«الكروز» موضة جديدة تجمع بين «الملابس الجاهزة» و«الأزياء الرفيعة

التغيير والتجديد صفتان لصيقتان بالموضة، ومطلوبتان أيضا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار انهما ما ينعش حياتنا ويضفي عليها الفرح والمرح والإثارة والجمال. لهذه الأسباب من الصعب على أي عاشقة موضة ان تتفق مع رأي الكاتب أوسكار وايلد، الذي قال يوما ان الموضة تغير جلدها كل ستة أشهر بسبب قبحها وبشاعتها. هذا طبعا عندما كانت الفصول أربعة، لكل منها صفته وميزته، وكانت مواسم الموضة ايضا محددة: موسم للخريف والشتاء، وآخر للربيع والصيف. لكن كل هذا انقلب في المواسم الاخيرة، والسبب يعود إلى التحولات الجوية وليس فقط إلى الرغبة في التغيير والتجديد بغرض تنفيس المصممين عن طاقاتهم الإبداعية أو لإرضائنا.


فقد تداخلت الفصول، وأصبح ما يليق للربيع من تصميمات يلبس في الخريف، وما يناسب الصيف من ألوان يمشي مع فصل الشتاء، وهكذا مما استدعى الحاجة إلى تدخل سريع من قبل صناع الموضة نتجت عنه مجموعات «الكروز» (الرحلات) التي باتت كل بيوت الأزياء العالمية تطرحها.

و«الكروز» هي مجموعات تتميز بتصميمات بين «الملابس الجاهزة» و«الأزياء الرفيعة» تراعي تحولات الطقس وحاجة المرأة إلى أزياء انيقة وعملية في كل الأوقات. وحتى أسعارها أصبحت تراعي الكثيرات منا، مع انها كانت في بدايتها مخصصة للنجوم والنخبة من الذين يقضون فترات «ما بين المواسم» في المنتجعات الصيفية أو يمخرون عباب البحر على متن يخت فخم بحثا عن الشمس في عز الشتاء، وبالتالي كانوا يحتاجون إلى أزياء تخاطب المكان والزمان. أزياء تتمحور حول ملابس البحر والقطع المنفصلة المستوحاة أيضا من ألوان البحر والشمس، مثل الابيض والازرق النيلي والأصفر. الآن تطورت فكرة «الكروز»، وأصبحت تخاطبنا جميعا، فالسفر لم بعد حكرا على النخبة منذ زمن، والرحلات الجوية الرخيصة غيرت الكثير من الثقافات والمفاهيم. وإن كان هذا الأمر قابلا للتغيير في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الرحلات الجوية في الوقت الحالي.

وهكذا اصبحت هذه المجموعات مع الوقت بمثابة بوصلة تعطينا فكرة عما سنراه في السوق في المواسم القادمة من تصميمات وألوان. فهي اليوم تشمل قطعا منفصلة للنهار، وأخرى للسباحة أو التنزه على الشواطئ، وأخرى لمناسبات الكوكتيل، أو للعشاء مع الأصدقاء. انتعاش سوقها بنطلونات واسعة وضيقة بخصور عالية، وتنورات طويلة وفساتين قصيرة من تشكيلة «الكروز» الأخيرة التي طرحتها دار «شانيل» بمياميفي الآونة الأخيرة، نتج عنه ايضا سخاء وتنوع في تسمياتها، التي قد يطلق البعض عليها الـ«كروز» (الرحلات) والبعض الآخر «بري كوليكشن» (قبل التشكيلة الاساسية) أو «بري سبرينغ» (قبل الربيع). لكن رغم تنوع التسميات فإن النتيجة واحدة وتصب في صالح المرأة أيا كان سنها أو مكانتها، وبغض النظر عما إذا كانت ستلبسها على البحر أو في الشوارع الحضرية. صحيح أنها في البداية كانت لا تشمل سوى ازياء البحر، لكنها الآن تضم فساتين وبنطلونات، بل وحتى قطعا صوفية ومعاطف، للاتي يتوجهن إلى أعالي الجبال، وطبعا اكسسوارات.

أما الجميل في تصميمات هذه الأزياء، إلى جانب أنها أنيقة وتليق بأغلب المناسبات، أنها في غاية العملية. فالشرط الذي بنيت عليه منذ بدايتها في الثلاثينات من القرن الماضي، ان تكون مريحة وبدون مبالغة. بمعنى آخر، يفترض فيها ان تكون بمثابة المصل المضاد للأزياء البراقة والمبالغ في تطريزاتها وتعقيدات تصميماتها، فهي أولا وأخيرا للانطلاق والتحرر من قيود المدن الكبيرة.

ارتباطها في السابق بالنخبة، كان يستدعي نوعا من السرية في عروضها، التي كانت تقتصر على قلة من العارفات والمرفهات يحضرنها في مكان مغلق لا تخترقه عيون الفضوليين ولا كاميرات الباباراتزي. لكن شتان بين الأمس واليوم، فعروضها الآن تكاد تغطي على عروض موسم الأزياء الرفيعة في بذخها وإخراجها، مع فارق مهم أن البذخ في حالة الأولى نوع من الـ «بريستيج»، بينما في حال تشكيلات «الكروز» هي لتحقيق الربح، كونها اسهل تسويقا.

