكرة ومؤنثة. وتحتاج زهورها إلى التلقيح كي يُمكن للثمار أن تتكون. والشجرة المذكرة الواحدة قادرة على تلقيح زهور حوالي 12 شجرة مؤنثة. وتُعطي أشجار الفستق ثماراً من نوع النواة الواحدة drupe المغلفة بقشرة شبه صلبة، ذات فلقة. وتحتوي النواة على بذرة بيضاوية الشكل تقريباً، وهي التي تُؤكل.

وبلغة أهل فنون الطبخ، يُعتبر الفستق من المكسرات. إلا أن التعريف الدقيق للمكسرات، بلغة علم أحياء النبات، محصور في البذور أو الثمار الجافة لبعض النباتات. وعليه فإن المكسرات هي ثمار جافة تحتوي على بذرة واحدة، في الغالب.

ويُحيط بتلك البذرة غلاف مكون من مبيض الزهرة يُصبح، عند نضج الثمرة، قشرة صلبة. وهذه القشرة الصلبة غير ملتصقة أو متصلة بنواة البذرة. ومن المكسرات الحقيقية، وفق هذا التعريف العلمي، الجوز ( عين الجمل) Walnut، والكستناء Chestnut، والبلوط Oak nut ، وجوز البقان Pecan nut ، والبندق Hazel nut.

ويُضاف إليها مجازاً بذور وبقول وثمار أخرى على أنها مكسرات، وهي في الحقيقة ليست كذلك. مثل الفستق السوداني، أو الفول السوداني peanuts، والذي هو من البقول. ومثل بذور اللوز Almond، والمكسرات البرازيلية Brazil nut، والكاجو Cashew، والماكاديميا Macadamia nut ، والصنوبر Pine nut، والفستق المعروف لدينا بالفستق الحلبي.

وما يجمع هذه البقول والبذور بالمكسرات الحقيقية، هو أنها جافة وغنية بالدهون النباتية والعناصر الغذائية المركزّة. ويُمكن تناولها مباشرة أو بعد تحميصها.