الصراع بين الإكسسوارات والأزياء .. يزداد سخونة

أهمية حقائب اليد الموسمية تراجعت لصالح الازياء بسبب ذهنية الاستثمار
أهمية حقائب اليد الموسمية تراجعت لصالح الازياء بسبب ذهنية الاستثمار

في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، كانت حقائب اليد الدجاجة التي تبيض ذهبًا لبيوت الأزياء، إلى حد أن بعض المصممين لمع نجمهم عالميًا بفضل حقيبة حققت مبيعاتها رقمًا قياسيًا.


إلى جانب مستحضرات التجميل والعطور، كانت الإكسسوارات عمومًا والحقيبة اليد خصوصًا، بمثابة الأكسجين الذي تتنفس من خلاله بيوت الأزياء وتضمن بقاءها واستمراريتها، بينما كانت الأزياء، «هوت كوتير» تحديدًا، مجرد «بريستيج» يُلمع صورة هذه البيوت وينصب دوره على استقطاب زبونات جديدات لها. فمن لم تتوفر لها الإمكانيات لشراء قميص أو فستان يقدر بآلاف الدولارات بإمكانها اقتناء حقيبة يد بألف دولار أو أحمر شفاه بـ15 دولارًا، يُشعرها بأنها عضو في نادي الموضة.

بيد أن كل هذا تغير في السنوات القليلة الأخيرة. صحيح أن الإكسسوارات ومنتجات التجميل والعطور لا تزال العملة الذهبية والمنجم الأهم، إلا أن الأزياء اكتسبت قوة تجارية تؤكدها أرقام مبيعاتها المتزايدة، أحيانًا على حساب الحقيبة. فالملاحظ أن الاهتمام بحقائب اليد تراجع في الآونة الأخيرة، بسبب المنافسة الشديدة وتسابق بيوت الأزياء والمصممين على طرحها بشكل موسمي ومكثف جعل العرض أكثر من الطلب عليها من جهة، وبسبب الأزمة الاقتصادية، التي جعلت أغلبية الزبائن يبحثون عن الفريد والمتميز من جهة أخرى.

والمقصود هنا، الحقيبة التي يمكن الاستثمار فيها، وليس فقط الحقيبة ذات التصميم المبتكر والمكرر. بيوت قليلة حافظت على مكانتها وحققت المعادلة الصعبة بين التجاري والفني، نذكر منها «هيرميس» و«شانيل». فالدراسات تشير إلى أن حقائبهما استثمار طويل المدى وليس مجرد موضة موسمية، تحقق نجاحًا في موسم واحد أو اثنين، على الأكثر، لتختفي وتحل محلها أخرى.

وهكذا أفاق عالم الموضة من حلمه العذب واكتشف أن شهر العسل بينه وبين التصاميم الموسمية انتهى إلى أجل غير مسمًّى.

الحل بالنسبة لها كان تعزيز وتقوية جانب الأزياء، لأن الوصفة الناجحة التي توصلت إليها كل من «هيرميس» و«شانيل»، يمكن الاقتداء بها لكن من الصعب تكرارها. حتى «لويس فويتون» التي كانت إلى عهد قريب تعتمد أساسًا على منتجاتها الجلدية وتحقق أرباحًا تثير الحسد بسبب تعطش السوق الآسيوية وإقبالها عليها، غيرت الدفة وبدأت تولي جانب الأزياء أهمية أكبر، تارة بتنظيم عروض ضخمة في موسم باريس أو عروض «الكروز» السنوية، وتارة بتنظيم معارض فنية كبيرة، تحتفل فيها بمصممها نيكولا غيسكيير وابتكاراته في مجال الأزياء والإكسسوارات على حد سواء. فهي تُدرك أنه بات لزامًا عليها تسويق نفسها دار أزياء شاملة، وليس مجرد دار متخصصة في الجلود، إن أرادت تجنب الخسارة.

وربما هذا ما يُحسب للموضة، قدرتها على أن تغير جلدها واستراتيجياتها حتى تواكب التغيرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تعيشها. وبما أن كل الدلائل تشير إلى أن زبون اليوم يريد أزياء تُشعره بالتميز والراحة في الوقت ذاته، كان ردها عليه هو «شبيك لبيك» واجتهادها في طرح الفني و«الكاجوال» بالقدر ذاته من الحرفية والأناقة وبتصاميم تبرز رشاقته وتبرر الساعات الطويلة التي يقضيها في النوادي الرياضية لصقل عضلاته أو إنقاص وزنه. الشيء نفسه تم تطبيقه على جانب «الهوت كوتير».