والطريف أنه حتى الرجال أصبح لهم عروض خاصة بفضل الثنائي «دولتشي اند غابانا» مجموعة من الاكسسوارات أيضا من تشكيلة و«جيورجيو أرماني» و«برادا» و«زينيا» و«غوتشي».. وغيرهم. وهذا يشير إلى أمر مهم، وهو أنها قد تكون اليوم عبارة عن عروض متفرقة على مدى ستة اسابيع، إلا انه ليس ببعيد ان يصبح لها عما قريب اسبوع مكثف وخاص، كما هو الحال بالنسبة للملابس الجاهزة والأزياء الرفيعة. منذ اسابيع احتضنت الولايات المتحدة الأميركية، كالعادة، عدة عروض من هذا النوع، كان أغلبها في نيويورك، لكن أجملها كان في ميامي، التي اختارها مصمم دار شانيل، كارل لاغرفيلد، لعرض تشكيلة الدار الفرنسية العريقة.

فميامي بشمسها الساطعة وبحرها اللازوردي، كانت خلفية مناسبة جدا لتقديم تشكيلته لصيف 2009 أمام باقة من النجمات وسيدات المجتمع. العرض كان حميما نوعا ما، حيث اغلق فندق «رالي» الذي كان مسرحا لهذه الحفلة، في وجه العموم لمدة اربعة ايام، واقتصر على مدعوين انتقاهم المصمم بعناية. كالعادة، كان الإخراج رائعا معبرا عن الأجواء الصيفية التي تخاطبها التشكيلة، فقد جعل «حمام السباحة» بالفندق مسرحه، وزينه بحراس إنقاذ وكل التفاصيل التي يمكن أن توجد في أي مسبح عام، وأنهاه برقصة قام بها الفريق الأولمبي الأميركي للسباحة الإيقاعية. لكن المتعة هنا لم تكن الرقص بقدر ما كان هذا الزخم من التصميمات المتنوعة والاكسسوارات التي يسيل لها اللعاب.

فالفكرة من هذا النوع من التشكيلات هي التنوع، وهذا ما كان. الاسود والابيض، ماركة الدار المسجلة، كانا هما الطاغيين، إلى جانب الوردي والبيج. أما التصميمات فجاءت مفصلة على الجسم ومحسوبة، بعضها بتطريزات خفيفة شملت الريش، لكن أغلبها كان بسيطا زينته اكسسوارات مرحة اضفت شـقاوة وروحا شـبابية عليها، بدءا من القبعات إلى الأساور والحقائب والأحذية ودبابيس الشعر.

بعد العرض، أعترف لاغرفيلد أنه استلهم فكرة البحر و«المسبح» من السبعينات، ومن حادثة موت عضو فريق الرولينغ ستون، براين جونز، الذي عثر عليه ميتا غرقا في مسبحه الخاص. وأضاف ان الستينات كان لها تأثير كبير فيه، خاصة فكرة المرأة القوية من خلال البنطلون والتوكسيدو. على غير العادة والاعتقاد السائد هنا في ما يخص ملابس الرحلات والصيف غابت التأثيرات الهيبية والفساتين الطويلة للنهار، وحل محلها تفصيل يحاكي الازياء الراقية لكن يرقص على نغمات «روك اند رول» شبابية، ستلمس وترا حساسا لدى أي أنيقة، أيا كانت جنسيتها، لونها، مكانها أو وجهتها.

وهذا يؤكد ان تغير احوال الطقس لم يؤثر في البيئة فحسب، بل أيضا في ديناميكية الموضة، لتحول ما كان في يوم من الأيام نخبويا إلى ورقة تجارية رابحة، خصوصا أنها فتحت امام العديد من المصممين اسواقا جديدة مثل روسيا والشرق الاقصى فضلا عن الشرق الأوسط، حيث توجد لهم زبونات وفيات ومعجبات. انفتاح اسواق الشرق يعني ان الطلب على الملابس الصوفية سينخفض أكثر مما كان عليه في السابق، مع العلم انه شهد انخفاضا كبيرا في مجموع أوروبا هذا العام، على العكس من الكنزات الصوفية المفتوحة والطويلة التي لقيت إقبالا أكبر.

فالشتاء لم يعد يحتاج إلى معاطف سميكة وثقيلة. المصمم نارسيسو رودريغيز، علق على هذا الامر في الشهر الماضي في لقاء مع جريدة «الغارديان» بقوله:«الأقمشة التي كنا نستعملها لم تعد ملائمة، لهذا نبحث دائما عن طرق جديدة للتعامل مع الأمر. فاهتمام الناس بالمعاطف الصوفية الثقيلة، خف بشكل كبير، واصبحوا يطلبون اقمشة يمكنهم استعمالها على مدار السنة». ولا شك ان أية محررة ازياء ستفهم قصده وتوافقه على رأيه. ففي عروض الخريف والشتاء سابقا، كان لا بد من عرض مجموعة من المعاطف والجاكيتات الصوفية الثقيلة، لكن لا أحد يستغرب الآن إن لم يطرح المصمم أية قطعة من هذا القبيل، لأن الحاجة إليها لم تعد ملحة، كما في السابق عندما كانت الفصول محددة.

خلاصة الأمر ان ما كان يقتصر على حفنة من بيوت الازياء العالمية سابقا، اصبح مشاعا. فنيويورك، شهدت منذ شهرين تقريبا، ما لا يقل عن 75 مجموعة لـ 75 بيت ازياء، منها بالنسياجا وألبيرتا فيريتي، شانيل، ديور، غوتشي، لانفان، برادا وغيرها من تشكيلات سنراها في الأسواق ما بين شهري مايو ونوفمبر، وهذا يدل على أن تصميمات «الكروز» قد تكون هي المستقبل.