فزبونته لا تريد تصاميم درامية أو سريالية بقدر ما تريدها عصرية متشبعة بثقافة الشارع حتى تتميز بها عن أسلوب الجيل السابق وما قبله، وهو ما حققه لها مصمم دار «ديور» السابق راف سيمونز بتقديمه أزياء راقية لكن بلمسات سبور استعمل فيها البلاستيك حينا وألوان النيون حينا آخر. غني عن القول إن هذه الاستراتيجية لمست وترا حساسا بداخل هذه الزبونة الشابة، وسرعان ما أعطت نتائج إيجابية ترجمتها أرقام المبيعات المتزايدة.مثل راف سيمونز، لعب المصمم الجورجي الأصل ديمنا فازاليا، دورًا في تغيير اتجاه الموضة من الإكسسوارات إلى الأزياء.
فقد يكون اسمه برز في الساحة العالمية بعد التحاقه بدار «بالنسياجا» فقط، إلا أن تأثيره كان ملموسًا منذ انطلاق ماركة «فيتمون» التي يعتبر واحدا من بين عدة مصممين فيها. مصممون يفضلون أن يعملوا في الظل جنودًا مجهولين، واقترحوه لكي يكون وجهها الرسمي.

انصبت الخطة التي اتبعتها الماركة على التوجه إلى شرائح الشباب مستغلة تعطشهم للموضة فقدمت لهم قطعا منفصلة يسهل تنسيقها مع بعض. فـ«تي - شيرت» يحمل توقيع «فيتمون»، مثلاً، قد يبدو للوهلة الأولى كما لو كان من «زارا» أو «إيتش أند إم» لكن يقدر سعره بـ300 دولار، بينما قد يصل سعر بنطلون من الجينز مطعم بنكهة «الفينتاج» إلى 1400 دولار.

صحيح أن جهدًا كبيرًا بُذل في تصميم كل قطعة وتنفيذها، إلا أن هذا لا يمنع من التساؤل عما إذا كان يبرر أسعارها. المهم هنا أن هذه القطع المنفصلة خاطبت جانبا مهما بداخل زبون لا يتمتع بمقاسات العارضين والعارضات. فـ«تي - شيرت» من القطن ينسدل على الجسم، مثلا، لا تتحكم فيه مقاسات الموضة الصارمة، وبالتالي يناسب شخصًا بمقاس 0 كما يناسب آخر بمقاس 8، الأمر الذي يجعل الموضة ممتعة بالنسبة للكل، وليس لفئة واحدة، وهو ما كانت تقوم به الإكسسوارات ولا تزال.

إلى جانب راف سيمونز وديمنا، هناك مصممون آخرون لعبوا دورا مهما في تغيير دفة الموضة وموازينها، مثل أليساندرو ميشال، الذي منذ أن تسلم مقاليد «غوتشي» من فريدا جيانيني، والإقبال يزيد على أزياء الدار. كذلك الأمر بالنسبة لـ«سان لوران» في عهد مصممها السابق هادي سليمان، حيث سجلت في عام 2015، أرباحا بنسبة 38 في المائة، أي ما يعادل 1.1 مليار دولار. الوصفة التي اعتمدها هادي سليمان، أنه ركز على قطع منفصلة مثل الجاكيت الجلدي و«التي - شيرتات» وما شابههما. وهذا أيضًا ما اتبعه ميشال، وكأنهما اتفقا على إعادة الاعتبار للأزياء قبل أن تدخل الإكسسوارات على الخط في ثمانينات القرن الماضي وتسرق منها الأضواء.

«فالنتينو» أيضًا شهدت ارتفاعا في مبيعاتها من الأزياء الجاهزة. فقد سجلت ارتفاعا بنسبة 48 في المائة في عام 2015 مقارنة بعام 2014، علما بأن الدار لم تطرح لحد الآن تلك الحقيقة «النجمة» التي تكسر السوق، وكل اعتمادها لحد الآن ينصب على الأزياء الجاهزة التي تشكل ثلث مبيعاتها. لكن بما أنها دخلت زمن العولمة وتوسعت بشكل كبير في أسواق جديدة، أصبح لزامًا عليها الاهتمام بالإكسسوارت والمنتجات الجلدية.

وبالفعل حققت «خبطة» العمر عندما طرحت حذاء «روكستاد» الذي أصبح جوازها لكل نساء العالم، والذي على الرغم من مرور عدة سنوات عليه، لا يزال يظهر في كل موسم بلون وصورة جديدة. فهي الأخرى دخلت ماراثون تحقيق المعادلة بين الفني فيما يتعلق بالأزياء، والتجاري فيما يتعلق بالإكسسوارات، لأنها تعرف أنها دون أرباح لا يمكن أن تقاوم التيار وتبقى في الواجهة.

مجموعة «كيرينج» المالكة لـ«جوتشي» و«بوتيجا فينيتا»، و«سان لوران» وغيرها، لا تنكر أنها لا تزال تعتمد على منتجاتها الجلدية عمودًا أساسيًا لتحقيق الربح. فهي تشكل 53 في المائة من مبيعاتها، أي نحو 9 مليارات دولار أميركي حسبما أعلنته في سنتها المالية 2015، وإن كانت الأزياء الجاهزة تتقدم بخطى واثقة وتُكون كيانها التجاري الخاص، حيث جاءت في المرتبة الثانية بنسبة 16 في المائة، أي قبل الأحذية، التي قُدرت أرباحها بـ12 في المائة، وأخيرًا وليس آخِرًا الجواهر والساعات، التي سجلت 10 في المائة.